بينما ينصبُّ اهتمام العالم على التعافي السريع من كوفيد-19، لا تزال مخاطر تغيُّر المناخ التي تؤثر على الاقتصاد تلوح في الأفق، وسيتطلب التعافي استثمارات تخلق فرص عمل بطاقة نظيفة، وتحقق التنمية المستدامة طويلة الأجل.
أصبح القطاع المصرفي الآن اللاعب والحاكم الرئيسي في قيادة مسيرة التنمية الإقتصادية المستدامة لأي دولة، وتُعتبر الخدمات “المصرفية الخضراء” شكلًا من أشكال الخدمات المصرفية التي تحصل الدولة منها على فوائد بيئية “لا تضرّ بالمناخ”.
المصارف الخضراء؟
المصارف الخضراء هي كيانات ذات رؤوس أموال عامة تمَّ إنشاؤها خصيصًا لتسهيل الاستثمار الخاص في البنية التحتية المحلية، منخفضة الكربون ومقاومة للمناخ والقطاعات الخضراء الأخرى مثل إدارة المياه والنفايات، ولا تأخذ في الاعتبار المكاسب المالية فحسب بل البيئة أيضًا، مع مراعاة أهداف التنمية المستدامة الأخرى مثل تحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل والمساواة بين الجنسَين.
ولهذه المصارف جوانب أربعة، هي:
- تأخذ بالاعتبار عوامل تغيُّر المناخ والتأثيرات الاجتماعية في كل معاملة، مثل القروض أو الاستثمارات التي يقدمها البنك.
- ممارسات التنمية المستدامة للأجيال القادمة، لذلك تستمرُّ الشركات في النمو مع الاهتمام بكوكبنا في الوقت نفسه.
- تحمل المسؤولية الاقتصادية بخصوص البيئة من خلال استخدام المصادر المتجددة والحفاظ على الطاقة.
- دمج الممارسات المستدامة بيئيًّا في مكان العمل لمعرفة التأثيرات التي تحدث أثناء العمل.
هناك 27 بنكًا أخضر عاملاً في جميع أنحاء العالم، واستثمرت هذه البنوك أكثر من 20 مليار دولار حتى الآن في تقنيات جديدة تتراوح من الطاقة الشمسية إلى السيارات الكهربائية وغيرها.
ومن أجل جذب المستثمرين من القطاع الخاص إلى هذه الأسواق، تستخدم هذه البنوك مجموعة من الأدوات المالية، مثل أسهم شركات الطاقة المتجددة وعقود الفروقات (CFD) لأسهم الطاقة المتجددة وصناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) للطاقة المتجددة، لتجنُّب المخاطر.
كل من هذه الفرص لها مزاياها وعيوبها، ويجب على كل مستثمر أن يختار بشكل فردي الأدوات المناسبة له، مع مراعاة قدراته الشخصية وأهدافه المالية الشخصية وتحمُّله للمخاطر.
نتيجة لذلك، اجتذبت المصارف الخضراء أكثر من 2 دولار من الاستثمار الخاص، في المتوسط، مقابل كل دولار واحد من رأس المال الخاص الذي استثمرته في المشروع، لذلك يعدّ حشد التمويل الركيزة الثالثة لاتفاقية باريس للمناخ، وهي شرط مسبق ضروري لنجاح الاتفاقيتَين الأخريين.
ولكي يكون التمويل منصفًا ومستدامًا، لا بد أن يلبّي الاحتياجات المحلية والوطنية، ويتصل بالشبكات الدولية.
أنواع المصارف الخضراء والخدمات التي تقدمها:
هناك 3 أنواع مختلفة من النماذج التي يتم استخدامها حاليًّا:
◄المصارف العامة: مثل مؤسسة تمويل الطاقة النظيفة (CEFC) في الولايات المتحدة، والتي تشمل مهمتها الاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة وشركات التكنولوجيا النظيفة.
◄المصارف الخاصة: التي تقدم نسخًا صديقة للبيئة من الحسابات المصرفية التقليدية أو بطاقات الائتمان. على سبيل المثال، بنك MPS الإيطالي الذي يقدم قروضًا للطاقة الشمسية وطاقة الرياح أو الرهون العقارية الخضراء أو الاستثمار في التقنيات النظيفة.
