ترجمة وتحرير: نون بوست
من تحت سريره، يخرج أبو حامد البالغ من العمر 72 عامًا وثيقة صفراء احتفظ بها منذ نقل محتوياتها من والده، الذي ورثها بدوره عن والده.
لم يُخرج أبو حامد الوثيقة منذ 10 سنوات، ولكن مبادرة “كوشان بلدي”، التي تهدف إلى إثبات ملكية الفلسطينيين للأرض، أقنعته بأن يُخرج سندات ملكية عائلته للأراضي.
كان أبو حامد، الذي طلب أن يُشار إليه باسمه المستعار، يبلغ من العمر عامين عندما طردت المليشيات اليهودية عائلته سنة 1948 من قرية بربرة، التي تقع على بعد 17 كيلومترًا شمال شرق قطاع غزة.
وقال أبو حامد لموقع ميدل إيست آي: “سندات ملكية هذه الأراضي تخص 200 دونما لعائلتي في بربرة التي تحتلها إسرائيل. لقد ورثتها من والدي، الذي ورثها بدوره من والده “. وأضاف أن إحدى الوثائق صادرة عن العثمانيين سنة 1788، و”هذا يعني أنها أقدم بأربع مرات من دولة إسرائيل نفسها. لذا، كنت أعتني بها مثل أطفالي منذ أن أتينا إلى مخيم جباليا [في غزة] سنة 1954”.
طُرد نحو 700000 فلسطيني قسراً من أراضيهم أثناء قيام دولة “إسرائيل” سنة 1948، في أحداث يُطلق عليها الفلسطينيون اسم النكبة.
أطلق نشطاء فلسطينيون مبادرة “كوشان بلدي” في أيار/ مايو 2021 ردا على رواية مسؤولين إسرائيليين ووسائل إعلام أن أوامر الإخلاء القسري للفلسطينيين من حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية ليست أكثر من نزاع عقاري.
تهدف المبادرة إلى إقناع الشباب الفلسطيني بحق العودة وإظهار حقيقة الاحتلال الإسرائيلي للمجتمع الدولي. تتشكل المبادرة من مجموعة من المحامين والناشطين في مختلف المجالات بهدف بناء قضية قانونية قوية لإثبات حق الفلسطينيين في أرضهم، من خلال تقديم سندات ملكية الأراضي إلى المحكمة الجنائية الدولية.
يقول أبو حمد إنه يتحدث دائمًا عن ممتلكات الأسرة لأبنائه الأحد عشر و39 من أحفاده: “أضع سندات ملكية الأرض تحت سريري. لا أحد يستطيع أن يلمسها، ولا حتى أطفالي. يوما بعد يوم، يصبح إيماني بالعودة إلى أرضي مرة أخرى أقوى لأن الإيمان يعيش أيضًا في قلوب أبنائي وأحفادي”.
ويروي أبو حمد كيف أنه خلال حروب “إسرائيل” الأربع على غزة، كان يحافظ على الوثائق بإحكام أثناء فرارهم من القصف للاحتماء في المدارس التي تديرها وكالة الأمم المتحدة للاجئين (أونروا). ويضيف: “كان الناس يسألونني: أبو حامد، هل الوثائق مليئة بالدولارات؟ وأود أن أجيب: لا، إنها تساوي أكثر من كل الدولارات في العالم. سيتم الحفاظ على حقوقنا سواء وافق الإسرائيليون أم لم يوافقوا”.
ويقول مؤسس مبادرة “كوشان بلدي”، العقيد المتقاعد أكرم جودة، إن فكرة المبادرة جاءت أولاً كطريقة لمواجهة المزاعم الإسرائيلية بشأن حي الشيخ جراح، حيث تواجه العائلات عمليات إخلاء قسري من منازلها لإفساح المجال للمستوطنين الإسرائيليين.
وأكد جودة لموقع ميدل إيست آي: “أردت إنشاء مقاومة قانونية سلمية جديدة من خلال سندات ملكية الأراضي الفلسطينية التي تم الحصول عليها قبل النكبة سنة 1948”.
في الأسبوعين الأولين، تطور الفريق المكون من ستة أعضاء الذي يدير المبادرة، وهم جودة وخمسة نشطاء، إلى 40 عضوًا، ثم وصل العدد إلى 100 عضو.
ويقول جودة: “قمنا أولاً بإدراج أسماء سكان غزة الذين يمتلكون سندات ملكية تعود إلى ما قبل سنة 1948، ثم قمنا بزيارتهم للتحقق من الوثائق قبل إضافة المعلومات إلى بياناتنا”.
ويؤكد جودة أن الفريق وصل إلى عشرات العائلات وربط بعضها بوسائل إعلامية ليعرف العالم بأسره من هم أصحاب الأرض التي تحتلها “إسرائيل”.
