ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ اجتماعه بالرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض في شهر تموز/ يوليو الماضي، قاد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عملية تطبيع إقليمية سريعة مع نظام بشار الأسد. ورغم أن هذا الأمر يتعارض مع السياسة الخارجية الأمريكية تجاه النظام السوري والقانون الأمريكي على حد سواء، إلا أن إدارة بايدن قررت عدم معارضة هذا التوجه الإقليمي، وقد تكون العواقب وخيمة.
عندما تلقى مكالمة هاتفية من بشار الأسد هذا الأسبوع، وضع الملك عبد الله نهاية لسياسة الإقصاء التي استمرت عقدا من الزمن مع ديكتاتور سوريا الذي ارتكب فظائع جماعية ومارس عنفا غير مسبوق تجاه المدنيين، وهو ما كان له تأثيرات كارثية في المنطقة وخارجها.
وأعرب أعضاء الكونغرس وجماعات المعارضة السورية عن غضبهم الشديد بعد أن علموا بأن الأردن أعاد فتح حدوده مع سوريا قبل أيام قليلة، وطالبوا إدارة بايدن باتخاذ الإجراءات اللازمة.
في الواقع، لا يعتبر اندفاع الدول العربية نحو تطبيع العلاقات مع الأسد أمرا جديدا، لكن تسارع وتيرته ينذر بالخطر بالنسبة للكثير من الأطراف. ترأس سالم المسلط، رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الوفد الذي توجه إلى واشنطن الشهر الماضي لحث الحكومة الأمريكية والمجتمع الدولي على مواصلة الضغط على نظام الأسد.
وقد أخبرني المسلط في أحد المقابلات: “كيف يمكنك أن تكافئ حاكما قتل شعبه بالأسلحة الكيمياوية وجعل نصف سكان البلاد لاجئين؟ يبدو أنه لا يوجد من يعارض هذا الوضع حاليا. لهذا السبب، فإن الإدارة الأمريكية قادرة على اتخاذ إجراءات من شأنها أن تحدث فرقا كبيرا”.
تتمثل أهم مشكلة أمام هذا التوجه في حقيقة أن نظام الأسد وروسيا قد انتهكوا كل الاتفاقيات التي أبرموها مع الأطراف المحلية، ما يعني مزيدا من المعاناة للمدنيين
رحبت وزارة الخارجية الأمريكية بإعلان فتح الحدود في البداية، دون أن تعلق على المكالمة الهاتفية بين الملك عبد الله والأسد. وذكرت وسائل إعلام أردنية أن بايدن أكّد للملك عبد الله بشكل صريح بأنه لن تتم معاقبته بموجب قانون قيصر، وهو القانون الأمريكي الذي يهدف إلى منع التطبيع مع النظام السوري حتى يوقف الأسد مذابحه ضد المدنيين.
كما أخبرني مسؤول بارز في الإدارة الأمريكية أن سياسة الولايات المتحدة لا تزال تقوم على عدم تشجيع أي دولة على تطبيع العلاقات مع الأسد، مضيفا أنها لم تمنح الأردن الضوء الأخضر لتطبيع العلاقات ولم تشجع الملك على هذه الخطوة.
وقال المسؤول الأمريكي: “لم نؤيد الاتصال بين عبد الله والأسد. لقد أوضحنا أن العقوبات المفروضة لا تزال سارية ولا شيء يأتي بالمجان”. ومع ذلك، أقر بأن إدارة بايدن لن تسعى بعد الآن لمنع أي دولة من التعامل مع الأسد، إلا عندما يقتضي القانون ذلك.
أصبح هذا التوجه الجديد، الذي تُعارض فيه الولايات المتحدة تطبيع العلاقات مع الأسد في العلن وتغضّ عنه الطرف وراء الكواليس، واضحا خلال الأسابيع التي تلت اجتماع جو بايدن والملك عبد الله في البيت الأبيض. بعد فترة وجيزة من ذلك الاجتماع، أُبرمت صفقة لنقل الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، مما سيؤدي بالتأكيد إلى توفير مداخيل للأسد.
وبدلا من الوقوف في وجه هذه الخطوة، نصحت إدارة بايدن الدول المشاركة بتمويل الصفقة عبر البنك الدولي لتجنب العقوبات، ما يعني استغلال ثغرة في القانون الأمريكي.
وقد استوعبت الدول المشاركة في الصفقة تلك الرسالة. وخلال اجتماع عقدته الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، التقى مسؤولون سوريون بالعديد من القادة العرب، وبعد ذلك تعهد وزير الخارجية المصري بالمساعدة في “استعادة مكانة سوريا في العالم العربي”.
ويجادل مؤيدو التطبيع مع الأسد بأن 10 سنوات من العزلة والضغط على نظام الأسد لم تسفر عن أي تقدم في التسوية السياسية، بينما أدت العقوبات إلى تفاقم معاناة السوريين. كما يؤكد أنصار هذا التوجه أن انفتاح النظام السوري على الدول العربية من شأنه أن يضعف نفوذ إيران في سوريا.
تطبيع العلاقات مع الأسد لن يضع حدا للحرب القائمة، كما أن غض الطرف عما يحدث في سوريا يعدّ سياسة مفلسة أخلاقيا واستراتيجيا.
وكان بريت ماكغورك، كبير مستشاري بايدن للشرق الأوسط، أحد أبرز المؤيدين لمثل هذا النهج خلال السنوات الماضية. وفي مقال نُشر بمجلة “فورين أفيرز” سنة 2019 بعنوان “حقائق صعبة في سوريا”، قال ماكغورك إن الولايات المتحدة يجب أن تكف عن معارضة الجهود التي يبذلها حلفاؤها العرب لتطبيع العلاقات مع الأسد.
كما أكد أنه يتعين على الولايات المتحدة تشجيع حلفائها داخل سوريا، على غرار قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، على إبرام صفقة مع نظام الأسد حتى تتمكن القوات الأمريكية من المغادرة ويتسنى لروسيا والنظام تولي زمام الأمور هناك.
وتتمثل أهم مشكلة أمام هذا التوجه في حقيقة أن نظام الأسد وروسيا قد انتهكوا كل الاتفاقيات التي أبرموها مع الأطراف المحلية، ما يعني مزيدا من المعاناة للمدنيين. ستكون النتيجة على المدى الطويل المزيد من التطرف وتدفق المزيد من اللاجئين وزعزعة الاستقرار.
وقد صرّح كبار الجمهوريين في لجنتي الشؤون الخارجية والعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في بيان بأن “الصراع في سوريا أدى إلى زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها. ولن يؤدي تطبيع العلاقات حاليا إلا إلى استمرار زعزعة الاستقرار”.
لهذا السبب، فإن الأمل الوحيد في تحقيق السلام والاستقرار والعدالة في سوريا هو أن تنخرط الولايات المتحدة مجددا بجهودها الدبلوماسية وتعمل على إحياء وقيادة العملية السياسية. وفي غضون ذلك، يجب على الولايات المتحدة المساعدة في تحسين حياة السوريين الذين يعيشون خارج مناطق سيطرة الأسد، بدلا من حثهم على إبرام صفقات معه.
عموما، لا توجد خيارات جيدة في سوريا، ولكن السماح للدكتاتور ضمنيا بالعودة إلى الحظيرة الدبلوماسية الدولية ليس خيارا مقبولا. رغم كل شيء، فإن تطبيع العلاقات مع الأسد لن يضع حدا للحرب القائمة، كما أن غض الطرف عما يحدث في سوريا يعدّ سياسة مفلسة أخلاقيا واستراتيجيا.
المصدر: واشنطن بوست