ترجمة وتحرير: نون بوست
خلصت مراجعة دقيقة، أجرتها صحيفة وول ستريت جورنال، لمئات الوثائق الداخلية في شركة فيسبوك، بما في ذلك التقارير البحثية ومناقشات الموظفين عبر الإنترنت ومسودات العروض التقديمية للإدارة العليا، إلى أن فيسبوك تعرف بتفاصيل دقيقة أن منصاتها مليئة بالعيوب التي تسبب الضرر، غالبًا بطرق لا تفهمها سوى الشركة وحدها.
وبحسب سلسلة التقارير التي نشرتها “وول ستريت جورنال” ويترجمها “نون بوست“، فقد أظهرت الوثائق مرارًا وتكرارًا أن باحثي فيسبوك قد حددوا الآثار السيئة للمنصة. وعلى الرغم من جلسات الاستماع في الكونجرس، وتعهدات فيسبوك العديدة والمتكررة بإصلاحها، إلا أن الشركة -كما تظهر الوثائق- لم تتخذ خطوة بهذه الاتجاه.
أظهرت وثائق فيسبوك أن النشطاء المعارضين للقاحات قوضوا طموح الرئيس التنفيذي للشركة لدعم حملات التطعيم عن طريق إغراق الموقع واستخدام أدوات فيسبوك لبث الشكوك حول لقاحات كوفيد-19.
وفي منتصف شهر آذار/ مارس، استخدم مارك زوكربيرغ صفحته على فيسبوك للإعلان عن طموحه الشخصي، إذ أراد أن تستخدم شركته مواردها الهائلة لدفع 50 مليون شخص نحو الحصول على لقاحات كوفيد-19.
وتحدث الرئيس التنفيذي في بيان صحفي، عن مبادرات فيسبوك للترويج للقاحات، وكشف النقاب عن التعاون مع مختلف المنظمات الصحية العالمية. وأشار أيضا إلى أن شركته قد “أمدّت بالفعل أكثر من ملياري شخص بمعلومات موثوقة حول كوفيد-19”.
في المقابل، حذر الموظفون داخل فيسبوك من أن منصة زوكربيرغ أصبحت تقف أمام طموحاته.
حذر باحثو فيسبوك لأكثر من شهر من أن التعليقات على المنشورات المتعلقة باللقاحات، والتي غالبا ما تكون منشورات موثوق بها، مليئة بالخطاب المضاد للتطعيم، وفقًا للوثائق الداخلية التي اطلعت عليها وول ستريت جورنال. وتراوحت التعليقات من الاعتراضات الشخصية وصولا إلى ترويج نظريات المؤامرة.
وتقول الوثائق إن موجة التعليقات السلبية أثارت قلق المؤسسات الصحية العالمية، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية واليونيسيف، حيث أشارت إحدى المذكرات الداخلية في فيسبوك إلى “المعلقين المناهضين للقاح الذين يحتشدون بقوة في صفحاتهم”.
في الأسابيع التي سبقت إعلان زوكربيرغ، قالت مذكرة أخرى إن الاختبار الأولي خلص إلى أن ما يقرب من 41 بالمئة من التعليقات على المنشورات المتعلقة باللقاحات باللغة الإنجليزية تميل إلى معارضة اللقاحات. وأضافت المذكرة أن المستخدمين كانوا يرون تعليقات على المنشورات المتعلقة باللقاحات 775 مليون مرة في اليوم، والنسبة الكبيرة من التعليقات السلبية يمكن أن تؤثر على تصورات سلامة اللقاحات. كما كتب المؤلفون أن المصادر الموثوقة لمعلومات اللقاح أصبحت “بؤرا للتعليقات المضادة للقاح”، وقالوا إن “هذه مشكلة كبيرة ونحن بحاجة إلى حلها”.
كان هدف فيسبوك هو حماية نشر لقاحات كوفيد-19، والتي وُصفت في إحدى المذكرات على أنها “أولوية قصوى للشركة”، حيث يؤمن زوكربيرغ بأن منصته يجب أن تعمل من أجل مصلحة المجتمعات في جميع أنحاء العالم. لكن هذا الجهد انتهى بإظهار الفجوة الكبيرة بين تطلعاته والواقع العملي لأكبر منصة تواصل اجتماعي في العالم.
