أصبح الاقتصاد الأخضر من موضوعات السياسة العالمية الشائعة خلال السنوات الأخيرة. إنه اقتصاد يكون نموه، من حيث الدخل والعمالة، مدفوعًا بالاستثمارات العامة والخاصة التي تعزِّز الابتكار، وتلتزم بالحدّ من انبعاثات الكربون والتلوث، وتعزيز كفاءة الطاقة والموارد، ومنع فقدان التنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي.
يتطلب تخضير الاقتصاد بطريقة شاملة نماذج تتكيَّف مع سياق كل بلد، بناءً على حقائقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحددة، ودمج الالتزام السياسي القوي، مع التحول المجتمعي طويل الأجل نحو تنمية أكثر اخضرارًا وشمولية.
مجالات الاقتصاد الأخضر
وفقًا لتعريف برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يشير الاقتصاد الأخضر إلى نموذج اقتصادي “يؤدي إلى تحسين رفاهية الإنسان والمساواة الاجتماعية، مع تقليل المخاطر البيئية والندرة البيئية بشكل كبير”، حيث ينتج أقل قدر ممكن من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ويستخدم الموارد بكفاءة عالية، ما يقلِّل من النفايات أو حتى يزيلها.
المجالات الثلاثة الرئيسية للعمل الحالي على الاقتصاد الأخضر هي:
– مناصرة نهج الاقتصاد الكلي للنمو الاقتصادي المستدام من خلال المنتديات الإقليمية والوطنية.
– عرض نهج الاقتصاد الأخضر مع التركيز بشكل أساسي على الوصول إلى التمويل الأخضر والتكنولوجيا والاستثمارات.
– دعم البلدان من حيث التنمية وتعميم سياسات الاقتصاد الكلي لدعم الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر.
ما هو تغير المناخ وما هي آثاره؟
تزداد حرارة الأرض ويتغير المناخ بشكل أساسي بسبب الأنشطة البشرية -مثل حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات وتغيير الاستخدام الطبيعي للأرض والعمليات الصناعية والزراعة غير المستدامة-، التي تنبعث منها غازات الاحتباس الحراري، والتي يُشار إليها باسم غازات الاحتباس الحراري.
يشار إلى تأثير ارتفاع درجة حرارة الكوكب على أنه ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي بدورها تسبِّب تغير المناخ، ويشعر الناس في جميع أنحاء العالم بالفعل بالعديد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لتغير المناخ، وتشمل الآثار المباشرة المتوقعة لتغير المناخ ما يلي:
– ارتفاع متوسط درجات الحرارة السنوية.
– ارتفاع درجات الحرارة القصوى.
– زيادة الأيام الحارة وموجات الحرارة العالية.
– ارتفاع درجات الحرارة الصغرى.
– أيام أقل برودة وأيام صقيع.
– انخفاض متوسط هطول الأمطار.
– ارتفاع منسوب مياه البحر.
– زيادة مخاطر الحريق.
– زيادة وتيرة وشدة الظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك الفيضانات والجفاف والعواصف.
بينما تمَّ توقُّع ما ورد أعلاه، فإن العديد من هذه التغييرات قد تمَّ تحقيقها بالفعل.
تخلق التأثيرات المباشرة المذكورة أعلاه مجموعة متنوِّعة من التأثيرات غير المباشرة، مثل تأثير زيادة الجفاف أو الطقس المتطرف على الأعمال التجارية والتوظيف وإنتاج الغذاء، وتأثير درجات الحرارة المرتفعة وموجات الحرارة المتزايدة على صحة الإنسان، وإذا استمرت الشركات والمجتمع في العمل كما هو الحال حاليًّا، فسيكون تغير المناخ مدمِّرًا للتقدُّم الاقتصادي والاجتماعي، ويهدِّد الصحة والسلامة وسُبل العيش.
الطاقة المتجدِّدة
الطاقة المتجددة هي الطاقة التي يتمّ الحصول عليها من مصادر يُعتقَد أنها متجدِّدة بشكل طبيعي ولا تنضب تقريبًا، ولها عدة أسماء منها “الطاقة الخضراء” و”الطاقة النظيفة”، ويمكن أن يكون أحد الأمثلة على الطاقة المتجددة هو الشمس، حيث ستستمر في السطوع، على الرغم من أن توفُّرها يعتمد على الموسم والطقس، ويمكن قول الشيء نفسه عن الريح.
أنواع الطاقة المتجددة
تشمل أكثر أنواع الطاقة المتجددة شيوعًا ما يلي:
– الطاقة الشمسية.
– طاقة الرياح.
– الطاقة الكهرومائية.
– الطاقة المتفجِّرة.
– الطاقة الحرارية الأرضية.
– طاقة الكتلة الحيوية.
