ترجمة حفصة جودة
بينما من الممكن قياس وتقييم الدمار المادي الذي تسببه الحروب، فهناك أشكال أخرى من الضرر أقل مادية وغالبًا ما تكون أكثر صعوبةً في إصلاحها، في سوريا التي انغمست في الحرب لأكثر من عقد، خسارة الثقة الاجتماعية التي صاحبت الحرب تهدد طريق البلاد نحو إعادة البناء.
تشير دراسة أجراها مركز الحوار السوري “SDC” بعنوان “تصورات بناء الثقة الاجتماعية بين السوريين” إلى 4 تصنيفات من الثقة الاجتماعية: الثقة في الناس وفي الجماعات وفي المؤسسات السياسية وفي المجتمع الدولي.
سيكون التحدي الأكبر الذي يواجه السوريين إعادة بناء الثقة الاجتماعية التي يمكن أن تبدأ على مستوى المناهج؛ بتركيز المناهج المدرسية على تعليم كيفية التعامل مع الاختلافات بموضوعية، في الوقت نفسه، يجب أن يقدم قادة مختلف الفصائل الدينية والعرقية خطابًا متوازنًا يهدف إلى تهدئة التوترات ودعم جهود السلام المدني.
إن أي حل سياسي يتضمن النظام السوري وقوات المعارضة لا يمكن أن ينجح دون ثقة اجتماعية، وتحذر الدراسة من أن فقدان الثقة بشكل أساسي يعني غياب البيئة المناسبة للمشاركة في هذا الطريق، في الحقيقة تمثل الثقة الاجتماعية أرضيةً أساسيةً لأي حل معقول في القضية السورية، إنها غراء المجتمع.
المشاركة العامة
من الدراسات القليلة الأخرى في هذا الموضوع دراسة بعنوان “التصدع الاجتماعي في سوريا” التي نُشرت في 2017 وتقوم على بيانات جُمعت منذ عدة سنوات سابقة، تنظر الدراسة إلى “مؤشر رأس المال الاجتماعي” في سوريا وتضع في اعتبارها عددًا من العوامل من بينها المشاركة العامة في عمليات صنع القرار ومدى الاتفاق بين أفراد المجتمع على رؤية مشتركة على المستوى الوطني والإقليمي.
أدى الفساد والابتزاز والإجراءات غير القضائية التي تقوم بها قوات الدولة إلى المزيد من الإضرار بالترابط المجتمعي
وجدت الدراسة أن مؤشر رأس المال الاجتماعي السوري انهار بنحو 30% منذ بداية الأزمة في 2011، أما مؤشر الثقة المتبادلة بين الأفراد فقد تراجع بنسبة 31%، بينما انخفض شعور الناس بالأمان بنسبة 59% وسط العمليات العسكرية المستمرة والقصف والدمار والاعتقالات.
منذ نشر هذه الدراسة، لا شك أن مستويات الثقة الاجتماعية تراجعت مرة أخرى، وربما وصلت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، فوسط العمليات العسكرية الطويلة والانهيار الاقتصادي والنزوح القسري، عانت الثقة الاجتماعية – التي كانت قضية بالفعل قبل 2011 بسبب انقسامات عميقة على أسس طائفية – من سلسلة من الضربات.
عززت سياسات نظام الأسد من تلك الانقسامات بتفضيلها جماعات معينة وإهمال الآخرين، ما أدى إلى انقسامات ريفية حضرية وقضايا أخرى، غذت السياسات الأمنية للنظام كذلك الشقاق الاجتماعي مع استهداف المعارضة لأسباب سياسية من الموالين للأسد الذين يسعون لزيادة سلطتهم.
أدى الفساد والابتزاز والإجراءات غير القضائية التي تقوم بها قوات الدولة إلى المزيد من الإضرار بالترابط المجتمعي، ومن دون أي خضوع للمساءلة على هذه الجرائم، فإن المواطنين السوريين حُرموا من حقوق الإنسان الأساسية.
انقسامات كاملة
ضربت الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في 2011 المجتمع السوري بشكل عميق مع انقسامات كاملة بين هؤلاء الذين يدعمون التغيير والإصلاحات وهؤلاء الذين يدعمون نظام الأسد رغم جرائمه الجسيمة وجماعة ثالثة تشاهد في صمت دون إعلان موقفها.
ينظر الموالون للنظام والمعارضون إلى بعضهم البعض كأعداء، بينما تُلام الأطراف المحايدة على فشلها في اتخاذ جانب منهم، مزقت الانقسامات المدن والقرى والشركات وحتى العائلات، ظهرت الانقسامات الداخلية كذلك بين الأطراف المختلفة، فعلى سبيل المثال أدى فشل المعارضة السورية في إدارة المناطق الواقعة تحت سيطرتها إلى اقتتال داخلي بين هؤلاء الذين يشاركونها نفس الأهداف السياسية الواسعة، غذت التدخلات الدولية كذلك من الاستقطاب مع انقسامات بين الموالين لروسيا أو إيران أو تركيا أو الولايات المتحدة.
يمكننا القول إن الثقة الاجتماعية المدمرة في سوريا كانت أحد أسباب قمع احتجاجات 2011 في المقام الأول، إذ فقد الناس الثقة في الحكومة السورية وقدرتها على تحسين حياتهم أو القيام بأي إصلاحات، سيكون حل الصراع الحاليّ وإعادة بناء البلاد مستحيلًا حتى اتخاذ خطوات حقيقية لإعادة الثقة المجتمعية ومعالجة الانقسامات الداخلية.
يتطلب ذلك حوارًا صريحًا وشفافًا بين كل السوريين من جميع الأطياف السياسية بهدف بناء فهم مشترك للعقد الاجتماعي الذي يربطهم جميعًا، يجب أن يتزامن هذا الحوار مع عملية عدالة انتقالية لمحاسبة المتورطين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وكشف مصير المفقودين وتعويض عائلاتهم.
يجب أن يسمح أي حل سياسي بمشاركة سياسة ومجتمعية عامة واسعة، وأن يبتكره السوريون بأنفسهم، حينها فقط يمكن للبلاد الخروج من دائرة الحرب والاتجاه نحو سلام دائم.
المصدر: ميدل إيست آي