يحاول نظام الأسد في كل مناسبة أن يوهم الناس بعودة الأمن والأمان إلى المناطق التي يحكمها في سوريا، لكن الوقائع والمجريات على الأرض تكذّب تلك المزاعم، إذ تعيش سوريا بشكل عام والمناطق التي يسيطر عليها النظام حالةً غير مسبوقة من الفلتان الأمني وانعدام الأمان وفوضى السلاح، عدا عن أن عناصره من الجيش وأفرع المخابرات والميليشيات الموالية تواصل نشاطها الإجرامي خارج إطار القانون، وتمارس بلطجتها كمجموعات أو أفراد.
ترتبط الكثير من الجرائم التي تحصل في مناطق النظام بأفراد تابعين للنظام بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث تطالعنا الأخبار يومًا بعد يوم بمواقف غريبة على المجتمع من جرائم واعتداءات وغيرها، ولعلّ الآونة الأخيرة تصدّرت القنابل اليدوية عنوان المشهد في تلك المناطق، إذ إن العديد من حالات الاعتداء كانت تتمّ برمي قنابل صغيرة على بيوت أو أشخاص أو ممتلكات.
قنابل يدوية
تشهد سوريا زيارة جنونية في الجرائم الجنائية، نتيجةً لانتشار السلاح وغياب المحاسبة وفلتان عناصر الشبيحة وأشباههم من العصابات المتنفذة التي لا رقيب عليها ولا حسيب، كما أن الفساد وبيع السلاح زادا من الأمر، وهو ما يدلِّل عليه وجود بعض الأسلحة الفردية غير المسموح أو المصرّح بها بيد العامة، وقد شهدت البلاد في الآونة الأخيرة عدة حالات ما زالت تتكرر من رمي قنابل يدوية إثر الخلافات الشخصية والعائلية، والشواهد على ذلك كثيرة.
فالجريمة التي حصلت في محافظة طرطوس على الساحل السوري هي الأشهر والأغرب، حيث لقيَ شخصان مصرعهما وأصيب آخرون جرّاء انفجار قنبلة يدوية أمام القصر العدلي في المدينة، وأشارت تحقيقات الشرطة إلى أن خلافًا عائليًّا حصل بين محامٍ وصهره، وكان صهر المحامي يحمل قنبلة يدوية، ثم فتح صمّام أمان القنبلة ورماها ليلقى المحامي حتفه بالإضافة إلى شخص آخر وإصابة 9 أشخاص آخرين.
وانتشر مقطع فيديو مروع للحادثة، ورغم ادّعاء سلطات النظام بعد الحادثة أن الشرطة حاولت التدخُّل قبل إلقاء القنبلة، إلا أن المقطع المنتشر يبيّن عدم تدخُّل أية عناصر أمنية عند حصول الحادث.
حالةٌ أخرى شهدتها طرطوس -وهي المحافظة التي لم تشهد معارك بين النظام والمعارضة وظلت بمعزل عن الحرب- حيث هدّدَ شاب أفراد الشرطة بإلقاء قنبلة بعد محاولتهم القبض عليه، إثر تلقّيهم شكوى من فتاة تحرّشَ بها الشاب، إلا أن هذه الحادثة لم يذهب فيها ضحايا، حيث قال رئيس قسم الشرطة في كراجات المدينة إن الشرطة استدرجت الشاب إلى خارج محطة وقوف الباصات ليرمي القنبلة دون أن يُصاب أحد بأذى.
كما شهدت المحافظة ذاتها حادثة مروعة، إذ قام أحد الأشخاص برمي قنبلتَين، واحدة في غرفة نومه والأخرى خارج منزله، ليُصاب ابنه وابنته بجروح خطيرة، فيما يبدو أن خلافًا عائليًّا أدّى إلى ذلك.
وفي العاصمة دمشق، حيث ذكرت التقارير أن 8 أشخاص أصيبوا بجراح نتيجة رمي قنبلة إثر خلاف بين شخصَين، إلا أن الشرطة لم تمسك الفاعل، وفي دمشق أيضًا شهدت منطقة بيادر نادر جريمة بواسطة قنبلة، إذ إن شخصًا ألقى بقنبلة يدوية أمام بيت أهل زوجته، ما أسفر عن مقتل زوجته وإصابة شقيقها و7 أشخاص آخرين.
يفرض حديث القنابل حضوره حاليًّا على الساحة السورية، لكن الجرائم بالأسلحة الأخرى لم تهدأ بدورها حيث قُتل 3 أشخاص في حادثة بمدينة القرداحة، جرّاء إقدام شخص على قتل امرأة وشقيقتها بسبب خلاف حول أرض، ومن ثم أقدم على الانتحار.
