آلاف الضحايا على طرق مصر، وتوظيف سياسي للدماء!

207577_0

حادثة مروعة شهدتها مصر بالأمس، إثر تفحم 18 جثة لتلاميذ بأتوبيس مدرسي نتيجة اصطدام شاحنة نقل وقود بالحافلة المدرسية.

مسلسل كوارث الطرق بمصر مستمر منذ عقود، تحتل به مصر المركز الأول عالميًا في حوادث الطريق بحسب تقارير أوردتها منظمة الصحة العالمية، فقد ظهرت مصر في المرتبة الأولى منذ العام 2010 بأعداد ضحايا وصلت لأكثر من 7000 قتيل، أما عام 2011 احتلت مصر المرتبة الثالثة عالميًا بنفس العدد من الضحايا تقريبًا، وفي عام 2012 وصلت أعداد ضحايا الحوادث لأقل مستوى لها منذ سنين حيث أتت مصر في المركز العاشر عالميًا.

بلغت أعداد الوفيات الناجمة عن حوداث الطرق في مصر في نهاية عام 2013 عددًا ضخمًا وفقًا للتقارير حيث وصل لـ 12 ألف حالة وفاة ناجمة عن 100.000 حادث، كذلك عدد المصابين تجاوز 40 ألفًا بنفس العام.

فيما أكدت الإحصاءات أن بين كل 10 آلاف مركبة هناك 25 قتيل جراء حوادث طرق؛ ما يجعل معدل الحوادث في مصر وحدها أكثر من ضعف المعدل العالمي للحوادث الذي يشكل 10 قتلى لكل 10 آلاف مركبة.

كما تخطت مصر المعدل العالمي أيضًا في مسافات الحوادث حيث إن هناك 131 قتيل لكل 100 كيلو مترًا في مصر، بينما يترواح المعدل العالمي لقتلى حوادث الطرق بالقياس على المسافات أن لكل 100 كيلو مترًا يبلغ عدد القتلى من 4:20 قتيلاً، وهو ما يؤكد أن مصر تجاوزت أرقامًا مرعبة بسبب حوادث الطرق المتكررة بدون علاج أو حل.

نفس الشيء الذي أكدته تقارير صادرة عن المنظمة العربية لسلامة الطرق بأن مصر تتصدر قائمة الدول العربية في عدد قتلى ومصابي الحوادث.  

إهمال بلا رادع

الحوادث المتكررة في مصر تنم عن غياب أدنى أدوات المساءلة والرقابة، تجد الصورة واضحة أكثر حين تعلم أن قبل هذه الحادثة بشهر كانت هناك حادثة أخرى مروعة بأسوان راح ضحيتها 30 شخصًا في حادث تصادم بين ثلاث سيارات أجرة محملة بالركاب، ولم يمر يومًا واحدًا إلا وفوجئت محافظة أسوان بمقتل شخصين في حادثة أخرى.

لم يغب مشهد القتل على الطريق كثيرًا، فقد كانت حادثة سوهاج قبل حادثة البحيرة بيومين فقط لا غير والضحايا طالبات أيضًا بعدما انقلبت السيارة التي كانت تقلهم جراء اصطدامها بسيارة نقل ثقيل، ثم كانت فاجعة البحيرة الأخيرة.

كل هذا مر دونما تحقيق واحد لأي مسئول أو حساب لمتسبب في هذه الدماء المتناثرة في طرق مصر في غياب واضح للدولة وتغافل عن حساب المسئولين عن الطرق والمرور في مصر.

تقاذف المسئولية

سادت حالة من تقاذف المسئولية بين الجهات المنوطة بالأمر في الدولة، حيث صرح رئيس هيئة الطرق والكباري عقب حادثة سوهاج بالشهر بالماضي أن حوادث الطرق معظمها بسبب عدم صلاحية السيارات التي تسير على طرق وبسبب قائدي السيارات الغير مؤهلين والذين لا يحمل بعضهم رخصة قيادة من الأساس، كما ضرب مثالاً بسائقي “الميكرو باص الأجرة “؛ مما يلقي باللوم على شرطة المرور المسئولة عن فحص السيارات والسائقين.