تُظهر الوثائق أن فيسبوك قد بذل في كثير من الأحيان جهودا غير كافية وغير فعالة لمعالجة المشاكل التي يقلل من شأنها
وتظهر المذكرات أنه على الرغم من جهود زوكربيرغ، فإن مجموعات من النشطاء في مجال معارضة اللقاحات أغرقت الشبكة بما يسميه فيسبوك “حاجزا أمام التطعيم”، حيث استخدموا فيسبوك لبث الشكوك حول حقيقة تهديد الوباء وسلامة اللقاحات.
أدى انتشار المعلومات الكاذبة والمضللة حول اللقاحات على فيسبوك بحلول هذا الصيف، إلى توبيخ حاد من الرئيس بايدن، الذي قال إن الأكاذيب “تقتل الناس”.
تعدّ الوثائق المتعلقة باللقاحات جزءا من مجموعة من الوثائق الداخلية التي اطلعت عليها وول ستريت جورنال، والتي تقدم صورة واضحة عن كيفية إدراك فيسبوك تماما أن المنتجات والأنظمة الأساسية للشركة تفشل بشكل روتيني وتسبب الكثير من الأضرار.
يوضح تحقيقنا كيف تتحيز قواعد فيسبوك للنخبة، وكيف تؤثر منصاته سلبا على الصحة العقلية للمراهقين وتعزز الخلافات. ويكشف التحقيق أن عصابات المخدرات والمتاجرين بالبشر يستخدمون خدمات فيسبوك علانية.
وتُظهر الوثائق أن فيسبوك قد بذل في كثير من الأحيان جهودا غير كافية وغير فعالة لمعالجة المشاكل التي يقلل من شأنها. ومنذ أن بدأت وول ستريت جورنال في نشر سلسلة المقالات عن فيسبوك، أعرب العديد من المشرعين عن غضبهم من هذه التسريبات، وأعلن اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ عن فتح تحقيق حول كيفية تأثير الإنستغرام على المستخدمين الشباب.
أصبح بعض مسؤولي فيسبوك قلقين من أن زوكربيرغ أو رئيس العمليات شيريل ساندبرغ قد يواجهان أسئلة من المشرعين حول مدى توافق بياناتهم العامة السابقة بشأن هذه القضايا مع التقييمات الداخلية للشركة. كما قالت بعض المصادر إن الشركة تعمل أيضا على تشديد القيود على مشاركة المعلومات داخليا.
تلامس قضية كوفيد-19 على وجه الخصوص جوهر مشكلة فيسبوك، حيث يقوم المستخدمون بإنشاء المحتوى، ولكن من الصعب التحكم في تعليقاتهم ومنشوراتهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم، نظرا إلى النظام الأساسي الذي بُني عليه فيسبوك، والذي يتم تشغيله بطرق تختلف اختلافا جوهريا عن أي شركة تتحكم بمنتجها أو أو ناشر أو وسيلة إعلامية، وهو ما جعل توجيه المنصة أمرا صعبا على الرئيس التنفيذي.
وقال المتحدث باسم فيسبوك، آرون سيمبسون، في بيان: “نحن نركز على النتائج التي تظهرها البيانات في الولايات المتحدة، فقد انخفض التردد بشأن اللقاحات بنحو 50 بالمئة منذ كانون الثاني/ يناير، في حين ارتفع معدل القبول”. وأضاف: “الوثائق تظهر عمليات فيسبوك الروتينية للتعامل مع التحديات الصعبة والتوصيف الدقيق للوثائق المسربة لا يمثل المشكلة بدقة، كما أنه يتجاهل العمل الجاري لإظهار التعليقات على المشاركات حول كوفيد-19 واللقاحات الأكثر أمانًا وموثوقية”.
نظرة متفائلة
لطالما اعتقد زوكربيرغ بأن فيسبوك سيكون أداة في حل مشاكل العالم والتواصل بين الناس. لكن مسؤولين تنفيذيين سابقين يقولون إن التفاؤل جعله وشركته غير جاهزين عندما يستخدم الناس المنصة بطرق غير متوقعة.
