البشر مخلوقات من العادة، تعدّ العديد من السلوكيات مثل كيفية انتقالنا إلى العمل، وما نَشتريه، وما نأكله، وكيفية التخلُّص من المنتجات والتغليف، جزءًا من روتيننا المعتاد.
غالبًا ما يكون مفتاح نشر سلوكيات المستهلك المستدامة هو كسر العادات السيئة أولًا، ثم تشجيع العادات الجيدة.
والإدارة الخضراء، في جوهرها، تدور حول إدراك كيفية تأثير سلوك المستهلك أو ممارسات العمل أو أساليب الإنتاج على البيئة، وإجراء تغييرات تقلِّل “بصمتك” البيئية وتجعل عملك أكثر استدامة، ويتضمن هذا غالبًا تدابير لتقليل المواد الخام والمياه والطاقة التي تستخدمها وتقليل النفايات التي تنتجها.
فوائد الإدارة الخضراء
الإدارة الخضراء هي بذل الشركة قصارى جهدها لتقليل العمليات التي تضرُّ بالبيئة، وبالإضافة إلى مساعدة البيئة يمكن للشركة أيضًا أن ترى العديد من الفوائد قصيرة وطويلة المدى للإدارة الخضراء.
تشمل الفوائد قصيرة المدى للإدارة الخضراء تحسين الصحة، والعناصر القابلة لإعادة الاستخدام، وإعادة التدوير.
أما للفوائد على المدى الطويل، يمكن للشركات التركيز على العلامات التجارية المحسَّنة، وترقيات التكنولوجيا، وانخفاض الطاقة، وانخفاض تكاليف النقل، وفرض رسوم أقل ومعدلات تأمين أقل.
غالبًا ما تعمل الشركات التي تتّجه إلى البيئة الخضراء على تحسين علاماتها التجارية وصورتها، حيث يقدِّر المجتمع الشركة التي تقوم بدورها في مساعدة البيئة، ويكون الموظفون أكثر ثقة مع الشركة التي تقدِّر مهمتها في أن تكون صديقة للبيئة.
المستهلك الأخضر
المستهلك الأخضر هو شخص يدرك التزامه بحماية البيئة، من خلال شراء المنتجات أو الخدمات الخضراء بشكل انتقائي، كما يحاول المستهلك الأخضر الحفاظ على نمط حياة صحّي وآمن دون تعريض استدامة الكوكب ومستقبل البشرية للخطر.
وفقًا لدراسة حديثة، يشتري 50% من المستهلكين المنتجات الخضراء اليوم، ويتمتّع المستهلك الأخضر بدوافع كبيرة لتغيير سلوكه الشرائي لصالح الكوكب، وهو على استعداد لدفع 10% إلى 30% أكثر لإنقاذ الكوكب من الأضرار البيئية، ومع ذلك تجدُ الشركات أحيانًا صعوبة في التنبُّؤ بردّ فعل المستهلكين تجاه المنتجات الخضراء.
تقدِّر شركة Unilever أن ما يقارب الـ 70% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، تعتمدُ على المنتجات التي يختارها المستهلكون وما إذا كانوا يستخدمونها ويتخلّصون منها بطريقة مستدامة.
المجالات الرئيسية للاستهلاك الأخضر
يمكن تحديد المجالات الرئيسية للاستهلاك الأخضر المتطوِّر بهذه القطاعات الثلاث:
– الطاقة الخضراء: تشمل عمليات طاقة طبيعية يمكن تسخيرها مع القليل من التلوث.
– طعام أخضر: في مجال الأغذية، هناك في الآونة الأخيرة تزايد للطلب على إنتاج الاغذية الأقل ضررًا على البيئة.
الطعام العضوي يتمُّ إنتاجه من خلال الزراعة التي لا تستخدِم الأسمدة الكيماوية الصناعية والمبيدات، وتربّي الحيوانات في ظروف أكثر طبيعية، دون الاستخدام الروتيني للأدوية والمضادات الحيوية والديدان الشائعة في تربية الماشية المكثَّفة.
يمكن للمستهلكين أيضًا اختيار شراء الطعام المحلّي لتقليل الآثار الاجتماعية والبيئية لـ”أميال الغذاء”، أي المسافة التي يقطعها الطعام بين إنتاجه واستهلاكه.
– أزياء خضراء: تشير الملابس البيئية إلى جميع الملابس التي تمَّ تصنيعها باستخدام عمليات صديقة للبيئة، وتشمل المنسوجات العضوية والمستدامة مواد مثل القنّب، وغير المنسوجات مثل الخيزران أو البلاستيك المعاد تدويرهما.
الملابس العضوية تعني الملابس التي تمَّ تصنيعها بأدنى حدٍّ من استخدام المواد الكيميائية، وبأدنى حدٍّ من الضرر الذي يلحق بالبيئة.
والأسباب الرئيسية التي من شأنها أن تحفِّز على شراء الملابس العضوية، هي حماية البيئة، وتأثيرها الإيجابي على الصحة، وووجود مخاوف أخلاقية ناتجة عن حماية البيئة.
