رفضًا لخطوات الرئيس التونسي الساعي إلى حكم البلاد عبر مراسيم متجاوزًا دستور 2014، أعلنت أحزاب من بينها خصومه السياسيين وحلفائه السابقين، تشكيل تنسيقية رافضة لـ”التدابير الاستثنائية” التي اتخذها قيس سعيّد، محذِّرة من احتمال الانزلاق إلى فوضى وحرب أهلية وانهيار الدولة.
الإعلان جاء في وقت تصاعدت فيه الاحتجاجات والتجاء آلاف التونسيين الذين بدأوا يضيقون ذرعًا بالتدابير الاستثنائية إلى الشارع، مطالبين الرئيس قيس سعيّد بإنهاء الانقلاب الدستوري والحالة الاستثنائية والعودة إلى المسار الانتقالي الديمقراطي.
تنسيقية الأحزاب
طالبت 4 أحزاب تونسية قدّمت نفسها، خلال ندوة صحفية بالعاصمة، كتنسيقية للدفاع عن الديمقراطية، رئيسَ الجمهورية بالعودة إلى المسار الديمقراطي والقيام بإصلاحات وفق الآليات التي يتضمّنها دستور 2014.
الأحزاب هي التيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي/ 22 نائبًا من أصل 217) وآفاق تونس (ليبرالي/ نائبان) والجمهوري (وسط/ بلا نواب) والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (اجتماعي ديمقراطي/ بلا نواب)، أكّدت أنها ستدعم كل مسار إصلاحي وتحقيق الاستقرار السياسي والعدالة الاجتماعية في تونس، عبر تحركات سياسية وميدانية، مشيرة إلى أن التنسيقية قابلة للتوسُّع.
أكّد ممثلو الأحزاب خلال المؤتمر الصحفي، أن دافع تشكيل تنسيقية القوى الديمقراطية معارضةُ القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد، كإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتوليه السلطة التنفيذية، ومطالبته بالرجوع إلى الشرعية عبر تصحيح المسار السياسي.
وأصدرت هذه الأحزاب غداة إعلان الرئيس قيس سعيّد الاستحواذ على السلطة التشريعية والتنفيذية (22 سبتمبر/ أيلول)، بيانًا دعت فيه إلى مقاومة “خطرٍ داهمٍ على الدولة والديمقراطية” وإلى مواجهة “الانقلاب على الدستور”، فيما أعلن التيار الديمقراطي (حزب داعم لسعيّد) على لسان أمينه العام غازي الشواشي، أن “الرئيس خرج عن الشرعية وخرج عن العقد الاجتماعي والسياسي”.
قطب ثالث
تعريفًا بالتكتُّل السياسي الجديد المعارض لإجراءات الرئيس التونسي، قال الأمين العام للتكتل خليل الزاوية: “نحن لسنا ضمن المجموعة المعارضة تمامًا لقرارات رئيس الجمهورية وأيدينا مفتوحة أمامه للعودة إلى المسار الديمقراطي الثوري لكن بطريقة تشاركية”، مضيفًا: “نحن نحاول بناء قطب ثالث مبني على قواعد مبدئية أهمها احترام القانون والدستور”.
من جانبه، أكّد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي أن الأحزاب المنضوية تحت لواء هذه التنسيقية كانت تعتبرُ قرارات 25 يوليو/ تموز فرصة لخلق مشهد جديد، وكانت تنتظر خارطة طريق تشاركية، لكن رئيس الجمهورية اختار الهروب إلى الأمام والاستفراد بالسلطة.
أضاف الشواشي أن التنسيقية لا تدعو للعودة إلى ما قبل 25 يوليو/ تموز المتردّي الذي تتحكم فيه اللوبيات، بل تطمح إلى تشكيل مشهد سياسي جديد يكون فيه القضاء مستقلًّا والسلطة للقانون والأولوية للمواطن، مشيرًا إلى أنّ هذه الأحزاب ما زالت تمدُّ يدها لرئيس الجمهورية للعودة للمسار الدستوري، شرط وضع خارطة طريق تشاركية، وفي حال إصراره على المواصلة في هذا المسار، سيمارسون كل وسائل النضال المتاحة للدفاع عن الديمقراطية ومكاسب الثورة.
من جهته، كشف الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، عن وجود مشاورات مع أحزاب أخرى ولقاءات مكثّفة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، للتنسيق حول سُبل الدفاع عن مطالبهم المشتركة، مشيرًا إلى التوجُّه نحو القيام بجولة اتصال بنقابة الصحفيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية النساء الديمقراطيات للتعاون في جبهة واسعة للدفاع عن الديمقراطية.
