يشهد إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان موجة جديدة من الانتهاكات ضد سكانه المسلمين، وسط تحذيرات إعلامية وحقوقية من مخطط هندي يستهدف ارتكاب مجزرة وحشية تضاف إلى قائمة المجازر الدامية التي شنتها نيودلهي بحق مسلمي الدولة على مدار أكثر من عقدين، يتزامن ذلك مع تعتيم إعلامي وانقطاع شبه كامل بين الإقليم والعالم الخارجي.
في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، أفادت وسائل إعلام أن مسلحين اقتحموا مدرسة حكومية في منطقة إيدغاه بمدينة سرينغار الكشميرية، وقتلوا ما بها من معلمين (لم يكن هناك تلاميذ في هذا الوقت) بينهم مدير المدرسة، وذلك بعد أقل من يومين على مقتل 3 مدنيين كانوا يعلمون لصالح قوات الأمن الهندية، على أيدي مسلحين ينتمون لـ”جبهة المقاومة”.
ألقت تلك التطورات الدامية بأجوائها القاتمة على منصات السوشيال ميديا، فيما تناقل البعض أنباءً – غير مؤكدة – عن قطع الحكومة الهندية الإنترنت ووسائل التواصل عن كشمير، تمهيدًا لتنفيذ حملة جديدة تستهدف سكان الإقليم، وبصرف النظر عن صحة تلك البيانات إلا أن واقع المسلمين هناك لا يحتاج إلى أدلة جديدة، فالانتهاكات الممارسة بحقهم بلغت من الوضوح ما يغنيها عن التوضيح وسط صمت مخيم على المجتمعين، العربي والإسلامي، فضلًا عن المجتمع الدولي.
ومنذ تولي حزب “بهاراتيا جاناتا” الهندوسي، السلطة عام 2014، وأصبح العنف ضد المسلمين منهج حياة، في ظل تصاعد خطابات الكراهية ضدهم تحديدًا خلال الأعوام السبع الماضية، ليتحول المسلمون الذي يبلغ عددهم 195 مليون شخص ويشكلون قرابة 15% من سكان البلاد إلى أقلية تعاني من التهميش والاستهداف والتنكيل.. فماذا يحدث في هذا الإقليم؟
Help the Muslims of Kashmir. What is happening in Kashmir and India is unforgettable crime. pic.twitter.com/ar7AgCubIi
— Karim Salah (@Karimdesokey) October 9, 2021
استهداف ممنهج
مقاطع الفيديو المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي لأفراد شرطية هندية تطلق الرصاص على معلم مسلم من مسافة قريبة جدًا، ثم واصلوا ركل وضرب المعلم بالعصي والأقدام، وذلك بمشاركة أحد المصورين الذي داس على جسده الجريح وهو راقد على الأرض، تعكس بشكل واضح الحال التي وصل إليها المسلمون في الدولة التي تدعي زورًا حرية المعتقدات بداخلها.
ويسيطر على المسلمين في الهند شبح التنكيل والإقصاء منذ الانتصار غير المتوقع الذي حقّقه حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في الانتخابات البرلمانية التي جرت مايو/آيار 2019، وسمحت له بولاية ثانية.
ورغم الوعود التي قطعها مودي وحزبه خلال فترة الانتخابات لطمأنة المسلمين وبقية الأقليات، فقد تبخرت سريعًا لتؤكد أنها ما كانت إلا للاستهلاك الدعائي المحلي فقط ولا علاقة بها بفكر واتجاهات الحزب الهندوسي الذي يتعامل مع المسلمين كأعداء وليس كشركاء في الوطن.
وتحت ولاية هذا الحزب تعرض المسلمون لعشرات الجرائم والانتهاكات، بعضها بسبب طقوسهم الدينية أحيانًا وأكلهم للحوم البقر أحيانًا أخرى، هذا بخلاف تغيير أسماء العديد من المدن التي تحمل أسماء إسلامية، وتم تغيير بعض الكتب المدرسية للتقليل من أهمية إسهامات المسلمين في الهند، هذا بخلاف التحريض الإعلامي الممارس ضدهم على مرأى ومسمع من سلطات الدولة.
في تقرير سابق لـ“نون بوست” استعرض شهادات أفراد من الأقلية المسلمة بشأن مخاوفهم حيال مستقبلهم تحت حكم بهاراتيا، من أبرزها ما قاله مسؤول ديني محلي في ولاية أعظم كره، سرفار أحمد، الذي علق على سياسة التعامل الحكومي مع المسلمين بقوله: “عاملونا كأننا قتلة أطفال وإرهابيون ودخلاء وغير وطنيين خلال الولايات المختلفة في الهند بعد الاستقلال”، وآخرون أشاروا إلى أن المسلمين باتوا على وشك التحول إلى مواطنين درجة ثانية، فيما وصف أحدهم الوضع قائلًا: “إذا نجح مودي بتولي السلطة من جديد، فإننا سنضيع”.
كثير من العرب لا يعرفون أن مودي الذي يُستقبل استقبال الفاتحين في العديد من العواصم العربية والإسلامية هو أحد أبرز الكارهين للإسلام، ويتصدر قائمة الأكثر انتهاكًا للأقلية المسلمة في بلاده طيلة عقدين كاملين
الهند على خطى “إسرائيل”
تسير الحكومة الهندية في تعاملها مع مسلمي كشمير على ذات خطى دولة الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الفلسطينيين، أصحاب الأرض، حيث التنكيل والإقصاء والتهجير بزعم أن الوضع لا يتعدى كونه شأنًا داخليًا لا يحق لأحد التدخل فيه.
