أدى آبيي أحمد، الاثنين 4 أكتوبر/تشرين الجاري، اليمين الدستورية، أمام البرلمان، كرئيس للوزراء لولاية جديدة تستمر لخمسة أعوام قادمة، وذلك بعد فوز حزب “الرخاء” الذي يرأسه في الانتخابات البرلمانية التي جرت في يونيو/حزيران الماضي بـ 410 مقعدًا من إجمالي 436 هي إجمالي مقاعد البرلمان.
وتعد هذه الانتخابات التي تأجلت أكثر من مرة بسبب جائحة كورونا، هي الأولى في عهد آبي أحمد والسادسة في تاريخ إثيبويا منذ إطاحة نظام منغستو هايلي ميريام العسكري في عام 1991، وتأتي وسط تحديات سياسية واقتصادية وأمنية خطيرة، فضلا عن التشابكات المعقدة في خارطة الحلفاء الخارجية جرًاء سياسة رئيس الوزراء الحاص على نوبل في السلام عام 2019.
الفوز الكاسح لحزب آبي أحمد في الانتخابات – رغم الانتقادات والتشكيك الكبير في نزاهتها- جاء صادمًا للكثير من المراقبين، حين كانت تشير الأجواء إلى تراجع شعبيته خلال الأونة الأخيرة جراء الفشل في التعاطي مع الملفات الحياتية للمواطنين، هذا بخلاف تأجيج الأزمة مع التيغراي والهزائم التي تلقاها على أيدي مقاتليهم.
في هذا التقرير نسلط الضوء على أبرز التحديات المتوقع أن تواجه آبي أحمد في ولايته الجديدة، وسيناريوهات التعامل مع الملفات الخارجية الحيوية وعلى رأسها ملف “سد النهضة” وانعكاس ذلك على العلاقات مع دولتي المصب، مصر والسودان، بعدما وصلت الأجواء بينهما إلى نفق مسدود في ظل السجالات الإعلامية والسياسية والعسكرية المتبادل بينهما على خلفية التعنت الإثيوبي في المسار التفاوضي للسد.
شكوك في نزاهة الانتخابات
استطاع حزب “الرخاء” تحقيق انتصار كاسح في تلك الانتخابات التي شهدت خلافات دستوية نتيجة تأجيلها عن الموعد المقرر لها سلفًا (29 أغسطس/آب 2020)، الأمر الذي دفع بعض القوى السياسية لمقاطعة العملية برمتها، طعنا في قانونية إجراءها، كما هو حال إقليم التيغراي الذي لم يشارك في الانتخابات.
وتعد الدورة الجديدة لأبي أحمد في رئاسة الحكومة هي الأولى له نتيجة انتخابات تشريعية، حيث أنه كان قد تقلد رئاسة الوزارة قبل 4 سنوات باختيار من ائتلاف “حزب الجبهة الديمقراطية الثورية” في 2 إبريل/نيسان 2018، بعد تنحي رئيس الوزراء السابق هيلي ماريام ديسالين (من قومية جنوب إثيوبيا) عقب احتجاجات شهدتها البلاد.
وقوبلت تلك الانتخابات بشكوك كبيرة في نزاهتها واستقلاليتها، فيما منع أكثر من خمس سكان البلاد من الاقتراع بسبب انعدام الأمن والمشاكل اللوجستية في بعض المناطق، فيما تقدمت بعض الأحزاب بشكاوى تفيد بتعطيل خططهم، حيث تقدم أحد الأحزاب منفردًا (حزب إثيوبيون من أجل العدالة الاجتماعية) بتقديم أكثر من 200 شكوى بعد أن قام مسؤولون محليون ورجال ميليشيات بحظر حضور المراقبين في عدد من المناطق.
لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية (حكومية) كانت قد أشارت في تقرير أولي لها عقب الانتخابات أن بعض الدوائر الانتخابية شهدت “اعتقالات غير لائقة، وترهيبا للناخبين ومضايقات للمراقبين والصحفيين” وأضافت أنها رصدت عدة عمليات قتل في الأيام التي سبقت التصويت في إقليم الأورومو، ورغم ذلك أشارت في تقريرها النهائي إلى أنه “لا توجد انتهاكات خطيرة أو واسعة النطاق لحقوق الإنسان” في المراكز التي رصدتها.