الطاقة الكهرومائية هي مصدر الطاقة المتجددة الأكثر استخدامًا للطاقة النظيفة في العالم، حيث تتجاوز قدرة الطاقة الكهرومائية المركّبة عالميًّا 1.295 غيغاواطًا، وهو ما يمثل أكثر من 18% من إجمالي القدرة المركّبة لإنتاج الطاقة في العالم وأكثر من 54% من القدرة العالمية للطاقة الكهرومائية.
تحديات الطاقة المتجددة
إن فوائد الطاقة المتجددة عديدة وواضحة بقدر ما تتّسم بالوضوح أيضًا الحواجز التي تحول بيننا وبين استيعابها: هياكل السوق وغياب الفهم للتكنولوجيات المتجددة الناشئة، إضافة إلى صعوبة الحصول على التمويل، وكذلك ارتفاع تكاليف التمويل ونقص الأُطر التنظيمية وغياب المكافآت مقابل الإحلال محل أنواع الوقود الأحفوري الخارجية، ومن ذلك مثلًا الانبعاثات الكربونية وملوّثات الهواء المحلية، وصغر حجم الأسواق وتخبُّط السياسات المتبعة، كل هذا لعبَ دورًا في الحيلولة دون انتشار الطاقات المتجددة.
ولكن لحسن الحظ، وفي ضوء الجهود اليقظة من جانب دوائر الصناعة والحكومات ومؤسسات التمويل والجهات التنظيمية، فإن كثيرًا من هذه الحواجز أصبحت تتداعى.
لماذا الاستثمار في الطاقة المتجددة
كان لشركات الطاقة المتجددة عام 2020 أداء قوي، ليس لأن أسهم الشركات ارتفعت كثيرًا، ولكن لأن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن وعد بإصلاح الطاقة بقيمة 2 تريليون دولار يستهدف الطاقة الخضراء، ومن المتوقع أن يقدِّم بايدن سياسات تمويل أكثر ملاءمة، وكذلك أسعار الفائدة المنخفضة المرتبطة بالقروض كبيرة.
أهم أسباب الاستثمار في الطاقة المتجددة
– تتوقع Bloomberg NEF، وهي مزوِّد أبحاث استراتيجي يغطي أسواق السلع العالمية والتقنيات، استثمار 13.3 تريليون دولار في الطاقات المتجددة بحلول عام 2050، 77% منها ستذهب إلى مصادر الطاقة المتجددة.
– في تناقض صارخ مع مصادر الطاقة الأخرى، زادت الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 7% في عام 2020، وفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية.
– حققت أسهم شركات تصنيع ومطوِّري المعدات المتجددة المتداولة أداءً أقوى من معظم مؤشرات الأسهم الرئيسية.
– في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تضاعفت أسهم شركات الطاقة الشمسية حول العالم مقارنة بشهر ديسمبر/ كانون الأول 2019.
– إن الطاقة المتجددة تسير على الطريق الصحيح لتحقيق توسُّع قياسي يقارب 10% في عام 2021، وسيكون هذا أسرع نمو منذ عام 2015، مدفوعًا بالمشاريع المحظورة في عام 2020 والتدابير التي اتّخذتها الحكومات الرئيسية مثل الولايات المتحدة والهند وبعض الدول الأوروبية.
– إن إجمالي قدرة الطاقة الكهروضوئية الشمسية وطاقة الرياح في طريقها لتتجاوز الغاز الطبيعي عام 2023، والفحم في عام 2024.
– ستتفوق مصادر الطاقة المتجددة على الفحم لتصبح أكبر مصدر للكهرباء في العالم في عام 2025.
عيوب الاستثمار في الطاقة المتجددة
أحد أكبر عيوب مصادر الطاقة المتجددة هو أن الشمس لا تشرق دائمًا بالقوة نفسها، والرياح لا تتحرك بسرعة ثابتة، والتفاعل ليس هو نفسه دائمًا. هذه المشكلة المعروفة باسم الانقطاع، تضعُ مصادر الطاقة المتجددة في وضع غير مواتٍ أمام الوقود الأحفوري، والذي يمكن أن ينتج طاقة ثابتة.
يمكن أن يكون للتغيرات الحادة في مصادر الطاقة الخضراء تأثير سلبي على الطاقة المنتجة، وبالتالي على عائد الاستثمار في الطاقة النظيفة، وفي كثير من الأحيان قد يكون السعر عيبًا خطيرًا آخر، حيث يمكن أن تكون الطاقة المنتَجة من مصادر متجددة أكثر تكلفة من الوقود الأحفوري مثل الغاز الطبيعي.
وهناك عيوب أو مخاطر أخرى:
– التخفيض أو الانقطاع المحتمل للحوافز الحكومية للصناعة.
– تغيير محتمل في اللوائح الحكومية.
– قد يؤدي انخفاض أسعار الوقود الأحفوري (النفط والغاز وما إلى ذلك) إلى انخفاض الطلب على مصادر الطاقة المتجددة.