يقول بريان بولاند، نائب رئيس فيسبوك السابق، الذي غادر في أواخر السنة الماضية، إن الشركة لم تكن صريحة بما يكفي بشأن مشاكلها، مشيرا إلى أن: “الرواية المتداولة داخليا هو أن المنصة جيدة إلى حد كبير”. وينسب بولاند إلى زوكربيرغ الفضل في جعل فيسبوك يعمل بسرعة على المبادرات الصحية أثناء الوباء، لكنه يؤكد أن تركيزه على ربط الناس خلق نقطة عمياء لقادة الشركة. وأضاف: “لم يكن هناك الكثير من النقاش الداخلي، هل ينشر المستخدمون رسائل ضارة على المنصة؟”
وبالمثل، كافح فيسبوك في التعامل مع انتشار الأخطاء في قضايا أخرى، من نظريات مؤامرة “كانون” وغيرها من الأكاذيب الانتخابية، إلى علاجات السرطان الخادعة، وإنكار الهولوكوست. في البداية، سمح زوكربيرغ بترويج مثل هذه الأفكار على المنصة لأسباب تتعلق بحرية التعبير، لكنه غيّر موقفه السنة الماضية، مشيرا إلى أن الأفكار المعادية للسامية في تصاعد كبير.
يستخدم بعض النشطاء السياسيين مجموعات فيسبوك، وهي مجموعات مخصصة للمواضيع والاهتمامات المشتركة، لإثارة العنف. روجت الشركة بشكل كبير لهذا المنتج منذ سنوات، لكنها شددت الرقابة عليه في أعقاب الانتخابات الأمريكية سنة 2020.
كان لدى فيسبوك الكثير من التحذيرات من أن حملة لطرح لقاح جديد قد تثير رد فعل عنيف، وقد تستفيد منه المجموعات المعارضة للقاحات لكسب متابعين ونشر ادعاءات كاذبة وسط تفشي مرض الحصبة في أجزاء من الولايات المتحدة سنة 2019. أثارت القضية غضبا عارما وتوعد فيسبوك باتخاذ إجراءات صارمة.
تؤكد رينيه ديريستا، الباحثة البارزة في مجال المعلومات عبر الإنترنت في مرصد ستانفورد ،والتي قدمت المشورة للكونغرس ووزارة الخارجية، إنها حذرت فيسبوك بانتظام من تكتيكات النشطاء المعارضين للقاحات قبل فترة طويلة من تفشي وباء كوفيد-19. وقالت ديريستا: “أدرك الموظفون في الشركة أنها مشكلة، لكن أين ردة الفعل؟”.
أبلغ موظفو فيسبوك سابقا عن التعليقات المضللة باعتبارها مشكلة لم تتم معالجتها بشكل مناسب. ووفقا لموظف سابق ووثائق اطلعت عليها وول ستريت جورنال، وجدت التحقيقات الداخلية التي أجريت سنتي 2018 و2019 أن التعليقات “مصدر أساسي للمعلومات المضللة، حتى في المقالات التي تبدو غير ضارة”.
غالبا ما يعمل زوكربيرغ على الحد من تدخل فيسبوك في المحتوى المثير للجدل، قائلا إنه لا ينحاز إلى أي طرف في القضايا المثيرة للجدل مثل السياسة، ولا يريد أن يكون حكما. وقد أوضح أن دعمه للقاحات كوفيد-19 ينبع من رغبته بأن يساعد فيسبوك سلطات الصحة العامة في جهود التطعيم.
اهتم الرئيس التنفيذي لفيسبوك وزوجته، بريسيلا تشان، وهي طبيبة أطفال، منذ فترة طويلة بالصحة العامة، عبر تأسيس مبادرة تشان زوكربيرغ الخيرية سنة 2015. كما كتب في نفس السنة منشورا على فيسبوك يوصي فيه بكتاب يشرح سبب عدم وجود شكوك حول اللقاحات.
