“سأبقى بلا عمل وبلا دخل أعيل به أسرتي”، هذا ما قاله المدرس السوري محمد الخليل تعقيبًا على قرار فصله من التدريس وإيقاف راتبه في المدارس التركية، لم يكن المدرس محمد وحيدًا في هذه الحالة، فأكثر من 9000 مدرس سوري تضرروا من قرار فصلهم من العمل في المدارس التركية، بدورها تقول المدرسة نور: “القرارات التي تصدر بحق المدرسين السوريين على مدار الشهور التي مضت هي إجحاف وظلم كبير من مؤسسات التعليم والتربية التركية ومنظمات الأمم المتحدة”.
المدرسان محمد ونور خلال حديثهما لـ”نون بوست” قالا إن قضية المدرسين السوريين وصلت إلى مرحلة ضبابية ولم تصدر أي توضيحات من مؤسسات التعليم والتربية التركية أو منظمة اليونسيف المسؤولة المباشرة عن المدرسين التي كانت تدعم هذه الفئة.
وفي السياق يقول الخليل: “مع كلّ أسف وزارة التربية التركية التي أصدرت القرار على شكل تسريبات كانت قد أعطت وعودًا وتطمينات بعدم فصل أي معلم قبل أسبوع من تسريب قرار الفصل وذلك على لسان معاون وزير التربية ومدير التعليم مدى الحياة في الوزارة”.
المدرسون السوريون في المدارس التركية
بدأت قصة المدرسين السوريين في تركيا مع بداية اللجوء السوري إلى تركيا بعد عام 2011، آنذاك سمحت الحكومة التركية بإقامة مراكز تعليم مؤقتة في المخيمات، ومن ثم في عام 2012 انتشرت هذه المراكز التي باتت تتبع لمنظمات وجمعيات محلية ودولية في الولايات التي تضم أعدادًا كبيرة من اللاجئين السوريين كولايات أورفا وغازي عنتاب وهاتاي وغيرها، واستمرت على هذه الحال إلى عام 2016.
في عام 2016، أطلقت وزارة التربية والتعليم التركية والاتحاد الأوروبي مشروعًا لدمج الأطفال السوريين اللاجئين في النظام التعليمي التركي، وتغطي مفوضية الاتحاد الأوروبي ميزانية هذا المشروع في إطار دعم الاتحاد للاجئين السوريين في تركيا، ويغطي المشروع 26 من الولايات التي تضم أكبر عدد من اللاجئين السوريين، وفي سبتمبر/أيلول 2017 تم إغلاق المراكز التعليمية السورية الموجودة في تركيا.
تروي المدرسة السورية نور في حديثها لـ”نون بوست” أنها تعمل في مجال التدريس منذ عام 2014، ولم تحدث أي مشاكل إلا “مشكلة الراتب القليل الذي نتقاضاه” خلال السنوات الماضية، وتضيف “بعض المشاكل التي تقف في طريقنا كانت عبارة عن مشاكل إدارية كالتي حصلت عند انتقالنا للتدريس في المدارس التركية ضمن المشروع المنفذ بين الاتحاد الأوروبي وتركيا”.
المسؤول التربوي التركي علي رضا ألتونال قال في تصريحات عام 2017: “الحكومة التركية سمحت خلال الأعوام الثلاث الأولى من اللجوء، تعليم السوريين بالطريقة التي كانت تناسبهم، سواء في المخيمات أم داخل المدن التركية، دون أي تدخل منها على اعتبار أن المسألة مؤقتة وأن اللاجئين سيعودون إلى بلادهم بمجرد انتهاء الحرب آنذاك”، مشيرًا إلى أنه “مع زيادة تعقيد الملف السوري والتدخلات الدولية، منذ العام 2014 وما تلاه، وعدم وضوح أي أفق قريب للحل في سوريا، راحت الحكومة التركية تفكر بعملية دمج الطلاب السوريين ضمن منهاجها الوطني، وهذا ما باشرت به منذ بداية عام 2016”.