استخدام التأثير الاجتماعي لتفعيل السلوك الأخضر
يعدّ تسخير قوة التأثير الاجتماعي إحدى أكثر الطرق فعالية لاستنباط السلوكيات المؤيدة للبيئة في الاستهلاك أيضًا.
أطلقت مؤخرًا مدينة كالغاري في ولاية ألبرتا الكندية، برنامجًا يُسمّى تدوير العشب، والذي يتضمّن ترك السكان قصاصات العشب لتتحلّل بشكل طبيعي على العشب بعد القصّ، بدلًا من تعبئتها ونقلها إلى مكبّ النفايات.
كما أقامت المدينة حملة إعلامية حول البرنامج، سلّطت الضوء على فوائده، حيث سيعيد التدوير العشبي المغذيات القيّمة إلى التربة، ويحمي العشب، ويساعد التربة على الاحتفاظ بالرطوبة.
علاوة على ذلك، يتطلب هذا السلوك المستدام عملًا أقل من الفرد، لكن معدلات التبنّي الأولية كانت أقل ممّا توقعته المدينة.
في بعض الأحيان يمكن أن تأتي المحفِّزات الاجتماعية بنتائج عكسية، حيث إن كان عدد قليل فقط من الأشخاص ينخرطون في سلوك مستدام، فقد يبدو أنه غير موافَق عليه اجتماعيًّا، وبالتالي يؤدّي ذلك إلى تثبيط التبنّي.
في مثل هذه الحالات، يمكن للشركات تجنيد المدافعين للترويج للعناصر الإيجابية للمنتَج أو الإجراء، ويكون المدافعون أكثر إقناعًا عندما يكونون هم أنفسهم قد اتّخذوا هذا السلوك.
وجدت إحدى الدراسات أنه عندما تحدّثَ أحد المدافعين عن سبب قيامه بتركيب الألواح الشمسية السكنية، فقد تبعه 63% من الأشخاص، أكثر ممّا كان عليه الحال عندما لم يقُم المدافع بتركيب الألواح بالفعل.
يمكن شحن التأثير الاجتماعي بـ 3 طرق، وهي:
– جعل السلوكيات المستدامة أكثر وضوحًا للآخرين.
– التزامات الناس بالسلوك الصديق للبيئة علنية، على سبيل المثال مطالبة نزلاء الفندق بالإشارة إلى موافقتهم على إعادة استخدام المناشف من خلال تعليق بطاقة على باب غرفتهم.
– استخدام المنافسة الصحية بين الفئات الاجتماعية.
نموذج عربي
سعت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ أعوام إلى تكريس مفاهيم الإدارة الخضراء في مختلف ميادين العمل، واستحدثت قوانين وسياسات جديدة تلبّي متطلبات الاستخدام المستدام للموارد، وتعزيز قضية الاستدامة البيئية.
وهنا تبرز مدينة مصدر كنموذج رائد للمدن القائمة على الاستثمار الأخضر والتنمية المستدامة، التي تصبّ في إطار الإدارة الخضراء، وقد استفادت دولة الإمارات من التجارب العالمية في هذا المجال، حيث تشهد بعض الدول تحوّلًا جذريًّا باتجاه الإدارة الخضراء.
وفي الإطار ذاته، تبرز المبادرات المتميزة والمشاريع المستدامة للجهات الحكومية في دبي، والتي تصبّ في إطار التحوُّل لبيئات العمل الخضراء، وانتهاج السلوكيات الإدارية الخضراء، حيث تسعى حكومة دبي إلى إدماج الاعتبارات والمتطلبات البيئية ضمن الخطط التنموية.
شركات عالمية تمثل أنموذجًا رائدًا
أدّى الاستنزاف المستمر للموارد الطبيعية إلى جعل الشركات التي لديها متطلبات كبيرة من الطاقة أكثر وعيًا بالبيئة من أي وقت مضى، وإليك 4 شركات عالمية ذات مبادرات بيئية عظيمة، وأكثر حفاظًا على البيئة:
– شركة فورد موتور
من المعروف أن شركات السيارات من بين أكثر الشركات الملوِّثة للبيئة، ومع ذلك تعمل شركة فورد موتور على تغيير هذه الرواية من خلال سياستها البيئية المكوَّنة من 10 أجزاء، والتي طبّقتها لسنوات.
تركز الشركة على كفاءة الوقود، لا سيما على ناقل الحركة ذي الـ 6 سرعات، ويتم إعادة تدوير أبخرة الطلاء في مصنع الشركة في ميشيغان كوقود.
كما تمتلك فورد أكبر سقف أخضر في العالم، وهي الشركة الوحيدة التي فازت بجائزة EPA Energy Star مرتَين على التوالي.
– ديزني
ديزني عازمة على إرضاء الشركات التي جعلتها عملاقة، باستخدام سياسات انبعاثات الغازات الدفيئة الصافية في جميع منشآتها، إذ تعمل على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري غير المباشرة من خلال تقليل استهلاك الكهرباء.
