قبيل أيام من إجراء الانتخابات العراقية المبكرة المقررة في 10 من أكتوبر/تشرين الأول القادم، عقد الجمعة الماضية في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق مؤتمر عشائري تصدر قنوات التلفزة العراقية والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تبين أن المؤتمر دعا لتطبيع العلاقة مع “إسرائيل”، فضلًا عن ضمه شخصيات إسرائيلية تحدثت خلاله عبر الفيديو.
الجهة المنظمة
جاء المؤتمر بمبادرة من منظمة أمريكية (مركز الاتصالات من أجل السلام) ومقرها مدينة نيويورك الأمريكية، إذ حضره رئيس منظمة أبناء العراق وسام الحردان الذي أكد أن المؤتمر حضره أيضًا قادة من الموصل والأنبار، ومن الشيعة والسنة وعقد في إحدى صالات الفنادق الفخمة في مدينة أربيل.
شاركت في تنظيم المؤتمر شخصيات عشائرية من السنة والشيعة، ودعا إلى تطبيع العلاقات بين العراق و”إسرائيل” بشكل علني، في أول حدث من نوعه بالعراق، فلم يسبق أن استضافت الأراضي العراقية أي مؤتمر على هذه الشاكلة.
وجاء في بيان المجتمعين الذين ناهز عددهم 200 شخصية عشائرية “نحن تجمع من السنة والشيعة، يضم أعضاءً من حركة صحوة أبناء العراق السنة إضافة إلى مفكرين وشيوخ عشائر وشباب ناشطين من حركة احتجاج عامي 2019-2021.. ندعو لأن يدخل العراق في علاقات مع “إسرائيل” وشعبها من خلال اتفاقات على غرار الدول العربية التي طبّعت”.
وجوبه المؤتمر بموجة غضب حكومي وبرلماني وسياسي واسع النطاق، إذ أصدرت الحكومة العراقية بيانًا صحفيًا عبرت فيه عن رفضها القاطع للاجتماعات غير القانونية، التي عقدتها بعض الشخصيات العشائرية المقيمة في مدينة أربيل بإقليم كردستان، من خلال رفع شعار التطبيع مع “إسرائيل”.
بيان
……
تعرب الحكومة العراقية عن رفضها القاطع للاجتماعات غير القانونية، التي عقدتها بعض الشخصيات العشائرية المقيمة في مدينة اربيل باقليم كردستان، من خلال رفع شعار التطبيع مع اسرائيل. pic.twitter.com/eUjciTFQuH
— المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء ?? (@IraqiPMO) September 25, 2021
أما رئاسة الجمهورية فخرجت هي الأخرى ببيان لا لبس فيه موضحة رفض العراق التطبيع مع “إسرائيل”.
بيان..
في الوقت الذي تؤكد فيه رئاسة الجمهورية موقف العراق الثابت والداعم للقضية الفلسطينية وتنفيذ الحقوق المشروعة الكاملة للشعب الفلسطيني، فإنها تجدد رفض العراق القاطع لمسألة التطبيع مع اسرائيل، وتدعو الى احترام إرادة العراقيين وقرارهم الوطني المستقل… pic.twitter.com/ph2MiumCr7
— رئاسة جمهورية العراق (@IraqiPresidency) September 25, 2021
رئاسة البرلمان من جانبها، رفضت مؤتمر التطبيع مطالبة باتخاذ إجراءات صارمة مع من نظم وحضر المؤتمر، وهو ما طالب به زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وشخصيات سياسية أخرى.
إقليم كردستان العراق الذي احتضنت عاصمته أربيل وقائع المؤتمر تبرأ على لسان حكومته من المؤتمر، إذ أوضحت رئاسة الإقليم في بيان صحفي قائلة: “لا علم لنا مطلقًا بذاك الاجتماع ومضامين مواضيعه، وما صدر عنه ليس تعبيرًا عن رأي أو سياسة أو موقف الإقليم”.
وأضاف البيان “أي موضوع أو موقف أو توجه مرتبط بالسياسة الخارجية هو من صلاحيات الحكومة الاتحادية وفقًا للدستور، وأن إقليم كردستان ملتزم في هذا تمام الالتزام بالسياسة الخارجية العراقية”، ودعت رئاسة الإقليم جميع الأطراف المنتقدة للمؤتمر إلى التحلي بالهدوء وانتظار نتائج التحقيق الذي تقوم به وزارة الداخلية لحكومة إقليم كردستان مع الجهات المنظمة للمؤتمر.