بعد الانتهاء من عملية دمج الطلاب المتفق عليها، تم توزيع المدرسين السوريين البالغ عددهم تقريبًا 12 ألفًا على المدارس التركية، ووفقًا لـ”تليفزيون سوريا” فإن ثلث المدرسين السوريين تم وضعهم في مدارس “إمام خطيب” وذلك لتدريس مبادئ اللغة العربية للطلبة الأتراك مع الطلبة السوريين، أما بقية المدرسين تم توزيعهم على مختلف المدارس التركية الأخرى بصفة “مشرفين وموجهين ومترجمين ومكتبيين ومناوبين”، لعدم وجود شواغر تدريسية يعملون بها داخل المدارس.
تكفلت منظمة اليونسيف بدفع مرتبات شهرية تحت مسمى “بدل تطوع” للمدرسين السوريين منذ البدء بخطة دمج الطلبة السوريين عام 2016، كانت هذه العقود تُجدد سنويًا وبلغ بدل التطوع في السنة الأولى 900 ليرة تركية أي ما يقرب من 300 دولار وارتفع تدريجيًا بصورة سنوية ليبلغ اليوم 2020 ليرة تركية وهو ما يقارب أيضًا 300 دولار يتم تسليمها عن طريق البريد التركي.
فصل المدرسين
خلال السنة الحاليّة سرت الكثير من الشائعات بشأن مصير المدرسين السوريين في تركيا، فقد تداول المعلمون في شهر يوليو/تموز الماضي رسائل نصية قالوا إنها صدرت من مديريات التربية ومن مديري مدارسهم، يبلغونهم فيها انتهاء عقود تطوعهم مع منظمة اليونسيف والاستغناء عن خدماتهم داخل المدارس التركية.
وفي فبراير/شباط الماضي طلبت “مديرية التعليم مدى الحياة” في وزارة التربية التركية من مديريات التربية في الولايات تزويدها بمعلومات عن التحصيل العلمي وشهادة إجادة اللغة التركية للمعلمين السوريين المتعاقدين مع اليونيسف، ما أثار مخاوف المعلمين من فصلهم والاستغناء عن خدماتهم.
تلك الشائعات ما كانت إلا مقدمات لما حصل منذ أيام من تأكيد لقرار فصل 9000 مدرس سوري من عمله، إذ صدر القرار من وزارة التربية التركية يفيد بتعيين موظفين سوريين لدعم التعليم بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف والهلال الأحمر التركي، “بشرط أن يكون الموظفون المراد تعيينهم حاصلين على شهادة جامعية وأن يكونوا قد حصلوا على شهادة “B1″ في اللغة التركية وهي شهادة المستوى الثالث في مراحل تعلم اللغة التركية”.
وطلبت مديرية “تعليم مدى الحياة” من المعلمين الواردة أسماؤهم في قوائم المعينين استكمال أوراقهم الثبوتية لتسجيلها لدى الدوائر الحكومية، القوائم التركية هذه تضمنت فقط 3000 مدرس سوري من أصل 12 ألف معلم، ويعتبر هذا القرار نهاية لبرنامج منظمة اليونسيف لدعم المعلمين السوريين العاملين في تركيا وذلك بعد 5 سنوات، ونتيجة لهذا القرار تبقى هذه العوائل بلا وارد مادي يعيلها.
وعن المشكلة وآليات الحل تواصلنا في “نون بوست” مع مصطفى حاج إبراهيم مدير المكتب الإعلامي وعضو إدارة الهيئة التربوية السورية وهي هيئة تمثل الكوادر التعليمية السورية في تركيا، يقول حاج إبراهيم: “بعد حصول هيئة التربية على تطمينات في شهر أغسطس/آب تنص على بقاء جميع المعلمين السوريين صدمنا بتاريخ 10 من سبتمبر/أيلول بصدور قرار بتعيين 2500 معلم في التربية و500 معلم بالهلال دون أي توضيح عن مصير باقي المعلمين”.