ويتابع قائلا: “رغم الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية، يتعاون الفريق مع مختلف الأحزاب والنقابات والمنظمات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، إذ أن قضية اللاجئين توحد جميع الأطياف الفلسطينية. كما نرغب في مساعدة دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، والمعترف بها دوليًا، لإظهار بشاعة الاحتلال.
أرض الأجداد
يقول أيمن حماد، حفيد أبو حامد البالغ من العمر 26 عامًا، إن الأسرة الممتدة تتكون من 50 شخصًا يعيشون في منزل من أربعة طوابق، مما يجعله يفكر دائما في الحياة التي كان من الممكن أن يعيشوها لو بقيت ممتلكات أجداده.
ويقول حماد لموقع ميدل إيست آي: “أقول لنفسي دائمًا أننا إذا ورثنا تلك الأراضي عن جدي، سنكون أثرياء ولدينا ممتلكات شاسعة”. وعندما سُئل عن إمكانية التنازل عن حقه في العودة، قال: “لن نتنازل عن أراضينا لأي سبب من الأسباب”.
على بعد 500 متر من منزل أبو حامد في شمال مخيم جباليا، تتحدث إلهام أبو عيد، 42 عامًا، وأم لثلاثة أطفال، مع ابنتها آلاء البالغة من العمر ثماني سنوات، عن المبادرة، وعن قريتهم الأصلية برقة، التي تقع على بعد 37 كيلومترًا شمال شرقي غزة.
وتقول إلهام لموقع ميدل إيست آي: “المبادرة رائعة لأنها تجعل جيل الشباب على دراية بإرث وأراضي أجدادهم، والتي لم يروها إلا على الإنترنت”، وتضيف أنه من المهم أن يعرف الأطفال الفلسطينيون تاريخهم و”كيف طرد الصهاينة أجدادهم وسرقوا أراضيهم منذ 1948”. تتوق الطفلة آلاء للذهاب إلى برقة حيث كان يعيش جدها محمود وعائلته، و تقول: “أشعر أنني فوق القمر عندما تحدثني أمي عن برقة. يطلب منا المدرس بشكل شبه يومي رسم خريطة فلسطين وتحديد مدنها الأصلية. كما يطلب منا أن نكتب بعض النصوص عنها. نحن نعيش في مخيم جباليا المكتظ بالسكان. لكن على عكس جباليا، برقة واسعة جدا وجميلة”.
فلسطين للفلسطينيين
يقول المحامي صلاح عبد العاطي، مدير اللجنة الدولية لدعم حقوق الفلسطينيين، إن مبادرة “كوشان بلدي” تُظهر أن الفلسطينيين هم الملاك الحقيقيون للأرض. ويضيف: “صدرت هذه الوثائق إما من قبل العثمانيين أو البريطانيين أو الفلسطينيين قبل النكبة”.
ويتابع: “الهدف الأساسي للمبادرة هو إثبات حق الفلسطينيين في أراضيهم، وفضح المزاعم والأكاذيب الإسرائيلية التي تقول إنهم أصحاب الأراضي”. ويؤكد عبد العاطي أن هدم الممتلكات وطرد الفلسطينيين واستبدالهم بالمستوطنين قد يرقى إلى مستوى جرائم الحرب.
ويقول رئيس إدارة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، أحمد أبو هولي: “لن يختلف أحد حول مبادرة تسعى لإظهار شرعية حق العودة. إنها تعيد إحياء قضية اللاجئين الفلسطينيين، كما أنها وسيلة لمواجهة الهجمات المستمرة التي تهدف إلى إنهاء الأونروا”.
ويضيف: “نريد أن تكون كل هذه المبادرات تحت إشراف منظمة التحرير الفلسطينية، فهي الممثل القانوني الوحيد لجميع الفلسطينيين”.
من جانبه، يقول مدير قسم شؤون اللاجئين في حركة حماس، محمد المدهون، إنه استناداً إلى سجلات الأراضي العثمانية والبريطانية، فإن فلسطين للفلسطينيين، ويضيف: سندات ملكية الأراضي تدحض الادعاء الكاذب بأن فلسطين كانت أرض بلا شعب. الحقيقة الواضحة هي أنه كان هناك أناس متحضرون يلتزمون بالقوانين. هذه المبادرة تقوي الفلسطينيين في صراعهم على الهوية والوجود والتاريخ”.
يشعر حماد بأن سندات ملكية الأراضي تعزز إيمانه بأنهم سيعودون إلى أرض أجدادهم في بربرة، ويقول: “عندما يموت جدي أبو حامد، سيرث والدي الأرض، وسأفعل الشيء ذاته عندما يتوفى والدي. سنفعل الشيء ذاته حتى نعود إلى أرضنا”.
المصدر: ميدل إيست آي