أَلِفَ الأهالي في مدينة درعا جنوب سوريا الصيانة المستمرة لمنازلهم، بعد كل حملات النظام العسكرية عليها، منذ اقتحام النظام للمدينة أول مرة في 25 أبريل/ نيسان 2011، بعد انطلاق الثورة السورية من المدينة نفسها بشهر وبضعة أيام.
استمرَّ أهالي المدينة على هذه الحالة إلى ما بعد التسوية عام 2018، التي كان من المفترض أن تنهي حالة الحرب المستمرة على المدينة لتبدأ صفحة جديدة، إلا أن قوات النظام والميليشيات المرافقة لها ما فتئت تحاصر المدينة وتحاول اقتحامها بين الفينة والأخرى، وآخرها ما جرى في الأيام القليلة الماضية، حيث دخلت قوات النظام راجلة إلى شوارع درعا البلد لأول مرة بعد خروجها منها في معارك التحرير مطلع عام 2013.
دخلت قوات النظام درعا البلد بعد حصار دامَ قرابة الـ 3 أشهر، وحملة عسكرية شرسة عليها استخدم فيها النظام شتى أنواع السلاح ما عدا الطيران وصواريخ سكود، بسبب بعض التفاهمات الدولية، لينتهي الحصار باتفاق تسوية جديد يقضي بدخولهم إلى المدينة ونشر بعض الحواجز الأمنية داخلها.
بعد أن انتهت الحملة العسكرية الأخيرة، عاودَ أهالي درعا أعمال الصيانة التي اعتادوا عليها طيلة السنين الماضية، والتي تركت ما تبقّى من بيوتهم المتداعية في حالة يرثى لها، لكن لا خيار آخر لديهم يلجؤون إليه.
يحدّثنا العم أبو خالد، أحد أهالي درعا البلد الذي خرج منها لينجو بعائلته من الحملة العسكرية الأخيرة على المدينة: “عدت إلى بيتي أو نصفه أو ما تبقّى منه، لأعيده كما اعتدت عليه منذ ولدت فيه، لكنني لم أستطع لتهالُك الجدران وسقوط السطح عليها، ولم تنجُ سوى زاوية غرفة واحدة من هذه الآلة العسكرية المجرمة، استطعت من خلالها أن أحمي أهلي من النوم في الشوارع والمرافق العامة”.
ويكمل أبو خالد أن هذا الواقع هو ما يعيشه معظم أهالي درعا البلد على مدى سنين الثورة، بسبب قصف النظام المستمر عليها، وما أن يقوم الأهالي بإصلاح منازلهم، يعود النظام مجددًا لقصفها.
وقد طالت عمليات القصف الممنهَجة العديد من البنى التحتية وأغلب المرافق في المدينة، حيث يعمد النظام إلى حرمان أهلها من كافة الخدمات، وعند سؤالنا عن سبب إصرار الأهالي على البقاء في تلك المنازل وعدم بناء منازل جديدة رغم الضرر الواقع بها، قال أبو خالد إن الحصار الذي يعيشه أهالي المدينة لا يقتصر على الحملة الأخيرة، إنما هي سياسة ممنهَجة يعتمدها النظام في حربه عليهم، حيث يقوم بمنع دخول بعض البضائع والمواد الأساسية على المدينة، كما يضيّق على التجّار من أبناء المنطقة بحجّة انتمائهم إلى فصائل سابقًا.
وأردف قائلًا إن السبب الرئيسي وراء إصرارهم على البقاء في البيوت نفسها وتشبُّثهم بالأرض، يعبِّر باعتقادهم عن تمسُّكهم بإرث الآباء والأجداد الذي ورثوه جيلًا بعد جيل، حتى من الممكن أن تجد بعض البيوت في درعا قد سُكنت بـ 3 أجيال متوالية من دون تغيير جذري في بنية البيت. وختم أبو خالد حديثه بمقولة اشتهرت في درعا البلد: “الأرض عرض، والعرض غالي”.
