إذا كنت تملك ما يكفي من السنوات في عمرك، فلا بد أن تتذكر الجيل الرهيب الذي امتلكه فالنسيا ما بين عامَي 2000 و2005، الذي لعبَ نهائيَّين متتاليَّين في دوري الأبطال، خسر أحدهما أمام مواطنه ريال مدريد والآخر أمام بايرن ميونخ الألماني، فازَ بالدوري بطريقة أسطورية عام 2004، وفاز بكأس الدوري الأوروبي بمسمّاه الحالي.
بالطبع كان جيلًا ذهبيًّا بامتياز: كلاوديو لوبيز، منديتا، إيمري، أنغولو والعملاق كانيزاريس في الحراسة.. ماذا حصل بعد ذلك؟ دخل النادي في متاهة مالية ألزمته بيع نجومه لتجنُّب إعلان الإفلاس، غابَ عن البطولات، ولا يزال يعاني حتى الآن.
برشلونة.. في الطريق نحو الهاوية
لم تكن خسارة برشلونة أمام بايرن ميونخ في دوري الأبطال في الكامب نو أمرًا مفاجئًا، لكن ما لم يكن متوقعًا هو طريقة لعب الفريق الدفاعية، والأغرب منها ردة فعل المدرِّب: هذا ما لدينا!
بالطبع كانت أي إدارة لتطرد المدرِّب بعد هذا التصريح المستهتِر عقب خسارة تاريخية، لكنها ببساطة لا تستطيع، لأن النادي كله يعيش في حلقة مفرغة لن يستطيع الخروج منها ولو جزئيًّا إلا في العام المقبل، ولن يتعافى منها إلا بعد بضعة سنوات.. كيف ذلك؟
حتى ما قبل رحيل ميسي، كان النادي يعيش كارثة مالية كبيرة، حيث في عام 2020 أعلن برشلونة أن سقف رواتبه الرياضية 656 مليون يورو، وتنصُّ قوانين رابطة الدوري الإسباني على أنه لا يمكن لأي نادٍ إسباني التسجيل في الدوري إن تجاوز الحد الأقصى للرواتب المحدد من قبلها.
في حالة برشلونة فإن المبلغ هو 348 مليون يورو في موسم 2020-2021، غير أن النادي تجاوزه في نهاية الموسم الماضي، علمًا أنه أقل بكثير من المبلغ الخرافي في الموسم السابق والذي بلغَ 671.4 مليون يورو، لذا لم تتسامح رابطة الدوري مع المزيد من الفشل المالي.
أدّت فترة الرئيس السابق جوزيف ماريا بارتوميو إلى تبذير مالي كبير، وسوء إدارة فظيع على المستوى الرياضي والفني، لتتحول المشكلة إلى معضلة مركّبة من جانبَين: فني ومالي.
في المقابل، أقرّ لابورتا أيضًا أن مجمل رواتب النادي مع ميسي بلغت 110% -لا يتم احتساب الضرائب هنا-، ولكن حتى مع وجود الأرجنتيني خارج كاتالونيا، كان من الممكن أن ترتفع كثيرًا هذه النسبة لتصل إلى 95%، وهو أمر لا يمكن للنادي الكاتالوني تحمُّله.
لا تكمن المشكلة هنا فحسب، أدت فترة الرئيس السابق جوزيف ماريا بارتوميو إلى تبذير مالي كبير، وسوء إدارة فظيع على المستوى الرياضي والفني. ليس موضوع الحديث هنا عن اختيارات المدرِّبين أو غيرهم، لكن بارتوميو ألزمَ النادي بعقود ثقيلة يستحيلُ معها إصلاح الأوضاع مباشرة أو حتى خلال سنة أو سنتَين، لتتحول المشكلة إلى معضلة مركّبة من جانبَين: فني ومالي.
البداية.. من لويس إنريكي
بعد الخماسية الشهيرة للنادي عام 2015، كان واضحًا أن الفريق يسير في طريق الانحدار، فقد بدأ اللاعبون يتمردون على المدرِّب لويس إنريكي، وماذا فعلت الإدارة بخصوص هذا الأمر؟ قالت له: “اذهب للجحيم!”، ومنذ تلك اللحظة واللاعبون هم من يتحكم بالأمور لا المدرِّب.
أعقب إنريكي المدرب إرنستو فالفيردي القادم من بلباو، وبالطبع اسم برشلونة لوحده كان كبيرًا عليه.. ورغم تحقيقه بطولتَين للدوري، لكن كانت فترته مصاحبة للهزائم التاريخية والأداء الانهزامي في دوري الأبطال، إضافة إلى غياب الرؤية الفنية، لكن كيف تصرفت الإدارة مجدّدًا أمام الغضب الجماهيري؟ المزيد من التعاقدات غير المجدية!
بعد بيع نيمار بقيمة 222 مليون يورو، تعاقدَ النادي مع لاعبين مثل عثمان ديمبيلي وفيليبي كوتينهو مقابل 300 مليون يورو لكليهما، ولم تكن قيمة انتقالهما وحدها المبالغ به، بل راتباهما أيضًا، حيث بلغ راتب عثمان ديمبيلي 12 مليون يورو، وراتب كوتينهو 10 مليون يورو، أضف إلى القائمة لاعبين ذوي عقود عالية دون إضافة حقيقية، مثل: غريزمان، أومتيتي، سيرجيو روبيرتو، جيرارد بيكيه، سيرجيو بوسكيتس وغيرهم.