كثيرا ما وصف زوكربيرغ شركته بأنها محرك قوي لتحسين العالم. وفي مقال من 5700 كلمة نُشر سنة 2017، عندما تعرضت المنصة لانتقادات شديدة بعد انتخابات سنة 2016، كتب أن مهمة فيسبوك التالية هي المساعدة في تشييد “البنية التحتية الاجتماعية” لجعل العالم أكثر مرونة في مواجهة الأزمات. وأضاف زوكربيرغ: “تحتاج تحدياتنا الكبرى أيضا إلى استجابات عالمية، مثل إنهاء الإرهاب، ومكافحة تغير المناخ، ومقاومة الأوبئة”.
في شباط/ فبراير 2020، ومع انتشار فيروس كورونا، افتتح فيسبوك مقره الرئيسي في مينلو بارك بكاليفورنيا أمام منظمة الصحة العالمية لعقد اجتماع مع شركات التكنولوجيا، بما في ذلك شركة ألفابت وغوغل تويتر، حيث ناقش مسؤول من منظمة الصحة العالمية دور الشركات في نشر “المعلومات الصحية المنقذة للحياة”.
كما أرسل زوكربيرغ رسالة بريد إلكتروني إلى أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، ليسأله عن كيفية المساعدة شخصيا في تمويل تجارب اللقاحات، وفقا للمراسلات التي اطلعت عليها وول ستريت جورنال وفقا لقانون حرية المعلومات.
وفي رسائل البريد الإلكتروني اللاحقة إلى الدكتور فاوتشي، قدم زوكربيرغ اعتمادات إعلانات فيسبوك الحكومية لفائدة المصلحة العامة، بالإضافة إلى بيانات المستخدمين للمساعدة في اتخاذ القرارات. كما سأل عما إذا كان الدكتور فاوتشي سيظهر معه في بث مباشر حول الوباء، وقد ظهر الاثنان في فيديو مباشر على فيسبوك بعد أربعة أيام.
وأعلن زوكربيرغ أيضا أن فيسبوك سينسق جهوده مع السلطات الصحية العالمية مثل منظمة الصحة العالمية، لمساعدة المستخدمين في البحث عن معلومات حول فيروس كورونا. وقال إن فيسبوك يعمل على إزالة المزاعم الكاذبة ونظريات المؤامرة التي أشارت إليها السلطات، وأن معيار الشركة في ذلك الوقت هو إزالة الادعاءات الكاذبة حول كوفيد-19، والتي من الممكن أن تسبب ضررا وشيكا، مثل الوعود بالحماية من المرض.
وفي نيسان/ أبريل، قال جاي روزن، نائب رئيس النزاهة في فيسبوك، إن المنصة تحث المستخدمين الذين تفاعلوا أو علقوا على المنشورات المتعلقة بكوفيد-19، والتي أزالتها الشركة لاحقا، على مشاركة المعلومات التي تنشرها من منظمة الصحة العالمية.
كما كتب زوكربيرغ في منشور مصاحب قائلا إن فيسبوك قد أزال مئات الآلاف من الادعاءات الكاذبة حول كوفيد-19: “خلال هذه الأزمة، تتمثل إحدى أولوياتي القصوى في التأكد من أنك ترى معلومات دقيقة وموثوق بها عبر جميع تطبيقاتنا”.
منشورات “الحيتان الكبيرة”
أظهرت بعض الوثائق أن فيسبوك ذهب إلى أبعد من ذلك، وناقش ما يمكن أن يفعله للحد من المشاركات التي لا تنتهك قواعده، والتي تم تصنيف العديد منها على أنها زائفة، لكن لم تتم إزالتها.
لم يكن زوكربيرغ مستعدا لتبني نهج أكثر صرامة ضد المستخدمين، لكن شركته التزمت بإزالة المحتوى الذي قال مسؤولو الصحة إنه يشكل تهديدا وشيكا
كجزء من هذه المناقشات، في مذكرة صدرت في حزيران/ يونيو 2020، غيّر فيسبوك ترتيب المحتوى المتعلق بالصحة بطريقة قللت من عدد المشاهدات لما أُطلق عليه “فيسبوك هيلث ميسينفو” بنسبة تتراوح بين 6.7 و9.9 بالمئة.
