ترجمة حفصة جودة
من المقرر اليوم انعقاد أول انتخابات مبكرة منذ دخول السياسة الانتخابية البلاد عقب الحرب التي قادتها الولايات المتحدة وأطاحت بصدام حسين في 2003، تأتي الانتخابات استجابة لموجة واسعة من الاحتجاجات في بغداد والمدن الجنوبية في 2019 التي أجبرت رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على الاستقالة.
بعد فترة قصيرة من ذلك صوّت البرلمان على تغيير القانون الانتخابي ووعد الأحزاب المهيمنة بانتخابات مبكرة كطريقة للخروج من الأزمة، وبمرور الوقت ترك المتظاهرون الشوارع نتيجة مزيج من القمع والخيار المشترك وقيود كوفيد-19 والإرهاق.
لم تشعر الأحزاب المهيمنة بأي ضغوط للحصول على مزيد من الامتيازات وسعت لضمان أن تكون هذه التغييرات في النظام الانتخابي ذات فائدة لهم بدلًا من أن تضرهم.
عملية إجرائية
يقوم النظام الانتخابي الجديد على عملية تصويت غير قابلة للتحويل واختيار مباشر للمرشحين في المقاطعات الأصغر في كل محافظة، صُممت حدود الدوائر الانتخابية من خلال صفقة بين الأحزاب الكبرى في البرلمان.
قدمت الكتلة الصدرية مشروع القانون بحماس ورأت أنه مفيد لإمكاناتها السياسية، دعم القانون أيضًا بعض النشطاء الذين يعتقدون أنه سيكون أداةً فعالةً لإضعاف الأحزاب المهيمنة والحد من تأثير قادة الأحزاب التقليديين.
رغم اختيار مجموعة من القضاة المستقلين للعمل في اللجنة الانتخابية، فإن القضاء العراقي أثبت أنه عرضة للضغوط السياسية
مع ذلك – كما ثبت في دول أخرى – فإن النظام الجديد يعمل لصالح الأحزاب الكبيرة المنظمة ذات التمويل الجيد التي يمكنها أن تدفع بعدد كبير من المرشحين وتساعد في تمويل حملاتهم، إضافة إلى ذلك، تتمتع الأحزاب السياسية المهيمنة بمميزات أخرى مثل السيطرة على أجنحة عسكرية يمكن استخدامها لتهديد المنافسين والتمتع بالوصول إلى موارد الدولة والحصانة من المساءلة القضائية.
رغم اختيار مجموعة من القضاة المستقلين للعمل في اللجنة الانتخابية، فإن القضاء العراقي أثبت أنه عرضة للضغوط السياسية، وهكذا فإن التفويض الفعلي لمفوضي الانتخابات الجدد كان محدودًا بالجوانب الإجرائية والفنية.
خطوط حمراء
لا يمكن إنكار وجود تحسينات كبيرة في الاستعدادات الفنية والإجراءات التي تهدف إلى منع التزوير والمخالفات، ومع ذلك فعندما يتعلق الأمر بإجراءات أكثر جوهرية يمكنها أن تضمن منافسة عادلة، فإن اللجنة الانتخابية لا يمكنها أن تتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها الأحزاب المهيمنة.
لم تُستبعد أي من هذه الأحزاب بسبب علاقتها الواضحة بجماعات مسلحة (وهو أمر محظور دستوريًا، لكن تنفيذه يعني حظر جميع الأحزاب الكبرى فعليًا)، ولم يُبذل أي جهد لفرض الشفافية على أنشطة جمع التبرعات للأحزاب المهيمنة.
إضافة إلى ذلك، بدأت منذ أشهر حملة من الاغتيالات والترهيب تستهدف النشطاء والمرشحين المحتملين، ما أجبر الآخرين على الفرار إلى بلداتهم بحثًا عن الأمان، ويُقال إن الجماعات المسلحة المرتبطة ببعض الأحزاب المهيمنة متورطة في هذه الحملات.