مع مجيء لابورتا، “الذهبي” كما يطلق عليه مشجِّعو البارسا، كان ينتظَر منه معجزة مشابهة لتلك التي حصلت عام 2004، حين انتشلَ النادي وأعاده إلى مصافّ الكبار.
على سبيل المثال، لم يستفد برشلونة من أومتيتي -الذي يبلغ راتبه 12 مليون يورو- شيئًا، أيضًا سيرجيو روبرتو وسيرجيو بوسكيتس أصبحا عبئًا على النادي، حيث يبلغ راتباهما مجتمعَين 25 مليون يورو بعد تجديد عقدَيهما. كل هذا يحصل وسط غياب أي تخطيط حقيقي، فغريزمان مثال واضح على عدم وجود أي رؤية فنية للإدارة، لا يعلم أحد لماذا تمّ استقدامه، وطوال عامَين قضاهما في البارسا، لم يستطع إيجاد مكان له في التشكيلة، لأن التشكيلة ببساطة لا تعتمد على هذا النوع من اللاعبين.
مع مجيء لابورتا، “الذهبي” كما يطلق عليه مشجِّعو البارسا، كان ينتظَر منه معجزة مشابهة لتلك التي حصلت عام 2004، حين انتشلَ النادي وأعاده إلى مصافّ الكبار، وفي سبيل الفوز بالانتخابات أطلق لابورتا وعودًا كثيرة، لم يرَ منها مشجِّعو البارسا شيئًا وتلك طبائع الأمور حين ترث تركةً كالتي خلّفها بارتوميو.
أحلاهما مرّ: بيع ميسي.. أو الإفلاس
حين وصل لابورتا، كان الرجل واقعيًّا وعارفًا لما يفعل، لم يكن هناك مجال لتسجيل ميسي أصلًا حتى مع تخفيض راتبه بنسبة 50%، النادي كان أشبه ببالون يمكن أن ينفجر هذا الموسم أو الذي يليه. تفاجأت الجماهير أولًا برحيل ميسي، ما اعتبروه مخالفة لوعود لابورتا، وكأن على لابورتا أن يبدأ حملته الانتخابية بالقول إن أول ما سيفعله هو التخلّي عن أسطورة النادي بافتراض أن هذا ما كان ينوي فعله.
كان لابورتا أمام وضع حرج، وقال في أحد المؤتمرات الصحفية إن النادي يدرس إقالة كومان إذا كانت هناك إمكانية لذلك، بعدها خرج ليقول إن النادي يضع ثقته في كومان، وبالطبع نعلمُ أن العبارة المحذوفة من التصريح هي أن النادي لا يستطيع الآن دفع 12 مليون يورو قيمة كسر العقد معه، مثلما أنه لا يستطيع دفع قيمة كسر عقد أومتيتي ولا روبيرتو ولا بوسكيتس ولا بيكيه، فضلًا عن غريزمان وكوتينهو وديمبيلي المصاب منذ ما قبل الثورة الفرنسية.
اللاعبون يعرفون أنه مهما بلغت درجة سوء أدائهم، لا يوجد عواقب لذلك، يعرفون ذلك حين اضطرَّ النادي لتجديد عقودهم برواتب منخفضة لأنه مضطر لتسجيل بعض اللاعبين.
بعد الخسارة مع بايرن ميونخ في الكامب نو بثلاثية نظيفة، توقّعت الجماهير إقالة كومان بعد الأداء الباهت الذي لم يقدّمه برشلونة حتى في أسوأ أحواله مطلع القرن الحالي، وبالطبع لا يستطيع النادي إقالته، وهو يعلم ذلك مثلما يعلمه جميع اللاعبين، ما يعني أن لا الإدارة الفنية ولا إدارة الفريق قادرتان على تغيير الوضع طالما أن الفريق يمسك النادي من اليد التي تؤلمه.
اللاعبون يعرفون أنه مهما بلغت درجة سوء أدائهم، لا يوجد عواقب لذلك، يعرفون ذلك حين اضطرَّ النادي تجديد عقودهم برواتب منخفضة لأنه مضطر لتسجيل بعض اللاعبين، رغم أن البارسا بدأ بالتعافي تدريجيًّا بعد قرضٍ من بنك غولدمان ساكس، لكن أمامه استحقاقات مالية مستعجَلة لن تمكّنه من امتلاك اليد الطولى على هؤلاء اللاعبين إلا حين تقترب رواتبهم من الانتهاء أو يوشك بعضهم أن يعتزل، مثل بوسكيتس وبيكيه.
وحتى ذلك الحين، سيبقى البارسا مريضًا تحت العناية المركزة للابورتا، الذي لم يكن أمام خيار آخر إلا سحب مقبس أوكسجين البارسا المالي، وجعله في مصافّ الأندية شبه الميتة.. فالنسيا أنموذجًا!