ترجمة حفصة جودة
في بيته الواقع في ضواحي طرابلس أقصى شمال لبنان، يقول إبراهيم كتب: “لا يوجد خبز ولا عمل، الوضع صعب للغاية”، لم ترمش عينه عندما تردد صوت 5 طلقات نارية على بُعد شارع أو اثنين من المبنى تبعته عدة طلقات أخرى بعد ثوان، علّق كتب قائلًا: “الناس لا يملكون طعام ولا وظائف ولا غاز، إذا لم تكن تملك أي من ذلك ستتقاتل”.
تواجه طرابلس – ثاني أكبر مدينة في لبنان – انهيارًا بسبب الأزمة الاقتصادية ويرتفع بها معدل الجريمة وكوفيد-19 كذلك، كانت طرابلس دائمًا من أفقر المدن في البلاد حتى قبل الأزمة الاقتصادية الحاليّة، فقد وصل معدل الفقر في البلاد إلى 60%، ومن المتوقع أن يصبح الرقم أعلى بكثير الآن.
يعاني لبنان من أزمة اقتصادية منذ 2019 مع نسبة تضخم مفرطة تسببت في خسارة الليرة اللبنانية نحو 90% من قيمتها، ما أوقع بالكثيرين في مستوى الفقر وتبخرت الأجور والمعاشات والمدخرات.
ارتفع سعر الطعام بنسبة 550% منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019 وأصبحت طوابير الخبز مشهدًا عامًا في المدينة بينما أغلقت المصانع لعدم قدرتها على العمل نتيجة نقص الوقود.
في يوليو/تموز، أفاد مرصد أزمة لبنان في الجامعة الأمريكية ببيروت أن تكلفة الغذاء لأسرة مكونة من 5 أفراد خلال شهر واحد تبلغ قيمتها نحو 5 أضعاف الحد الأدنى للأجر الشهري على مستوى البلاد.
يتحرك إبراهيم ببطء بسبب الدعامات، فقد انكسر ظهره في انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020، كان مع ابنه المريض في المستشفى عندما انهار المبنى حولهم، والآن أصبح بلا عمل ويعتمد على دعم العائلة والأصدقاء والجمعيات الخيرية، كان إبراهيم – 29 عامًا – يعمل كهربائيًا مستقلًا بشكل أساسي قبل إصابته، ورغم عدم قدرته على العمل فإنه لا يحصل على دعم حكومي.
يقول إبراهيم: “لا شيء إطلاقًا من الحكومة، لا مساعدة مالية ولا طعام، إنه أمر صعب، صعب للغاية”.
على بُعد 20 دقيقة بالسيارة في حي المينا المطل على بحر طرابلس، تقيس أمل خليل مقدار الحليب طويل الأجل المتبقي في زجاجة المياه وتزيده لإطعام ابنها ذي الخمس سنوات، لا يبدو واضحًا مصدر المياه، لكن لونها يميل للأخضر.
ارتفعت أسعار المياه المعبأة مثل بقية الأساسيات في الأشهر الأخيرة، فقد ارتفع سعر زجاجة المياه حجم 500 ملليلتر 8 أضعاف منذ بداية الأزمة، انتقلت أمل مع زوجها مؤخرًا إلى غرف جديدة متداعية بعد أن أصبح إيجار شقتهم القديمة باهظًا.
إذا نظرت في أعين الناس يمكنك أن ترى مدى الضياع، يعيش الناس مثل المخدرين اليائسين، دون أي حلول
تقول أمل: “كانت فاتورة المولد تصل إلى مليون ليرة شهريًا لكي تعمل الكهرباء 8 ساعات، لكننا نجني 800 ألف ليرة فقط في الشهر، ثم فقد زوجي عمله، لذا أخبرني كيف يمكننا أن نعيش كذلك؟ متى يتحسن الوضع؟”.
مهملون ومنسيون
في الشهر الماضي، أفاد تقرير اللجنة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا في الأمم المتحدة أن 82% من الناس في لبنان – ضعف الرقم منذ 2019 – يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، ما يعني أنهم يفتقرون للتعليم والرعاية الصحية والدخل الثابت.
تعد “دارة طرابلس الخيرية” (The Tripoli Charity House) واحدة من مئات المنظمات المجتمعية التي توقفت عن العمل في المدينة بسبب سوء الأزمة، تقول مؤسسة المنظمة لارا رفاعي إن الوضع مأساوي.
تقول لارا: “كانت الست شهور الأخيرة الأكثر سوءًا، لا يمكن للعائلات هنا أن تعيش دون دعم، إذا نظرت في أعين الناس يمكنك أن ترى مدى الضياع، يعيش الناس مثل المخدرين اليائسين، دون أي حلول”.
تقدم منظمة رفاعي خدمات متعددة لمعظم المحتاجين وتدير برامج تعليمية وصحية بالإضافة إلى طبخ وجبات مجانية وتجميع عبوات غذائية، لكن قدرتها على معالجة حجم المشاكل تزداد صعوبة، فالتبرعات في تناقص، اعتادت المنظمة أن توفر 1200 وجبة أسبوعيًا، لكنها الآن تقدم 400 وجبة فقط رغم تزايد الحاجة 10 أضعاف.