أضرار كبيرة
وعن حجم المشكلة يقول حاج إبراهيم: “الأضرار كبيرة وأهمها الضرر الوظيفي، فعندما تتخلى عن معلم بعد 7 سنوات من العمل المستمر براتب لا يصل للحد الأدنى للأجور فهذه طعنة في ظهر كل معلم سوري أراد البقاء إلى جانب الطلاب السوريين في المدارس التركية”، مشيرًا إلى أنه: “الآن لدينا مئات الأرامل ومئات كبار السن والكثير تواصل معي وأراد جواب نهائي لمصير المعلمين السوريين وجميعهم سيتخلى أطفالهم عن مدارسهم وأولادهم الشباب عن جامعاتهم لتأمين لقمة العيش لأهليهم المعلمين لعدم قدرة كبار السن الدخول إلى سوق العمل”.
ويلقي حاج إبراهيم باللوم على التربية التركية والهلال الأحمر التركي في هذه القضية التي تضر بآلاف الموظفين السوريين، مضيفًا “الهيئة التربوية تواصلت مع العديد من الشخصيات التركية وشخصيات سورية لها مكانتها كالدكتور رياض حجاب والدكتور جمال أبو الورد، وأبديا كل الدعم المستطاع لخدمة المعلمين”، وأشار إلى أنهم أرسلوا كتبًا عن وضع المعلمين إلى أمير دولة قطر والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
المدرس محمد الخليل في حديثه لـ”نون بوست” أشار إلى عدة حلول يمكن للأمم المتحدة وتركيا القيام بها تجاه المعلمين المفصولين من عملهم والحل الأمثل كما يرى هو “فتح باب الهجرة إلى أوروبا بشكل رسمي لهؤلاء المعلمين”، ويقول: “مع الأسف ما زال الموضوع غامضًا حتى الآن ولم يصدر أي قرار رسمي واضح من التربية التركية أو من اليونسيف.
يقول المدرس السوري: “الهيئة التربوية السورية تواصلت منذ بداية الشهر مع معاون وزير التربية التركي وعدة مسؤولين لمحاولة تسوية الموضوع وإعادة جميع المعلمين السوريين إلى وظائفهم كونهم توظفوا ضمن برنامج دمج التعليم والتعليم يعني الطالب والمعلم معًا”.
يذكر أن وفدًا من الهيئة التقى مع مدير الحالات الطارئة ومدير “تعليم مدى الحياة” بوزارة التربية التركية، وقالت الهيئة: “بعد نقاش طويل مع مدير الحالات الطارئة في التربية تبين للوفد أن الأمور ما زالت ضبابية هناك”، مضيفة أن الجانب التركي تحفظ على إعطاء أي معلومة عن مصير المعلمين في ذلك الوقت، وبثّ عضو الهيئة التربوية طه الغازي تسجيلًا مصورًا أبدى فيه حجم الصدمة التي تلقاها المعلمون السوريون المفصولون، ومدى تأثيرها الكارثي عليهم وعلى عائلاتهم.
وطرح الغازي في الفيديو الذي نشره عدة مقترحات لتجاوز الأزمة هذه ومن أبرزها التوجه لدولة قطر وطرح إمكانية تأمين دعم مالي للمعلمين السوريين في تركيا على غرار الدعم الذي قدمته دولة الكويت لأقرانهم في الأردن، بالإضافة إلى التواصل مع دائرة الهجرة في تركيا بغية رفع أسماء من يريد من المعلمين السوريين الراغبين بالهجرة خارج تركيا وتقديم تسهيلات خاصة بهم في هذا المجال ودفع تعويض مادي للمعلمين السوريين بمثابة مكافأة نهاية الخدمة.
أخيرًا.. إن المعلمين السوريين المفصولين باتوا اليوم أقل أملًا بإعادتهم لوظائفهم بعد الإجراءات التركية والأممية التي أنهت عقودهم، لتبقى آلاف العوائل بلا معيل ولا سند، في ظل غياب رسمي لمؤسسات المعارضة السورية التي يجب أن تكون سباقة بالاهتمام بحل هذه العوائق التي تهم المواطن السوري في تركيا خاصة تلك المتعلقة بلقمة عيشه ومصروف حياته.