ترجمة وتحرير: نون بوست
خلصت مراجعة دقيقة، أجرتها صحيفة وول ستريت جورنال، لمئات الوثائق الداخلية في شركة فيسبوك، بما في ذلك التقارير البحثية ومناقشات الموظفين عبر الإنترنت ومسودات العروض التقديمية للإدارة العليا، إلى أن فيسبوك تعرف بتفاصيل دقيقة أن منصاتها مليئة بالعيوب التي تسبب الضرر، غالبًا بطرق لا تفهمها سوى الشركة وحدها.
وبحسب سلسلة التقارير التي نشرتها “وول ستريت جورنال” ويترجمها “نون بوست“، فقد أظهرت الوثائق مرارًا وتكرارًا أن باحثي فيسبوك قد حددوا الآثار السيئة للمنصة. وعلى الرغم من جلسات الاستماع في الكونجرس، وتعهدات فيسبوك العديدة والمتكررة بإصلاحها، إلا أن الشركة -كما تظهر الوثائق- لم تتخذ خطوة بهذه الاتجاه.
في كانون الثاني/ يناير، نشر شرطي سابق تحول إلى محقق في شركة فيسبوك مذكرة لجميع الموظفين على لوحة الرسائل الداخلية للشركة. بدأت الرسالة بالقول: “لتكن سنة 2021 سعيدة للجميع!!” ثم شرع في الكشف عن مجموعة جديدة من التفاصيل المثيرة، وأهمها أن عصابة مخدرات مكسيكية استخدمت فيسبوك لتجنيد قتلة مأجورين وتدريبهم ودفع رواتبهم.
كان السلوك صادما ويعتبر انتهاكا واضحا لقواعد فيسبوك. لكن الشركة لم تمنع العصابة من النشر على فيسبوك أو أنستغرام. وتُظهر عشرات الوثائق الداخلية لفيسبوك اطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال أن الموظفين يرفعون إشعارات حول كيفية استخدام منصاتها في بعض البلدان النامية، حيث تتوسع قاعدة المستخدمين باستمرار. تُظهر الوثائق أن استجابة الشركة في كثير من الحالات غير كافية أو منعدمة.
أشار الموظفون إلى أن المتاجرين بالبشر في الشرق الأوسط استخدموا الموقع لإغراء النساء بـوظائف مسيئة، حيث يعاملن مثل العبيد أو يُجبرن على ممارسة الجنس. وحذروا من أن الجماعات المسلحة في إثيوبيا استخدمت الموقع للتحريض على العنف ضد الأقليات العرقية. ووفقا للوثائق، فقد أرسل الموظفون تنبيهات إلى رؤسائهم بشأن بيع الأعضاء والمواد الإباحية والإجراءات الحكومية ضد حركات المعارضة السياسية.
تزيل فيسبوك بعض الصفحات، على الرغم من أن العديد منها بقي يعمل بشكل مفتوح، وفقا للوثائق. كذلك، تظهر الوثائق أنه في بعض البلدان التي تعمل فيها فيسبوك، يوجد عدد قليل من الأشخاص الذين يتحدثون اللغات الضرورية لفهم الاستخدامات الخطيرة أو الإجرامية للمنصة.
عندما ظهرت المشاكل علنا، قالت شركة فيسبوك إنها تعالجها بإزالة المنشورات المسيئة، لكنها لم تصلح الخوارزميات التي سمحت للمخالفين بتكرار السلوك السيء. وبدلا من ذلك، تُعطى الأولوية للاحتفاظ بالمستخدمين ومساعدة شركائها، وفي بعض الأحيان لاسترضاء الحكومات الاستبدادية التي تحتاج فيسبوك دعمها أحيانا للعمل داخل حدودها، كما تظهر الوثائق.
قال بريان بولاند، نائب رئيس شركة فيسبوك السابق، والذي أشرف على الشراكات مع مزودي الإنترنت في إفريقيا وآسيا قبل الاستقالة في نهاية السنة الماضية، إن فيسبوك تتعامل مع الضرر في البلدان النامية على أنه “مجرد تكلفة لممارسة الأعمال التجارية” في تلك الأماكن. وقال إن فيسبوك ركزت جهودها في مجال السلامة على الأسواق الأكثر ثراء مع الحكومات والمؤسسات الإعلامية القوية، حتى مع تحولها إلى البلدان الفقيرة من أجل زيادة عدد المستخدمين. وأضاف: “نادرا ما يكون هناك جهد كبير للاستثمار في إصلاح تلك المناطق”.
