ترجمة وتحرير: نون بوست
قال وزير تونسي سابق إنه بقي قيد الإقامة الجبرية أكثر من 60 يومًا وأن السلطات رفضت إخباره بسبب احتجازه أو موعد إطلاق سراحه. ويعدّ أنور معروف (51 عاما) شخصية بارزة في حزب النهضة الإسلامي، وكان يشرف على وزارة الاتصالات والتكنولوجيا من 2016 إلى 2020.
وقال معروف لموقع ميدل إيست آي إنه اعتُقل في 5 آب/ أغسطس في مسقط رأسه في قرطاج، بعد أيام فقط من تجميد الرئيس التونسي قيس سعيد البرلمان وإقالة رئيس الوزراء وتوليه السلطة التنفيذية في البلاد.
ويقول إنه أصبح مضطرا منذ ذلك التاريخ للحصول على إذن من الشرطة لمغادرة منزله، بما في ذلك حضور الصلاة في المسجد، وقد حُرم مرارا وتكرارا من السفر من أجل الاهتمام بشؤون عائلته.
كما أكد أن عناصر الأمن “فتشوا واستجوبوا وأذلوا” أقاربه وأي شخص دخل منزله، بينما ابتعد آخرون عنه خوفا من المشاكل.
وأضاف معروف لموقع ميدل إيست آي: “لم أفكر مطلقا أنني بعد مرور 10 سنوات على الثورة والتحول الديمقراطي سأواجه هذا السيناريو الذي كنت أخشاه قبل الثورة: تقييد حريتي. يبدو كل شيء شبيها بما قبل الثورة، من حيث الخضوع لشخصية سياسية واحدة، والتطبيع مع الممارسات الخارجة عن القانون، وعودة المعارك الإيديولوجية التي تبرر للبعض القفز على إنجازات الديمقراطية للتخلص من الخصوم الإيديولوجيين”.
وخلال مقابلة مطوّلة مع ميدل إيست آي في منزله، تحدّث معروف عن وضع تونس التي تقف على حافة الإفلاس، مؤكدا أن جميع السياسيين مسؤولون عن هذا الفشل.
يُعتبر معروف من أبرز السياسيين التونسيين الذين تم استهدافهم منذ إقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي، وقد سُجن إلى حد الآن خمسة برلمانيين. وسأل موقع ميدل إيست آي وزارة الداخلية التونسية عن سبب اعتقال معروف، ومتى كان من المقرر إطلاق سراحه، لكنه لم يتلق أي رد.
وخلال مقابلة مطوّلة مع ميدل إيست آي في منزله، تحدّث معروف عن وضع تونس التي تقف على حافة الإفلاس، مؤكدا أن جميع السياسيين مسؤولون عن هذا الفشل.
ويوافق معروف على أن الفساد المستشري -الذي قال سعيد مرارا إنه سيقضي عليه- يمثل تحديا كبيرا، إلا أنه يرى أن الطريقة التي يتصرف بها الرئيس لمحاربته ستجعل النظام أكثر فسادًا.
ويضيف في هذا السياق: “إن وضع الأشخاص قيد الإقامة الجبرية دون مبرر قانوني لفترات زمنية غير معروفة يمكن أن يؤدي إلى ترسيخ مثل هذه الممارسات والحكم على أشخاص بالسجن بتهم فساد لكن دون أي أدلة، وهي إجراءات غير قانونية”. سيقوض ذلك إجراءات التقاضي ويشل قدرة الدولة على مكافحة الفساد في المستقبل”.
محاصر بالكامل
حينما عاد معروف إلى تونس من المنفى سنة 2012، عمل مستشارًا لوزير الاتصالات والتكنولوجيا على أمل المساهمة في تنمية البلاد بعد الثورة باعتباره من ذوي الخبرة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. أشرف لاحقًا على الوزارة من 2016 إلى 2020، عندما أُقيل من منصبه إلى جانب جميع أعضاء حزب النهضة الآخرين الذي كانوا يشغلون مناصب وزارية، في ظل انهيار حكومة إلياس الفخفاخ.
وقال معروف إنه في مساء 5 آب / أغسطس الماضي، قامت الشرطة وضباط الأمن بـ”تطويق منزله بالكامل” وطالبوه بالذهاب معهم إلى مركز شرطة قريب. وأضاف: “على الرغم من أن مركز الشرطة يبعد 50 مترا فقط عن منزلي، فقد جاءت فرقة شرطة كاملة لاعتقالي في وقت متأخر من الليل”.
