بعد هروب دام أكثر من 30 عامًا خارج البلاد، عاد رفعت الأسد (عم رئيس النظام بشار الأسد) إلى سوريا، وقد عنونت صحيفة الوطن شبه الرسمية خبرًا بالخصوص: “منعًا لسجنه في فرنسا.. الرئيس الأسد يترفع عما فعله وقاله رفعت الأسد ويسمح له بالعودة إلى سوريا”.
لا يختلف رفعت الأسد عن باقي أفراد العائلة الحاكمة، فاسمه يتصدر سجل الإجرام السياسي والمجتمعي ضد الشعب السوري، ولا ينسى السوريون أن رفعت مرتكب مجزرتي حماة وسجن تدمر، وفي رقبته سجل طويل بأسماء الضحايا الذين قُتلوا على يديه وأيدي أخوته وأولهم حافظ الأسد مؤسس جمهورية الرعب الأسدية الذي أطلق يد رفعت ليبطش في البلاد.
حينما خرج رفعت من سوريا، لم يخرج مطرودًا بسبب ما فعل من مجازر، وإنما على خلفية محاولة انقلاب على أخيه حافظ، فاتفقا على نفيه خارج البلاد بعد تفريغ خزينة البنك المركزي في حقائبه، ليقيم في فرنسا ويتنعم بالمال الذي نهبه ويبدأ باستثماره في أوروبا.
من هو رفعت الأسد؟
وُلد رفعت الأسد في أغسطس/آب 1937 بمدينة القرداحة وهو الأخ الأصغر لرئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد، تخرج رفعت في الكلية الحربية بعد قيام حزب البعث بانقلابه في 8 من مارس/آذار عام 1963 وشارك إلى جانب أخيه حافظ في انقلاب 23 من فبراير/شباط 1966، حين استولت اللجنة العسكرية في حزب البعث على مقاليد الحكم في البلاد.
عام 1967 أصبح قائدًا للفرقة 569 في الجيش السوري، ثم أُتبعت بفرقته سرايا الدفاع من أجل تدريبها، وكانت حينها من أبرز فرق الجيش السوري وأكثرها دعمًا، ولاحقًا أصبحت الفرقة الأكثر ولوغًا في الدماء وقتلًا للناس في مجزرتي حماة وتدمر، لم يتوقف قطار الانقلابات الأسدية، فقد شارك رفعت بانقلاب 1970 الذي قام به حافظ واستولى به على السلطة.
بعد انقلاب 1970 الذي أسماه الأسد “الحركة التصحيحية” ازداد نفوذ رفعت وفرقته العسكرية في البلاد، ليتقلد في 1975 رئاسة المحكمة الدستورية، كما تولى بين عامي 1975 و1980 منصب رئيس مكتب التعليم العالي، وبالتوازي مع ذلك كان يقود الفرقة 569 ومشرفًا على سرايا الدفاع، كما أنه كان يضع خلافة أخيه حافظ نصب عينيه.
عام 1984 وبعد عدّة مجازر في سوريا تقلد منصب نائب رئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومي، وهو العام الذي حاول فيه الانقلاب على أخيه حافظ، إذ تحركت دبابات الجيش المتحالفة مع رفعت باتجاه دمشق، لكن حافظ الأسد الذي كان مريضًا حينها استطاع احتواء الموضوع وتم تسوية الخلاف باتفاق أفضى لخروج رفعت من سوريا بوساطة روسية وأموال ليبية.