تقول لارا: “طرابلس مهملة ومنسية”، وكالعادة، فالأطفال وكبار السن والمرضى هم الأكثر عرضة للخطر، شُخصت ابتسام عباس بسرطان الثدي بينما تعيش مع والدها المسن – 75 عامًا – الذي يعاني من حالة مزمنة تؤثر في قدرته على التنفس، تقول ابتسام: “لا أستطيع أن أوفر الدواء لمرضي”.
كانت ابتسام تعمل عاملة نظافة لكنها توقفت عن العمل بسبب مرضها، والآن بعد العلاج لم تعثر على عمل، وصلت معدلات البطالة في طرابلس إلى 60%، وتضيف ابتسام أنه مع ارتفاع الأسعار لم تعد هي ووالدها قادرين على تأمين الأساسيات بسبب دخلهم المحدود واعتمادهم على حصص الإعاشة والتبرعات.
بدأت ابتسام في زراعة الخضراوات ببقعة أرض صغيرة خارج منزلها، تقول ابتسام: “نحصل على معظم طعامنا من تلك المحاصيل التي نزرعها بجوار المنزل لأننا لا نستطيع الشراء، في بعض الأحيان لا تنجح الزراعة نتيجة عوامل الطقس، لكن حمدًا لله فإننا نعيش بشكل ما”.
على بُعد شارعين تقول جمعية “سوا مننجح” إن قائمة الانتظار للدعم ازدادت بشكل بالغ، فهناك أكثر من 1500 أسرة تنتظر الحصول على وجبات مجانية وبنك طعام وملابس موسمية، تقول المؤسسة ديانا كرامي إن الوضع سيئ جدًا، حتى إن الأطفال في المدينة عرضة لخطر سوء التغذية، وتضيف “لقد وصلنا إلى ذلك بالفعل، فالوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم”.
تعهدت حكومته بتنفيذ إصلاحات سياسية لازمة لإطلاق مساعدات دولية، لكن بعد سنوات من الفساد والركود الحكومي، لم يعد الناس في طرابلس مقتنعين بذلك
في مثل هذه البيئة، ترتفع حدة الأمور، يقول أحد الجنود عند نقطة تفتيش “يجب أن نغادر في السادسة”، في الأسبوع قبل الماضي قُتل رجل في شرفته بسبب رصاصة طائشة انطلقت في أثناء مواجهات.
لكن الجميع يشيرون إلى أن ارتفاع العنف ليس لأسباب طائفية، لكنه نتيجة سطو مسلح يليه هجمات مدفوعة بالثأر الانتقامي.
حل سياسي؟
انتهى المأزق السياسي الذي استمر مدة 30 شهرًا في بداية سبتمبر/أيلول عندما اتفق الرئيس اللبناني على تشكيل الحكومة مع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بعد أكثر من شهر من المفاوضات، كانت حكومة تصريف أعمال تدير لبنان منذ انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020 عندما استقالت الحكومة بشكل جماعي.
عمل ميقاتي من قبل رئيسًا للوزراء في 2005 ومرة أخرى من 2011 حتى 2014، وهو في الأصل من طرابلس وأحد نوابها، إنه كذلك أغنى رجل في البلاد، إذ تُقدر صافي ثروته بنحو 2.8 مليار دولار.
تعهدت حكومته بتنفيذ إصلاحات سياسية لازمة لإطلاق مساعدات دولية، لكن بعد سنوات من الفساد والركود الحكومي، لم يعد الناس في طرابلس مقتنعين بذلك، عندما يُذكر اسم رئيس الوزراء الجديد فإن إبراهيم وشقيقه وزوجته وحتى ابنه يصدرون صوتًا ينم عن الضيق بلسانهم ويهزون رؤوسهم، ويقول إبراهيم: “لا شيء، لا شيء، لا شيء، لن يفعل ممثلو البرلمان أي شيء”.
يهز أفراد الأسرة الذين اجتمعوا في غرفة المعيشة الضيقة رؤوسهم بالموافقة على ذلك، ويقول إبراهيم: “لن يقدموا لنا أي مساعدة أو دعم”، مع انتهاء صيف لبنان وحلول أشهر الشتاء، فإن الوضع سيزداد سوءًا ما لم يُعالج، مع احتمالية اضطرار العائلات ميسورة الحال إلى الاختيار بين تدفئة منازلهم أو الحصول على طعام في الشتاء.
في وسط طرابلس التاريخية، يقف محمد القاضي – 17 عامًا – تحت ملصق لرئيس الوزراء الجديد بينما يحملق في الحشود المتجمعة في السوق حيث أغلقت العديد من المتاجر، لقد مرت 3 سنوات منذ أن ذهب آخر مرة إلى المدرسة، والآن أصبح بلا عمل، عندما يفكر في الحاضر والمستقبل يقول محمد بصوت كئيب: “هذا هو الجحيم يا أخي، إننا نعيش هنا في الجحيم”.
المصدر: ميدل إيست آي