كثيرًا ما يعبِّر سكان العاصمة السودانية الخرطوم عن شوقهم لما يعتبرونها حقبة “الزمن الجميل”، من الخمسينيات وحتى مطلع الثمانينيات، إذ كانت الخرطوم واحدة من أجمل وأرقى العواصم الإفريقية، تزدحم أسواقها بالبضائع القادمة من كل أنحاء العالم، وتهبط فيها الطائرات القادمة من معظم العواصم الإفريقية والأوروبية، كما تنشط العاصمة ليلًا حيث يرتاد الناس الكازينوهات والمطاعم الراقية ودور السينما وأماكن الترفيه التي كانت تحمل أسماءً أجنبية: سانت جيمس، غوردون ميوزيك هول، أفريكانا، غراند أوتيل، واكتظّت المدينة آنذاك بجاليات أجنبية من الشوام والهنود واليونانيين والأقباط.
مقاهي الخرطوم القديمة.. ملتقى الأدباء والمبدعين
المقاهي في ذلك الوقت كانت تمثِّل منتديات للأدباء والشعراء والمثقفين والمبدعين ورواة الحكايات الشعبية، إذ انتشرت المقاهي في الخرطوم منذ عهد الحكم الثنائي الإنجليزي المصري عام 1899، مع دخول الأجانب من اليونانيين والقبارصة والشوام والهنود وكذلك اليهود.
كان السودان يومها يعيش انفتاحًا ملحوظًا، يستقبل السيّاح من مختلف زوايا العالم، شرقًا وغربًا، إذ سبق أن حققت الخرطوم في وقت من الأوقات معدلات وأرقام سياحة عالية، في الفترة بين شهرَي أكتوبر/ تشرين الأول ومارس/ آذار من كلّ عام، وصلت حينها إلى حوالي مليونَي سائح، كانوا يجوبون أقاليم البلاد المختلفة بالقطار، ويستمتعون بطبيعتها الخلّابة والساحرة.
بينما شهدت الفترة التي أعقبت استيلاء الرئيس المعزول عمر البشير على السلطة بانقلاب عسكري عام 1989، تضييقًا على النشاط الثقافي والاجتماعي، فتمَّ إغلاق صالات السينما وفرض قيود مشدَّدة على النشاط الثقافي بكل أنواعه: شعر، روايات، غناء، ندوات ومحاضرات، كما تمَّ إطلاق يد ما عُرف بشرطة النظام العام التي مُنحت صلاحيات واسعة تسمح لها بإلغاء الأنشطة الثقافية وملاحقة النساء بدعوى ارتدائهنّ ملابس غير محتشمة.
وبسبب سياسات نظام البشير التي أدّت إلى عزلة دولية عانى منها السودان، تراجعت الحركة الثقافية التي كانت تتّخذ من المقاهي العامة مقرًّا لها، وتمَّ إغلاق معظم هذه المقاهي بشكل تدريجي بعد أن فقدت روادها من الشعراء والملحّنين والأدباء، كما توقفت إلى حدٍّ كبيرٍ حركة مجيء الأجانب إلى السودان، حيث غادر عدد كبير من أبناء الجاليات الأجنبية بسبب المضايقات، إلا أن السودان استقبل في الوقت ذاته عددًا آخر من اللاجئين من دول الجوار والدول العربية التي تشهد صراعات.
في السنوات الأخيرة التي سبقت اندلاع ثورة ديسمبر/ كانون الثاني، بدأت القبضة الأمنية لنظام البشير تقلُّ تدريجيًّا رغم بقاء قانون النظام العام، فظهرت في الخرطوم بعض المقاهي العصرية ذات الأسماء الأجنبية، مثل مقهى إيزيس المملوك للناشطة النسوية وئام شوقي، حيث حاولت أن تعيد من خلالها للخرطوم ألقها القديم، مدينة نابضة بالحياة الثقافية.
سنعود إلى قهوة إيزيس وغيرها من المقاهي العصرية في الخرطوم بشيء من التفصيل، ولكن قبل ذلك نقدِّمُ لمحةً عن أبرز مقاهي الخرطوم القديمة، وكيف كانت تمثل نقطة جذب ثقافية وسياحية لعاصمة بلاد النيلَين.
