توفي وزير الدفاع المصري الأسبق، المشير محمد حسين طنطاوي (31 من أكتوبر/تشرين الأول 1935- 21 من سبتمبر/أيلول 2021)، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة سابقًا، عن عمر يناهز 85 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، بحسب وسائل إعلام مصرية، تاركًا خلفه إرثًا من الجدل حيال تلك الفترة التي شهدتها البلاد تحت ولايته.
يعد طنطاوي أحد أكثر جنرالات مصر المؤثرين في المشهد السياسي خلال السنوات الأخيرة، وخزينة أسرار الدولة المصرية خلال ثورة يناير/كانون الثاني 2011، كونه ترأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أدار البلاد في مرحلة ما بعد إسقاط الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
كان وزير الدفاع الراحل الحاضنة العسكرية الأبرز للرئيس المصري الحاليّ عبد الفتاح السيسي، وهو ما عبر عنه الأخير أكثر من مرة، وترجمه إلى بعض القرارات والإجراءات التي عكست عمق العلاقة بين الرجلين، إذ كان أبرز الداعمين له نحو الطريق إلى القصر الجمهوري بعد أحداث 30 من يونيو/حزيران 2013.
عُرف عنه قربه الشديد من مبارك، ثم انقلب عليه، منحازًا للثورة بعدما قال الشعب كلمته، لكن سرعان ما غرد خارج السرب الثوري، متجاهلًا العديد من الأحداث المحورية في مسيرة المصريين، وغاضًا للطرف عن المحاكمات الثورية المتوقعة حيال رموز نظام مبارك، وصولًا إلى دعمه الكامل لدولة ما بعد الـ3 من يوليو/تموز 2013.
تاريخ عسكري حافل
تخرج طنطاوي – المولود لأب نوبي في القاهرة في الـ31 من أكتوبر/تشرين الأول 1935 – في الكلية الحربية عام 1956 ثم كلية القيادة والأركان، شارك في حرب 1967 ثم حرب العاشر من رمضان/السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، إذ كان قائدًا لإحدى الوحدات المقاتلة بسلاح المشاة.
حصل بعد الحرب على نوط الشجاعة العسكري، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته، ملحقًا عسكريًا لمصر لدى بعض الدول، البداية كانت في باكستان عام 1975، وهنا بدأ يبزغ نجمه لدى حسني مبارك الذي تولى الرئاسة عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981.
خلال السنوات العشرة الأولى من حكم مبارك، تدرج طنطاوي في المناصب القيادية العسكرية بسرعة كبيرة، فتولى قيادة الجيش الثاني الميداني عام 1986، ثم قيادة الحرس الجمهورية عام 1988، حتى تم اختياره وزيرًا للدفاع عام 1991 بعد ترقيته لرتبة فريق، ثم فريق أول، وحصل على رتبة مشير بقرار جمهوري عام 1993.
نجح طنطاوي في الإمساك بورقة الجيش كإحدى الأدوات المحورية لدعم نظام مبارك، في الوقت الذي كانت تعاني فيه وزارة الداخلية وقواتها الشرطية من خلخلة وهزات بين الحين والآخر، وهو ما زاد من مكانة طنطاوي لدى الرئيس الأسبق الذي قربه منه بصورة لم يحظ بها جنرال سابق.
ثورة يناير والإطاحة بمبارك
ومع اشتعال الثورة، كان طنطاوي ومعه رئيس الأركان سامي عنان، رفقة مبارك ومدير جهاز المخابرات – آنذاك – عمر سليمان، الذي اختفى بعد ذلك في ظروف غامضة، مصطفين إلى جوار النظام الأسبق داخل غرفة عمليات واحدة لمتابعة تطورات المشهد التي كانت تتسارع بصورة غير متوقعة.
وفي تطور لافت عكس الكثير من الدلالات وبعث بحزمة رسائل متضاربة، زار طنطاوي ميدان التحرير بوسط القاهرة، محل اعتصام الثوار، وذلك في الـ4 من فبراير/شباط 2011، وهي الزيارة التي فسرها المعتصمون وقتها بأنها إعلان شبه رسمي عن دعم الجيش للمطالب المرفوعة التي كان على رأسها “إسقاط النظام”.
وبعيدًا عن دوافع تلك الزيارة (التي ربما يتصدرها رغبة جنرالات الجيش في الإبقاء على منظومة الحكم داخل القوات المسلحة في ظل ما كان يتردد بشأن مخطط التوريث لصالح جمال مبارك) والانحياز المبدئي للثوار الذين نجحوا في فرض كلمتهم بعد سيطرتهم شبه التامة على المشهد، نجح المشير في كسب ثقة المحتجين، وهو ما سمح له بعد ذلك بالحصول على دعم الثوار في تولي رئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي أدار البلاد بعد تنحي مبارك في 11 من فبراير/شباط 2011.
