ظهرت المؤشرات الأولية لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الكونجرس الأمريكي بالفوز المتوقع للحزب الجمهوري الأمريكي بأغلبية المقاعد ليعززوا تواجدهم في مجلس النواب بالأغلبية، كذلك التأهل لانتزاع 6 مقاعد بمجلس الشيوخ لتحقيق الأغلبية في هذه الغرفة الأخرى.
تأتي هذه الانتخابات في ظل حالة من عدم الرضا تنتاب الأمريكيين عن مجلس النواب صاحب الأغلبية الديمقراطية وعن إدارة البلاد المتمثلة في الرئيس الأمريكي الديمقراطي “باراك أوباما” والتي دأب الجمهوريون في دعايتهم في الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب على إثبات تراجع الشعبية الخاصة بأوباما وهو ما أكدته نتائج انتخابات حزبه الأخيرة.
في حين أظهرت استطلاعات الرأي المنشورة قبيل العملية الانتخابية أن الجمهوريين سيكونون الأوفر حظًا في الانتخابات هذه المرة، فقد أعطى موقع “فايف ثيرتي أيت” للجمهوريين نسبة 74% للفوز فيما رجحت “نيويورك تايمز” فوزهم بنسبة 70% و”هافينجتون بوست” بنسبة 75%، فالجميع توقع انتصارهم.
الصورة: توقع واشنطن بوست لنتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس
بينما تلعب نتائج هذه الانتخابات دورًا هامًا في الفترة المتبقية من الولاية الأخيرة للرئيس الأمريكي باراك أوباما، على أن الرجل كان يتمنى فوزًا ديمقراطيًا يعضد من سياساته في الإدارة التنفيذية، ولكن الانتخابات جرت بغير إرادة الديمقراطيين وجاءت الغرف التشريعية الأمريكية إلى ملعب الحزب الجمهوري الذي لطالما اعترض على سياسة أوباما التنفيذية بشأن عدة قضايا كانت أبرزها السياسة الخارجية الأمريكية.
وبالإشارة إلى السياسة الخارجية الأمريكية التي هي صلاحية أصيلة في يد أوباما الذي يترأس الجهاز التنفيذي الأمريكي من البيت الأبيض، فإن ثمة مؤشرات أخرى تؤكد على أن الغرف التشريعية الأمريكية ستشكل ضغطًا وتوجيهًا للسياسة الخارجية الأمريكية بعد فوز الجمهوريين في الانتخابات الأخيرة لأنه من المعتقد أن ثمة تفاهمات ستجري بين أوباما والحزب الجمهوري حتى يستطيع استكمال مدته الرئيسية دون عوائق جمهورية كبيرة، وهو ما يمكن أن يطلق عليه أن مقايضة سياسية ستحدث بأي حال من الأحوال ما بين الشئون الداخلية الأمريكية والشئون الخارجية.
هناك أيضًا اللاعب الإسرائيلي الذي يترقب ما ستسفر عنه النتائج العملية في تغيير السياسات الأمريكية، ويبدو أن “نتينياهو” رئيس الوزراء لدولة الاحتلال الإسرائيلي يعول على الفوز الجمهوري ليحد من المواجهة مع الرئيس أوباما الذي بالطبع كان يتمنى فوزًا ديمقراطيًا يعزز من موقفه أمام إسرائيل بشأن عملية السلام.
أما الخارجية الأمريكية فترفض تسييس موقفها، مشيرة إلى أن لديها سياسة مستقلة لا تتأثر بالانتخابات.
وفي ذلك يرى أستاذ القانون الدولي في جامعة إلينوي “فرانسيس بويل” في تصريحات إعلامية له: أنه لا يعتقد بأن ثمة تغيير جذري سيحدث في السياسات الخارجية الأمريكية لأن هناك مجموعة من السياسيين ذوي توجهات معينة يسيطرون على الحزبين الجمهوري والديمقراطي وعلى الكونجرس وعلى الجي ستريت ومنظمة الأيباك والخارجية والبيت الأبيض كذلك؛ لذا لن تتغير السياسة الأمريكية بأي حال من الأحوال عن المتعارف عليه فيما يخص القضايا المحورية الخارجية.
أما عن الوضع الخارجي فقد يرى البعض أن أوباما سيضطر إلى الجنوح ناحية السياسة الخارجية نتيجة التقييد الذي سيحدث له في الداخل.
بالعودة للإسرائيليين فقد يرى البعض في الدولة الإسرائيلية الفرصة سانحة للضغط على إدارة أوباما مثلما حدث في تسعينيات القرن الماضي في مشهد مماثل في عهد “بيل كلينتون” عندما استعاد الجمهوريون الكونجرس الأمريكي؛ ما أتاح لهم الضغط على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، ولكن هذا الأمر متعلق بالسياسة تجاه القضية الفلسطينية وفقط، أما عن التغير الجذري في القضايا الخارجية الأخرى فيتسبعده البعض.
لكن هناك رأيًا أخرى قد ظهر بالحديث عن سياسة الجمهوريين المتشددة تجاه الشرق الأوسط والتي خفف أوباما من وطأتها في الأعوام السابقة قد تدفع في اتجاه تورط عسكري في الشرق الأوسط والاتجاه المحتمل في سوريا وهو ما ستجيب عنه الأيام القادمة، ولكن هذه الفرضية ترددت بالفعل في أوساط جهادية عقب ظهور النتائج الأولية للانتخابات.