اشتكى النشطاء لسنوات من أن شركة فيسبوك لا تفعل الكثير لحماية المستخدمين خارج الولايات المتحدة من مشاكل نظامها الأساسي
يوجد في العالم النامي مئات الملايين من مستخدمي منصة فيسبوك، حيث أكثر من 90 بالمئة من المستخدمين شهريا هم الآن خارج الولايات المتحدة وكندا. مع توقف النمو إلى حد كبير في أمريكا الشمالية وأوروبا، يأتي جميع مستخدمي فيسبوك الجدد تقريبا من البلدان النامية، حيث تعد المنصة قناة التواصل الرئيسية ومصدر الأخبار عبر الإنترنت. تتوسع شركة فيسبوك بسرعة في هذه البلدان، وتخطط لتكنولوجيات جديدة مثل الإنترنت عبر الأقمار الصناعية وشبكة واي فاي الموسعة لجلب المستخدمين عبر الإنترنت في المناطق الفقيرة في إندونيسيا.
الوثائق التي راجعتها وول ستريت جورنال هي تقارير من موظفين يدرسون الاستخدام السيء لفيسبوك حول العالم، بما في ذلك عمليات الاتجار بالبشر والانتهاكات الأخرى عبر المنصة. يكتب الموظفون عن إحراجهم وإحباطهم، ويتحدثون عن القرارات التي تسمح للمستخدمين بنشر مقاطع فيديو عن جرائم القتل والتحريض على العنف والتهديدات الحكومية ضد النشطاء المؤيدين للديمقراطية والإعلانات عن الاتجار بالبشر.
اشتكى النشطاء لسنوات من أن شركة فيسبوك لا تفعل الكثير لحماية المستخدمين خارج الولايات المتحدة من مشاكل نظامها الأساسي. تظهر الوثائق أن الكثيرين داخل شركة فيسبوك يوافقون على ذلك.
قال المتحدث باسم شركة فيسبوك، آندي ستون هذا الأسبوع: “في البلدان المعرضة لخطر النزاعات والعنف، لدينا استراتيجية شاملة، بما في ذلك الاعتماد على فرق عالمية مع متحدثين أصليين يغطّون أكثر من 50 لغة والموارد التعليمية والشراكات مع الخبراء المحليين ومدققي الأخبار التابعين لجهات خارجية للحفاظ على سلامة الناس”.
“هذا ليس كافيا”
الموظف الذي رصد عصابة المخدرات المكسيكية هو ضابط شرطة سابق وخبير في جرائم الإنترنت تم تعيينه سنة 2018 كجزء من فريق تحقيق جديد يركز بشكل كبير على “البلدان المعرضة للخطر”، حيث سيادة القانون هشة والعنف منتشر على نطاق واسع.
في تلك السنة، انتشر خطاب الكراهية في ميانمار عبر فيسبوك، واعترفت الشركة بأنها لم تفعل ما يكفي لوقف التحريض على العنف ضد أقلية الروهينجا، والتي قالت الولايات المتحدة إنها كانت ضحية لعمليات تطهير عرقي. ووصف المسؤولون التنفيذيون العنف في ميانمار بأنه جرس إنذار لمسؤوليات الشركة في الدول النامية. كما كتب الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ رسالة اعتذار للنشطاء بعد أن قلل في البداية من دور فيسبوك في أعمال العنف وتعهد ببذل المزيد.
قال تقرير داخلي من شركة فيسبوك صدر في آذار/ مارس إن الجهات الفاعلة، بما في ذلك بعض الدول، كانت في كثير من الأحيان على المنصة للترويج للعنف، مما أدى إلى تفاقم الانقسامات العرقية ونزع الشرعية عن المؤسسات الاجتماعية. ويقول التقرير: “هذا سائد بشكل خاص في البلدان المعرضة للخطر”. ويتابع التقرير بعنوان واضح: “استراتيجيات التخفيف الحالية ليست كافية”.
