ترجمة وتحرير: نون بوست
رحب نشطاء الحقوق الرقمية الفلسطينيون بدعوة مجلس الرقابة في فيسبوك لإجراء تحقيق مستقل في مزاعم التحيز ضد المنشورات الفلسطينية.
لكن النشطاء يرون أن هذه الخطوة لن تؤتي ثمارها بالسرعة المأمولة. ورغم أن قرار فتح هذا التحقيق قد طال انتظاره، إلا أن الطريق لا يزال طويلا قبل أن تصبح خوارزميات فيسبوك أكثر عدلا وشفافية. ويبقى أن نرى ما إذا كانت الشركة ستتصرف بناءً على توصيات مجلس الرقابة أم لا.
صدر تقرير مجلس الرقابة الأسبوع الماضي، في أعقاب الضجة التي حدثت في شهر أيار/ مايو عندما اتُهمت منصات فيسبوك وإنستغرام وتويتر بفرض رقابة على المنشورات المؤيدة للفلسطينيين، حيث حُذفت مئات المنشورات، وغالبا دون تفسيرات واضحة.
لم تكن تلك المرة الأولى التي تُتهم فيها منصات وسائل التواصل الاجتماعي والمشرفون عليها بتضييق الخناق على حرية التعبير دعما للقضية الفلسطينية. ولكن الاتهامات جاءت هذه المرة في لحظة حرجة بالنسبة للفلسطينيين، حيث وقعت أحداث كثيرة، أبرزها قرارات الإخلاء في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، واقتحام مستوطنين وجنود إسرائيليين باحات المسجد الأقصى، والهجوم الذي استمر 11 يوما على قطاع غزة، وأعمال العنف في المدن ذات الأغلبية الفلسطينية في الداخل المحتل.
يقول النشطاء الرقميون إن المنصات الاجتماعية غالبا ما تكون المتنفس الوحيد في مواجهة آلة القمع الإسرائيلية، وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والاعتداءات على المدنيين.
يقول فيسبوك إنه يرحب بتقرير مجلس الرقابة وسيقوم بتحديث بياناته “بعد إجراء مراجعة للتوصيات التي قدمها مجلس الإدارة”.
ركز تقرير مجلس رقابة فيسبوك على منشور محدد تم حذفه وإعادته في وقت لاحق، وهو تقرير مصوّر بثته قناة الجزيرة عن كتائب عز الدين القسام، وقد أعاد نشره مستخدم مصري مع تعليق “Ooh”. وقدّم المجلس في تقريره توصيات واسعة حول ضمان التوازن بشأن المحتوى الفلسطيني والإسرائيلي.
ومن أجل أن يكون التحقيق في الاتهامات مستقلا وشفافا، أوصى المجلس بأن يُشرف عليه طرف غير “مرتبط بأي من طرفي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، وبأن تتم دراسة المحتوى بشريا وآليا باللغتين العربية والعبرية.
يتمثل أحد المخاوف الرئيسية بالنسبة للنشطاء الفلسطينيين هو أن يكون حذف المحتوى لمطالب حكومة الاحتلال الإسرائيلية، وأساسا وحدة الإنترنت التابعة لوزارة العدل، وشبكة عالية التنظيم من المتطوعين الذين يبلغون عن المحتوى المؤيد للفلسطينيين.
وقد تبنى مجلس الرقابة هذا الاتهام وسأل فيسبوك عما إذا كانت الشركة قد تلقت طلبات رسمية أو غير رسمية من “إسرائيل” لإزالة المحتوى في شهري أبريل/ نيسان وأيار/ مايو.
وردت الشركة بأنها لم تتلق “طلبا قانونيا” من سلطة حكومية لإزالة تقرير الجزيرة المشار إليه، ورفضت “تقديم بقية المعلومات التي طلبها مجلس الإدارة”. وأوصى مجلس الرقابة بضرورة أن يقوم المحقق المستقل بالمتابعة وأن يوفر فيسبوك “قدرا أكبر من الشفافية فيما يتعلق بردّه على الطلبات الحكومية”.
في المقابل، قال فيسبوك إنه يرحب بتقرير مجلس الرقابة وسيقوم بتحديث بياناته “بعد إجراء مراجعة للتوصيات التي قدمها مجلس الإدارة”.
إزالة المحتوى
أكد العديد من نشطاء الحقوق الرقمية الفلسطينيين لموقع “ميدل إيست آي” أن التوصيات تعكس المخاوف التي عبّروا عنها مرارا وتكرارا تجاه فيسبوك.
وقال إياد الرفاعي، مدير مركز “صدى سوشال”، وهي مجموعة دعم رقمية: “آمل أن يحدث تغيير إيجابي ونحصل على حقوقنا الرقمية، لأنه لم يكن لدينا للأسف أي شيء آخر نفعله حتى الآن”. وأوضح الرفاعي أن منظمته ترسل منذ سنة 2017 قائمة شهرية إلى فيسبوك بالحسابات والصفحات الفلسطينية التي تتم إزالتها، ولكن المحتوى الفلسطيني استمر في الاندثار على حد تعبيره.
وقد أرسل مركز “صدى سوشال”، إلى جانب وكالتين إخباريتين ومترجم، شكوى قانونية إلى “فيسبوك” في شهر أيار/ مايو الماضي. ولكن حسب الرفاعي، ردت الشركة مرة أخرى قائلة إنه تمت إزالة الصفحات والمحتوى عن طريق الخطأ. وأضاف الناشط الفلسطيني أن مركز “صدى سوشال” يخطط الآن لإرسال قائمته الكاملة لفيسبوك، والتي تتضمن مئات الصفحات والمحتوى الذي تمت إزالته.