وبالنسبة للسياسات الداخلية الأمريكية فقد لعب الجمهوريون على هذه النغمة كثيرًا أثناء دعايتهم الانتخابية محملين أوباما التعثر الاقتصادي الواضح للولايات المتحدة وأزمة الضرائب التي تسيطر على الأحاديث الاقتصادية الأمريكية، كذلك التنديد بتكلفة نظام التأمين الصحي الجديد الباهظة، بحسب وصف الجمهوريين للنظام الصحي الجديد المعروف باسم “أوباما كير”.
وفي خطوة استباقية للانتخابات فقد دعى البيت الأبيض مجموعة من زعماء مجلسي النواب والشيوخ لاجتماع من أجل التوصل إلى تسوية بشأن قضايا خلافية عالقة مثل ضريبة الإصلاح والمفاوضات التجارية وذلك كخطوة لإيجاد أرضية مشتركة قبيل أي صدام متوقع بعد الانتخابات وهو ما فسره البعض على أنه “انعدام ثقة” من قبل أوباما في إمكانية تحقيق حزبه نتائج في الانتخابات، وهو ما عبر عنه في تصريحاته التي أكد فيها أن الانتخابات التي ستجري هذا العام صعبة للديمقراطيين، حسبما نشرت صحيفة الجارديان البريطانية.
كذلك أكد زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ “ميتش ماكونيل” عقب فوزه أنه لا يمكن أن يستمر الصدام مع البيت الأبيض “أبديًا” وإنما لابد من إيجاد صيغة للعمل معًا، بحسب تصريحاته لقناة فوكس نيوز الأمريكية.
وهو ما قد يراه البعض محاولات أيضًا للتوافق من جانب الجمهوريين على الرغم من أن الشكل الحالي لمجلس الشيوخ والكونجرس تحت أغلبية جمهورية، لكن الجمهوريون يعلمون جيدًا أن الديمقراطيين يملكون 40% من الأصوات وهي النسبة المطلوبة لتعطيل أية مشاريع قوانين جمهورية غير متفق عليها.
كذلك ما يعزز من فرضية عدم لجوء الجمهوريين للصدام مع أوباما هو معرفتهم بأن الشارع الأمريكي غير راضٍ عن أداء نواب الكونجرس في الفترة الماضية وهو ما أظهرته استطلاعات رأي بأن 79% من الأمريكيين لا يوافقون على طريقة عمل الكونجرس وهو بالطبع تحت إدارة الأغلبية الجمهورية؛ لذلك فإن الجمهوريين يعلمون أن ثمة غضب من إدارة البيت الأبيض والكونجرس أيضًا.
وبعد أن عاد “شبح الحرب على الإرهاب” مجددًا إلى الصورة فإن الأمريكيين متخوفون من التورط في حروب خارجية تعيد إلى الأذهان أجواء 11 من سبتمبر، حيث طغى الحديث عن تنظيم الدولة الإسلامية والمخاوف منه وهل إدارة أوباما قامت بالاحتياطات الكاملة لمنع حدوث أية أعمال إرهابية في الداخل الأمريكي، كذلك هل أن الضربات الجوية لتنظيم الدولة بمثابة ردع كاف للتنظيم الذي يتمدد في الشرق الأوسط، كل هذه المحددات ستتضح أكثر مع إدارة الجمهوريين للغرف التشريعية الأمريكية، حيث يميل بعض الجمهوريين لإجراءات أكثر حسمًا لكنهم لم يسموها حتى الآن على عكس إدارة أوباما الحذرة تجاه التدخل في أية أعمال عسكرية بعد الانسحاب من مستنقع الحرب في أفغانستان والعراق وهي الإجراءات التي رحب بها الداخل الأمريكي ولكن مع ظهور القلق من التطورات الجديدة، كذلك ظهر جليًا حذر الإدارة الأمريكية في هذا الصدد بعد تراجع أوباما عن تدخلات في سوريا ضد نظام بشار الأسد بعدما أقر بنفسه بضرورة معاقبة نظام الأسد على استخدامه لأسلحة كيميائية ضد الشعب السوري.
كذلك قضية العراق والانهيار الأمني في العراق وفشل الإدارة الأمريكية في معالجته، وهو الأمر نفسه المطروح في ليبيا، حيث إن الإدارة الأمريكية متهمة بالتململ في ليبيا حتى وصلت الأوضاع لما هي عليه.
هذه خلافات واضحة بين الحزبين بسبب إثارة الفزع لدى الشعب الأمريكي بالطبع لمصالح انتخابية؛ وهو ما قد يؤدي إلى توافقات لعبور مرحلة أوباما الحالية
ويوضح أيضًا أن السياسية الخارجية الأمريكية من الممكن أن تتراجع بشأن قضايا معينة بالشرق الأوسط وأن تختلف تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي نتيجة استثمار تل أبيب لانتصار الجمهوريين، لكن المجمل عامة في السياسة الخارجية الأمريكية أنها ستحتفظ بخط أقل حدة تجاه الشرق الأوسط لحين رحيل أوباما عام 2016، حيث من الممكن إعادة صياغة السياسات الأمريكية بين الحزبين الحاكمين في الولايات المتحدة في ظل انتخابات تنافسية جديدة يرى الجمهوريون أنفسهم هم الأوفر حظًا فيها، كذلك في ظل تطورات هي الأعنف في الشرق الأوساط منذ زمن.