تحت هذه الظروف، قررت عدة مجموعات للنشطاء مقاطعة الانتخابات واستشهدت بالافتقار إلى الظروف المناسبة والمنافسة العادلة مع الأحزاب القائمة، لكن هذا القرار يعكس أيضًا انقسامًا وسط النشطاء بين الجماعات المتطرفة التي تسعى لإصلاح النظام بشكل جذري ولا تثق في عملية الانتخابات التي صممتها الأحزاب القائمة، والمتدرجين الذين يعتقدون أن هناك مساحة لتغيير محدود في ميزان القوى الذي يتطلب مشاركة فعالة في الانتخابات من الناخبين من الشرائح المستاءة من المجتمع.
أخبرنى أحد هؤلاء النشطاء أنه إذا ساهمت نتائح الانتخابات في تقوية المجموعات المعتدلة داخل الطبقة الحاكمة مقابل هؤلاء الذين يملكون أجنحة مسلحة، فإنه سيعتبر ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح.
ظروف أفضل
تشرف الحكومة على الانتخابات التي أعلن رئيس وزرائها وقوفه على الحياد بين المتنافسين بمشاركة دولية أكبر من الانتخابات الأخيرة، وهكذا فإنها ستتم تحت ظروف إجرائية وفنية أفضل من الانتخابات السابقة، الأمر الذي يمكن ترجمته إلى عدد أكبر من المستقلين والأحزاب الصغيرة في البرلمان خاصة إذا كانت المشاركة في التصويت أكبر من المرة الأخيرة.
ومع ذلك فمثل هذه النتائج من المحتمل أن لا ينتج عنها تحولات كبيرة، خاصة بالنظر إلى أن المرشحين المستقلين والأحزاب الصغيرة غير متفقين على أجندة واحدة، من المعتقد أن بعضهم مرتبط بأحزاب سياسية، وآخرين ممثلين لمجتمعات قبلية تسعى للوصول إلى السلطة وموارد الدولة ومستعدة للتحالف مع صاحب العرض الأعلى.
لا أحد من هذه الأحزاب المهيمنة ديمقراطيًا بطبيعته أو يؤمن حقًا بالدستور وسيادة القانون، لكنهم يحتاجون الانتخابات للحفاظ على الشرعية السياسية
الواضح تمامًا أن وجود المزيد من المرشحين المستقلين والأحزاب الصغيرة في البرلمان يعني عملية مساومة أطول وأكثر تعقيدًا بعد الانتخابات، في هذا السياق يجب أن لا نرى الانتخابات على أنها محاولة لإصلاح النظام بقدر ما هي محاولة لإعادة الشرعية له بعد الضرر البالغ الذي تسبب فيه انفجار الغضب في احتجاجات 2019.
تستمر المؤسسات الضعيفة وسلطة القانون والمحسوبية المؤسسية والعنف خارج القانون في تشكيل الوضع الراهن واستخدام الانتخابات كأداة للمناورة السياسية أكثر من كونها طريقًا نحو التغيير الجاد.
لا أحد من هذه الأحزاب المهيمنة ديمقراطيًا بطبيعته أو يؤمن حقًا بالدستور وسيادة القانون، لكنهم يحتاجون الانتخابات للحفاظ على الشرعية السياسية وتأمين الوصول لريع النفط من خلال اتفاقات مشاركة السلطة.
بهذا المعنى ستُقبل نتائج الانتخابات إذا لم تهدد التوازن الهش للسلطة في بلد تعمل فيه عدة جماعات مسلحة قوية بشكل مستقل عن الدولة، وتستخرج الموارد من الدولة وتنافس احتكار الدولة للإجبار المشروع عند الضرورة.
هذا الوضع الراهن لا تشكله حكومة استبدادية، بل عدة فاعلين استبداديين يشاركون في الانتخابات لأنه لا يمكن لأحد منهم أن يتحمل البقاء خارج اللعبة أو السماح لآخرين بالتحكم به.
كانت هذه الانتخابات المبكرة – القائمة على نظام انتخابي جديد – في البداية تنازلًا قدمته النخبة تحت ضغط الحركة الاحتجاجية، لكن عندما فقدت هذه الحركة زخمها وتوقفت عن كونها تهديدًا جادًا، شعرت النخبة أنها ليست بحاجة لتقديم مزيد من التنازلات، وبالتالي فإن هذه الانتخابات لن تغير الوضع الراهن، لكنها قد تمهد الطريق جيدًا للأزمة القادمة.
المصدر: ميدل إيست آي