لقد قدَّمت التوراة المحرفة والتلمود تصورًا لصالح النظام الأيديولوجي للصهيونية الدينية، فقد اختفت كلمة السلام، وحل محلها كلمة العدو.
ونجد أن العنصرية قد رافقت الصهيونية كأيديولوجية منذ نشأتها، وأن الفكرتين الجوهريتين – الأولى: المتعلقة بوحدة الشعب اليهودى عبر التاريخ وفي الوقت الراهن، والثانية: الخاصة بمعاداة السامية – قد انبنت عليهما في التطبيق الصهيوني والإسرائيلي سياسات يهودية عنصرية متعددة.
وقد أسست الصهيونية أيديولوجيتها على مجموعة من الثوابت الفكرية التي لا بديل عن التنازل عنها وهذه هي الأسس التى تقوم عليها دولة “الكيان الصهيوني” المزعومة، وتسير بخطوات ثابتة في الهيمنة على العالم كله.
من خلال تشريح العقلية الصهيونية نجد أن الدين (كعقيدة) محركًا أساسيًا في تعامل اليهود مع أجناس العالم المختلفة من حيث الأيديولوجيات والقوميات والعصبيات والعقائد.
إن الصهيونية جزء من تاريخ الإمبريالية الغربية، وهذا يفسر عدم ظهورها بين يهود اليمن أو الهند أو حتى في العصور الوسطى، وإنما ظهرت بين يهود العالم الغربي، حيث التشكيل الاستعماري (الاستخرابي) الغربي.
والنجاح الصهيوني في الغرب لا يعود لسيطرة اليهود على الإعلام أو لباقة الصهاينة ومقدرتهم العالية على الإقناع والإتيان بالحجج أو حتى ثراء اليهود وسيطرتهم المزعومة على التجارة والصناعة، وإنما يعود إلى أن الدولة الصهيونية أداة طيعة وقاعدة عسكرية رخيصة يفوق عائدها تكلفتها، وأعتقد أن كل ما سبق كان سببًا في التوافق الغرب صهيوني، وهو ما عبر عنه وزير الطيران الأمريكي السابق “سيمنجتون” بقوله: “إن إسرائيل حاملة طائرات غير قابلة للغرق”.
ودورها أن تكون فاصلاً أرضيًا يمزق اتصال المنطقة العربية ويمنع وحدتها، وإسفنجة تمتص طاقتها وتستنزف مواردها وإسرائيل بذلك احتلال بالأصالة والوكالة أو بمعنى آخر دولة مرتزقة.
وقراءة للصهيونية السياسية المتطرفة نجد أنهم يقولون “إذا كنا نملك التوراة، وإذا كنا نعتبر أنفسنا شعب التوراة، فمن الواجب علينا أن نمتلك جميع الأراضي التوراتية”، وذلك على حد زعمهم.
إن النزعة الشمولية الصهيونية التي تسعى إلى إخضاع كل الشعب اليهودي، حتى ولو بالعنف والقوة، تجعل من هذا الشعب شعبًا من بين الشعوب الأخرى وشبهًا بها،
وأنه – على حد زعمهم – بالإمكان توزيع سكان العالم بين إسرائيل وبين الشعوب الأخرى برمتها، فإن إسرائيل هي الشعب المختار: وهو ركن أساسي من أركان العقيدة عندهم.
وتم التطبيق العملي للأيديولوجية الصهيونية بعد مؤتمر (بال)، وذلك في تهجير أعداد كبيرة من اليهود في العالم إلى أرض فلسطين وذلك برضاهم أو بسخطهم رغمًا عنهم،
إلى أن جاء التاريخ المشئوم وهو انتصار إسرائيل بدعم الدول الغربية وإعلان الدولة اليهودية الإسرائيلية على أرض فلسطين العربية الإسلامية في 15 مايو 1948م واعتراف دول كثيرة بقيام دولة جديدة في المنطقة.
وابتداءً من إنشاء تلك الدولة والاعتراف بها، تدعمت هذه الصهيونية لا على حساب يهود العالم بأسره، ولكن بصفة خاصة على حساب الفلسطينيين الذين ترفض الصهيونية وجودهم، وقد ظهر وجه جديد للمشكلة أثارته السياسة الصهيونية، و هو: كيف يمكن إيجاد أغلبية يهودية في بلد يعيش فيه شعب فلسطيني عربي بأعداد كبيرة؟
ولنعلم أن معرفة هذا تجعلنا نغوص في أعماق الأيديولوجيا والسياسة الإسرائيلية الصهيونية حتى نعرف المنطلقات الفكرية لعدونا.