أتني.. المقهى الذي لم يتبقَّ منه سوى اسمه
مقهى أتني، أو أثني كما يسمّيه البعض، كان أشهر مقاهي السودان على الإطلاق، فهو يقع في قلب الخرطوم بمنطقة السوق الإفرنجي، كما شكّل ملتقى السودانيين بكافة أطيافهم السياسية، وكان يجتمع فيه الأجانب والمثقفون والشعراء والسياسيون، فتميّز عن غيره من المقاهي بالطابع الأرستقراطي الذي اشتهر به، والطريقة الخاصة لخدمة الزوار فيه، حيث يقدَّم فيه مأكولات غربية، وأنواع جديدة من الطعام وسندويشات المرتديلا والهوت دوغ، التي لم تكن معروفة لعامة السودانيين في فترة الستينيات والسبعينيات.
سُمّي مقهى أتني بهذا الاسم على العاصمة اليونانية أثينا، إذ كان يملكه ويديره مواطن يوناني يُدعى جورج فالفس أنشأه في عهد الاستعمار الإنجليزي، وصمد إلى نهاية الثمانينيات، حيث لم يتبقَّ منه حاليًّا سوى الاسم والشهرة السابقة، فيما احتفظت الساحة المقابلة لها باسم أتني، وصارت الساحة متنفَّسًا للمثقفين والنشطاء السياسيين خلال السنوات الأخيرة من عهد نظام البشير.
قال السبعيني محمد، بصوتٍ لا يخلو من الحنين والألم: “قهوة أتني كانت موجودة منذ عهد الإنجليز، ولطالما كان روادها من الطبقة الأرستقراطية والمتعلمة، من وزراء ووكلاء وموظفي الدولة. كانوا الأعلى شأنًا”. ويُضيف لصحيفة “العربي الجديد“: “خلال تلك الحقبة تحديدًا، كان موظف الحكومة شخصًا تتمنّى الفتيات أن يتقدّم لطلب الزواج منهنّ، فمن يتقدّم موظف في الحكومة لخطبتها تُعتبر محظوظة”.
ويتابع: “في أثني، القهوة تُقدّم على “الترّاس الغربي”، وهذا ما كان يميّزها، بالإضافة إلى المشروبات المنوَّعة الموجودة، فالمقهى كانت فسحة ترفيه وتسلية أيضًا”. ويُضيف محمد: “كانت أركان المقهى مشهورةً، فكان لكلّ سياسي ومثقّف وأديب وشاعر ركنٌ خاصّ”.
مقهى مهدي حامد في أمدرمان
يقع مقهى مهدي حامد في ميدان البوستة الشهير في أمدرمان من الجنوب، والشارع الذى يؤدّي الى سوق الصياغ من الناحيه الغربية، يجاورها حلواني شهير من الناحية الغربية، كان يقدِّم منتجاته من الحلويات المتنوِّعة لرواد المقهى في أوانٍ جميلة.
كان يمتلئ مقهى مهدي يوميًّا بكل أنواع الناس، حيث تضجُّ بالفنانين والشعراء الذين يتجمعون فيها قبل الانطلاق إلى الحفلات كنقطة تلاقٍ.. ومن روادها فنان مدينة ود مدني عوض الجاك، وميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة، كما كان المقهى ملاذًا لشعراء المديح النبوي ومنشديه مثل إبراهيم عبد الجليل ورفاقه.
الزائر لمقهى حامد في تلك الأيام كان يجد أركانًا متنوِّعة للنقاش والتفاكُر، ركن تجدُ فيه أفذاذًا من مبدعي ذلك الزمان يتسامرون ويتناقشون، وتجد فيه السياسيين بمختلف توجُّهاتهم الحزبية، كما تجد الأدباء والكتّاب وتجد أيضًا الرياضيين.
النقاشات والحوارات التي كانت تدور بين رواد مقهى مهدي حامد وغيره، أسهمت بصورة كبيرة في زيادة الوعي وإثراء المعلومات لكثير من الناس، فقد كانت المقاهي قِبلةً لكل فئات المجتمع من العامل البسيط إلى كبار الأدباء والسياسيين.