قام الشرطي السابق وفريقه برصد شبكة “كارتل خاليسكو للجيل الجديد” عبر الإنترنت من خلال فحص المنشورات على فيسبوك وأنستغرام، بالإضافة إلى الرسائل الخاصة على تلك المنصات، وفقا للوثائق. (يقع تشفير الرسائل على تطبيق واتساب، وهو منتج آخر تابع لفيسبوك).
حدد الفريق الأفراد الرئيسيين في العصابة، وتتبع المبالغ التي تم دفعها للقتلة المأجورين واكتشف طرق تجنيد المراهقين الفقراء لحضور معسكرات التدريب. وكتب الضابط السابق أن رسائل فيسبوك أظهرت أن أفراد العصابة كانوا يحذرون الشباب الراغبين في التوظيف “من تعرضهم للضرب الشديد أو القتل على يد العصابة إذا حاولوا مغادرة معسكر التدريب”. حسب الوثائق، لم تخف العصابة التي يقول مسؤولو إنفاذ القانون إنها أكبر مروج للمخدرات في الولايات المتحدة، نشاطها عبر فيسبوك. وتظهر الوثائق أن لديها صفحات متعددة على المنصة بها صور لبنادق مطلية بالذهب ومسرح جريمة دام.
تم نشر صفحات فيسبوك تحت اسم “سي جاي إن جي”، وهو اختصار “كارتل خاليسكو للجيل الجديد”، على الرغم من أن فيسبوك صنفت العصابة في وثائقها الداخلية على أنها من “المنظمات الخطرة” التي يجب إزالة صفحاتها تلقائيا من المنصة بموجب سياسة فيسبوك.
أوصى الشرطي السابق الشركة بتحسين متابعتها لضمان فرض الحظر على هذه المجموعات والسعي إلى فهم نشاط العصابة بشكل أفضل. لكن شركة فيسبوك لم تقم بإزالة صفحات العصابة بالكامل. وتقول الوثائق إنها أزالت المحتوى المرتبط بالعصابة وعطلت صفحتها فقط.
طلب فريق التحقيق من وحدة أخرى في فيسبوك مكلفة بالتنسيق بين الأقسام المختلفة البحث في طرق للتأكد من إمكانية فرض حظر على العصابة. لم يتم القيام بذلك بشكل فعال وفقا للوثائق، لأن الفريق المكلف بالمهمة لم يتابعها. في 13 كانون الثاني/ يناير، وبعد تسعة أيام من تداول التقرير داخليا، ظهر أول منشور على حساب جديد لـ”كارتل خاليسكو للجيل الجديد” على أنستغرام: مقطع فيديو لشخص يحمل مسدسا ذهبيا يطلق النار على شاب في رأسه بينما تنفجر الدماء من رقبته. المنشور التالي هو صورة لرجل مقيد على كرسي؛ وبعد ذلك كيس قمامة مليء بالأيدي المقطوعة.
ظلت الصفحة، إلى جانب صفحات أنستغرام وفيسبوك الأخرى التي تروج للعصابة، نشطة لمدة خمسة أشهر على الأقل قبل إزالتها. منذ ذلك الحين، ظهرت صفحات جديدة تحت اسم “سي جاي إن جي” تعرض بنادق ورؤوسا مقطوعة. رفض الضابط السابق التعليق على النتائج التي تم توصل إليها، ورفضت شركة فيسبوك السماح له بإجراء مقابلة صحفية.
قالت فيسبوك هذا الأسبوع إن موظفيها يعرفون أن بإمكانهم تحسين جهودهم في مواجهة العصابة، وأن الشركة تستثمر في الذكاء الاصطناعي لتعزيز التصدي لمثل هذه المجموعات. وتظهر الوثائق أن فيسبوك تضع موارد أقل لوقف الضرر في الخارج، مقارنة بما ترصده في الولايات المتحدة.
سنة 2020، أمضى موظفو فيسبوك والمتعاونون مع المنصة أكثر من 3.2 مليون ساعة في البحث عن المعلومات التي خلصت الشركة إلى أنها خاطئة أو مضللة، وفي إزالة عدد منها. تم إنفاق 13 بالمئة فقط من تلك الساعات في العمل على محتوى من خارج الولايات المتحدة. وأمضت الشركة معظم الوقت بالنسبة للمحتوى خارج الولايات المتحدة في العمل على “أمان العلامات التجارية”، مثل التأكد من عدم ظهور الإعلانات جنبا إلى جنب مع إعلانات المحتوى التي قد يرفضها المعلنون.