وفي مركز الشرطة، أُبلغ معروف أن رضا غرسلاوي، الذي كلّفه سعيد بالإشراف على وزارة الداخلية بعد إقالة المشيشي، اتخذ قرارًا إداريًا بوضعه قيد الإقامة الجبرية. عاد معروف إلى مركز الشرطة بعد ثلاثة أيام ومعه ثلاثة محامين، طالبا مذكرة أو أي وثائق قانونية أخرى تبرر القرار، لكنه لم يحصل على شيء.
بعد أكثر من 60 يومًا، لم يعرف أنور معروف بعد سبب اعتقاله، ما جعله في مشكلة قانونية، إذ لا يملك نسخة من القرار الإداري الذي جعله قيد الاعتقال، وبالتالي فإن محاميه عاجز عن الطعن أمام المحكمة.
وأشار معروف إلى أن المعلومة الوحيدة التي عرفها من رجال الأمن هو أن احتجازه لن ينتهي إلا بعد انتهاء إجراءات الطوارئ الحالية التي اتخذها سعيد في 25 تموز/ يوليو. كما يشك معروف في أن قضية سابقة تتعلق بعائلته تُستخدم الآن كمبرر قانوني لاعتقاله.
في مارس 2020، تعرضت ابنة أنور معروف لحادث سيارة. وقد فتح النائب والمحامي محمد عبو تحقيقًا في الحادث ورفع دعوى أمام القضاء، مدعيا أنها استخدمت سيارة تابعة للوزارة التي يُشرف عليها والدها. تصدرت هذه الحادثة عناوين الصحف الوطنية، لكن الإجراءات القضائية لم تكتمل.
ويؤكد معروف أنه عاد فجأة إلى دائرة الضوء بعد استيلاء سعيد على السلطة في شهر تموز/ يوليو الماضي، عندما استخدمه الرئيس وأنصاره كمثال على الفساد في البلاد. ويضيف: “السؤال الحقيقي، لماذا أصبحت هذه الحادثة قضية وطنية بعد ما يقرب من سنة من حدوثها؟ لقد استخدموا حادث السيارة كجزء من الخطاب السياسي الذي يبحث عن مبررات للتدابير الاستثنائية وحالة الشلل التي دخلت فيها البلاد بعد قرارات 25 تموز/ يوليو. لم يقدموا إلى الآن أي أدلة أخرى لإضفاء الشرعية على قرار وضعي تحت الإقامة الجبرية”.
يكتنف الغموض قضية اعتقال أنور معروف، ويؤثر ذلك سلبا عليه وعلى عائلته. ويقول الوزير السابق في هذا السياق: “الأمر الأكثر إزعاجا في هذا السيناريو برمته هو أن عائلتي تُعامل أيضا كما لو أنها رهن الإقامة الجبرية. لديّ طفل يبلغ من العمر 11 سنة يخشى من العودة إلى المدرسة، وهو خائف بسبب ما حدث للعائلة”.
محاربة الفساد
عندما تولى قيس سعيد مقاليد السلطة في شهر تموز/ يوليو، وعد بإصلاح شامل لمكافحة واستئصال الفساد الذي عانت منه تونس منذ عقود. في العديد من المناسبات منذ ذلك الحين، كشف عن ملفات فساد دون تحديد أسماء، متعهدا بملاحقتها واستعادة أموال الشعب التونسي.
حينما شاهد تطور الأحداث من منزله، أصبح معروفا قلقا بشكل متزايد من قرارات سعيد وحملة مكافحة الفساد التي قد يكون لها تأثير سلبي على البلاد. وحسب رأيه، “لا يمكن وضع الناس في السجن ومحاكمتهم أمام محاكم عسكرية، فالديمقراطية لا تعمل بهذه الطريقة، بل يجب أن تكون عملية مؤسسية”.
في نهاية تموز/ يوليو، سُجن النائب المستقل ياسين العياري قرابة شهرين بقرار من المحكمة العسكرية بعد أن وصف قرار سعيد بتعليق عمل البرلمان وإقالة كبار المسؤولين بأنه “انقلاب عسكري”. كما وُضِع الرئيس السابق لجهاز مكافحة الفساد، شوقي الطبيب، قيد الإقامة الجبرية بعد أن أخلت قوات الأمن مقر الهيئة في آب/ أغسطس.