كما لم تسلَمْ المساجد في مدينة درعا من القصف في الحملة العسكرية الأخيرة على درعا، فقد استهدفت قوات النظام مساجد المدينة الرئيسية بالقذائف والمدفعية الثقيلة، ما أدّى إلى خروج معظمها عن الخدمة بشكل كامل، وبعضها بشكل جزئي.
ونشرت حملة “الحرية لدرعا” إنفوغرافيك يوضِّح عدد المساجد المستهدفة خلال الحملة، وعددها 7 مساجد على رأسها المسجد العمري الكبير بدرعا البلد، ومسجد الحسين بالقرب من مخيم اللاجئين الفلسطينيين، وعدة مساجد توزَّعت على أحياء درعا البلد وطريق السد.
7 #مساجد تم إسـتهدافها بشكل
مباشر من قبل مليشيات الفرقة الرابعة
خلال الحملة العســكرية على أحـياء درعا البلد وطريق السد والمخيمات المحاصرة منذ 76 يوم.#سورية #درعا #Freedom4Daraa#الحرية_لدرعا #درعا_تحت_القصف pic.twitter.com/pFmR87V462
— Freedom For Daraa Campaign (FDC) (@freedom4daraa) September 5, 2021
أحد العاملين في القطاع الخدمي رفضَ الكشف عن اسمه، أكّد لنا أنه من الصعب جدًّا تقييم نسبة الدمار في أحياء درعا البلد، وأن الضرر الفعلي تركّز في الأحياء التي على الأطراف حيث الاشتباكات كانت على أشدها في الجهة الجنوبية والجنوبية الغربية، مثل حي البحار وحارة البدو، ما يجعل غالب المنازل فيها بحاجة إلى إزالتها بشكل كامل وإعادة بنائها من جديد.
أما باقي المنازل فتتراوح نسبة الدمار فيها بين 70% و80%، بينما كانت النسبة تصل إلى 50% في مناطق مثل الكازية على أطراف حي المنشية، التي كانت مستهدَفة مباشرة من قبل المضادات الأرضية ورشاشات الشيلكا المتمركزة بالجهة الشمالية الغربية لمدينة درعا.
كما أن هناك بعض المنازل التي تعرّضت للقصف والضرر بشكل جزئي، كسقوط الجدران أو الفتحات في الأسقف، وفي هذه المنازل تصلُ نسبة الضرر فيها إلى 30% في مناطق طريق السد والمخيمات وأحياء القسم الشمالي من درعا البلد.
لم يقتصِرِ الضرر على المنازل فحسب، حيث هناك أضرار بالأثاث والمستهلكات وأبواب الخشب وزجاج النوافذ وألواح الطاقة الشمسية، كما أن هناك عددًا كبيرًا من المنازل تمَّ “تعفيشها” بشكل كامل من قبل قوات النظام في المناطق التي سقطت عسكريًّا بداية الحملة، مثل مناطق شرق القبة ومزارع الشياح.
وفي هذه المناطق لم يقتصِرِ “التعفيش” على المفروشات والأدوات المنزلية، إنما شملَ سيراميك المطابخ والحمّامات وحمايات المنازل والأبواب الحديدية بحسب المصدر.
كما تعمّدت قوات النظام أثناء الحملة العسكرية على المنطقة إحراق الآليات الخاصة للأهالي، مثل سيارات النقل الدولية والجرارات وغيرها.
من الجدير بالذكر أن ضبّاطًا من قوات النظام ألزَموا وجهاء مدينة طفس في ريف درعا الغربي جمع مبلغ يقارب 300 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل 85 ألف دولار أميركي، وتسليمها لهم، كما أفاد نشطاء “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
كما تجدر الإشارة إلى كون مناطق الريف الغربي لم تتمَّ فيها عمليات “التعفيش” بحسب مصادر محلية، بسبب تواجد وجهاء المنطقة والشرطة العسكرية الروسية أثناء التفتيش، ما يثير التساؤل حول إذا ما كانت تلك المبالغ المفروضة طُلبت كتعويض عن ما يحصّله عناصر وضبّاط النظام من عمليات “التعفيش” في المناطق التي يسيطرون عليها.