افتتحت الأسواق المالية أمس الاثنين بهبوط وخسائر حادة، بعد توجُّه نظر المستثمرين إلى أزمة الديون الكبيرة التي تواجهها واحدة من أكبر الشركات العقارية في الصين والعالم، ما يزيد من مخاوف أسواق المال من سياسة الديون المتّبعة في الولايات المتحدة الأميركية.
في هذا الوقت، تسعى شركة “إيفرغراند” الصينية جاهدة لجمع الأموال لتسديد ديونها للعديد من المقرضين والمورّدين والمستثمرين، ويأتي ذلك تزامنًا مع تحذير السلطات الصينية من أن التزاماتها البالغة 305 مليارات دولار قد تثير مخاطر أوسع على النظام المالي في البلاد إذا لم يتم السيطرة عليها.
ومع تقدير أن قطاع العقارات يمثِّل أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي للصين، هناك مخاوف من امتداد الأزمة إلى الاقتصاد المحلي والعالمي، التي ألقت بظلالها بالفعل على جميع مؤشرات التداول الرئيسية بانخفاض وصل إلى 2% صباح أمس الاثنين.
أثارت الأزمة احتجاجات نادرة خارج مكاتب الشركة من قبل المستثمرين والمورّدين الذين يطالبون بأموالهم، إذ يزعمون أن الشركة مدينة لهم بما يصل إلى مليون دولار لكل مستثمر.
ما هي شركة “إيفرغراند”؟
أسّسَ رجل الأعمال هوي كا يان شركة “إيفرغراند”، المعروفة سابقًا باسم “هينغدا غروب” عام 1996 في غوانزو جنوب الصين، وتبلغ ثروة هوي الشخصية حوالي 10.6 مليار دولار، وفقًا لمجلة “فوربس”.
تمتلك الشركة حاليًّا أكثر من 1300 مشروع في أكثر من 280 مدينة في جميع أنحاء الصين، وتضمّ مجموعة “إيفرغراند” الأوسع شركات في مجالات كثيرة ومتنوِّعة مثل إدارة الثروات، وتصنيع السيارات الكهربائية، وتصنيع الأطعمة والمشروبات، حتى أنها تمتلك أحد أكبر فرق كرة القدم في البلاد، جوانجزو إف سي.
أسباب الأزمة
نمت شركة “إيفرغراند” لتصبح واحدة من أكبر الشركات في الصين من خلال اقتراض أكثر من 305 مليار دولار، وفي العام الماضي وضعت بكين قوانين جديدة تحدِّد حجم وسقف الديون على شركات التطوير العقاري الكبرى، وأدّت الإجراءات الجديدة إلى تعثُّر الشركة التي تحتاج الأموال لتمويل مشاريعها التي كان الكثير منها تحت الإنشاء، ما أجبرها على بيع عدد من عقاراتها بتخفيضات كبيرة لضمان تأمين السيولة اللازمة للحفاظ على استمرار العمل.
أدّت حالة عدم اليقين من قدرة الشركة على الإيفاء بالتزاماتها إلى انخفاض سعر سهم “إيفرغراند” بنحو 85% منذ بداية العام الحالي.
والآن، باتت الشركة تكافح من أجل تلبية دفعات الفائدة على ديونها، فقد أبلغت الشركة البنوك الكبرى (المقرضة) أنها لن تتلقّى دفعات الفائدة على القروض المستحقة، علمًا أن هناك دفعات فائدة بقيمة 84 مليون دولار على سندات الشركة مستحقة يوم الخميس القادم.
أدّت حالة عدم اليقين من قدرة الشركة على الإيفاء بالتزاماتها إلى انخفاض سعر سهم “إيفرغراند” بنحو 85% منذ بداية العام الحالي، كما جرى تخفيض تصنيف سنداتها من قبل وكالات التصنيف الائتماني العالمية.
وكنتيجة لكلِّ هذه الأنباء السلبية المتتالية، ونشوء حالة عدم يقين من قدرة الشركة على الإيفاء بالتزاماتها، تراجعت أسهم الشركة لتصل إلى 2.28 دولار هونغ كونغي (0.29 دولار أميركي) للسهم الواحد، وبذلك سجّلت الشركة انخفاضًا بنسبة 84% حتى الآن منذ بداية العام.