◄البنوك الهجينة: التي تجمع بين الاثنين، مثل بنك MUFG التابع لمجموعة ميتسوبيشي المالية.
ولهذه المصارف خدمات أخرى:
يتم تجميع ودائع العملاء لتمويل المشاريع المستدامة مثل محطات الطاقة المتجددة بما يصل إلى 500 مليون دولار، كما تقدم أيضًا ندوات للتوعية البيئية حول موضوعات تشمل إعادة التدوير وكفاءة الطاقة المنزلية.
تقدم مؤسسات أخرى، مثل معهد فوبرتال الألماني، أبحاثًا في نماذج الصيرفة الخضراء، والتي يمكن استخدامها من قبل المنظمات في جميع أنحاء العالم التي تبحث عن طرق لتقديم خدمات مصرفية مسؤولة لعملائها.
طريقة أخرى للخدمات المصرفية الخضراء هي استخدام بطاقة الائتمان بدلاً من النقد للمشتريات الصغيرة، حيث تساعد على توفير المال في العديد من الجوانب المختلفة، مثل فواتير الكهرباء أو أسعار التأمين على السيارات أو التسوق عبر الإنترنت.
القروض المصرفية الخضراء
تتّسم القروض المصرفية الخضراء بتمويل أي مشروع، يساهم أو يساعد في تقليل ظاهرة الاحتباس الحراري والمحافظة على البيئة وتقليل التلوث، وأهم هذه القروض هي:
● الإقراض الأخضر: هو ممارسة تقديم الأموال لمشروع له فائدة بيئية.
● القروض الصديقة للبيئة (Eco Loans): يقدم هذا النوع من القروض معدلات فائدة منخفضة لأولئك المستهلكين الذين لديهم درجات ائتمانية منخفضة، ويطلبون منهم القيام بأشياء مثل توفير المياه أو تقليل استخدام الفحم.
● تعويض الكربون: أي تقليل بصمتك الكربونية عن طريق الدفع لشركات مثل TerraPass وNativeEnergy، وهي مؤسسات اجتماعية توفِّر منتجات تعويض الكربون للأفراد والشركات، تستخدم العائدات من مشتريات الأعضاء لتمويل مشاريع الحدّ من غازات الاحتباس الحراري مثل مزارع الرياح.
● القروض للزراعة المستدامة أو مشاريع الطاقة المتجددة، التي قد تواجه مشكلة في التأهُّل مع أنواع أخرى من المقرضين.
المصارف الخضراء تخلق فرص عمل
تخلق المصارف الخضراء فرص عمل من خلال دعم تنمية القطاعات الخضراء، وجذب الاستثمار الخاص إلى المشاريع المقاومة للمناخ.
على سبيل المثال، بنك الاستثمار الأخضر في المملكة المتحدة، الذي تأسَّس في أعقاب الأزمة الاقتصادية لعام 2008، قامَ بمضاعفة الاستثمار في البنية التحتية الخضراء في المملكة المتحدة 3 مرات تقريبًا في غضون 3 سنوات من إنشائه، وجعل المملكة المتحدة أكبر سوق لطاقة الرياح البحرية في العالم في غضون 5 سنوات، وبعد هذا النجاح أعلن وزير المالية البريطاني مؤخرًا عن إنشاء البنك الوطني للبنية التحتية (NIB).
وجد تقرير نُشر مؤخرًا، يستكشف إمكانات بنك أخضر فدرالي في الولايات المتحدة، أنه يمكن أن يخلق أكثر من 5 ملايين فرصة عمل جديدة في غضون 5 سنوات من التأسيس، أكثر من 3.3 مليون بشكل مباشر و2.2 مليون غير مباشر.
وفي منغوليا وافق صندوق المناخ الأخضر على تمويل مؤسسة منغوليا للتمويل الأخضر في نوفمبر/ تشرين الثاني، كما في الهند أفاد المسؤولون التنفيذيون في شركة “تاتا كلينتك كابيتال” المحدودة بأن الطاقة المتجددة كانت واحدة من أكثر قطاعات الاقتصاد مرونة خلال الوباء.
