أثارت أخبار مبايعة جماعة “أنصار بيت المقدس” المسلحة بسيناء في مصر لتنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام ضجيجًا في أوساط عدة، ذلك التنظيم المعروف إعلاميًا باسم “تنظيم الدولة” أو “داعش” كما تطلق عليه أوساط إعلامية مناوئة له، وقائده هو “أبوبكر البغدادي” الذي يطلق عليه تنظيمه “أمير المؤمنين”، فتلك الأخبار تحمل في ثنايها توابع عدة للدولة المصرية التي تردد دومًا أنها في حرب مع “الإرهاب” وكذلك طور جديد للجماعة الأبرز على الساحة المسلحة في مصر “أنصار بيت المقدس” والتي تنشط في سيناء كموطن نشوئها، كما أن خبرًا كهذا يحمل البشرى بالتأكيد لتنظيم الدولة الذي يكسب أنصارًا كل يوم في ظل تحالف دولي ضده وبالتأكيد دولة مصر جزءًا منه ولو بصفة غير مباشرة.
أعلنت وكالة رويترز للأنباء أن جماعة أنصار بيت المقدس النشطة في شمال سيناء قررت مبايعة “أمير المؤمنين أبوبكر البغدادي” قائد تنظيم الدولة، وذلك حسب بيان نُسب لجماعة أنصار البيت المقدس.
فيما نفت مصادر مقربة من تنظيم الدولة هذا الخبر، كذلك نفس الأمر مع جماعة أنصار بيت المقدس والتي نفت ذلك عن طريق حساب منسوب لها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ومن الملاحظ أيضًا أن الأدوات الإعلامية لأنصار بيت المقدس لم تعقب حتى الآن على حادثة كرم القواديس التي قتل فيها أكثر من 30 مجندًا بالجيش المصري، ولم تذكر شيئًا بشأن البيعة لتنظيم الدولة.
فيما يؤكد متابعون لشأن الجماعات المسلحة في سيناء أن جماعة أنصار بيت المقدس باتت تتجه نحو تنظيم الدولة بشكل أو بآخر، حتى وإن لم تعلن البيعة بعد إلا أن الجماعة الآن في حالة تحديد بوصلة ما بين التنظيم الجهادي الأم “تنظيم القاعدة” الذي يقوده المصري “أيمن الظواهري” والذي خفت نجمه في الساحة العالمية في الآونة الأخيرة، أو تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي يقوده أبوبكر البغدادي، أما الخيار الثالث هو الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، والخيار الأخير يبدو أنه كان استراتيجيًا في ظل أريحية العمل المسلح في سيناء، أما مع القبضة الأمنية الحالية فعلى جماعة أنصار بيت المقدس تحديد بوصلتها واتجاهها لتحظى بدعم وافر أمام القبضة الأمنية المتزايدة للجيش المصري، وذلك عقب تشديد الإجراءات الأمنية بعمليات التهجير والمنطقة العازلة؛ ما يضع أنصار بيت المقدس في مأزق سيجبرها على تحديد وجهتها بالتأكيد في الفترة القادمة.
إذن هو تنظيم “التوحيد والجهاد” في العراق وكان يسمى بـ”تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” وذلك في العام 2004 على يد “أبو مصعب الزرقاوي” الذي بايع الشيخ “أسامة بن لادن” زعيم تنظيم القاعدة السابق.
ثم بعد ذلك أسس تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق عام 2006 ودخل التنظيم في قتال مع ما عرف بالصحوات التي أنشأتها الأجهزة الأمنية من شباب العشائر لمواجهة القاعدة بفروعها في العراق حتى خفت نجم التنظيم بسبب الاقتتال مع الصحوات والعشائر، ولكن الخلاف دب بين نظام المالكي والعشائر منذ العام 2009، أعطى ذلك الفرصة مجددًا لظهور تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق بعد هدنة مع العشائر السنية بسبب خلافها مع الحكومة الشيعية المهيمنة برئاسة المالكي، فانتهز تنظيم الدولة الفرصة وسيطر على عدة مناطق عراقية بمساعدة عدة فصائل تنتمي للتيار السلفي الجهادي كجيش الفاتحين وجند الصحابة وكتائب أنصار التوحيد والسنة وسرايا فرسان التوحيد وسرايا ملة إبراهيم والتي أندمجت بعد ذلك تحت قيادة “أبي عمر البغدادي” والذي قتل بعد ذلك، كانت هذه أولى التنظيمات التي انضوت تحت لواء تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق.
عقب قيام الثورة السورية ذهب “أبو محمد الجولاني”، أحد قيادات تنظيم الدولة بالعراق ليؤسس فرعًا في سوريا للدولة التابعة للقاعدة في ذلك الحين أطلقوا عليها جبهة النصرة.
أعلن “أبوبكر البغدادي” خليفة “أبي عمر البغدادي” حل جبهة النصرة وقيام ما سمي بعد ذلك بتنظيم “دولة الإسلام بالعراق والشام”، وإعلان قيام خلافة تحت لواء البغدادي، وهو ما رفضه الجولاني وانفصل بالنصرة.
بعدها أخذت قوة الدولة الإسلامية في الازدياد وذلك بعد سقوط مدينة الموصل في العراق ثاني أكبر المدن العراقية بيدها بتاريخ 11/6/2014 ما أعطاها ثقلًا استراتيجيًا بالعراق وتمويلًا لوجستيًا لبقية حروبها في سوريا.
فأصبح تنظيم الدولة يسيطر على 40% من مساحة العراق و35% من مساحة سوريا، وهو ما صرح به مدير مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي “ماثيو أولسين” في تصريحات لصحيفة الديلي جيراف البريطانية حيث أوضح أن المساحة التي يسيطير عليها تنظيم الدولة تعادل مساحة المملكة المتحدة.