ملابسات المؤتمر
وتعليقًا على حيثية عدم معرفة حكومة إقليم كردستان بما جاء في المؤتمر، قالت وزارة الداخلية في حكومة الإقليم في بيان “إحدى منظمات المجتمع المدني عقدت ورشة عمل في أربيل لشخصيات عدة من بعض محافظات العراق للعمل على مفاهيم التعايش وتطبيق أسس الفيدرالية في العراق، لكن للأسف قام بعض مشرفي هذا النشاط بحرف ورشة العمل عن أهدافها واستخدامها لأغراض سياسية بالشكل الذي كانت فيه بعيدة عن شروط منح الرخص لإقامة ورش عمل كهذه”.
وجاءت ردة الفعل السياسية والحكومية العراقية بعد أن قرأ رئيس تجمع أبناء العراق وسام الحردان بيانًا أوضح فيه مطالبته بالتطبيع مع دولة “إسرائيل” وفق اتفاقات أبراهام التي حدثت العام الماضي وشهدت تطبيع العديد من الدول العربية مع “إسرائيل”.
وبعيد إلقائه البيان بساعات، وعقب ردة الفعل المناوئة لمخرجات المؤتمر، تراجع الحردان عما طالب به موضحًا في حديث لإحدى وسائل الإعلام أن المؤتمر أقيم بدعوة من معهد السلام العالمي في أربيل، وشاركت فيه شخصيات عديدة من مختلف المكونات والمحافظات.
ولفت الحردان إلى أنه لم يدع للتطبيع مع “إسرائيل”، بل السؤال عما إذا كان من الممكن عودة اليهود العراقيين، معلقًا “نحن كشعب، مع عودة كل عراقي إلى وطنه، أما قرار التطبيع فيبقى حكوميًا، لا عدوانية لنا مع كل عراقي فقد جنسيته وأملاكه، فنحن مع السلام والأمان والاستقرار والاستثمار”.
وبعد أن فتحت وزارة الثقافة العراقية تحقيقًا مع إحدى الموظفات في الوزارة التي شاركت في المؤتمر، أعلنت مجموعة من الشخصيات العشائرية المشاركة في مؤتمر أربيل تراجعها عن فكرة التطبيع مع “إسرائيل”.
وأكد شيخ عشيرة بو ذياب صلاح مصلح من منطقة حزام بغداد خلال مؤتمر صحفي عقده في أربيل السبت “نحن مجموعة من الشخصيات العشائرية من منتسبي الصحوات ومن مختلف المحافظات العراقية نود أن نبين حقيقة ما جرى في مؤتمر السلام والاسترداد الذي عُقد الجمعة في أربيل وسبب مشاركتنا فيه”.
وأوضح مصلح في بيانه “وُجهت لنا الدعوة على أنه مؤتمر لإعادة المفسوخة عقودهم من الصحوات إلى الخدمة ولزيادة رواتبهم بالإضافة إلى ضمهم للمؤسسات الأمنية الحكومية، لكن الذي حصل أننا تفاجأنا بأن الموضوع مختلف تمامًا ولا علاقة له بالأسباب التي دُعينا للحضور من أجلها”.
جس النبض
وفي السياق، وتعقيبًا على مؤتمر أربيل، يقول المحلل السياسي العراقي محمد عزيز في حديثه لـ”نون بوست” إنه من غير المعقول أن يعقد أي مؤتمر في أربيل أو بغداد دون معرفة الأجهزة الأمنية بالجهات المنظمة وأهداف المؤتمر، وبالتالي فإن المؤتمر وبعد أن تبينت مخرجاته، لا يمكن أن يوصف إلا بمحاولة لجس نبض الشارع العراقي وبعض الشخصيات السياسية التي لم تخرج بأي بيان إدانة للمؤتمر.
أحد أهم أسباب هذه الازدواجية هو الخوف من تصفية الحرس الثوري الإيراني والخوف من خسارة المواقع السياسية
وأضاف عزيز أن هناك مؤشرات كثيرة في السابق على محاولات بعض القادة السياسيين العراقيين مد جسور التعاون مع “إسرائيل”، إلا أنها لم تكن بهذه الصراحة التي خرج بها بيان مؤتمر أربيل.