عاد رفعت إلى دمشق وشارك في المؤتمر القطري لحزب البعث عام 1985، لكنه ما لبث أن خرج وأعلن “عدم مسؤوليته عن السياسات السورية وقراراتها في كل المجالات”، وفي السياق يقول وزير الدفاع السوري في عهد حافظ الأسد مصطفى طلاس: “رفعت الأسد حاول أن يقود محاولة انقلابية لعزل شقيقه حافظ الأسد إثر دخوله في غيبوبة مرضية عام 1984، وقد تطور الأمر إلى نزاع بين القوات التابعة له والقوات الحكومية، وكان رفعت الأسد يهدد بإحراق العاصمة دمشق، إلا أن حافظ الأسد، تمكن من احتواء الأمر وأرغم شقيقه على مغادرة سوريا بعد إعطائه مبلغًا كبيرًا من المال، تكفل الزعيم الليبي معمر القذافي حينذاك بدفعه، بسبب خواء خزينة الدولة من السيولة النقدية المطلوبة، ليقيم بعد ذلك في منتجعه الخاص بمدينة (مربلة) الإسبانية”.
تاريخ حافل بالدماء والمجازر
أبى رفعت الأسد إلا أن يكون له اسم في سجل القتلة والجزارين في سوريا، فقد قامت قواته بأوامر منه بقتل الآلاف من الأبرياء السوريين في عدة مدن، وأشهر هذه المجازر مجزرتي حماة وتدمر.
مجزرة سجن تدمر
تعرّض رئيس النظام السوري حافظ الأسد في يونيو/حزيران 1980 لمحاولة اغتيال فاشلة، ما جعله يغضب ويتوعد بالرد، وكان الاتهام جاهزًا لجماعة الإخوان المسلمين في البلاد، وحينها كانت الأمور مضطربة بالنسبة للجماعة ويعمل حافظ الأسد على استئصالها بأي طريقة كانت.
بعد محاولة الاغتيال صدرت أوامر بتصفية المعتقلين في سجن تدمر، وبدأ تنفيذ المجزرة صباح 27 من يونيو/حزيران، فقد أرسل رفعت عناصره من سرايا الدفاع بقيادة صهره معين ناصيف إلى السجن عبر طائرات من مطار المزة العسكري ونفذوا مجزرة بحق المعتقلين الموجودين في سجن تدمر.
شارك في المجزرة عشرات العناصر الذين كانوا قد نُقلوا بالمروحيات من دمشق، وعندما دخلوا السجن أعدموا المئات رميًا بالرصاص أو إلقاء القنابل داخل الزنازين، ومن ثم نقلت جثامين القتلى بواسطة شاحنات، ودفنوها في حفر بوادي شرقي مدينة تدمر السياحية.
في تقرير لها قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”: “وحدات كوماندوز من سرايا الدفاع تحت قيادة رفعت الأسد، قتلت ما يقدر بنحو 1000 سجين أعزل، غالبيتهم من الإسلاميين، انتقامًا من محاولة اغتيال فاشلة ضد حافظ الأسد”، مؤكدةً أنه “لم يتم الإعلان عن أسماء الذين قتلوا إطلاقًا”، وتتفاوت أعداد القتلى الذين تم إعدامهم في السجن، إذ تشير الإحصاءات إلى 1000 قتيل ومنها ما يشير إلى 1200 قتيل.
مجزرة حماة
بأمر من الرئيس حافظ الأسد وبقيادة شقيقه رفعت حصلت أعنف مجازر القرن العشرين ضد المدنيين، إذ قتلت عناصر الجيش السوري أكثر من 30 ألفًا خلال أيام في محافظة حماة، ففي 2 من فبراير/شباط 1982 حاصرت قوات سرايا الدفاع بقيادة وإشراف رفعت الأسد مدينة حماة لمدة 27 يومًا بحجة إنهاء وجود جماعة الإخوان المسلمين، وباشرت القوات التي تحاصر المدينة بقصف الأحياء كما استهدفت المساجد بشكل خاص.
بدأ الاقتحام بكل أنواع الأسلحة، وسويت بيوت المدينة بالأرض، وكانت المباني تُدمر على رؤوس ساكنيها وبدأت حملة إعدامات ميدانية طالت الأطفال والنساء والرجال، وشاركت في هذه المجزرة العديد من فرق الجيش السوري وعلى رأسها سرايا الدفاع بقيادة رفعت، تقول اللجنة السورية لحقوق الإنسان إن حصيلة الضحايا تجاوزت 40 ألف.