– تقلُّبات عالية في أسعار أسهم شركات الطاقة المتجددة.
واقع الدول العربية من الاقتصاد الأخضر والمناخ
يثير قطاع الطاقة المتجددة في الأسواق الناشئة اهتمام المستثمرين والممولين والمشغّلين على حد سواء.
تعدّ مصر من بين الدول التي تشهد تحولات بارزة في هذا المجال، مع وفرة أراضيها، وتمتُّعها بطقس مشمس ورياح عالية السرعة، وعبر سعيها لمعالجة أزمة الطاقة التي تواجهها منذ سنوات بتغيير مزيج الطاقة الكهربائية الخاص بها، ليشمل 20% من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2022.
وفيما تتوقع الحكومة المصرية أن يتم توليد ما بين 12% و14% من الطاقة النظيفة بالاعتماد على طاقة الرياح، فإن التركيز ينصبُّ حاليًّا على مشروع “بنبان”، ويُعتبر هذا المشروع الذي يقع في محافظة أسوان، واحدًا من أكبر تجمُّعٍ لمحطات الطاقة الشمسية في العالم، حيث يحتوي المشروع على 32 محطة شمسية لتوليد الطاقة بقدرة 1465 ميغاواطًا، ما يعادل 90% من الطاقة المنتجة من السد العالي، ويقام المشروع على مساحة قدرها 37 كيلومترُا مربعًا.
وتؤكد “استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة حتى عام 2035″، التي تبنّتها الحكومة المصرية عام 2016، على أهمية الطاقة المتجددة، في سعيها لضمان أمن واستقرار إمدادات الطاقة في البلاد.
بدأت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر”، مع تأسيسها عام 2008، في مهمتها الوطنية الرائدة من أجل جعل الطاقة النظيفة واقعًا ملموسًا، ليس على الصعيد المحلي وحسب، وإنما في مختلف أنحاء العالم.
ساهمت دولة الإمارات بالعديد من الإنجازات في مجال الطاقة المتجددة، أبرزها “شمس 1” التي تعتبر أكبر محطة طاقة شمسية مُركزة في العالم، ومحطة إنتاج الطاقة من النفايات في أبوظبي، والحديقة الشمسية في دبي. كما تُعتبر دولة الإمارات أول محرك للطاقة النظيفة في المنطقة من خلال مبادرة “مصدر”، المدينة البيئية الأكثر استدامة في العالم.
بدأت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر”، مع تأسيسها عام 2008، في مهمتها الوطنية الرائدة من أجل جعل الطاقة النظيفة واقعًا ملموسًا، ليس على الصعيد المحلي وحسب، وإنما في مختلف أنحاء العالم. وعقب تأسيسها حرصت الشركة على تعزيز استثماراتها في قطاع الطاقة المتجددة على المستويَين المحلي والعالمي. كما شملت محفظة مشاريعها الاستثمارية محليًّا محطات بارزة، منها “محطة شمس” التي تمَّ تدشينها عام 2013 في أبوظبي كأكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية المركزة في الدولة وبقدرة إنتاجية تصل إلى 100 ميغاواط.
يعدّ الاقتصاد الأخضر أمرًا حيويًّا لتعميم التنمية المستدامة والقدرة على التكيُّف مع تغير المناخ في أنظمتنا الاقتصادية العالمية والمحلية، وبذلك نضمن مستقبلًا مزدهرًا للناس وكوكب الأرض.
وأطلقت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر” في عام 2020 أول صندوق استثمار عقاري أخضر في دولة الإمارات، كما فازت في العام ذاته بتطوير محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية، أكبر محطة مستقلة في العالم لإنتاج الكهرباء، بالشراكة مع “طاقة” و”إي دي إف رينيوبلز” و”جينكو باور”. وخلال العام الجاري 2021 جرى الإعلان عن مبادرة رائدة تقودها “مصدر” لتدعم تطوير اقتصاد الهيدروجين الأخضر في أبوظبي، بمشاركة العديد من الشركاء بما فيهم “سيمنز للطاقة”.
يحارب الاقتصاد الأخضر المزيد من تغير المناخ مع التكيف مع الآثار الحالية و/ أو الوشيكة لتغير المناخ، ويؤسِّس النشاط الاقتصادي على التنمية المستدامة، كما يقرّ بأن النمو الاقتصادي المستدام والتنمية يحدثان من خلال الاستخدام الفعّال والمسؤول للنظم البيئية الطبيعية وحمايتها، حتى تتمكن من الاستمرار في توفير الموارد والخدمات والبيئة والمناخ التي تعتمد عليها رفاهيتنا واقتصادنا.
يعدّ الاقتصاد الأخضر أمرًا حيويًّا لتعميم التنمية المستدامة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ في أنظمتنا الاقتصادية العالمية والمحلية، وبذلك نضمن مستقبلًا مزدهرًا للناس وكوكب الأرض.