مع ذلك، كانت المعلومات الخاطئة والمضللة حول فيروس كورونا منتشرة على الموقع. عرض مقطع فيديو بعنوان “وباء” في أيار/ مايو 2020، الكثير من الادعاءات الكاذبة، مثل فكرة أن الأقنعة تزيد من المرض، وقد حظي بشعبية كبيرة على فيسبوك وروجت له إعلانات المنصة قبل أن تزيله الشركة.
وفي آب/ أغسطس 2020، خلص تقرير صادر عن مجموعة آفاز إلى أن أكبر 10 مروجين لما أطلقت عليه المجموعة “معلومات صحية مضللة” كانوا يحصلون على ما يقرب من أربعة أضعاف عدد الآراء التقديرية على فيسبوك، مقارنة بالمصادر العشرة الأولى للمعلومات الموثوقة. وحذرت آفاز من أن فيسبوك بحاجة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة للتغلب على شبكات ترويج المعلومات المضللة حول كوفيد-19.
لم يكن زوكربيرغ مستعدا لتبني نهج أكثر صرامة ضد المستخدمين، لكن شركته التزمت بإزالة المحتوى الذي قال مسؤولو الصحة إنه يشكل تهديدا وشيكا.
وقال زوكربيرغ في مقابلة مع موقع أكسيوس في أيلول/ سبتمبر: “أعتقد أنه إذا أشار شخص ما إلى حالة تسبب فيها اللقاح بضرر، أو كان قلقا بشأنه، فمن الصعب أن أقول، من وجهة نظري، إنه لا ينبغي السماح لك بالتعبير عن ذلك على الإطلاق”.
مع بدء طرح اللقاحات في وقت مبكر من هذه السنة، استغل النشطاء المعارضون هذا الموقف، وقد وجد تحليل لاحق أن عددا قليلا من “الحيتان الكبيرة” كانت وراء العديد من المنشورات والمجموعات المناوئة للقاحات على المنصة. ومن بين نحو 150 ألف منشور في مجموعات فيسبوك تم تعطيلها بسبب معلومات مضللة عن كوفيد-19، كان نصف المنشورات صادرا عن 5 بالمئة فقط من المروجين، وكان نحو 1400 مستخدم مسؤولين عن دعوة نصف أعضاء المجموعات الجدد.
كما حذر باحث في فيسبوك من أن القوى المناهضة للقاحات تهيمن على التعليقات على المنشورات، مما قد يعطي المستخدمين انطباعا خاطئا بأن مثل هذه الآراء منتشرة على نطاق واسع. وكتب الباحث في وقت مبكر من هذه السنة: “لقد أخذت خلال الأسبوعين الماضيين عينات عشوائية من التعليقات باللغة الإنجليزية التي تحتوي على عبارات متعلقة بفيروس كوفيد-19 وعبارات متعلقة باللقاح”، وأضاف أنه بناء على تقييمه لـ110 تعليقا، كان حوالي ثلثي التعليقات “مناوئا للقاحات”.
وكتب اثنان من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين إلى زوكربيرغ يشتكيان من أن النشطاء استخدموا فيسبوك لتنظيم احتجاج تسبب بإغلاق مركز للتلقيح في ملعب دودجر في لوس أنجلوس. وقال أحدها إن “نظريات المؤامرة التي يتم تبادلها على فيسبوك بشكل يومي تعمل على تهيئة بيئة محفوفة بالمخاطر خلال حالة الطوارئ الصحية العامة”.
أجرى فيسبوك في شباط/ فبراير تغييرا كبيرا لمواكبة موجة المحتوى المضاد للقاحات. وقالت الشركة إنها ستزيل قائمة طويلة من الادعاءات الكاذبة، أكثر مما قامت به سابقا، بما في ذلك الادعاءات بأن اللقاحات غير فعالة، أو أن الإصابة بالمرض أكثر أمانا من التطعيم، بدلاً من مجرد تصنيفها على أنها كاذبة. وقد وجدت إحدى المذكرات في وقت مبكر من السنة الحالية أن أكثر من خُمس المنشورات المتعلقة باللقاحات باللغة الإنجليزية معادية للتلقيح.