كان الإبقاء على طنطاوي في منظومة الحكم الجديدة حتى بعد تولي محمد مرسي الحكم في الأول من يوليو/تموز 2012 مثار جدل لدى قطاع كبير من الثوار، لكن موقف الرجل خلال فترة الثورة وانحيازه للشارع، هدأ من حالة الغضب التي اجتاحت البعض وقتها، رغم وقوع العديد من الحوادث في عهده سواء على الحدود أم في الداخل.
وفي الـ12 من أغسطس/آب 2012 أحال مرسي وزير دفاعه للتقاعد، رفقة رئيس الأركان، على خلفية الهجوم على نقطة تابعة لحرس الحدود المصري بحي الماسورة في مدينة رفح المصرية، وقد أسفر الهجوم عن مصرع 16 جنديًا مصريًا وإصابة 7 آخرين بجروح، ليعينهما مستشارين له.
في تلك الأثناء خرجت العديد من التسريبات أن ترشيح اللواء عبد الفتاح السيسي، مدير المخابرات الحربية وقتها، لمنصب وزير الدفاع، كان بتوصية من طنطاوي بعد إحالته للتقاعد، الأمر الذي أثار العديد من علامات الاستفهام وقتها، التي تكشفت إجاباتها بعد فوات الأوان.
وقُدم في عهده – الذي شهد وقوع العديد من أحداث القتل التي أثارت الرأي العام -، مبارك ورموز نظامه للمحاكمة، بناء على مطالب ثورية بالتطهير ومحاسبة المتورطين في إفساد البلاد على المستويات كافة، لكنها المحاكمات التي لم تسفر عن أي مساءلات أو عقوبات، لتنطلق تحت ولايته فعاليات مهرجان البراءة للجميع، وهو المهرجان الذي كشف النوايا الحقيقية إزاء الثورة والنظام الأسبق.
دوره في عزل مرسي
الحديث عن دور طنطاوي في الإطاحة بمرسي والتمهيد لقدوم عبد الفتاح السيسي وزيرًا للدفاع ثم رئيسًا للدولة ظل محتكرًا مساحة كبيرة من خريطة التناول الإعلامي بعد 2013، لكن سرعان ما خفت رويدًا رويدًا بعد ذلك، غير أن ثناء السيسي، بعد تعيينه وزيرًا، على طنطاوي خلال تسريب من إحدى الندوات الخاصة بضباط القوات المسلحة وتأكيده أن “كل ما يجري حاليًّا يرجع إليه” فتح الباب مرة أخرى أمام التكهنات بشأن الدور الذي لعبه الوزير الراحل في المشهد خلال تلك الفترة.
انقسمت الآراء بشأن هذا الدور، إذ استبعد الخبير الإستراتيجي اللواء متقاعد عبد الحميد عمران، أن يكون لطنطاوي دور فيما وقع بحق الرئيس المعزول، حتى إن أراد السيسي بتصريحه المسرب ترسيخ هذا الشعور في وجدان ضباط الجيش أو المواطنين، بحسب تصريحاته لـ”الجزيرة“، لافتًا إلى أن “السيسي استشعر خطر الظرف التي تعيشه البلاد جراء عزله لمرسي وما تبعه من قمع واعتقالات وأحداث عنف أودت بحياة مئات المصريين، فأراد تحميل المشير طنطاوي جزءًا من مسؤولية ما جرى عبر القول بأنه لو كان موجودًا في منصبه وزيرًا للدفاع لسلك نفس المسلك”.
وفي الجهة الأخرى أكد مدير مركز الدراسات المستقبلية والإستراتيجية اللواء عادل سليمان، أن طنطاوي كانت له اليد الطولى فيما جرى ويجري منذ 3 من يوليو/تموز 2013، لافتًا إلى أن عملية الإطاحة به وبعنان كانت بالتوافق من أجل تعبيد الطريق نحو ظهور وجه جديد يحظى بثقة مرسي حتى يطمئن إليه.
واختتم الخبير العسكري حديثه بالإشارة إلى أن “طنطاوي سعى جاهدًا لإبقاء نظام يوليو 1952 بحيث يظل مستعدًا للقفز على السلطة متى سمحت له الظروف، وهو ما حدث عقب تظاهرات 30 من يونيو/حزيران 2013″، فيما ذهب الصحفي عمرو بدر، عضو تنسيقية 30 يونيو سابقًا، إلى أن “طنطاوي ربما يكون له دور فيما بعد عزل مرسي وليس فيما قبله”.
علاقته بالسيسي
يعد السيسي تلميذ طنطاوي داخل العسكرية المصرية، لذا يكن له كل احترام وتقدير واعتراف بالجميل، إذ أثنى عليه السيسي بعد وصوله لكرسي الحكم أكثر من مرة، فيما أمر بوضع اسمه على بعض المنشأت في البلاد، تكريمًا له، وهو الأمر الذي يشير – بحسب البعض – لعلاقة قوية كانت سببًا رئيسيًا في ترسيخ الوضع الراهن.
