مع انتهاء التصويت الخاص في الانتخابات المبكرة العراقية يوم 8 من أكتوبر/تشرين الأول 2021، استعدادًا لإجراء التصويت العام اليوم 10 من أكتوبر/تشرين الأول 2021، بدأت الأخبار تتوالى عن تصدر مرشح معين في دائرة انتخابية معينة التصويت الخاص بها، رغم عدم صدور بيانات رسمية من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بذلك، إلا بعض البيانات التي تحدثت عن إجمالي نسب التصويت الخاص في جميع المحافظات العراقية التي قاربت 69% من مجموع الناخبين من مختلف صنوف القوات الأمنية، باستثناء مقاتلي هيئة الحشد الشعبي الذين استثنتهم مفوضية الانتخابات من التصويت الخاص، لعدم تقديمها كشوفات واضحة توضح أعدادهم وأماكن عملهم.
يؤشر تسابق الكتل والتحالفات الانتخابية الكبيرة نحو إعلان تصدر مرشحيها للتصويت الخاص، إلى مناورة سياسية واضحة تحاول هذه الكتل والتحالفات القيام بها، ومحاولة استباق أي نتائج غير مطمئنة في يوم التصويت العام، عبر تزوير الوعي الجمعي وتوجيه الناخب العراقي نحو مرشح وتحالف بعينه، من خلال إظهار أن المرشح التابع لهذا التحالف، يحظى بمقبولية شعبية دون المرشحين الآخرين.
ليس هذا فحسب، بل ساهمت العديد من المحطات الإعلامية في تزوير الوعي الجمعي أيضًا، من خلال تبنيها لنتائج انتخابية غير رسمية عن التصويت الخاص، والقيام ببروباغندا إعلامية تستهدف الرأي العام العراقي الذي يستعد لخوض الانتخابات العامة، حسب قرب أو بعد المرشحين عنها.
إن ما أظهرته حالة “ادعاء الفوز في التصويت الخاص” يؤشر إلى أن التصويت العام قد لا يذهب بعيدًا عن هذا الادعاء أيضًا، وهو ما يوضح حقيقة أننا سنكون أمام معارك سياسية خطيرة تتعلق بقبول نتائج الانتخابات أو رفضها، هذا فضلًا عن أننا قد نكون أمام حالة فوضى سياسية قد تعقب الانتخابات، خصوصًا إذا قررت بعض الكتل والتحالفات النزول للشارع، ومحاولتها تصدير الفشل في تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات، إلى صراع سياسي خارج صناديق الانتخاب، لإدراكها أن هذه الانتخابات ستشكل حالة مفصلية في الحياة السياسية العراقية، لأسباب عديدة أهمها: أنها جاءت ثمرة لحركة احتجاجية انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، كما تحاول بعض الكتل والتحالفات النافذة تصوير المشهد، إلى جانب مشاركة بعض قوى تشرين فيها، والأهم من كل ما تقدم، هو الصراع الواضح في هذه الانتخابات للفوز بمنصب رئاسة الوزراء، وهو ما يعطي أكثر من سبب لرفض نتائج الانتخابات من هذه الكتل والتحالفات الانتخابية.
الإشكالات الكبيرة التي أثارها التصويت الخاص، إلى جانب ما أظهره من خروقات في العديد من الدوائر الانتخابية، يعطي أكثر من سبب لإلغاء هذا التصويت
تدرك الكتل والتحالفات الانتخابية الكبيرة أن تزوير إرادة ووعي الناخب العراقي، وتحويله لصوت انتخابي مهمة أفضل من تزوير الانتخابات ذاتها، لأنها بذلك تضمن خلق إقطاعية سياسية خاصة بها، ويسهل قيادتها قبل وفي أثناء وبعد الانتخابات، عبر تبني خطابات تحشيدية تظهر حالة الخطر الكبير الذي يحيط بالتحالف وجمهوره.
لذلك فإن إصرار الكتل والتحالفات الكبيرة على تبني فكرة حصولها على أعلى الأصوات في التصويت الخاص، يأتي في إطار تحشيد جمهورها للمشاركة الفاعلة في التصويت العام أيضًا، وتحشيده أيضًا لرفض نتائج الانتخابات بكليتها فيما لو لم تكن حسب مصلحة التحالف وجمهوره.
والأكثر خطورةً ونحن في سياق الحديث عن محاولة تزوير الوعي الجمعي العراقي، هو محاولة الكتل والتحالفات الكبيرة ترسيخ فكرة “اللاشعور الجمعي” في الناخب العراقي الذي يستعد لخوض التصويت العام، عبر تأكيد فكرة أن نتائج الانتخابات محسومة لصالح كتل وتحالفات بعينها، ولا حاجة تذكر من المشاركة في الانتخابات، لأننا فائزون بالنهاية.
وهو ما يضع الجمهور الانتخابي أمام خيارين لا ثالث لها: إما التصويت لهذه الكتل والتحالفات وإما المقاطعة لصعوبة تغيير المشهد، ما يفسح الطريق واسعًا لجمهور هذه الكتل والتحالفات للفوز فيها دون معوقات أو مفاجآت تبعثر حساباتها الانتخابية.
إن الإشكالات الكبيرة التي أثارها التصويت الخاص، إلى جانب ما أظهره من خروقات في العديد من الدوائر الانتخابية، يعطي أكثر من سبب لإلغاء هذا التصويت، فرغم أنه يمثل حاجة أساسية للكتل والتحالفات الكبيرة لتعويض خسارتها الشعبية، فإنه أيضًا يقتل الولاء الوطني أكثر من أن يحميه.
فعندما يختلط الولاء السياسي مع الوطني للناخب الأمني، فإنه قد لا يكون أمام وضع يجعله قادرًا على التمييز لمن تكون الأولوية في الولاء، كما أن فكرة التصويت الخاص غادرتها الكثير من الدول حفاظًا على استقلالية مؤسساتها الأمنية والعسكرية، وجعلها بعيدةً عن الاستقطابات السياسية المحلية.
فالنظام السياسي العراقي اليوم يمر بمرحلة معقدة جدًا، فلا المقاطعة ولا حتى المشاركة تبدو قادرة على إصلاحه، لأنه ببساطة أصبح نظامًا غير قابل للإصلاح، بسبب تآكل الكثير من مصادر شرعيته السياسية، التي تأتي في مقدمتها توفير بيئة انتخابية آمنة، تمكن المواطن من ممارسة حقه الانتخابي بحرية، إلى جانب شفافية قبول نتائج الانتخابات، وعدم ممارسة القسر الانتخابي بحق مفوضية الانتخابات والمراقبين الدوليين، وهو غير متوافر الآن، ما يضع العديد من علامات الاستفهام عن مدى نجاح العملية الانتخابية الجارية، من حل المعضلة السياسية التي يمر بها العراق اليوم.