#عاجل | عصام الشابي: أيدينا ممدودة للجميع وأجرينا اتصالات مع الجميع وخاصة الاتحاد العالمي للشغل للدفاع عن الديمقراطية #تونس
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) September 28, 2021
مواجهة الدكتاتورية
الأمين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي، أكّد أن الرئيس جرَّ البلاد إلى معارك الشرعية التي ستكون على حساب الأوضاع المعيشية للتونسيين، مشيرًا إلى أن “الأمر الرئاسي عدد 117 الصادر في 22 سبتمبر/ أيلول كان بمثابة إلغاء الدستور برمّته، وأنه قد أدخل البلاد في مرحلة اللاشرعية وأن الرئيس بجرّة قلم كرّسَ حكم الفرد الواحد والانفراد بالسلطة والاعتداء على مكتسبات الثورة”.
أوضح الشواشي أيضًا أن الأحزاب تقرُّ بمحدودية النظام السياسي الذي وضعه دستور 2014، إلا أن أي عملية إصلاح لن تكون خارج إطار الاحترام الكامل للدستور، وخاصة الفصل بين السلطات، مع الضمان الكامل للحريات الأساسية وحقوق الإنسان، وبالتالي يُمكن تعديل مواطن الخلل بطريقة تشاركية بين مختلف الفاعلين السياسيين.
بدوره قال عصام الشابي: “إن رئيس الجمهورية اعتبر أن الخطر الداهم هو البرلمان فأغلقه بدبابة ثم اعتبر الحكومة خطرًا داهمًا فأقال رئيسها وخوفنا أن يعتبر الأحزاب والتعددية وحرية الإعلام خطرًا داهمًا فيلغيها”، منتقدًا انغلاق الرئيس ورفضه للحوار مع مؤيديه ورافضيه أو مع الإعلام، وفتحه لأبواب قصر قرطاج للوفود الأجنبية وتحدّثه معها حول أزمة وطنية، ورفضه النقاش مع التونسيين حول أزمتهم.
وأشار إلى أن هذه التنسيقية والندوة الصحفية هما خطوات أولى يمكن أن تصل إلى الخروج إلى الشارع والاحتجاج بصورة سلمية يُحترَم فيها القانون، مؤكدًا في تصريحات صحفية أن الاحتجاج السلمي مشروع وخاصة الاحتجاجات الأخيرة “مواطنون ضد الانقلاب”، وهي ضغط إيجابي على الرئيس، وستكون هناك تحركات سلمية مدنية حتى العودة للشرعية.
الاقتصاد في الميزان
على الصعيد الاقتصادي، كشفَ الأمين العام لحزب آفاق تونس، الفاضل عبد الكافي، أن التنسيقية تعبِّر عن مخاوفها الحقيقية من إمكانية وصول تونس إلى السيناريو اللبناني الذي بلغت فيه نسبة البطالة 65% وفقدت الليرة 80% من قيمتها، وعجزت فيه الدولة عن توفير الدواء والكهرباء والبنزين.
فاضل عبد الكافي لـ”الصباح نيوز”: انهيار اقتصادي وشيك وتونس مهددة بتكرر السيناريو اللبناني..https://t.co/XkxmtO2ZB3 pic.twitter.com/P66RrbnwIc
— ASSABAHNEWS (@ASSABAHNEWS1) September 28, 2021
وأشار عبد الكافي خلال مؤتمر التنسيقية إلى غياب أي أثر لقانون تكميلي لميزانية عام 2021، أو لميزانية الدولة للسنة القادمة، منبّهًا في الوقت ذاته إلى أن الميزانية السابقة قد تمَّ إعدادها على قاعدة 45 دولارًا لبرميل النفط، وأن ارتفاع سعره يثقل كاهل الميزانية.
في السياق ذاته، أعربَ الأمين العام لحزب آفاق تونس عن تخوف التنسيقية من عجز البلاد عن خلاص الديون، في ظلِّ تواصُل هذا الوضع الاستثنائي وغياب حكومة قادرة على طرح خيارات في المجال الاقتصادي، مشدّدًا على أن الأولوية اليوم تتمثّل في إصلاح الوضع السياسي وتوجيه الجهود نحو إيجاد إصلاحات هيكلية وحلول عاجلة للاقتصاد التونسي.