أمضى فريق التحقيق أكثر من سنة في توثيق عمليات الاتجار بالبشر في الشرق الأوسط التي تحدث على فيسبوك وأنستغرام. تعلن العديد من وكالات التوظيف سيئة السمعة عن توفير عمال باستخدام صورهم ووصف مهاراتهم وتفاصيلهم الشخصية.
تتم إساءة استخدام توقيع الأشخاص على عقود العمل المحلية ثم بيع العقود على نطاق واسع، وتُعرف هذه العملية حسب وزارة الخارجية الأمريكية بأنها اتجار بالبشر. أزالت الشركة بعض الصفحات المسيئة، لكنها اتخذت إجراءات محدودة فقط لمحاولة إيقاف النشاط، إلى أن هددت شركة أبل بإزالة منتجات فيسبوك من متجر التطبيقات ما لم تتخذ إجراءات صارمة بشأن هذه الممارسات. كان التهديد ردا على تقرير قناة “بي بي سي” عن الخادمات المعروضات للبيع.
في ملخص داخلي للحلقة، كتب باحث في فيسبوك: “هل كانت هذه المشكلة معروفة لدى فيسبوك قبل استفسار بي بي سي وتهديد شركة أبل؟” تبدأ الفقرة التالية بكلمة: “نعم”.
اقترحت إحدى الوثائق التي صدرت في وقت سابق من هذه السنة أن على الشركة استخدام بعض التحذيرات الخفيفة باللغة العربية حول الاتجار بالبشر حتى لا “تنفّر المشترين”، أي مستخدمي فيسبوك الذين يشترون عقود العمالة المنزلية، غالبا في مواقف تشبه العبودية.
قال المتحدث باسم فيسبوك إن الشركة لا تتبع هذا التوجيه. وأوضح ستون: “نحن نحظر استغلال البشر بعبارات لا لبس فيها. لقد حاربنا الاتجار بالبشر على منصتنا منذ سنة 2015 ويبقى هدفنا منع أي شخص يسعى لاستغلال الآخرين من الحصول على موطئ قدم على منصتنا”. وأضاف: “لدينا فريق متخصص يعمل مع وكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم. في حالات الضرر الوشيك، قد نقدم أيضا المعلومات ذات الصلة إلى جهات إنفاذ القانون وفقا للقانون المعمول به وشروط الخدمة الخاصة بنا”.
فجوة اللغة
في إثيوبيا، استخدمت الجماعات المسلحة فيسبوك للتحريض على العنف. تُظهر الوثائق الداخلية للشركة أنها لا تملك عددا كافيا من الموظفين الذين يتحدثون بعض اللغات ذات الصلة للمساعدة في مراقبة الموقف. بالنسبة لبعض اللغات، فشل فيسبوك أيضا في بناء أنظمة آلية يمكنها التخلص من أسوأ الانتهاكات. لا تغطي أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشكل العمود الفقري لتطبيق فيسبوك معظم اللغات المستخدمة على الموقع.
لا تنشر فيسبوك أيضا “معايير المجتمع” التي تطلب من المستخدمين الالتزام بها بجميع اللغات المستخدمة في إثيوبيا، لذلك قد لا يعرف بعض المستخدمين القواعد التي من المفترض أن يتبعوها. وقالت فيسبوك هذا الأسبوع إن المعايير متاحة ببعض اللغات الإثيوبية وأنها بدأت ترجمتها إلى لغات أخرى.
في وثيقة صدرت في شهر كانون الأول/ ديسمبر، كتب فريق فيسبوك أن احتمال حدوث عواقب وخيمة في إثيوبيا كان كبيرا، وأن “معظم عملنا المتعلق بالنزاهة على امتداد السنتين الماضيتين لم يحقق نجاحا في مختلف أنحاء العالم”. وأوضح الفريق أنه في بعض الأماكن المعرضة لخطر كبير مثل إثيوبيا، “لا يعمل مراقبو المحتوى كما ينبغي، ونحن بعيدون إلى حد كبير عن معالجة هذه المشاكل على موقعنا”.