من جهته، قال السياسي العراقي المثير للجدل والنائب السابق في مجلس النواب العراقي مثال الآلوسي إن مؤتمر السلام مع
“إسرائيل” الذي عقد الجمعة الماضية في أربيل مدعوم من أسماء كبيرة في بغداد – لم يسمها -.
وأضاف الألولسي أن أغلب القيادات السياسية السنية والشيعية في المنطقة الخضراء أرسلت رسائل ود عبر طرف ثالث أو زارت “إسرائيل”، لكن في العلن خطاباتهم شيء آخر.
وأشار إلى أن أحد أهم أسباب هذه الازدواجية الخوف من تصفية الحرس الثوري الإيراني والخوف من خسارة المواقع السياسية، فضلًا عن أن سياسة السفارة الأمريكية في بغداد غير راغبة ولا تشجعهم بالإفصاح عن ذلك، على اعتبار أن الوقت غير مناسب.
تحقيق حكومي
جدل كبير وإجراءات حكومية تتوالى بعد مؤتمر أربيل، إذ قررت وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية السبت تشكيل لجنة تحقيق بشأن مشاركة الموظفة سحر كريم الطائي في مؤتمر التطبيع مع “إسرائيل” الذي عقد في أربيل الجمعة الماضية.
وأكدت الوزارة عدم علمها بتصرف الموظفة التي قدمتها وسائل إعلام عالمية ومحلية على أنها تعمل بصفة مدير عام في الوزارة، رغم أنها موظفة ولا تشغل منصبًا رفيعًا في الوزارة.
وكانت الموظفة في وزارة الثقافة العراقية سحر الطائي قد شاركت في المؤتمر وقرأت البيان الختامي للمؤتمر، وقالت فيه “نطالب بانضمامنا إلى اتفاقيات إبراهيم، وكما نصت الاتفاقيات على إقامة علاقات دبلوماسية بين الأطراف الموقعة ودولة “إسرائيل”، فنحن أيضًا نطالب بعلاقات طبيعية مع “إسرائيل” وبسياسة جديدة تقوم على العلاقات المدنية مع شعبها بغية التطور والازدهار، لا يحق لأي قوة، سواء كانت محلية أم خارجية، أن تمنعنا من إطلاق مثل هذا النداء”.
جدير بالذكر أن من بين من تحدثوا في المؤتمر عبر الفيديو تشيمي بيريز الذي يرأس مؤسسة أسسها والده الرئيس الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز، إضافة إلى قادة عسكريين من تنظيم صحوة العراق الذي قاتل التنظيمات المتطرفة في العديد من المحافظات العراقية.
من جانبه، قال شيخ عشيرة البومطر من الأنبار ريسان الحلبوسي لوكالة الأنباء الفرنسية: “يكفينا عداء وفتن وقتل، مفروض نفتح صفحة جديدة للتعاون والسلام والأمن لكي يعيش أبناؤنا وأحفادنا من بعدنا بسلام وأمان، لا تستطيع بين يوم وليلة أن تقنع المواطن بالتطبيع مع “إسرائيل”، مع الزمن تتغير الأفكار”.
لا تزال تداعيات مؤتمر أربيل تتصاعد ساعة بعد أخرى، سياسيًا وحكوميًا، في وقت يقترب فيه العراق من موعد الانتخابات التشريعية المبكرة
بدوره أكد الخبير في العلاقات الدولية نسيم نايف أن مؤتمر أربيل قد يكون الأول من حيث محل الإقامة وجرأة الطرح، لكنه ليس الأول من جهة علاقة السياسيين العراقيين مع “إسرائيل”.
وأضاف نايف في حديثه لـ”نون بوست” أن العديد من السياسيين العراقيين زاروا “إسرائيل” سرًا خلال السنوات الماضية، فضلًا عن أن بعضهم اجتمع في الولايات المتحدة ودول أوروبية مع مسؤولين ووزراء من دولة “إسرائيل”، لافتًا إلى أن ردة الفعل التي وصفها بـ”العنيفة” جاءت نتيجة مشاركة شخصيات عامة وشيوخ عشائر في مؤتمر أربيل.
لا تزال تداعيات مؤتمر أربيل تتصاعد ساعة بعد أخرى، سياسيًا وحكوميًا، في وقت يقترب فيه العراق من موعد الانتخابات التشريعية المبكرة التي قد تكون الفيصل في العملية السياسية التي انبثقت عقب الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003.