معارضة أم إعادة تموقع؟
كخطوة أولى لمواجهة ديكتاتورية سعيّد القادمة على مهل، من المنتظر أن تخلق تنسيقية الأحزاب الديمقراطية المعارضة لقيس سعيّد ديناميكية سياسية في المشهد، وتساهم في خلق تيار رافض للقرارات والإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي، وذلك بالاستعانة بالشارع كقوة ضغط قادرة على قلب الموازين.
فمن المنتظر أن يشهد الشارع التونسي حراكًا متواصلًا، وبالتالي سيتفاعل مع أي مبادرة سياسية كانت أو اجتماعية مطالبة بعودة المسار الديمقراطي، وعدول سعيّد عن برنامجه المتمثل في التحكم في السلطة بصفة أحادية.
أمّا فيما يخص التنسيقية ومدى نجاحها في مواجهة استئثار الرئيس التونسي بالسلطة، فالظاهر أن الأحزاب الأربعة تختلف في توصيفها لإجراءات 25 يوليو/ تموز كل حسب موقعه السياسي وأجندته في التعامل مع المستجدّ في المشهد، لكنها تتّفقُ على أن تونس تعيش انحرافًا كبيرًا في المسار الديمقراطي وردّة دستورية.
هذا الاختلاف الجوهري في قراءة الواقع التونسي وتداعيات إجراءات سعيّد على المسار الانتقالي، قد يُعيق نجاح تنسيقية الأحزاب ويعرقل مساعيها لقيادة مشروع المعارضة السياسية، هذا بالإضافة إلى أن برنامج هذه الأحزاب لئن كان في ظاهره معارضة سعيّد وحماية الديمقراطية التونسية، إلا أنه يوحي بأنها خطوة لإحياء مواقعها في الخارطة السياسية التونسية.
برنامج التنسيقية الذي يُحمِّل مسؤولية انهيار المسار الانتقالي والديمقراطي لحركة النهضة الإسلامية دون غيرها من الأحزاب، كالدستوري الحر الذي عطّل جلسات البرلمان ورذّل العمل النيابي، يوحي بأن هذه الأحزاب ستتعامل بمنطلق إقصائي يتماهى مع أجندة الرئيس قيس سعيّد، وبالتالي لن تذهب بعيدًا بتكتُّلها هذا وستبقى معارضة صوتية وظيفية.
فالأحزاب الأربعة ترمي من خلال خطوة تشكيل تنسيقية إلى تقديم نفسها كوصي قادر على بناء بديل جديد للانقلاب، خارج صناديق الاقتراع وبعيدًا عن التمثيلية الشعبية، ما يعني أنها تسعى لاستثمار إجراءات سعيّد من أجل تصحيح المشهد وفق غايتها السياسية.
على الصعيد ذاته، إنّ استغلال وضعية الاستثناء التي فرضها الرئيس قيس سعيّد لهندسة مشهد سياسي وفق تصورات بعض الأحزاب ليس وليد تشكيل التنسيقية، فحزب التيار الديمقراطي كان من الداعين لانقلاب قيس سعيّد عبر تفعيل الفصل 80 من الدستور والداعمين لإجراءات 25 يوليو/ تموز، وعمل على إقصاء حركة النهضة، إلا أن مساعي سعيّد للانفراد بالسلطة دفعته للرجوع خطوة إلى الوراء حتى لا يخسر جميع ما في سلّته.
التيار الديمقراطي يتراجع عن مساندة رئيس الجمهورية قيس سعيد #ضد_الإنقلاب_في_تونس pic.twitter.com/VMFzz62xlF
— Bechir Yousfi ?????? (@yousfi_bechir) August 11, 2021
من جهة ثانية، يمكن القول إنّ تنسيقية الأحزاب الديمقراطية ستعمل من خلال منطق الإقصاء، على استبعاد أعداء الرئيس وتُبقي على حلفائه وطابوره الخامس، ورسكلة المشروع الانقلابي عبر توافقات خارج الشرعية الانتخابية وتفاهمات بإقصاء النهضة (قانون) التي تعرف استقالات كبيرة في صفوف قيادتها، ما يعني ضرورة أن سعيّد سيخرج رابحًا من هذه المعركة.
تعلم الأحزاب الأربعة التي شكّلت تنسيقية لمواجهة انقلاب قيس سعيّد، أن الشارع سيد الموقف وأن قدرتها على التأثير فيه ضعيفة جدًّا باستثناء التيار الديمقراطي، وذلك استنادًا إلى نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية، لذلك ستحاول في مرحلة قادمة شدّ عضدها بالاتحاد العام التونسي للشغل، والأخير لم يبدِ إلى الآن أي خطوة صريحة في انتظار جرد حساباته واختيار لأي الفريقَين ينتصر.