نشرت مجموعات مرتبطة بالحكومة الإثيوبية ووسائل الإعلام الحكومية تعليقات تحريضية على فيسبوك ضد أقلية التيغراي، واصفة إياهم بـ”الضباع” و”السرطان”. وانتشرت المنشورات التي تتهم التيغراي بارتكاب جرائم مثل غسيل الأموال، وقال بعض الأشخاص على الموقع إنه ينبغي القضاء على التيغراي.
تصاعد العنف في نهاية السنة الماضية عندما شنت الحكومة هجوما على ميكيلي عاصمة تيغراي. وصرّح وزير الخارجية أنتوني بلينكن في شهر آذار/ مارس بأن سكان تيغراي ضحايا للتطهير العرقي. وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الشهر الماضي أن الحكومة الإثيوبية تواصل ارتكاب أعمال عنف ضد التيغراي.
قالت شركة فيسبوك هذا الأسبوع إنها عززت أساليب المراجعة بمختلف اللغات الإثيوبية وطوّرت أنظمتها الآلية لإيقاف المحتوى الضار، مؤكدة أن لديه فريقا متخصصا لتقليل المخاطر في إثيوبيا يضم أشخاصا من المنطقة.
يتحدث الملايين من مستخدمي “فيسبوك” اللغة العربية عبر ما تسميه الشركة منطقة حساسة للغاية. يتكلم معظم مراجعي محتوى “فيسبوك” الذين يعملون باللغة العربية، اللهجة المغربية، وغالبا يعجزون عن رصد المحتوى المسيء أو العنيف بلهجات أخرى، وذلك وفقا لوثيقة صدرت في كانون الأول/ ديسمبر. لم تكن خوارزميات فيسبوك أيضا قادرة على التعامل مع اللهجات المختلفة. وقد كتب أحد الموظفين في الوثيقة أنه “من المهم بالتأكيد تخصيص المزيد من الموارد لتحسين أنظمة مراقبة المحتوى العربي”.
عندما اندلعت أعمال العنف بين إسرائيل والفلسطينيين، قامت الشركة عن طريق الخطأ بحظر مصادر الأخبار الإقليمية والناشطين باللغة العربية، وبدأت في إزالة المنشورات التي تضمنت اسم “الأقصى”، وهو أهم مسجد في القدس ومحور الصراع. تُستخدم عبارة الأقصى أيضا في اسم “كتائب شهداء الأقصى”، التي تصنفها الولايات المتحدة منظمة إرهابية. وقد كتب أحد المسؤولين في منشور داخلي “أريد أن أعتذر عن الإحباط الذي تسببت فيه هذه الأخطاء”.
يُذكر أنه تم الإبلاغ عن المشكلة مسبقا بواسطة “بازفيد”. وقد اعتذر “فيسبوك” علنا وقال هذا الأسبوع إن لديه حاليا فريقا يركز على تجنب ارتكاب أخطاء مماثلة.
صور عنيفة
تمتلك الهند أكثر من 300 مليون مستخدم للفيسبوك، أكثر من أي بلد آخر. وقد أنشأ باحثو الشركة في سنة 2019 حسابا اختباريا للمستخدمين الهنود وقالوا إنهم واجهوا “كابوسا” بمجرد اتباع الصفحات والمجموعات التي أوصت بها خوارزميات “فيسبوك”.
وكتبوا: “أصبح موجز الأخبار الخاص بمستخدم الاختبار وابلًا شبه مستمر من المحتوى القومي المتعصب والمعلومات المضللة والعنف والدماء. ويبدو أن خدمة الفيديو [فيسبوك ووتش] توصي بمجموعة من الفيديوهات الإباحية الجنسية”.
تُظهر وثائق فيسبوك أن موظفي الشركة اتفقوا على وجود جهود حكومية منظمة ضد المعارض الفيتنامي
وفي أعقاب التفجير الانتحاري الذي أسفر عن مقتل العشرات من الجنود الهنود، والذي ألقت فيه الهند باللوم على باكستان، عرض الحساب رسومات تصور قطع الرؤوس وصورا تظهر ما يُعتقد أنه جذع رجل مسلم مقطوع. وكتب أحد الباحثين قائلا: “لقد رأيت صورا لجثث أشخاص في الأسابيع الثلاثة الماضية أكثر مما رأيته في حياتي كلها”.