نعيم بمال منهوب
تنقل رفعت الأسد بعد نفيه خارج سوريا في بلدان أوروبية عدّة أبرزها فرنسا وإسبانيا وبريطانيا، وكان قد خرج من سوريا محملًا بملايين الدولارات التي سرقها عدا عن تلك التي استدانها حافظ الأسد من معمر القذافي لإعطائها له وتقدّر بـ200 مليون دولار، وبعد خروجه عمل في مجال العقارات ولديه استثمارات ضخمة في ماربيلا الإسبانية، حيث يمتلك فندقًا خمس نجوم وعشرات المتاجر والشقق الفندقية في منطقة بورتو بانوس، وتبلغ قيمة عقاراته في إسبانيا 250 مليون جنيه إسترليني، ويمتلك منزلًا في ماي فير في بريطانيا بقيمة 10 ملايين جنيه إسترليني، وقصر في فرنسا بالقرب من قوس النصر على طريق الشانزليزيه.
محاكمات وهروب
لم يسلم رفعت الأسد من الملاحقات القضائية طول فترة إقامته بأوروبا، وكان القضاء الفرنسي قد فتح منذ عام 2014 تحقيقًا في الثروة الضخمة لرفعت الأسد عقب شكوى تقدمت بها منظمتان، وصادرت فرنسا الأصول المنقولة والعقارات الفاخرة التي يحوزها، وفي سويسرا، يلاحق الأسد بشبهة ارتكاب جرائم حرب لدوره في قتل ما يصل إلى 40 ألف مدني خلال الحملة العسكرية على مدينة حماة.
وكانت السلطات الإسبانية قد فتحت تحقيقًا لاستهداف الأصول التي تعود للأسد، هذا وقد تفتح قضايا ضده في المحاكم الإسبانية للاشتباه في تحقيقه مكاسب غير مشروعة تتعلق بأكثر من 500 عقار تم شراؤها مقابل 691 مليون يورو.
وفقًا لصحيفة “لوموند” الفرنسية في تقرير صدر في يونيو/حزيران 2020 تتهم المحكمة الجنائية في العاصمة الفرنسية رفعت الأسد، بـ”الإثراء غير المشروع”، كما ثبتت إدانته بتهمة غسل الأموال المنظم عبر التهرب الضريبي واختلاس أموال عامة سورية بين عامي 1996 و2016، إضافة إلى إخفائه تشغيل عاملات منازل، كما يُتهم عم الرئيس السوري بالاحتيال، لتشييده إمبراطورية عقارية بقيمة 90 مليون يورو، على الأراضي الفرنسية بأموال دافعي الضرائب السوريين.
مؤخرًا ثبّتت محكمة الاستئناف الباريسية حكمًا بالسجن 4 سنوات ضد الأسد بعد إدانته بتهمة جمع أصول في فرنسا بطريقة احتيالية تقدر قيمتها بـ90 مليون يورو، كما أدين بتهمة غسل الأموال ضمن عصابة منظمة، واختلاس أموال سورية عامة والتهرب الضريبي بين عامي 1996 و2016، وكان رفعت الأسد غائبًا عند صدور الحكم، وكان القضاء قد صادر قصرين وعشرات الشقق في باريس.
إذن، هرب رفعت الأسد من أوروبا التي بدأت ملاحقته بالفساد إلى بلده سوريا التي أجرم بحق شعبها، ولا غرابة بألا ينال عقابًا الآن في محاكم دمشق وحماة، فمن يحكم البلاد رئيسٌ أجرم بحق الشعب أكثر من عمه وفاق إجرام أبيه، ويبقى الشعب السوري وآلاف الضحايا منذ استلام البعث الحكم في ستينيات القرن الماضي أمام سؤال واحد: هل من عدالة؟!