إحدى مقاهي مدينة أمدرمان عام 1951.
مقهى همّت.. الخرطوم بحري
في قلب مدينة بحري وعلى مقربة من سوقها الرئيسي في شارع البوستة النابض بالحركة التجارية، كان يوجد مقهى همّت، شكّل كغيره من المقاهي القديمة ملتقى للسودانيين، فالمحطة الوسطى التي يوجد المقهى بالقرب منها كانت ولا تزال الشريان النابض لمدينة بحري وأحيائها العديدة، من الأملاك والمزاد إلى قري ومنطقة شلال السبلوقة الحدودية مع ولاية نهر النيل شمالًا، فسكان هذا الشريط الطويل من الأحياء عند وصولهم أو مغادرتهم من بحري إلى الخرطوم أو أمدرمان، كانت الاستراحات المفضَّلة بالنسبة إليهم هي المقاهي، ومن أشهرها مقهيا همّت والسليماني.
كذلك تضمُّ الخرطوم بحري أكبر منطقة صناعية في ولاية الخرطوم، فإلى جانب الصناعات الخفيفة والتحويلية، توجد فيها مصانع استراتيجية كمصانع الأدوية وإنتاج الطاقة ومحطات تنقية المياه، فيما تمَّ تشييد مصفاة للنفط في الجيلي، ومنشأة للبتروكيماويات في التاريخ الحديث.
عمّال هذه المصانع كانوا يلتقون في مقهى همّت، يشربون الشاي والقهوة ويناقشون الشأن السياسي العام، ويقضون أوقاتًا جميلةً في الاستماع إلى غناء الفنانين وقصائد الشعراء، ويتباحثون في سير العمل بالمصانع ومشاكل النقابات وحقوق العمال، لكن الحال لم يدم طويلًا، فبسبب النقاشات السياسية ضد حكومة الرئيس جعفر نميري أُغلق مقهى همت بأمر من السلطات الأمنية، فالشاهد أن المقاهي في تلك الفترة لعبت دورًا كبيرًا في توعية الناس بالديكتاتورية وسوء الإدارة التي اتّصفَ بها نظام نميري، حتى اندلعت الانتفاضة ضده في أبريل/ نيسان عام 1985.
ستات الشاي.. بديل المقاهي في عهد البشير
أدى إعلان الرئيس الأسبق جعفر نميري عن قوانين الشريعة الإسلامية عام 1983 إلى بداية التضييق على النشاط الثقافي والإبداعي، حيث تمَّ إغلاق الحانات والكازينوهات، ثم جاء عهد البشير فقضى على ما تبقّى من مقاهي تلك الحقبة بقانون النظام العام والسلطات الموسَّعة التي منحتها الحكومة لجهاز الأمن والمخابرات.
وعندما اضمحلَّت المقاهي القديمة، التي كانت منتديات للأدباء والشعراء والمثقفين والمبدعين ورواة الحكايات الشعبية، تحوّل الشباب إلى أكشاك “بائعات الشاي”، فمن يأتي إلى الخرطوم يشاهد الأعداد الكبيرة من بائعات الشاي على قارعة الطريق، والشباب يتحلّقون حولهنّ ويظلّون أوقاتًا طويلة، بعض من هؤلاء المتحلقين حول بائعات الشاي، لا يجمع بينهم أي انتماء، لا فكري ولا ثقافي ولا وجداني، إنما ما يجمعهم هو الفراغ واحتساء الشاي والقهوة وكل ما يُشرب ساخنًا.
يطلق المجتمع السوداني على أولئك البائعات “ستات الشاي”، وغالبيتهن من المطلّقات والأرامل ومن ضاقت بهنّ سُبل العيش، فأصبحن بمثابة مكان التقاء لكثير من الشباب والفتيات، يلتقون ويشربون الشاي والقهوة عندهنّ على قارعة الطريق في كل مكان، في الأسواق والميادين العامة وبالقرب من المؤسسات الحكومية والمطاعم وحتى داخل الأحياء السكنية.