وقال مارك زوكربيرغ في بيان سنة 2017، إن “إعطاء الناس منبرا للتعبير هو مبدأ التزمت به منصتنا منذ أن بدأنا”، مشيرا إلى أن الشركة “ستعمل على إنشاء أساليب جديدة تشجع المشاركة المدنية المدروسة”.
سنة 2018، أخبرت شيريل ساندبرغ، مديرة العمليات في فيسبوك، إحدى لجان مجلس الشيوخ أن الشركة تدعم المبادئ الديمقراطية في جميع أنحاء العالم. وعندما سُئلت عن عمليات فيسبوك في فيتنام، قالت: “لن نعمل إلا في بلد يمكننا أن نطبق فيه قيمنا”.
فرض فيسبوك قيودا على قدرة المستخدمين في فيتنام على متابعة منشورات بوي فان ثوان، وهو معارض بارز للحكومة الاستبدادية في فيتنام، لمدة تسعة أشهر بداية من السنة الماضية. وقال ثوان إن فيسبوك اتخذ هذه الإجراءات بعد أن أرسلت مجموعة تشرف عليها الحكومة آلاف الشكاوى إلى فيسبوك بشأن منشوراته.
تُظهر وثائق فيسبوك أن موظفي الشركة اتفقوا على وجود جهود حكومية منظمة ضد ثوان، واستخدموا قضيته وصورة له وحسابه الشخصي على فيسبوك كمثال على ما وصفوه بالمضايقات المنهجية.
أحصى فيسبوك 153 ألف من هذه الحوادث المبلغ عنها على مدار ثلاثة أشهر عبر 36 مجموعة خاصة، وعلى الأرجح “بتكليف وإدارة من قبل كيانات حكومية أو عسكرية”. وقالوا إن الجهود كُللت بالنجاح، من خلال تقييد منشورات الحساب المستهدف.
وقالت شركة فيسبوك السنة الماضية إنها وافقت على تقييد الوصول إلى المحتوى السياسي المعارض وغير القانوني، في مقابل إنهاء الحكومة الفيتنامية ممارساتها المتمثلة في إبطاء خوادم فيسبوك محليا للضغط على الشركة.
وقال موظف سابق في فيسبوك عمل في آسيا إن الشركة على علم بأن الحكومة الفيتنامية تستخدم المنصة لإسكات المعارضين، ولكنها تتسامح مع هذه الممارسات لأن فيتنام سوق إعلاني سريع النمو.
وقال ستون، المتحدث باسم فيسبوك، إن “هدفنا يكمن في الحفاظ على تواصل خدماتنا في فيتنام حتى نتمكن من توفير مساحة لأكبر عدد ممكن من الأشخاص للتعبير عن آرائهم والتواصل مع الأصدقاء وإدارة أعمالهم. ومثلما قلنا السنة الماضية، فإننا نقيّد بعض المحتوى في فيتنام لضمان بقاء خدماتنا متاحة لملايين الأشخاص الذين يعتمدون عليها يوميا”.
الجدير بالذكر أنه تم رفع القيود المفروضة على حساب ثوان السنة الماضية، لكنه قال إنه لا يزال يواجه مضايقات مستمرة على فيسبوك. وقالت شركة فيسبوك هذا الأسبوع إن ملف ثوان الشخصي تم تقييده عن طريق الخطأ وأنه تم تصحيح الخطأ.
قام فريق محققي الاتجار بالبشر التابعين لشركة فيسبوك، والذي يضم بالإضافة إلى ضابط الشرطة السابق، خبيرا ماليا بولنديا قام بالتحقيق في تمويل الاتجار بالبشر في بنك “إتش إس بي سي“، وخبيرا مغربيا كان يعمل سابقا في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بجمع أدلة على الاتجار بالبشر.
من خلال البحث عبر منصات فيسبوك المختلفة، وجدوا شبكات إجرامية تجند أشخاصا من البلدان الفقيرة، وتنسق سفرهم وتوظفهم في الخدمة المنزلية أو في أعمال الدعارة القسرية في الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج العربي الأخرى. وقد سهلت منصات فيسبوك هذه الخطوات، وقد تتبع المحققون الاتصالات عبر المنصات لتحديد الجناة والضحايا.