وفي ريف دمشق قام شخص بقتل جارته وطفلتها بعدما اقتحم منزلها للاعتداء عليها، وأظهرت التحقيقات أن الأم وطفلتها تعرّضتا للضرب العنيف بواسطة أداة صلبة على الرأس.
وفي ريف دمشق أيضًا أعلنت وزارة داخلية النظام السوري عن حدوث جريمة قتل “مروعة”، إذ قام القاتل بقطع رأس ضحيته ومثّل بجثتها، وأوضح تقرير الوزارة أن عمّال النظافة عثروا على جثة امرأة مقطوعة الرأس ضمن حاوية للقمامة، وفي اليوم نفسه عُثر على رأس الجثة المقطوع في منطقة أخرى مرميًا بحاوية القمامة.
وفي حلب أقدم شخص على قتل جدّته بالاشتراك مع صديق له بهدف سرقة مصاغها الذهبي، وتمّت تخبئته في بناء مهجور، قبل اكتشاف جريمتهما وإلقاء القبض عليهما.
جرائم يومية
تواصلنا في “نون بوست” مع طبيب يعمل في إحدى المستشفيات الحكومية بمدينة دمشق طلب عدم ذكر اسمه، أوضح أنه لا يمرُّ يوم من دون ورود ضحايا جرائم جنائية للمستشفى، وقال الطبيب إن هناك حالات عديدة من الحوادث لا ترى الإعلام يتكلم عنها خاصة تلك المتعلقة بعناصر الشرطة والأمن والجيش، وبحسب وصفه فإن هذه الجرائم هي الأكثر، كما يشير إلى أن ما يتمُّ نقله من الإعلام هو فقط تلك الحوادث المتعلقة بالحالات المدنية.
يقول الطبيب: “ترد إلينا يوميًّا حالات اعتداء وإصابات بطلقات نارية أو شظايا قنابل، وغالبًا ما تتأخّر الشرطة بفتح تحقيق، وعندما تأتي أول شيء تتأكد منه هو تابعية الضحية لأي فصيل أو فرع أمني، بعد ذلك تبدأ التحقيقات في حال كان مدنيًّا، وفي حال كان عسكريًّا أو عنصر أمن تُحال قضيته إلى المؤسسة التي يعمل بها دون تدخُّل من الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية”.
سوريا متصدِّرة
في فبراير/ شباط من العام الجاري، تصدّرت سوريا قائمة الدول العربية بارتفاع معدل الجريمة، حيث احتلت المرتبة التاسعة عالميًّا، وذلك وفقًا لتقرير أصدره موقع Numbeo Crime Index المتخصِّص بمؤشرات الجريمة حول العالم.
واحتلت مدينة دمشق المرتبة الثانية بارتفاع معدّل الجريمة في الدول الآسيوية بعد العاصمة الأفغانية كابل، ويستند التقرير في تصنيفه إلى عدة مؤشرات هي مستوى الأمن الاجتماعي للمواطنين ومستوى الجريمة والسرقة، بالإضافة إلى النزاع المسلح والجريمة والتهديدات الإرهابية.
بدوره كشف مدير الأمن الجنائي السوري، حسين جمعة، أن “قسم الإحصاء في الإدارة سجّل منذ بداية العام الحالي وحتى شهر أغسطس/ آب الماضي 366 جريمة قتل و3663 حالة سرقة”، وكان رئيس فرع التسجيل في إدارة الأمن الجنائي بسام سليم قد صرّح بأن إجمالي عدد الجرائم المرتكبة خلال عام 2020 بلغ 57 ألفًا و175 جريمة.
من جهته قال رئيس الطبابة الشرعية في مناطق سيطرة النظام، زاهر حجو، في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، إن “أكثر من 50 حالة وفاة سببها جرائم سجِّلت في سوريا خلال 35 يومًا، بدءًا من أول يونيو/ حزيران حتى 5 يوليو/ تموز الماضي”، واصفًا شهر يوليو/ تموز بأنه “الأكثر دموية من حيث عدد الجرائم المسجَّلة”.
أخيرًا.. تشهد مناطق النظام هجرة متزايدة يومًا بعد يوم نتيجة الحالة الاقتصادية المتردّية والانفلات الأمني المرعب، إذ أصبح الأمان مفقودًا رغم انتهاء المعارك منذ شهور طويلة، لكن العنف المجتمعي الحاصل الآن يجعل أمر ترك البلد ضرورة لا مفر منها، ووفقًا للتقارير فإن عشرات الآلاف من السوريين غادروا البلاد خلال الفترة الأخيرة، فيما يعتبره المراقبون بأنه “موجة الهجرة السورية الثالثة”.