فيما كان يبلغ عدد مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق قرابة العشرة آلاف مقاتل، وفي سوريا قرابة السبعة آلاف مقاتل، هذا كله قبيل قدوم المتطوعين من جميع أنحاء العالم،
حيث بلغ عدد المنضمين تحت لواء التنظيم في سوريا حوالي 12.000 مقاتل من أكثر من 80 دولة مختلفة حول العالم بينهم أكثر من 2.500 من دول غربية.
وفي استطلاع مثير للجدل نُشر مؤخرًا في جريدة التايمز البريطانية أكد أن واحدًا من كل عشرة شباب تحت سن 35 عامًا في لندن يتعاطف مع تنظيم الدولة، وهو ما يؤكد قدرة التنظيم على كسب أنصار في مختلف الدول حتى الغربية منها.
وأما على الصعيد الجهادي فقد اجتذب التنظيم العديد من الجماعات الجهادية حول العالم في العديد من الدول للانضمام تحت لوائه ومبايعة الخليفة أبي بكر البغدادي، وهو ما يعد تنافسًا مع تنظيم القاعدة – التنظيم الجهادي الأول في العالم -؛ ما دعى بعض المتابعين الغربيين لتشبيه “أبو بكر البغدادي” قائد تنظيم الدولة بأنه “أسامة بن لادن” في صورة جديدة، وأن تنظيم الدولة في العراق والشام سيشهد تأسيسًا جديدًا للفكر الجهادي العالمي.
وفيما يلي خريطة بأبرز التنظيمات الجهادية في العالم التي قبلت الانضواء تحت راية تنظيم الدولة وذلك بالإعلان الرسمي عن ذلك أو بالتأييد فقط:
- تنظيم أنصار الإسلام الكردي: وهو يعتبر تنظيم سلفي يسيطر على بعض المدن في شمال العراق.
- جماعة خراسان سوريا: التي انشقت عن تنظيم القاعدة.
- أنصار الشريعة في ليبيا: التي أعلنت التأييد لتنظيم الدولة دون بعية حقيقية.
- أنصار الشريعة في تونس: التي أعلنت البيعة لأبي بكر البغدادي قائد تنظيم الدولة.
- جند الخلافة الجزائرية: التي انفصلت عن القاعدة وانضمت لتنظيم الدولة.
- بوكو حرام: جماعة نيجيرية قائدها الحالي “أبوبكر شيكاو” ترفض التعليم الغربي والهيمنة الثقافية الغربية، وقد أعلنت الانضمام تحت لواء تنظيم الدولة بعدما كانت تعرف بميولها لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي.
- تنظيم القاعدة في جزيرة العرب: الذي أعلن التضامن مع مقاتلي الدولة.
- طالبان: الحركة الإسلامية التي حكمت أفغانستان والتي لها فرع باكستاني أيضًا، وقد دعت إلى التوحد بين الفصائل الجهادية المختلفة معلنةً دعمها لجهاد مقاتلي الدولة، يذكر أن طالبان خاضت حروبًا ضد قوات الناتو في أفغانستان وباكستنان لسنوات عدة، ولها ثقل كبير بين الجماعات الجهادية وانتزاع تأييد منها للدولة الإسلامية مكسب كبير لا شك في للتنظيم.
- جماعة أبو سياف بالفليبين: والتي انشقت عن جبهة مورو، وهدفها إنشاء دولة إسلامية حسب تعبيرهم، وتراجعت عن دعم القاعدة وقامت بالانضمام تحت لواء تنظيم الدولة.
- جماعة مقاتلي بانجسمورو الإسلاميين من أجل الحرية في الفليبين: جماعة منشقة أيضًا عن جبهة مورو أعلنت مبايعتها لتنظيم الدولة.
- مجاهدي شرقي إندونيسيا: والذي أعلن زعيمهم مبايعته لقائد تنظيم الدولة.
- دعوة التوحيد والجهاد بالأردن: حيث أعلن أبو محمد المقدسي وأبو قتادة من قيادات السلفية الجهادية بالأردن دعمهما المطلق للتنظيم.
- جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة بالسودان: أعلن “زعيمها سليمان” عثمان أن هذه هي الفرصة لتوحد المسلمين تحت راية الدولة الإسلامية.
- جماعة تحريك الخلافة بباكستان: والتي تعهدت برفع راية تنظيم الدولة في جنوب أسيا.
هذه التنافسية الواضحة بين تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة في أرجاء العالم يدل على تصارع في المنهج بين التنظيمين الجهاديين الأبرز في العالم، ولكن المتابع يجد نشاطًا ملحوظًا لتنظيم الدولة في كسب الأرض الجهادية بين التنظيمات المختلفة في العالم، يفسر ذلك البعض بأن سببه المكاسب السريعة التي حققها التنظيم مقارنةً بتنظيم القاعدة الذي بدأ نشاطه يخمد شيئًا فشيئًا لشدة الضغط الأمني عليه، وهو ما يوحي باتساع رقعة خريطة تنظيم الدولة حيث تقف الجماعات الجهادية منه مواقف متباينة ما بين مبايع يقاتل تحت لواء الدولة، وما بين مؤيد ولكنه لم يبايع رسميًا، وما بين من يدعو للتوحد بين جميع الفصائل لكنه لا يخالف الدولة كثيرًا، وما بين مختلف مع منهج الدولة وسياستها وهو ما يميل له أنصار القاعدة بسبب التوترات التي حدثت بسوريا بين التنظيمين، ويعتقد أن الثلاثة تصنيفات الأولى هي الأغلب بين الجماعات الجهادية في العالم بالمقارنة بهبوط أسهم القاعدة أمام ظاهرة الدولة الجديدة.