لم يكن فيسبوك في سنة 2018 يتبع بروتوكولا خاصا للتعامل مع تجنيد المنشورات للعبودية المنزلية. في شهر آذار/ مارس سنة 2018، وجد الموظفون ملفات شخصية على أنستغرام مخصصة للاتجار بخدم المنازل في المملكة العربية السعودية. وتقول مذكرة داخلية إنه سُمح لهم بالبقاء على الموقع لأن سياسات الشركة “لم تعترف بالانتهاك”.
وقد حدد فريق التحقيق العديد من مجموعات الاتجار بالبشر التي تمارس عملياتها على فيسبوك، وقد رصدوا مجموعة تضم 20 ضحية على الأقل، فضلا عن عدد من المنظمين الذين أنفقوا ما لا يقل عن 152 ألف دولار على إعلانات لصالات تدليك.
واصل الفريق العثور على منشورات تتعلق بالاتجار بالبشر، وواجه فيسبوك صعوبة في وضع سياسات فعالة
وفقا للوثائق، أوصى ضابط الشرطة السابق بأن يقوم فيسبوك بتعطيل أرقام واتساب المرتبطة بهذه الشبكات، ووضع سياسات جديدة حول الإعلانات مجهولة المصدر، وتحسين الذكاء الاصطناعي لاستئصال المنشورات المتعلقة بالاتجار بالبشر. وأضاف الضابط أنه يتعيّن على فيسبوك تطوير شبكة لمنع الاتجار بالبشر من خلال مشاركة النتائج مع شركات التكنولوجيا الأخرى.
وفي مذكرة أخرى، كتب خبير الاتجار البولندي أنه بعد 18 شهرا من تحديد المشكلة لأول مرة، لم يعتمد فيسبوك أنظمة جديدة للعثور على منشورات الاتجار بالبشر وإزالتها.
يُذكر أن شبكة “بي بي سي” وشركة أبل أبلغتا عن مخاوفهما في سنة 2019. وكتب خبير الاتجار بالبشر أن هذا التهديد سيكون له “عواقب وخيمة على الأعمال التجارية”، لذلك سارع فيسبوك إلى اتخاذ إجراءات في الغرض. وقد اكتشفت عملية مسح استباقية باستخدام البحث السابق لفريق التحقيق أكثر من 300 ألف حالة من الانتهاكات المحتملة وعطلت أكثر من 1000 حساب.
واصل الفريق العثور على منشورات تتعلق بالاتجار بالبشر، وواجه فيسبوك صعوبة في وضع سياسات فعالة. وتقول إحدى الوثائق إن فيسبوك أجّل مشروعا يهدف إلى تحسين فهم الاتجار بالبشر. وتقول مذكرة أخرى “نحن نعلم أننا لا نريد قبول الربح من الاستغلال البشري. فكيف نريد حساب هذه الأرقام وماذا نريد أن نفعل بهذه الأموال؟ّ”.
في نهاية سنة 2020، أي بعد ثلاثة أشهر من قيام فيسبوك بالتحقيق في عشرات الشبكات المشتبه في قيامها بالاتجار بالبشر، أُلغي النظام المسؤول عن الكشف عن تلك الانتهاكات. وبحسب الوثائق، قال محققو الاتجار بالبشر في الشركة إن ذلك أضر بجهودهم.
وكتب أحد الموظفين وثيقة بعنوان “الخدمة المنزلية: هذا لا ينبغي أن يحدث على فيسبوك”، موصيا الشركة بإعادة تنشيط نظام الكشف عن الانتهاكات. قال فيسبوك هذا الأسبوع إن هناك أنظمة فحص مماثلة قيد التشغيل.
علاوة على ذلك، كافح فريق التحقيق للحد من الاتجار بالجنس. ففي سنة 2019، اكتشف المحققون وكر دعارة ينشط في صالات تدليك بالولايات المتحدة، وقدم فيسبوك معلومات إلى الشرطة التي قامت بعدد من الاعتقالات.
واكتشف فيسبوك شبكة دعارة أكبر بكثير تستخدم الموقع لتجنيد نساء من تايلاند ودول أخرى. وبحسب تقرير داخلي، فقد تم احتجاز النساء وحرمانهن من الطعام، وأُجبرن على ممارسة الجنس في صالونات التدليك في دبي.