كما أكد أن الهيئة تشكل لجانًا لمعالجة مشكلات الطرق المنتشرة في المحافظات.

هذا وتلقي شرطة المرور بالعبئ على هيئة الطرق والكباري باعتبار أن الطرق غير ممهدة وتنتشر فيها المطبات العشوائية التي تتسبب في العديد من الحوادث، كذلك ضيق الطرق وعدم جودة رصفها يجعل الأمر كارثيًا؛ وهكذا تتفرق دماء المواطن بين المؤسسات المصرية.

والحقيقة أن المسئولية مشتركة حيث إن الطرق المصرية الحالية لا تراعي المعايير الدولية في تنفيذها ولا إنشائها ولا رصفها فتجد الطرق الغير مضاءة والطرق المخططة عشوائيًا، كذلك شرطة المرور التي تعاني من فساد شديد أدى إلى منح رخص قيادة للعديد من غير المؤهلين خصوصًا من سائقي النقل الثقيل الذي يعد السبب الرئيسي في غالبية الحوادث، ناهيك عن تعاطي المخدرات المنتشر بين السائقين على الطرق وهذا ما أثبتته نتائج التحاليل على سائقي هيئة النقل العام منذ أيام.

كما أن السرعات المقررة في مصر لا تراقب ولا يلتزم بها أحد، حيث أشارت دراسة أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن 22% من السيارات تتخطى السرعات المقررة لها في محافظة القاهرة كذلك 40% من السيارات تتجاوز السرعة في محافظة الاسكندرية، في غياب للرقابة من قبل المسئولين عن شرطة المرور بوزارة الداخلية.

وبالإشارة إلى حجم الخسائر الاقتصادية، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء التابع لمجلس الوزراء المصري تقريرًا في شهر سبتمبر الماضي قدر فيه خسائر الاقتصاد المصري جراء الحوادث بنحو 17 مليار جنيه سنويًا.

توظيف سياسي

المشكلة في مصر مشخصة ولكن الحكومات تتعاقب بلا حل، بالإضافة للاستخدام والتوظيف السياسي لتلك الكوراث، ظهر ذلك جليًا في التعامل الإعلامي مع الحوداث المروعة التي تحدث والكيل فيها بمكيالين بل وتوظيف الدماء في الهجوم على الخصوم السياسيين كالذي حدث في نوفمبر عام 2012 بعد مقتل 50 طفلاً من طلاب المدارس جراء اصطدام حافلة مدرسية مع قطار بأسيوط، برصد ردود الأفعال الإعلامية في وقت الحادثة تجد تحميل المسئولية للدولة بمؤسساتها ورئيسها مع إعلان فشل القيادة السياسية حينها في حل أزمات البلاد بل واستنكار الإعلاميين للتعويضات الهزيلة لضحايا الحادث.

نفس المشهد تكرر في 2014 ولكن مع تغير القيادة السياسية تجد أن 30 طالبًا قتلوا متفحمين في حادثة على الطريق أيضًا، لكن القيادة السياسية غير متحملة للمسئولية وأن أخطاءً بشرية هي السبب المطلق وأن الأمطار كانت غزيرة إلى غير ذلك من التماس الأعذار الواهية من الإعلام المؤيد للسلطة تم رصد هذا في تجاهل التليفزيون الرسمي للدولة للحادث والاكتفاء باعتبار الخبر عاديًا.

مظهر آخر من التناقض تم رصده في أمر التعويضات لأسر الضحايا التي باتت فجأة مناسبة وتكفي في تجارة واضحة بالدماء تمارس من الأطراف السياسية في البلاد.

ليس ذلك فحسب، لكن الأطفال تم استغلالهم عند زيارة رئيس الوزراء للضحايا، حيث تم إجبارهم على الهتاف لرئيس الوزراء وللرئيس العسكري عبدالفتاح السيسي.

وقد أثار الحادث ضجة بين المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي معربين عن استيائهم من التعامل المتراخي والتناقض من قبل أجهزة الدولة مع الحادث، متهمين السلطة بخلق فزاعة الإرهاب في حين أن الفساد والإهمال ينتشر في البلاد دون أدنى اكتراث من الحكومة.