عانت جهود الشركة من العديد من المشاكل التقنية، حيث قام أحد موظفي النزاهة بتوزيع مذكرة حول منشور حصل على 53 ألف إعادة مشاركة وثلاثة ملايين مشاهدة. وقال المنشور إن اللقاحات “كلها تجريبية وأنت في التجربة”، بينما أوضح الموظف في المذكرة أن أنظمة فيسبوك اعتقدت خطأ أن المنشور مكتوب باللغة الرومانية، ولهذا السبب لم تتم إزالته أو تصنيفه كمحتوى غير ملائم.
كما تظهر الوثائق أنه حتى عندما عملت على النحو المنشود، فإن الأنظمة المستخدمة لاكتشاف منشورات اللقاح المضللة لم تكن مناسبة للتعامل مع التعليقات.
توصل اثنان من خبراء البيانات على فيسبوك بحلول أواخر شباط/ فبراير إلى طريقة تقريبية لكشف ما أسموه التعليقات “المترددة حول اللقاح”. وقد كتبوا أن “التردد بشأن اللقاحات في التعليقات منتشر” بمعدل مرتين مقارنة بالمنشورات. كما أشار أحد الخبراء إلى أن قدرة الشركة على اكتشاف المحتوى المضلل في التعليقات كانت “سيئة في اللغة الإنجليزية، وغير موجودة أساسا في أي لغة أخرى”.
وقال المتحدث باسم فيسبوك، إن البحث المذكور كان أوليا و”بالغ في تحديد كمية محتوى اللقاح المضلل”.
كما تُظهر الوثائق أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) كانت من بين العديد من المنظمات العالمية التي أعربت لفيسبوك عن مخاوفها بشأن التعليقات المضادة للتطعيم في منشوراتها، حيث تضمنت مذكرتان منشورا لمنظمة اليونيسف تستعرض فيه “إجابات الخبراء على الأسئلة الشائعة حول لقاحات كوفيد-19″، وأعربت عن قلقها من التعليقات .
وقال أحد موظفي اليونيسف في مقابلة إن المنظمة لاحظت أن منشوراتها المؤيدة للقاح تواجه “طوفانا كبيرا من المشاعر المضادة” عند الوصول إلى جمهور أوسع من المعتاد، وهو ما حدث عند ظهور متحدث رسمي مشهور.
وأضاف الموظف أن النصيحة الرئيسية من فيسبوك لليونيسيف كانت “الاستمرار في نشر المعلومات التي نعلم أنها تُخترق وتستهدف جمهورنا الرئيسي”.
وقالت منظمة اليونيسف إنها واصلت الترويج لمنشورات اللقاح الخاصة بها باستخدام أرصدة إعلانات فيسبوك لأن استطلاعاتها أظهرت أن الحملات تعمل على تعزيز ثقة اللقاح.
كبح التعليقات
طرح فيسبوك في أواخر آذار/ مارس تغييرا لمساعدة المستخدمين على التعامل مع الردود المعادية لمنشوراتهم العامة عن طريق إيقاف التعليقات. ولم تذكر المنصة المحتوى المضاد للتطعيم على وجه التحديد عند الإعلان عن هذا التغيير، ولكن نائب رئيس النزاهة، كشف في مذكرة داخلية أنه يتعلق بمكافحة التعليقات المعادية للقاحات.
كما خفض فيسبوك عدد التعليقات التي يمكن أن يدلي بها المستخدمون على منشورات من مصادر صحية موثوقة من 300 إلى 13 تعليقا في الساعة، وفقًا لإحصاء داخلي صدر في 2 نيسان/ أبريل، بغض النظر على التحقيق الذي أظهر أن عددا صغيرا من المنشورات والمعلقين كانوا مسؤولين عن كمية كبيرة من المحتوى المضاد للتطعيم.
كما قامت الشركة في أوائل شهر أيار/ مايو بتنشيط المزيد من الرقابة على المحتوى المضاد للقاحات، أو الذي يحذر منها بشكل غير مباشر.
