ترجمة حفصة جودة
في الحقيقة نحن نمتلك أكثر من خمس حواس، فما تعتقد أنه حاسة “اللمس” هو في الحقيقة مجموعة مختلفة من المسارات الحسية التي تسمح لنا بالتمييز بين الأنواع المختلفة للقوى الميكانيكية لاكتشاف التغيرات في درجة الحرارة والشعور بالألم.
ذهبت جائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء هذا العام – التي أُعلنت قبل أسبوع – للعالم الأمريكي ديفيد جوليوس والباحث المولود في لبنان آرديم باتابوتيان لاكتشافهما الآليات التي تدعم هذه الأحاسيس المختلفة للمس، لذا كيف تعمل هذه الآليات؟
تعالج أدمغتنا باستمرار كمية ضخمة من المعلومات الحسية والحرارية من البيئة المحيطة بنا، فعندما تلتف يديك حول فنجان القهوة في الصباح، يمكنك أن تشعر إذا ما كانت القهوة ساخنة للغاية أم مناسبة لتناولها أم أصبحت باردة، يمكنك أيضًا أن تشعر بوزن الفنجان في يدك ونعومة سطحه وتشعر بمكانه في يديك بينما ترفعه لتتناول رشفة.
على سطح هذه الخلايا العصبية جزئيات متخصصة تسمى “القنوات الأيونية” التي تُفتح استجابة للمحفزات البيئية مما ينتج عنها إشارات كهربائية محلية
للشعور بكل هذه المحفزات تحتاج أجسادنا إلى تحويل المعلومات البيئية الخارجية إلى إشارات حيوية، تبدأ هذه العملية في نهايات الخلايا العصبية الموجودة على الجلد، على سطح هذه الخلايا العصبية جزئيات متخصصة تسمى “القنوات الأيونية” التي تُفتح استجابة للمحفزات البيئية مما ينتج عنها إشارات كهربائية محلية.
هذه الإشارات يمكن تضخيمها إلى نبضات كهربائية تنتقل عبر الخلايا العصبية إلى دماغنا حيث يفسرها كإحساس، قدم جوليوس وباتابوتيان مساهمات منفصلة ومهمة لفهم أي أنواع القنوات الأيونية تحديدًا يمكنها أن تعمل كمستقبلات حسية.
في عام 1997 حدد جوليوس وفريقه أول مستقبل معروف للحرارة بالتحقق من كيفية استجابة الخلايا لمادة “كابسيسين” تلك المادة الكيميائية التي تسبب الإحساس الحارق عندما نتناول الفلفل الحار.
حدد بحثهم قناة أيونية تُعرف باسم “TRPV1” وهي المستقبل الذي ينشطه الكابسيسين، الأكثر من ذلك أنهم اكتشفوا أن هذا المستقبل أيضًا تنشطه الحرارة العالية التي نستقبلها كشيء مؤلم.
حدد البحث اللاحق أعضاء آخرين في نفس عائلة القنوات الأيونية تحفزهم مجموعات حرارية مختلفة، وهكذا للشعور بدرجات حرارة مختلفة تستخدم أجسادنا مستقبلات منفصلة للتمييز بين الألم والضرر والحرارة والبرودة وللإحساس بالتغيرات المتوسطة في درجات الحرارة.
بعد أكثر من عقدين في 2010، حدد باتابوتيان أخيرًا أحد المستقبلات الذي يستجيب للقوى الميكانيكية ويمنحنا حاسة اللمس، فقد حدد وفريقه جزيء مستقبل يستجيب للضغط باستخدام مسبار دقيق لصنع فجوات دقيقة في خلايا مجهزة معمليًا.
ما زال البحث جاريًا لاكتشاف إذا ما كان لخلايانا العصبية قنوات أيونية أخرى نشطة ميكانيكيًا تساعدنا على إدراك بيئتنا بطرق أخرى
سُميت هذه القناة الأيونية “PIEZO1” نسبة للكلمة اليونانية المرادفة لكلمة ضغط، أثبتوا أيضًا وجود قناة أيونية ثانية تُسمى “PIEZO2” تحتاجها خلايانا العصبية لحاسة اللمس، عندما تتكون الفجوات العميقة على سطح خلية عصبية فإن شكل جزيأي المستقبليّن يتغير لبدء نبضة كهربائية.
الأكثر من ذلك أن مستقبلات “PIEZO2” لا تسمح فقط بحاسة اللمس، بل إنها تشير أيضًا إلى المعلومات الميكانيكية من داخل أجسادنا، وهكذا يسمحون لنا باكتشاف التمدد في أطرافنا حتى نستطيع التحكم في حركتنا، والإشارة إلى رئتينا عندما تكونان ممتلئتان بالهواء تمامًا، وكذلك الإشارة إلى مثانتنا عندما تكون ممتلئة.
ما زال البحث جاريًا لاكتشاف إذا ما كان لخلايانا العصبية قنوات أيونية أخرى نشطة ميكانيكيًا تساعدنا على إدراك بيئتنا بطرق أخرى.
لذا في المرة القادمة التي ترتشف فيها قهوة ساخنة أو تشعر بالنسيم البارد على وجهك، تخيل أن تلك الجزئيات المستقبلة الدقيقة في نهاياتك العصبية تعمل بجد لتوصيل هذه الإشارات إلى مخك حتى تستمتع بالعالم من حولك.
المصدر: ذي كونفرسايشن