الدول العربية والصيرفة الخضراء
مصر:
صرّح رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجدّدة المصرية، محمد الخياط، أن زيادة إنتاج الطاقة النظيفة في مصر سببه الرئيسي ارتفاع الطاقات المنتجة من محطّات الطاقة الشمسية ومزارع الرياح، والتشغيل الاقتصادي للمشاريع التابعة للهيئة، كما أوضح أن الزيادة تأتي من تشغيل مجمّع بنبان للطاقة الشمسية في محافظة أسوان بكامل طاقته بقدرة 1465 ميغاواطًا.
وتشغيل أول مشروع طاقة رياح بنظام البناء والتملّك والتشغيل B.O.O بقدرة 250 ميغاواطًا بمنطقة خليج السويس، بخلاف المشاريع الحكومية التي أنشأتها الهيئة في الزعفرانة وجبل الزيت بمنطقة جبل الزيت، بقدرة 1100 ميغاواط، وكذلك رفع كفاءة وقدرات محطّة الكريمات للطاقة الشمسية.
وتخطِّط مصر لإنتاج طاقة متجددة بنحو 20% من إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة في عام 2022، وذلك بواقع 12% لطاقة الرياح و6% للطاقة الكهرومائية و2% للطاقة الشمسية.
الإمارات:
أصدر بنك “إتش إس بي سي” أول قروض رهن عقاري خضراء في الإمارات العربية المتحدة، ما يؤسِّس لنقلة نوعية هامة ومتطورة في سوق العقارات السكنية في الدولة، ولأصحاب العقارات السكنية المستقبليين، وللتمويل المستدام.
وتمّت الموافقة على منح قروض الرهن العقاري لـ 3 عملاء في بنك “إتش إس بي سي” لشراء منازلهم السكنية في مجمّع المدينة المستدامة في دبي، كما يقوم البنك الإماراتي بتوفير القروض السكنية الخضراء بمعدلات فائدة مخفضة بنسبة 0.25% للعقارات التي تلبّي معايير استدامة محددة، بالإضافة إلى خصم بنسبة 50% على رسوم ترتيب القرض المتعارف عليها.
قطر:
كشف الدكتور ر. سيتارامان، الرئيس التنفيذي لبنك الدوحة، أن البنك أطلق العديد من المبادرات في مجال الخدمات المصرفية الخضراء، وشارك في تمويل العديد من المشاريع البيئية.
كما اقترح العديد من المبادرات الهادفة إلى تعزيز الاقتصادات الخضراء، مثل تمويل المشاريع الخضراء، ومخطط آليات التنمية النظيفة، والخدمات المصرفية غير الورقية.
السعودية:
صرّح بنيامين غروليموند، المدير الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا – قسم المبيعات في بلومبرغ إل بي، أنه من بين 12 إصدارًا للديون الخضراء والديون المتعلقة بالاستدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، استحوذت 4 صفقات من المملكة العربية السعودية على نحو 63% من إجمالي حجم الإصدارات في المنطقة، بينما تعود الحصة المتبقية التي تبلغ نحو 37% إلى دولة الإمارات.
وأكّد غروليموند أنه تميزت مؤخرًا كل من شركة الراجحي المصرفية للاستثمار وبنك الرياض والبنك السعودي الفرنسي والبنك الوطني السعودي وبنك الإمارات دبي الوطني، كأكبر المؤسسات المالية في إصدار الديون الخضراء في المنطقة.
ويبلغ متوسط حجم الإصدار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 583 مليون دولار، مقارنة بمتوسط 300 مليون دولار في بقية أنحاء العالم.
أوضحت مؤسسة التمويل الدولية IFC أن المخاطر المتعلقة بالمناخ أصبحت مخاطر مالية، وبالتالي إن رعاية المخاطر المناخية تقع ضمن تفويضات البنوك المركزية.
وفي السياق ذاته تفتقرُ بعض الدول إلى سياسات الصيرفة الخضراء، وذلك نتيجة الافتقار إلى الإطار التنظيمي والإشرافي الضروري للتحول إلى الاقتصاد الأخضر، وكذلك الفشل في دمج مخاطر البيئة وتغيُّر المناخ في استراتيجيات البنوك وأنظمة إدارة المخاطر.