طنطاوي هو من اختار السيسي قائدًا للمخابرات الحربية وعضوًا بالمجلس العسكري في نهاية عهد مبارك، رغم أن اسم السيسي لم يكن مطروحًا في ذلك الوقت مقارنة بغيره من قادة الأفرع والوحدات الإستراتيجية داخل المؤسسة العسكرية، غير أن ضبابية الأجواء وقتها ما كانت تسمح بتأويلات موضوعية وقراءات متأنية للاختيارات حينها.
ومع الحديث عن ترشيح السيسي للانتخابات الرئاسية في 2014 – رغم تأكيده عدم خوضها قبل ذلك – كان طنطاوي أبرز الداعمين له، حتى بعد تفكير رئيس الأركان الأسبق سامي عنان، بخوض تلك الانتخابات، كان المشير أبرز المعارضين، مطالبًا عنان بالتراجع عن هذا القرار، الذي كان يعتبره الجنرال الراحل مفتتًا لوحدة المؤسسة العسكرية في مسار استعادة الحكم مرة أخرى.
ويدين السيسي لطنطاوي بالفضل في تربعه على رأس هرم السلطة في مصر، لذا كان على قائمة الحضور في كل الفعاليات والمناسبات التي يشارك فيها الرئيس خلال السنوات الماضية، وطالما تشارك الطرفان الثناء المتبادل، الذي وصل إلى توصية طنطاوي على فراش الموت بدعم السيسي والوقوف خلفه كما ذكر موقع “القاهرة 24” المصري.
دماء المصريين.. اتهامات بالجملة
رغم تاريخه العسكري المشرف ومشاركته في الحروب الفيصلية التي خاضتها القوات المسلحة المصرية ضد العدو الصهيوني، فإن الفترة التي تولى فيها طنطاوي رئاسة المجلس العسكري عقب تنحي مبارك كانت مثار لغط وجدل كثير، أوقعه في مرمى الاتهامات والانتقادات الشديدة.
كثير من النشطاء حملوا طنطاوي مسؤولية سقوط أكثر من 600 شهيد مصري في أحداث متفرقة وقعت خلال توليه إدارة شؤون البلاد، أبرزها أحداث ماسبيرو ومجلس الوزراء والعباسية ومقتل الجنود في رفح، هذا بجانب محاكمة أكثر من 13 ألف مدني أمام المحاكم العسكرية.
انتقادات حقوقية أخرى وجهت للجنرال الراحل تتعلق بالقرار الذي صادق عليه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي كان يرأسه، بإجراء كشف العذرية على الفتيات المصريات المحتجزات، وهو القرار الذي قضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة بوقفه بعد ذلك.
فيما يحمله جمهور الكرة المصري مسؤولية أحداث ستاد بورسعيد، تلك التي وقعت داخل الإستاد بمحافظة بورسعيد، مساء الأربعاء 1 من فبراير/كانون الثاني 2012 (الذكرى الأولى لموقعة الجمل) عقب مباراة كرة قدم بين المصري والأهلي، وراح ضحيتها 72 قتيلًا ومئات المصابين، تلك الأحداث التي أغلقت التحقيقات بشأنها دون معاقبة المتورطين فيها، ما كان له أثر في زيادة احتقان أهالي الضحايا، وهو ما يفسر استدعاء بعض النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي تلك المجزرة عقب إعلان وفاة طنطاوي صباح اليوم.
وقد حصل وزير الدفاع المصري الراحل خلال مسيرته على العديد من الأوسمة والأنواط العسكرية، أبرزها نوط الشجاعة العسكري من الطبقة الثانية (بعد حرب أكتوبر) ووسام التحرير ونوط الجلاء العسكري ونوط الاستقلال العسكري ونوط النصر.
هذا بخلاف عشرات الميداليات على رأسها ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة الطبقة الأولى وميدالية يوم الجيش وميدالية جرحى الحرب وميدالية العيد العاشر للثورة وميدالية تحرير الكويت وميدالية تحرير الكويت (السعودية)، بجانب عدد من الأوسمة المدنية مثل وسام الامتياز (باكستان) ووسام الجمهورية التونسية (تونس)، وأخيرًا قلادة النيل التي منحت له عام 2012.
ورغم التوثيق الحقوقي لتلك الأحداث الدامية التي تزخر بها عشرات المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، فإن السيسي حرص على تبرئة قائده الراحل من أي دماء أريقت في عهده أو بسببه أو غض الطرف عن المتورطين فيها، مشيرًا إلى أنه قاد مصر في أصعب الظروف، ليغادر طنطاوي الحياة تاركًا خلفه إرثًا من النجاحات والإخفاقات كذلك، تلك الانتهاكات لا يمكن محوها بتصريحات رد الجميل التي لا يمكنها أن تصمد طويلًا أمام الحقائق الموثقة.