ترجمة حفصة جودة
فوق مجموعة منازلها وقمم جبال هندو كوش، كانت سماء كابل الزرقاء مزدانة يومًا ما بعدد لا نهائي من الطائرات الورقية الملونة، يطيرها الأطفال من فوق قمم التلال أو أسطح المنازل، بعد أن استولت طالبان على العاصمة الأفغانية كابل منذ شهر، اختفت تلك الطائرات.
وبينما تمكن أكثر من 100 ألف شخص من الفرار من مستقبل البلاد المبهم – عبر الإجلاء من المطار الدولي – فهؤلاء الذين ما زالوا هنا يصارعون الواقع الجديد، استولت طالبان سريعًا على أفغانستان في هجوم عنيف استمر فقط عدة أسابيع قليلة وشهد استسلام أو فرار الكثير من الجيش الأفغاني، في النهاية دخلت الجماعة المسلحة كابل دون كثير من القتال بعد أن فرّ الرئيس أشرف غني والكثير من وزراء حكومته.
دمرت 40 عامًا من الحرب أفغانستان وسببت المعاناة والموت والفقر الواسع، والآن تمكنت الجماعة المسلحة التي جاءت أمريكا لهزيمتها من العودة مرة أخرى للحكم، تقول الرسالة المرسومة على أحد الجدران المدمرة في وسط المدينة “تمكنت أمتنا بفضل الله من هزيمة أمريكا”، وهو أحد شعارات طالبان الجديدة التي حلت محل الجداريات الملونة التي زينت كابل من قبل.
خلال العقود الماضية فاز الشعب الأفغاني بالقليل لكنه خسر الكثير، فمرة أخرى اضطر الكثيرون للفرار من بلادهم، والآن يعيشون مبعثرين بين القارات تاركين خلفهم حياتهم المستقرة ووظائفهم – التي يعتزون بها حتى وسط الحرب – وبادلوها بمستقبلٍ يصبحون فيه لاجئين.
إن قلوبهم تحن للوطن، لكن العديد من الأفغان لا يتخيلون مستقبلًا تحت حكم طالبان مرة أخرى، فهو يذكرهم بنظام الجماعة المتشددة في أثناء حكمهم من 1996 حتى 2001.
لم تحظر الإمارة الإسلامية تعليم النساء، لكن تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة من الذكور بالكامل، أظهرت التفاصيل المتعلقة بالقيادة المستقبلية للبلاد: لا يمكن للنساء الدراسة مع الرجال والموسيقى محظورة، أما وزارة نشر الفضيلة ومنع الرذيلة فقد عادت.
شوهدت طالبان تتجول في المدينة حيث يزور مقاتلوها حديقة الحيوانات وحدائق الملاهي ويأكلون الآيس كريم بجانب الطريق بينما يحملون البنادق على أكتافهم، يقول البعض إنهم جاءوا من محافظات ريفية للسياحة في المدينة بينما أحضر البعض أطفالهم، لقد وقفوا في مجموعات لالتقاط الصور الذاتية وكانوا متحمسين ومبتهجين لاستكشاف المدينة.
استُبدل علم أفغانستان بالشعار الأبيض للإمارة الإسلامية، وأصبح الأطفال يبيعون الشعار الجديد وسط حركة المرور الكثيفة بالمدينة حيث يطلبون من سائقي السيارات فتح شبابيكهم ويطلبون القليل من المال مقابل الشعار الجديد.
خرجت النساء في الشوارع للتظاهر ضد الحكم الجديد في عدة أنحاء بالمدينة، فطالبوا بحقهم في العمل والتعليم، تحولت بعض المظاهرات للعنف عندما ضرب مقاتلو طالبان النساء وسط الحشود واعتقلوا الصحفيين وجلدوهم بالسوط.
بينما يقول سكان كابل إن الأمن في المدينة قد تحسن – حيث كانت تعاني من انفجارات منتظمة وقنابل مغناطيسية مثبتة على السيارات وقتل مستهدف – فإن الكثيرين يخشون من ارتفاع مستوى الفقر، ففي أحد أسواق كابل الرئيسية شُوهدت النساء يبعن ذهبهن في محاولة للحصول على مال للإنفاق على عائلاتهن.
تعاني الأمة من ضائقة مالية، بينما تحذر الأمم المتحدة من أن 97% من الأفغان سيغرقون في الفقر بحلول وسط العام المقبل، ومع رحيل قوات الولايات المتحدة والناتو، فإن الكثير من المساعدات الأجنبية ستتوقف، ورغم ذلك تعهد المانحون هذا الأسبوع بدفع مليار دولار إضافية كمساعدات للبلاد.
في ضواحي كابل تقول عائشة نوابي – 62 عامًا – من منزلها الطيني الجدران المحاط بأشجار التفاح وتتذكر حكم طالبان السابق جيدًا: “بالطبع لم يتغيروا”، تشعر نوابي بالقلق لكنها ليست يائسة، فقد تغيرت أفغانستان خلال العقود الماضية كما تقول، وازداد الالتحاق بالتعليم والوصول إلى التكنولوجيا وانفتحت البلاد.
تقول عائشة: “هذه المرة لن تنحني النساء، هذه المرة سنقاتل من أجل مستقبل أفضل، أعتقد هذه المرة أن أفغانستان بأكملها لن تعود للوراء، سنتمسك بذلك”.
المصدر: الغارديان