يقول الرفاعي: “في مرحلة ما، عليهم أخذ هذه التوصيات بعين الاعتبار لأن القضية حظيت باهتمام عالمي الشهر الماضي، وأصبحت العديد من المنظمات تضغط بشأنها”.
وأشار إلى أنه خلال الشهر الماضي وحده، سجل مركز “صدى سوشال” 50 إجراءً مشكوكا فيه ضد المحتوى الفلسطيني، من قبل فيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، بما في ذلك إغلاق صفحة فيسبوك الخاصة بقناة “عودة”، وهي قناة مرتبطة بحركة فتح.
ولكن في ظل صدور تقرير مجلس الرقابة، ولا سيما دعوته لإجراء تحقيق مستقل، والاهتمام المتزايد بالقضية، يقول الرفاعي إنه يأمل أن تكون هذه هي اللحظة التي تضطر فيها الشركة إلى تغيير طريقة تعاملها مع المحتوى الفلسطيني.
ويتابع الرفاعي: “في مرحلة ما، عليهم أخذ هذه التوصيات بعين الاعتبار لأن القضية حظيت باهتمام عالمي الشهر الماضي، وأصبحت العديد من المنظمات تضغط بشأنها”.
وقال نديم الناشف، المدير التنفيذي للمركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي “حملة”، وهي منظمة تركز على النهوض بالحقوق الرقمية الفلسطينية وحمايتها، إن تقرير مجلس الرقابة يمثل “نقطة تحول”، مضيفا أن “قرارهم هو في الواقع قرار جيد إلى حد ما لفيسبوك والهيئات المرتبطة به. لقد أجج الانتقادات تجاه فيسبوك”.
وأكد الناشف أن نشطاء الحقوق الرقمية الفلسطينيين كان لديهم مخاوف في السابق بشأن مجلس الرقابة، لا سيما مشاركة إيمي بالمور التي كانت ترأس في السابق وحدة الإنترنت بوزارة العدل الإسرائيلية، والتي يُقال إنها تحذف آلاف المنشورات والحسابات من منصات التواصل الاجتماعي سنويًا.
قامت منظمة “حملة”، مع منظمات أخرى، بحملة للتصدي لقرار تعيين بالمور في مجلس الرقابة. ويقول الناشف إنه على الرغم من اجتماعاته مع العديد من ممثلي فيسبوك، إلا أن الشركة “لم تأخذ مخاوفنا أبدا على محمل الجد. ولكن على أي حال، نحن مندهشون بعض الشيء من القرار الحالي، لأنهم سمعوا أخيرا صوت منظمات الحقوق الرقمية”.
ويعتقد الناشف أن إبلاغ مجلس الرقابة عن رفض الشركة تسليم معلومات حول طلبات إزالة المحتوى من حكومة الاحتلال الإسرائيلية، مؤشر جيد، لكنه يؤكد أنه “من الواضح أن الطريق لا يزال طويلا أمام فيسبوك حتى نقول إن لديهم سياسة عادلة وموضوعية وشفافة تجاه جميع المستخدمين”.
تحيّز مفضوح
مثّل المحامي ربيع إغبارية منظمة “عدالة”، وهي منظمة حقوقية فلسطينية تعمل في “إسرائيل”، في قضية ضد وحدة الإنترنت بوزارة العدل الإسرائيلية، في وقت سابق من هذه السنة.
ورحب إغبارية بما وصفه تقريرا “غير متوقع” من مجلس الرقابة، لكنه أكد أنه يشعر بالقلق من أن التوصية بتحقيق مستقل ومحايد تجاه “كلا الجانبين” لا يأخذ بعين الاعتبار التحيز الواضح ضد المحتوى الفلسطيني طيلة الفترة الماضية. وأشار إغبارية إلى أنه “من الواضح أن لديك جانبين غير متكافئين، أحدهما دولة عسكرية متقدمة لديها الموارد وإمكانية الوصول إلى فيسبوك. أما الجانب الآخر، فهم أشخاص مضطهدون يعملون فقط على مستوى جماهيري”.
ويضيف أن “هناك فرقا كبيرا بين الجانبين، لكن فيسبوك يتعامل معهما بشكل متكافئ”، لكنه يعتبر أن القضية لم تعد بين طرفين فقط، وقد أصبح ذلك جليا منذ شهر أيار/ مايو الماضي.
وأكد إغبارية أنه “تم كسر الحاجز، بمعنى أن الأصوات الفلسطينية قد وصلت إلى الجمهور العريض والمنابر الإعلامية الرئيسية، واستطعنا أن نقول بوضوح إننا لم نعد نقبل بمنطق كلا الجانبين الذي يتم تطبيقه باستمرار على الفلسطينيين لقمع أصواتهم”.
وقال إغبارية إنه يأمل أن يؤدي التقرير إلى إعطاء المزيد من حرية التعبير للمستخدمين الفلسطينيين، موضحا أنه “حل المشكل بشكل جذري يتطلب أن تستمع بصدق إلى مخاوف الفلسطينيين وأن تمنحهم القدرة على تغيير واقعهم”.
الموقع: ميدل إيست آي