ويتساءل معروف: “عندما تتخذ قرارات من هذا القبيل، ثم تعلن أن معركتك هي ضد الفساد، دون أن تقدم أيا من الشخصيات الفاسدة البارزة للمحاكمة، فهل يعني ذلك أنك ملتزم حقا بمكافحة الفساد؟”.
ويكشف معروف أنه أحال عدة قضايا فساد تتعلق بالخطوط الجوية التونسية وشركة السكك الحديدية وميناء رادس، إلى القضاء، لكنها قوبلت بالرفض. ويضيف: “خسرنا ما يقرب من 100 مليون دينار في قضايا تتعلق بالخطوط الجوية التونسية، ولم يتم التعامل مع الأمر”.
ويتابع معروف أنه دعا في وقت سابق إلى توحيد مؤسسات الدولة ورقمنتها حتى يكون من الصعب على أي مسؤول إخفاء الكسب غير المشروع، لكن “كان هناك رفض شديد من بعض المسؤولين لتطبيق الفكرة، رغم حصولنا على 40 مليون دولار من مانحين ألمان لتنفيذها. حدث الأمر ذاته مجددا عندما حاولنا فتح تحقيقات في ملفات فساد أخرى”.
مسؤولية الطبقة السياسية
أشار سعيد في عدة مناسبات أن البلاد كانت تُدار من قبل “مافيا”، لكنه لم يحدد الأطراف المسؤولة عن الوضع المتردي للبلاد، وأراد بالتالي إلقاء المسؤولية على جميع الفاعلين السياسيين. من جانبه، يرى معروف أن الطبقة السياسية بأكملها مسؤولة عما وصلت إليه تونس في غياب إرادة حقيقية للإصلاح.
ويقول معروف: “لا يمكننا الحديث عن عيوب النهضة دون التطرق إلى عيوب الأطراف السياسية الأخرى. أعطى حزب النهضة الانطباع بأنه الطرف الأقوى في المنظومة الحاكمة خلال العقد الماضي، لكن الحقيقة هي أننا لم نمتلك السلطة مطلقًا”.
ويرى معروف أن المصدر الحقيقي لمشاكل تونس هو الافتقار إلى رؤية شاملة للإصلاح الاقتصادي رغم مرور عقد كامل على الثورة، وأن الإفلاس الذي تعانيه الدولة حاليا يقع على عاتق كل من تولوا السلطة خلال السنوات الماضية.
ويضيف: “كانت إرادة اللاعبين السياسيين مجزّأة، وحتى عندما اتحدت الأحزاب، فإن التحالفات تشكلت لمنع التفكك السياسي دون رؤية شاملة لمعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية. لقد فشل السياسيون في تغيير الوضع الاقتصادي نحو الأفضل من خلال الانفتاح على الاستثمارات وخلق الثروات”.
يؤكد معروف أن قرارات الرئيس الحالية ليست حلا، نظرا لعدم استقرار المشهد السياسي في تونس وعدم وجود رؤية للمستقبل. ومع ذلك، لا يزال يأمل في أن تتمكن البلاد من تجاوز الأزمة
لكن معروف يعتقد أن إجراءات سعيد الأخيرة لن تحل المشاكل الاقتصادية، خاصة أن البلاد بقيت دون حكومة منذ نحو 60 يومًا، وبالتالي من الصعب التكهن بالمشهد الاقتصادي والمالي سنة 2022. ويضيف: “لا يمكن العثور على ملفات العائدات الاقتصادية لسنة 2021. تم إغلاق الحدود مع ليبيا، مما ساهم في تضرر آلاف الأشخاص. كما توقفت الاستثمارات تمامًا”.
ويؤكد معروف أن قرارات الرئيس الحالية ليست حلا، نظرا لعدم استقرار المشهد السياسي في تونس وعدم وجود رؤية للمستقبل. ومع ذلك، لا يزال يأمل في أن تتمكن البلاد من تجاوز الأزمة إذا ما وجدت “عقلا سياسيا قويا قادرا على التفكير في الوضع السياسي وتنفيذ برنامج سياسي أكثر فاعلية”.
وأضاف أن هذا الشخص يجب أن “يجمع كل القوى من أجل حوار شامل للتوصل إلى حل وطني مناسب للتحديات المطروحة، مع إعطاء الأولوية للقضايا الأكثر إلحاحا بالنسبة للشعب التونسي”.
المصدر: ميدل إيست آي