يجدُ كثير من الشباب ضالتهم في أماكن تجمُّعات بائعات الشاي باعتباره ملتقى اجتماعيًّا ترفيهيًّا لتجاذُب الحديث في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، إضافة إلى تناسُب الأسعار في ظل الظروف الاقتصادية التي يعاني منها الكثيرون، وغالبًا ما تتطرّق جلسات الشباب عند ستات الشاي إلى مواضيع الساعة.
وفي أحيانٍ كثيرةٍ تشارك ست الشاي في النقاش لإضفاء جوٍّ من الفكاهة، خاصة إذا كان الشباب من الزبائن المداومين على قهوتها، ولذلك تجدُ ست الشاي ملمّةً بكل صغيرةٍ وكبيرةٍ عن المكان الذي تعمل فيه، مستخدمة أدواتها البسيطة من أوانٍ ومقاعد صغيرة.
انتشار المقاهي الحديثة و”جنبات الشيشة”
تحولات كبيرة شهدتها العاصمة السودانية في السنوات الأخيرة، من ضمنها ظهور المقاهي الحديثة أو الكافيهات كما يسمّيها البعض، كما تكاثرت مقاهي الشيشة (النارجيلة) التي تُعرَف محليًّا باسم “الجنبات”، وتركّزت هذه المقاهي والجنبات في الأحياء الراقية بشكل أساسي مثل العمارات والرياض والخرطوم 2 وغيرها.
من أبرز المقاهي الحديثة التي ظهرت في الخرطوم مقهى إيزيس، المملوك للناشطة النسوية المعروفة وئام شوقي، وهي فتاة سودانية عادت لبلدها منذ 10 سنوات، وبحثًا عن حلمها بحياة ثقافية في بلدها أسَّست عام 2018 مقهى ثقافيًّا بالخرطوم بمساعدة أسرتها الصغيرة، ووفّرت لرواده الكتب والموسيقى متحديةً عقبات المجتمع الذي وصفها بـ”ست الشاي” التي تسهر الليل الطويل.
أنشأت وئام المقهى الذي يقع في شارع أوماك، أحد شوارع الخرطوم النابضة، متأثِّرةً بحكايات الخرطوم القديمة التي كان يحكيها لها والدها عن المقاهي المنتشرة حتى بداية السبعينيات، وكيف كانت تشكِّل دورًا كبيرًا في الحراك الثقافي والتوعوي، إلا أن السلطات المتعاقبة، خاصة نظامَي جعفر نميري وعمر البشير، شنّا على المقاهي حربًا شعواء بحجّة التوجُّه الإسلامي، ويتميز مقهى إيزيس بتقديم المشروبات الساخنة مع عزف موسيقى سودانية وأداء بعض الأغنيات من الشباب، كما ينفرد المقهى بوجود مكتبة متكاملة للراغبين في القراءة والاطِّلاع.
يستأثر حي الرياض الذي يقع فيه مقهى الشابة وئام شوقي بجزء كبير من الكافيهات الحديثة، حيث يقع في هذا الحي، وبشارع الجزار تحديدًا، مقهى سول الذي يفضّله أصحاب الأعمال، والراغبين في قضاء وقت هادئ نظرًا إلى الأجواء المريحة التي يتميّز بها، فأصحاب مقهى سول يحرصون على الهدوء التام، ويقدِّمون للزبائن أفضل المشروبات الساخنة والباردة، خاصة القهوة الإيطالية بكل أنواعها، إسبرسو ومكياتو وكابتشينو ولاتيه وغيرها، كما يقدِّم العصائر الطازجة مثل الفراولة والمانغو والبرتقال.
النجاح الكبير الذي وجده مقهى سول في مقرّه الرئيسي بشارع الجزار، دفع أصحابه إلى التفكير في إنشاء فروع أخرى بالعاصمة، حيث يستعدّون الآن لافتتاح الفرع الجديد في شارع النيل مقابل جامعة الخرطوم، كبرى الجامعات السودانية.