لدى ديزني أيضًا سياسة صفر نفايات، ما يعني أنه لا يوجد شيء ينتهي به المطاف في مكبات النفايات، كما تستخدم عملاقة الترفيه أيضًا تقنية توفير المياه، وتعمل على تقليل بصمة تصنيع منتجاتها وتوزيعها.
هذا مرتبط بالإدارة الخضراء للشركة، وسياستها المتمثلة في وجود تأثير بيئي إيجابي صافٍ، ما جعل ديزني شركة رائدة في المسؤولية البيئية.
– نايكي
تحرص شركة نايكي على إبراز قيمة المبادرات الخضراء من خلال إعلاناتها، بالإضافة إلى وضع الأفكار العظيمة موضع التنفيذ.
كما أن خط منتجاتها المستدامة مصنوع من مواد مفضَّلة بيئيًّا، مثل البوليستر المعاد تدويره، كما تستخدم الشركة مصادر الطاقة المتجدِّدة في التصنيع.
علاوة على ذلك، ضغطت شركة نايكي على 650 من مورّديها في 52 دولة لتطوير وتنفيذ سياسات بيئية مكتوبة.
– ابتكارات جوجل البيئية
تتمتّع جوجل أيضًا بثقافة مؤسَّسية مدركة للبيئة، ما يعزِّز سمعتها باعتبارها واحدة من أكثر الشركات تقدمًا في التفكير في العالم، وتبني مستقبلًا أكثر خضرة من خلال ممارسات إدارة سلسلة التوريد الخضراء والاستدامة البيئية.
تُظهر الشركة التزامها بالمحافظة على البيئة من خلال مبادرات مثل تزويد منشآتها بمصادر الطاقة المتجددة.
بشكل عام، وبغضّ النظر عن المبادرات التي قد تتبنّاها الشركة، ستعمل الشركات بشكل جيد لمراقبة هذه المبادرات وتحديد طرق لتصبح أكثر كفاءة بمرور الوقت.
كيف يكون مكان عملك صديقًا للبيئة
الآن، وصلنا إلى المهم: ما الذي يمكنك فعله لجعل مكان عملك أكثر خضرة وصديقًا للبيئة؟
الخطوة الأولى هي الالتزام بتغيير سلوكك، بعد ذلك ضعْ في اعتبارك الطرق التالية لجعل مكان عملك أكثر صداقة للبيئة:
– تقييم الوضع الحالي الخاص بك: قُم بمراجعة ممارسات العمل في مؤسستك وتقييم تأثيرها على البيئة. هذا سوف يسلِّط الضوء على المجالات المحتملة للتغيير. على سبيل المثال، قد تنفق على فواتير الخدمات أكثر ما تتوقع. قد يكون إنتاج النفايات الخاص بك أعلى من متوسط الصناعة، أو قد يشتري فريقك عناصر لا يحتاجون إليها لاحقًا.
– اجعل إعادة التدوير سهلًا: تخلُّص بشكل مسؤول من العناصر الكبيرة أو التي يُحتمَل أن تكون خطرة، مثل الإلكترونيات والبطاريات. على سبيل المثال، يمكنك غالبًا التبرُّع بأجهزة الكمبيوتر للجمعيات الخيرية، أو استخدام خدمات متخصِّصة لإعادة تدويرها.
– راقب استخدامك للطاقة: مصابيح LED الموفِّرة للطاقة تستخدم طاقة أقل بنسبة 70-75%، وتنبعث منها حرارة أقل بكثير، وتدوم حتى 50 مرة أطول. اعتَدْ على إطفاء الأنوار عند مغادرة الغرفة، يمكنك أيضًا تثبيت مستشعرات الحركة التي تطفئ الأنوار تلقائيًّا في الحمّامات وغرف الاستراحة.
– زرع الأشجار: لن تتوفر مساحة كافية في جميع أماكن العمل للقيام بذلك، ولكن وضع النباتات حول المكتب يمكن أن يساعد في تنظيف الهواء وتعزيز التحكُّم الطبيعي في المناخ، كما أن توفُّر الطاقة يجعل بيئة عملك أكثر صحة وجاذبية.
– قلِّل من رحلات السيارات: إذا كان ذلك مناسبًا، اسمح للناس بالعمل من المنزل ليوم أو أكثر كل أسبوع، هذا يوفِّر وقت التنقل، ويقلِّل من استهلاك الوقود وانبعاثات الكربون.
– استخدام التكنولوجيا: استخدام التكنولوجيا لإجراء التدريب، المؤتمرات، أو حتى مقابلات العمل، غالبًا ما يكون الإنترنت أكثر فعالية من حيث التكلفة، فضلًا عن كونه أكثر صداقة للبيئة.
أخيرًا.. إن كوكبنا وعالمنا والأجيال القادمة لها حق علينا، ويمكن لكل واحد فينا، أفرادًا ومؤسسات، ببعض التحسينات على نمط حياتنا وأسلوب تطوير شركاتنا، أن يحدث تغييرًا وأثًرا على المدى المتوسط والبعيد، وفي الحديث النبوي الشريف: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها”.