أزال فيسبوك المنشورات لكنه لم ينبه سلطات إنفاذ القانون المحلية. ووفقا للتقرير، كشف التحقيق أن المتجرين قدموا رشوة للشرطة المحلية للتغاضي عن الانتهاكات التي يرتكبونها. وقال فيسبوك هذا الأسبوع إنه أطلق برامج جديدة هذه السنة من شأنها أن تقلل من احتمالات عثور المستخدمين على محتوى متعلق بالاتجار بالجنس.
خلال السنة الماضية، استعان موقع فيسبوك بخبير لتقديم المشورة بشأن مخاطر استمرار الاتجار بالبشر على منصاته. ووفقا للوثائق، أوصى المستشار بأنه إذا جاءت الإيرادات من إعلانات الاتجار، يتعين على فيسبوك تطوير سياسات جديدة، كأن يتخلى عن هذه الإعلانات، لتجنب إضافة الأموال إلى خزائن فيسبوك.
قصة السيدة كيماني
في شهر كانون الثاني/ يناير، شاهدت باتريشيا وانغا كيماني، وهي معلمة وكاتبة مستقلة تبلغ من العمر 28 سنة، وتعيش في نيروبي، منشورا على فيسبوك يخص عرض عمل يتضمن تذاكر سفر وتأشيرات مجانية، على الرغم من حظر فيسبوك إعلانات التوظيف التي تروّج لمصاريف سفر وتأشيرات المجانية، وذلك وفقًا للوثائق.
وقالت كيماني في مقابلة مع وول ستريت جورنال إن “معظم المنشورات كانت تشير إلى الحاجة إلى عمال نظافة في المملكة العربية السعودية”، وأضافت أنها حصلت على عرض بقيمة 300 دولار شهريا للعمل في خدمة تنظيف في الرياض.
في مطار نيروبي، أعطاها المسؤول عقدا لتوقع عليه، وأخبرها أنها ستحصل على أجر أقل بنسبة 10 بالمئة مما وُعدت به في البداية، وأن صاحب العمل هو الوحيد الذي يمكنه إنهاء العقد. وفي حال أرادت السيدة كيماني الاستقالة، تفقد تأشيرتها وتصبح مقيمة في المملكة العربية السعودية بشكل غير قانوني. لهذا السبب، أخبرت السيدة كيماني المسؤول عن عملية التوظيف بأنها ستعدل عن قرارها.
لكن المسؤول أخبرها أن عقدها تم بيعه بالفعل إلى صاحب العمل، ويتعين على الوكالة أن تقدم له تعويضات في حال تراجعت عن قرارها، وأبلغها بأنه يتعين عليها أن تدفع للوكالة لتعويض الضرر. ولأنها لم تكن تملك المال لدفع التعويض، اضطرت إلى السفر إلى الرياض، واحتفظت الوكالة بجواز سفرها.
عملت كيماني في منزل سيدة وصفتها بـ”الكلبة”، ونامت في غرفة تخزين بدون تكييف، وكان فناء المنزل مغلقا وجدرانه عالية، ما يعني أن الهروب كان مستحيلا. قالت كيماني إنها كانت تعمل من الخامسة صباحا حتى الغسق في التنظيف، وأنها كانت “منفصلة تمامًا عن بقية العالم”. وأضافت أنها مرضت ولم يُسمح لها بالعلاج، ولم تحصل على أجر.
وبعد شهرين، أخبرت الوكالة أنها تريد العودة إلى كينيا، لكنهم أخبروها أن عليها دفع 2000 دولار لفسخ العقد. لم يكن لديها المال، وقد تحدثت عن محنتها على فيسبوك، وأشارت إلى مكتب التوظيف الذي أخرجها من العمل ووضعها في مركز للترحيل.
في النهاية، أرسلت منشوراتها إلى مسؤول في المنظمة الدولية للهجرة، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة، والتي ساعدت في التفاوض على إطلاق سراحها والعودة إلى كينيا في تموز/ يوليو.
أكدت كيماني أن فيسبوك ساعدها على الخروج من محنتها، محذرة من مخاطر التعرض للاتجار بالبشر، وعبّرت عن أملها في أن يبذل فيسبوك جهودا أكبر في هذا المجال: “أعتقد أنه يجب القيام بشيء ما حتى لا يعيش أي شخص هذه التجربة دون معرفة مسبقة بما قد يحدث له”.
المصدر: وول ستريت جورنال