أدّت هذه الحالة إلى انخفاض مؤشر هانغ سنغ يوم الاثنين بنسبة 3.3٪ في أسوأ انخفاض له منذ ما يقارب الشهرَين، حيث تعرضت البنوك وشركات التأمين الصينية وشركات العقارات الأخرى لضغط شديد، ومن المتوقع أن تستمرَّ أسهم الشركة والشركات التابعة لها في الانخفاض، إذ لا تملك الشركة في الوقت الحالي أية حلول قد تساعدها على تخفيف ضغوط السيولة لديها، ولا يزال هناك الكثير من الشكوك حول ما ستفعله الشركة في حالة إعادة الهيكلة.
كيف سيؤثِّر انهيار “إيفرغراند” على الاقتصاد الصيني والعالمي؟
ثمة عدة أسباب وراء خطورة انهيار “إيفرغراند” الذي قد يكون له أثر الدومينو على الاقتصاد العالمي، وأهمها:
أولًا، اشترى الكثير من الناس عقارات من “إيفرغراند” حتى قبل بدء أعمال البناء، ودفعوا دفعات مقدَّمة ويمكن أن يخسروا تلك الأموال إذا أفلست الشركة.
ثانيًا، ثمة أيضًا قائمة طويلة من الشركات التي تتعامل مع “إيفرغراند”، بما في ذلك شركات البناء والهندسة ومورّدي المواد الذين هم معرّضون كذلك لخطر تكبُّد خسائر كبيرة وربما الإفلاس.
ثالثًا، التأثير على النظام المالي الصيني على المدى البعيد، لأن “إيفرغراند” مُدينة بأموال لحوالي 171 مصرفًا محليًّا و121 شركة مالية أخرى، وإذا تخلفت الشركة عن السداد قد تضطر البنوك والمقرضون الآخرون إلى التوجُّه لسياسة إقراض أكثر تشدُّدًا وتعقيدًا، والذي قد يؤدّي إلى ما يُعرَف بأزمة الائتمان، التي تحصل عندما تكافح الشركات لاقتراض الأموال بأسعار معقولة.
تبقى السيناريوهات المحتملة لتجنُّب كل المخاطر الممكنة على النظام المالي الصيني والعدوى العالمية في حال انهيار الشركة، مجهولة المعالم تقريبًا.
ولا شكّ أن أزمة الائتمان خبر سيّئ لثاني أكبر اقتصاد في العالم، لأن الشركات عندما لا تستطيع الاقتراض تجدُ صعوبة في النمو، وفي بعض الحالات قد لا تكون قادرة على الاستمرار في العمل والتشغيل والإنتاج، ما يثير قلق المستثمرين الأجانب الذين قد يرون في الصين مكانًا أقل جاذبية لاستثمار أموالهم.
هل ستتدخّل الحكومة الصينية لإنقاذ الشركة؟
دفعت التداعيات الخطيرة المحتملة لانهيار مثل هذه الشركة المثقلة بالديون بعض المحلّلين إلى اقتراح أن بكين قد تتدخّل لإنقاذها، وبحسب ماتي بيكينك، المحللة المسؤولة عن الملف الصيني في EIU: “بدلًا من المخاطرة بتعطيل سلاسل التوريد وإثارة غضب مالكي المنازل، نعتقد أن الحكومة ربما قد تجد طريقة لضمان استمرار الأعمال الأساسية لشركة “إيفرغراند””.
وعلى الرغم من منطقية فكرة تدخُّل الحكومة الصينية لإنقاذ الشركة، يرى آخرون أن الكفة ترجَّح لصالح عدم تدخل الحكومة، حيث يعتمدون في الطرح على هدف بكين لكبح جماح ديون الشركات، والذي كان في المقام الأول من الأسباب التي عجّلت تعثر الشركة.
إذًا، تبقى السيناريوهات المحتملة لتجنُّب كل المخاطر الممكنة على النظام المالي الصيني والعدوى العالمية في حال انهيار الشركة، مجهولة المعالم تقريبًا، ولكن من الواضح أن لدى “إيفرغراند” حاليًّا ما يزيد عن 305 مليار دولار من الخصوم، وعدم تدخُّل الحكومة الصينية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه سيسبِّب الكثير من الألم والخسائر للنظام الاقتصادي العالمي كله، وليس الصيني فحسب.