في مواجهة مبنى الأمم المتحدة في قلب مدينة نيويورك الأمريكية، افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، “البيت التركي”، وذلك بحضور مسؤولين دوليين بارزين على رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش الذي قال في كلمة له “إنه لمن دواعي سروري أن أنضم إليكم في افتتاح البيت التركي الجديد، والاعتراف بالتعاون الممتاز المستمر بين تركيا والأمم المتحدة”.
تزامن افتتاح البيت التركي مع الاجتماعات الدورية للجمعية العامة للأمم المتحدة، في إشارة تركية لجذب الأنظار الدولية لدور أنقرة المتصاعد عالميًا على مستويات عدّة. البيت التركي الذي افتتحه الرئيس أردوغان بالقرب من مبنى الأمم المتحدة يأتي في الوقت الذي تبني فيه تركيا سياستها العالمية في سعي واضح لوضع اسمها بين الدول المؤثرة على الساحة العالمية، خاصة وأن السنوات الماضية كانت حاسمةً لأنقرة بخوضها عدّة حروب في سوريا وليبيا وأذربيجان وانخراطها في نزاع كبير مع دول حوض المتوسط من أجل الطاقة، بالإضافة إلى تنافسها المستمر مع روسيا وإعادة تفعيل دورها مع دول آسيا الوسطى.
زهرة التوليب
يقع البيت التركي في نيويورك المدينة الأمريكية التي يقطن فيها أكثر عدد من الأتراك المتواجدين بالولايات المتحدة، واستوحى المصممون شكل البرج وتصميمه من زهرة التوليب الشهيرة في تركيا، كما زُين بالزخرفات السلجوقية والعثمانية للدلالة على التاريخ التركي والحضارات المتنوعة التي مر بها. وتم إنشاء البيت التركي بتقنيات حديثة صديقة للبيئة مكان القنصلية التركية سابقًا بمدينة نيويورك التي بقيت فاعلة حتى عام 2013.
يتألف مبنى البيت التركي من 35 طابقًا بارتفاع 171 مترًا وهو مخصص لاستضافة البعثة التركية الدائمة للأمم المتحدة بالإضافة إلى قاعات اجتماعات ومعارض ومؤتمرات ومساكن الموظفين، وقد وضع الرئيس رجب أردوغان حجر الأساس للقيام بالبناء عام 2017. تبلغ المساحة الإجمالية للمبنى نحو 20 ألف متر مربع، وبجواره ساحة الأمم المتحدة والممثل الدائم للولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة. يُذكر أن البناء القديم اشترته تركيا من أحد الشركات الأمريكية العملاقة عام 1977. ووفقًا لتقارير تركية فإن هذا المبنى يعتبر أكبر استثمارات الجمهورية العقارية في الخارج.
خلال افتتاح المبنى قال الرئيس رجب طيب أردوغان إن “المبنى الجديد للبيت التركي في نيويورك يعكس قوة تركيا المتصاعدة”، وأضاف أردوغان في كلمته في حفل الافتتاح أن “مبنى البيت التركي سيكون انعكاسًا لمكانة بلادنا في المجتمع الدولي، وهي تتجه نحو مئوية تأسيس جمهوريتنا في 2023”.
رمزٌ جديد
أوضح الرئيس التركي خلال كلمته أن المبنى “سيضم مقرات البعثة الدائمة لتركيا لدى الأمم المتحدة، وقنصليتها العامة في نيويورك، إضافة إلى ممثلية جمهورية شمال قبرص التركية في نيويورك”، مشيرًا إلى أن “هذا الصرح سيكون رمزًا جديدًا للثقل الدبلوماسي لتركيا التي تزداد نموًا وتقدمًا وقوة”.
بدا أردوغان مزهوًا بالمبنى الذي يحمل صورة التاريخ العثماني التركي ورؤية المستقبل التركي لافتًا إلى “الأهمية الرمزية لموقع البيت التركي الذي يقع مقابل مقر الأمم المتحدة”، مشيرًا إلى أن “البيت التركي هو رمز أيضًا لإيمان بلاده بالأمم المتحدة وتعددية الأطراف والعدالة والسلام”.
من جهة أخرى أكد الرئيس التركي أن “تركيا تدافع عن نظام عالمي أكثر عدلًا وشمولًا، متعدد الأقطاب والثقافات، وذلك عبر شعار العالم أكبر من خمسة في إشارة إلى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي”. الجدير بالذكر أن أردوغان لطالما طالب بإصلاح الأمم المتحدة واعتبر ذلك “ضرورة حتمية”، وفي أحد خطاباته السنة الماضية قال إن “بلاده تساهم في مساعي إصلاح نظام الأمم المتحدة، وعلى وجه الخصوص مجلس الأمن الدولي، من خلال شعار “العالم أكبر من خمسة”.
في السياق يقول الرئيس التركي دائمًا إن “انعدام العدالة هو أحد الأبعاد المهمة للمشاكل العالمية، فمجلس الأمن وغيره من المؤسسات العالمية، تفتقد للعدالة، ولا أحد يستطيع أن يقول إن الأمم المتحدة قائمة على أساس عادل”. ويُضيف إن “خمس دول فقط داخل الأمم المتحدة قولها معتبر، ومجريات العالم كله تعود لقرار هذه الدول، ولكن ألا توجد وجهات نظر مختلفة عن هذه الدول؟ هل قراراتها تشمل العالم بأسره؟ لابد من إصلاح الأمم المتحدة”.
وجهة لكل الباحثين عن العدل
بدوره قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، إن “البيت التركي بمدينة نيويورك، سيكون وجهة لكل الباحثين عن عالم أعدل” وأعرب تشاوش أوغلو عن “شعوره بالفخر إزاء مشاركته في لحظة هامة بتاريخ الخارجية التركية الممتد لـ 500 عام”، مضيفًا أن “هذا المبنى الذي يعتلي مركز الدبلوماسية العالمية يعد رمزًا جديدًا من رموز الخدمات التي قدمتها الحكومة التركية”. أشار تشاووش أوغلو إلى أن “البيت التركي المجاور لمبنى الأمم المتحدة، سيفتح أبوابه لجميع القادمين من كافة الدول والمجتمعات وأنه سيكون وجهة يقصدها بالأمل جميع الباحثين عن عالم أعدل”.
أخيرًا.. تسعى تركيا إلى تعزيز مكانتها العالمية بكافة الوسائل والأدوات وليس آخرها الصرح الدبلوماسي في نيويورك، فيما تحاول جاهدة لإنجازات اقتصادية ودبلوماسية وانتصارات على صعيد السياسة الخارجية والعسكرية.