وعلى المستوى الدولي فقد أثارت تلك الانتقادات والشكوك حول نزاهة الانتخابات قلق بعض القوى الدولية، ففي مايو/ أيار الماضي، اتهم الاتحاد الأوروبي إثيوبيا بالفشل في ضمان استقلال الانتخابات، مطالبًا بإعادة النظر في معايير الشفافية والاستقلالية المتبعة بعيدًا عن أي تدخلات لصالح حزب بعينه.
الحكومة التي نجحت في طي صفحة التوتر والخلاف مع إريتريا بعد سنوات من النزاع والصدام والقطيعة، تواجه اليوم توترًا سياسيًا متصاعدًا مع مصر والسودان، جرًاء موقفها المتعنت في مسار ملف النهضة
تحديات في وجه الولاية الجديد
الخمس سنوات المقبلة لاشك وأنها ستحمل الكثير من التحديات التي ربما تعرقل مسيرة حكومة آبي أحمد التي نجحت خلال الأونة الأخيرة في كسب الدعم والتأييد الشعبي نسبيًا بسبب الخطاب الشعبوي الذي مارسه رئيس مجلس الوزراء مع شعبه خاصة في مواجهة الخطاب التصعيدي لدولتي المصب في ملف سد النهضة.
تعامل آبي أحمد وحزبه مع ملف السد على أنه المشروع القومي الذي من المتوقع أن ينقل البلاد من حالة الفوضى الاقتصادية والمستوى المعيشي المتدني إلى آفاق رحبة من الرخاء والنمو والتطور على كافة المستويات، ورغم مجافاة تلك الشعارات لواقع المشروع إلا أن الرسالة نجحت في تحقيق أهدافها، وهو الالتفاف حول القيادة الوطنية في مواجهة التحديات من أجل تنفيذ مشروع العمر.
لكن وما أن حقق رئيس الحكومة هدفه في البقاء فوق كرسي السلطة لولاية جديدة، فإن صلاحية الخطاب السابق في مغازلة شعبه يبدو أنها فقدت صلاحيتها، ليواجه الرجل حزمة من التحديات الحقيقية على أرض الواقع، أكثرها يتعلق بالداخل وبعضها بالخارج.
التحد الأمني السياسي يأتي على رأس تلك التحديات، حيث المعارضة القوية من قبل جبهة التيغراي، ذات الحضور الشعبي والسياسي التي حققته على مدار أكثر من ربع قرن متربعة على السلطة، تلك الجبهة التي لاتعترف بالانتخابات ونتائجها، ورفضت المشاركة فيها، كما أنها تشكك في دستورية رئاسة آبي أحمد للحكومة.
البعض يتوقع تغيرًا في سياسة الحكومة مع الجبهة وبقية فصائل المعارضة خلال الفترة المقبلة، في محاولة لتبريد الأجواء المشتعلة والتي أثرت بشكل أو بأخر على حالة الاستقرار في البلاد، ولعل هذا ما دفع رئيس الوزراء، إلى تعيين ثلاثة من قادة الأحزاب المعارضة في الحكومة الجديدة، بعد يومين فقط من ن أداء القسم لولاية ثانية.
الواقع الاقتصادي المتدني يمثل تحديًا كبيرًا في مواجهة الحكومة في ولايتها القادمة، خاصة بعد تدهور الحالة المعيشية للمواطنين بسبب الفوضى الأمنية والسياسية والتي أثرت على الحالة الاقتصادية للشعب، ومن ثم زادت من حدة الاحتقان ضد الحكومة خلال العامين الماضيين.
وإن كان حلفاء آبي أحمد، وعلى رأسهم الإمارات وإسرائيل، نجحوا في تدشين حاضنة سياسية واقتصادية له خلال السنوات الماضية في مواجهة التحديات التي واجهها إلا أن الأمر قد لا يستمر خلال الولاية الثانية، في ظل حزمة من المستجدات والمتغيرات التي ربما تفرض على هؤلاء الحلفاء إعادة النظر في مواقفهما حيال أديس أبابا.
وعلى المستوى الخارجي، فإن الحكومة التي نجحت في طي صفحة التوتر والخلاف مع إريتريا بعد سنوات من النزاع والصدام والقطيعة، تواجه اليوم توترًا سياسيًا متصاعدًا مع مصر والسودان، جرًاء موقفها المتعنت في مسار ملف النهضة، الأمر الذي قد يعرضها لضغوطات إقليمية ودولية، إن لم يتم تدارك الأمر في أقرب وقت.