غير بعيد من مقهى سول، يوجد نتفليكس كافيه في شارع المشتل، وعلى النقيض من الهدوء الذي يتميّز به مقهى سول، يُعرَف نتفليكس بالموسيقى الغربية الصاخبة، بالإضافة إلى تقديم الشيشة والمشروبات على الطريقة الأمريكية، ورغم أن الصخب قد لا يفضّله البعض، فإنه يجد إقبالًا كثيفًا خاصة من الشباب من الجنسَين، لدرجة يصعب معها إيجاد مقعد للجلوس في المحل خاصة في ساعات المساء.
نتفليكس كافيه له من اسمه نصيب، فقد تميز أيضًا بإتاحته للزبائن فرصة مشاهدة أفلام الشركة الترفيهية الأمريكية الشهيرة، إذ توجدُ فيه غُرف خاصة لاختيار الأفلام ومشاهدتها تزامنًا مع تناول المشروبات الساخنة والباردة أو النارجيلة.
يمكن أن نقول إن كافيه نتفليكس هو مكان ترفيهي في المقام الأول، فالموسيقى العالية بداخله لا تتيح مجالًا للنقاشات وتبادل الآراء وسط رواد المحل إلا في نطاقٍ ضيقٍ، لذلك لكن يكون مكانًا مفضَّلًا لمحبّي الهدوء ولمن يريدون إنجاز أعمالهم في الأماكن العامة، لكنه يصلح لعشّاق السينما ومشاهدة الأفلام الأمريكية، وكذلك لروّاد الشيشة من الجنسَين.
وعلى ذكر الشيشة، يلاحظ الزائر للخرطوم كثرة المحلات التي تقدمها من مقاهٍ شعبيةٍ، وكافيهات مخصَّصة (جنبات)، وأغلب الأماكن التي تتركز فيها هذه الجنبات هي الأحياء الراقية مثل الرياض بكل شوارعها، والعمارات من شارع 1 إلى شارع 61، إلى جانب الخرطوم 2 والخرطوم 3، كما توجد الجنبات بكثرة في أحياء مدينتَي الخرطوم بحري وأمدرمان.
يتحفّظ البعض على جنبات الشيشة التي توجد داخل الأحياء السكنية، وقد احتجَّ عدد من سكان حي العمارات قبل فترة، موضِّحين أن الجنبات الموجودة داخل مبانٍ سكنية مستأجرة سبّبت لهم إزعاجًا عامًّا، وأنها تشكل تهديدًا حقيقيًّا للأسر والأطفال، وأشاروا إلى أن منطقة العمارات سكنية وليست استثمارية، وأن فيها منطقتَين تجاريتَين فقط متمثلة في شارعَي 15 و41 يمكن أن يتمَّ الاستفادة منهما في إقامة المقاهي بكل أنواعها، بما في ذلك محلات الشيشة.
إذًا، هي رحلة نقّبنا خلالها في مسيرة المقاهي التي كانت ملاذًا للشعراء والمبدعين والسياسيين في الخرطوم، مثل مقهى أتني في الستينيات وحتى الثمانينيات، إلى عهد ستات الشاي من التسعينيات حتى الآن، وانتهاء بالمقاهي الحديثة التي ما زالت تتوسّع بصورة مضطردة، حيث تمّ في الأيام الماضية افتتاح مقهى ريتا في الرياض شارع 112، والأخير متخصِّص في تشجيع المبدعين من الشعراء والفنانين من الشباب، حيث يتميز بالطابع الرومانسي والموسيقى الكلاسيكية إلى جانب تقديم المشروبات المتنوعة.
يمكن أن نخلص إلى أن المقاهي الجديدة التي تكاثرت مؤخرًا في العاصمة السودانية، أصبحت تمثّل الملتقى المفضَّل والحضن الدافئ لجيل الشباب المعاصر الذي فجّر ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018، فهذه المقاهي تجمعهم للترفيه ولتبادُل الأفكار والآراء في همومهم الخاصة والعامة، ومنها مناقشة الوضع في السودان بعد الثورة التي ما زالت نتائجها متواضعة، رغم التضحيات الكبيرة التي قدّمها الشباب السوداني بين شهيد وجريح ومفقود، إلى جانب ضياع شهور طويلة من أعمارهم بسبب تعثُّر الدراسة الجامعية وفوق الجامعية، نتيجة لعدم الاستقرار الذي تعيشه البلاد في الفترة الأخيرة.