وقال سيمبسون إن الشركة اتخذت أيضا خطوات أخرى في الربيع لمحاولة احتواء مشاكل التعليقات، بما في ذلك خفض ترتيب جميع التعليقات المتعلقة باللقاحات، والتي تُصنف ضمن التعليقات المثيرة للقلق أو غير المشجعة على تلقي اللقاح. كما قدم فيسبوك للمعلقين على المنشورات المتعلقة بكوفيد-19 اختيارات مكتوبة مسبقًا للتشجيع على التطعيم، وهي ميزة استخدمها المعلقون 70 ألف مرة في شهر آب/ أغسطس، وحصلت على أكثر من 10 ملايين مشاهدة.
وحسب الوثائق، كان باحثو الشركة يفكرون في تطوير أدوات أخرى أيضا، حيث كتبوا في مذكرة داخلية: “قد يكون من المفيد إنشاء بعض المصنفات للتنبؤ بالكيانات التي تنتهك القواعد”، مثل تلك التي تطلق عليها المنصة كيانات مناهضة للقاحات.
وقال مسؤول أمريكي إن مسؤولين في إدارة بايدن كانوا يطلبون من فيسبوك في ذلك الوقت معلومات حول تعاملها مع الأخبار الكاذبة عن اللقاحات. ولكن مع استمرار انتشار مثل هذا المحتوى، أصبحت الإدارة غير راضية بشكل متزايد عن ردود فيسبوك على طلبات الحصول على معلومات. كما حذر الجراح فيفيك مورثي في تموز/ يوليو من أن وسائل التواصل الاجتماعي “مكّنت الأخبار الخاطئة من تسميم بيئة معلوماتنا، مع القليل من المساءلة لمستخدميها”. وأكد الرئيس بايدن أنه يأمل أن يقوم فيسبوك “بشيء حيال المعلومات المضللة” عن اللقاحات.
وقال المسؤول الأمريكي هذا الشهر إن مسؤولي إدارة بايدن ما زالوا محبطين للغاية بشأن مستوى تعاون فيسبوك فيما يخص المعلومات المضللة عن لقاحات كورونا.
وشدد نائب رئيس النزاهة في فيسبوك في بيان صادر في تموز/ يوليو على أن الشركة ليست مسؤولة عن التردد بشأن اللقاحات في الولايات المتحدة، وأنها تساعد في الترويج للقاحات. وتحدث روزن عن دراسة استقصائية أظهرت أن قبول اللقاح من قبل مستخدمي فيسبوك في الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 10 إلى 15 نقطة مئوية منذ كانون الثاني/ يناير، وقال إن فيسبوك أزال أو قلل من ظهور أكثر من 185 مليون منشور من المحتويات الكاذبة والمضللة المتعلقة بكوفيد-19.
وأظهرت وثائق فيسبوك أنها لعبن دورا في اللحاق بالركب لعدة أشهر، في محاولة لإدارة سيل المعلومات المضللة والكاذبة التي تهدف إلى تقويض جهود التطعيم.
وفي اجتماع لقيادة فيسبوك في مينلو بارك مطلع هذا الشهر، ناقش بعض المسؤولين ما إذا كانت المنصة قد أصبحت كبيرة جدا لتتمكن من إدارة كل المحتوى الموجود عليها. وقال أحد الأشخاص المطلعين على الاجتماع إن لهجة بعض المشاركين كانت عنيفة: “لقد صنعنا الآلة ولا يمكننا التحكم فيها”.
وقالت الشركة إنها أزالت 20 مليون منشور ينتهك سياسات كوفيد-19 الخاصة بها في شهر آب/ أغسطس: “إذا رأينا معلومات مضللة ضارة على المنصة، سنزيلها”. وأشار زوكربيرغ في مقابلة على قناة “سي بي إس”: “إنها أشياء ضد سياستنا، لكن هل نستطيع أن نتحكم بكل شيء؟ بالطبع، هناك أخطاء نرتكبها وأشياء نحتاج إلى تحسينها”.
المصدر: وول ستريت جورنال