وإن كان آبي أحمد قد وظًف هذا التوتر في السابق لخدمة أهدافه السياسية على المستوى الداخلي في مواجهة الفشل الذي مني به على كافة المستويات، فإن المرحلة القادمة مغايرة تمامًا لتلك التي مضت، وعليه قد يجد نفسه مدفوعًا لإعادة النظر في تلك المعادلة الصعبة من خلال عدد من السيناريوهات.
سيناريوهات مُحتملة
الكاتب والباحث المتخصص في شئون القرن الإفريقي، هاشم حامد، يرى أن تعامل حكومة آبي أحمد مع مصر والسودان، لن يخرج عن 3 سيناريوهات رئيسية، تصب جميعها في صالح ترسيخ أركان الحكومة في ولايتها الجديدة، بما يسمح لها تمرير أجندتها الداخلية واستعادة شعبيتها المتناقصة بما يمكن الاستناد عليها في مسيرتها السياسية لسنوات قادمة.
السيناريو الأول يتعلق بالمضي قدمًا في استراتيجية التعنت وفرض سياسة الأمر الواقع فيما يتعلق بسد النهضة، بما في ذلك الانسحاب كليًا وبصورة نهائية عن اتفاقية مياه النيل الموقعة عام 1959 والتي قسمت الحصص المائية بنحو 18.5 مليار متر مكعب للسودان و55.5 مليار متر مكعّب لمصر، وهي الاتفاقية التي تستند عليها مصر في مسارها التفاوضي.
وفي هذه الحالة فإن الخيارات أمام القاهرة والخرطوم ستكون مفتوحة في ظل الضغط الشعبي الداخلي على نظامي البلدين، حتى وإن كانا يعانين من ضعف موقفها التفاوضي في أعقاب التوقيع على اتفاقية إعلان المبادئ في مارس/آذار 2015، وهو ما يمكن أن يكون له حضوره على طاولة آبي أحمد خلال تقييمه لتوجهات بلاده خلال الأعوام القادمة.
نجاح آبي أحمد في الانتخابات وضمان استمراره في الحكم لخمس سنوات قادمة، سيربك حسابات القاهرة والخرطوم معًا، فيما يعطي أريحية نسبية للمفاوض المتعنت
السيناريو الثاني: توظيف أديس أبابا لهذا الملف في دعم وتوسيع نفوذها القاري، من خلال تعزيز ثقلها عبر الاتحاد الإفريقي وتوجيه رسائل دعم وتأييد لبعض القوى المجاورة كما هو الحال مع كينيا مثلا التي رغم علاقتها الجيدة مع القاهرة إلا أنها مالت إلى الناحية الإثيوبية خلال مساعي تدويل القضية، حيث قال مندوب كينيا في مجلس الأمن إن “قلق مصر والسودان بشأن أضرار سد النهضة الإثيوبي مشروع”، ثم دعا إلى عودة التفاوض في إطار الاتحاد الأفريقي، وهو ما يتعارض مع الرؤية المصرية حينها.
فيما يختتم الباحث المتخصص في شئون القرن الإفريقي سيناريوهاته الثلاث بمحاولة أديس أبابا تعزيز تقاربها مع إريتريا، لمواجهة التمرد المحتمل من التيغراي، وتوجيه رسالة تحذير لبقية الفصائل المعارضة، خاصة في ظل رغبة آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي في بذل المزيد من التقارب والتعاون على كافة المستويات.
وفي حال حدوث هذا السيناريو فإن الأجواء ربما تتصاعد أكثر مع الجار السوداني على وجه التحديد، مع الوضع في الاعتبار المساعي الدبلوماسية التي تبذلها بعض الدول للقيام بدور الوساطة لتخفيف التوتر الحدودي بين البلدين والذي أوشك على الدخول في صدامات ومواجهات دامية.
وفي الأخير.. فإن نجاح آبي أحمد في الانتخابات وضمان استمراره في الحكم لخمس سنوات قادمة، سيربك حسابات القاهرة والخرطوم معًا، فيما يعطي أريحية نسبية للمفاوض المتعنت، الأمر الذي قد يترتب عليه تقلبات في التوجهات ومفاجأت في مسار مفاوضات سد النهضة، وربما يكون للقوى الإقليمية والدولية الكلمة الفصل في ذلك، هذا إن لم يستجد طارئ يقلب الطاولة على الجميع.