ففي أغسطس/آب الماضي عندما تقلدت الهند رئاسة مجلس الأمن، وخلال مؤتمر صحفي عقده السفير الهندي بالمجلس الأممي، ت.س. تيريمورتي، سئل عما ترتكبه بلاده من انتهاكات وجرائم إنسانية في كشمير وجامو، رد السفير بصوت حازم قائلًا: “في البداية أريد أن أطرح أمرًا بكل وضوح وهو، أن جامو وكشمير جزء لا يتجزأ وأصيل من الهند، ويجب الإقرار بهذا أولًا. وكل القضايا المتعلقة بإقليم جامو وكشمير تقع ضمن القضايا الداخلية للهند”.
الباحث بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجيرسي، عبد الحميد صيام، يرى أن الهند تتصرف كالكيان الصهيوني، الذي سبقها باعتبار الضفة الغربية بما فيها القدس جزءًا لا يتجزأ من دولته المزعومة فوق التراب الفلسطيني، لافتًا إلى أنه في الوقت الذي تجاهل فيه مودي في كلمته أمام الجمعية العامة للامم المتحدة مؤخرًا الحديث عن قضية كشمير، تجاهل رئيس وزراء الكيان المحتل، نفتالي بينيت، في ذات الكلمة أي ذكر لقضية الشعب الفلسطيني، كأنها غير موجودة.
صيام في مقال له أشار إلى أن “هناك سياسيين في هذا العالم لا يخجلون من تزوير التاريخ أمام الجميع، ظنًا منهم أن التجاهل والتزوير وطمس الحقائق، ستخلق وضعًا جديدًا على المستوى الدولي يتقبل رواية المعتدي والآثم والظالم”، منوهًا إلى أن تلك الممارسات لا تقتصر على دولة الاحتلال والهند فقط، بل هناك دول عديدة غيرهما تمارس الأسلوب نفسه “علنًا” معتقدة أن العالم سيصدق تلك الادعاءات.
مودي.. 20 عامًا من اضطهاد المسلمين
كثير من العرب لا يعرفون أن مودي الذي يُستقبل استقبال الفاتحين في العديد من العواصم العربية والإسلامية هو أحد أبرز الكارهين للإسلام، ويتصدر قائمة الأكثر انتهاكًا للأقلية المسلمة في بلاده طيلة عقدين كاملين، فمنذ تعيينه رئيسًا للحكومة المحلية في ولاية غوجارات (شمال غرب) عام 2001 يمارس الرجل أبشع أنواع الجرائم الإنسانية بحق المسلمين تحديدًا.
فبعد عام واحد فقط من ولايته تعرضت الأقليات لواحدة من أعنف الجرائم التي شهدتها البلاد، فقد سقط المئات ما بين قتيل وجريح، كان للمسلمين نصيب الأسد منها، ثم واصل جرائمه واحدة تلو الأخرى في تبجح غير مسبوق، رافضًا تقديم أي اعتذارات بشأنها رغم سقوط آلاف المسلمين على يديه طيلة السنوات الماضية.
الانتهاكات التي ارتكبها مودي الذي كان يخاطب ود الهندوس، العرق الأكبر في البلاد، دفعت أمريكا وأوروبا لمقاطعة الهند طيلة عقد كامل قبل أن تستعيد التواصل مرة أخرى، فيما اتهمته جماعات حقوقيه، محلية وإقليمية ودولية، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في بلاده، لكنه رغم ذلك لم يلاحق قضائيًا.
وفي يوليو/تموز 2013، كشف مودي عن وجهه القبيح وكراهيته المطلقة للمسلمين، حين قارن بين المسلمين الذين سقطوا ضحايا عنف الهندوس بالجراء (جمع جرو) التي تدهسها السيارات في الشوارع، وهي التصريحات التي استفزت المسلمين في الداخل والخارج، رغم ادعائه فيما بعد أنه لم يقصد الإهانة، وكالعادة لم توجه له أي اتهامات رسمية في ظل الحاضنة القضائية والأمنية والسياسية التي يوفرها حزبه له.
كشمير.. 74 عامًا من الجراح النازفة
يدفع إقليم كشمير وجامو (المنطقة السهلة في جنوب جبال الهملايا من الجهة الغربية) الذي يقطنه أكثر من عشرين مليون مواطن (90% مسلمون)، ويتمتع بموارد طبيعية غنية، ثمن موقعه الإستراتيجي الخلاب، فتلك البقعة التي لا تتجاوز مساحتها 242 ألف كيلومتر مربع، تقع بين فكي ثلاث دول نووية (الصين وباكستان والهند).
في عام 1946 كان الإقليم يتمتع بالاستقلال الذاتي نسبيًا، غير أن حاكم الهند في ذلك الوقت طالب بضم الإقليم لبلاده والخضوع لسيطرته، فقد اتفق مع الزعيم المحلي الشيخ عبد الله بالانضمام للهند بدلًا من الاستقلال، مدعيًا أن غالبية السكان يميلون للبقاء تحت سيطرة دولته.
أثار هذا الطلب حفيظة المسلمين ممن أطلقوا موجة احتجاجات عارمة، أعلنوا خلالها رفضهم للانضمام للهند، مقاومين ضد محاولات الضم بالقوة، وهنا دفعت الحكومة الهندية بمئات الآلآف من الجنود المدجيين بالسلاح لوأد تلك الاحتجاجات، لتدخل باكستان على الخط، دفاعًا عن الكشميرين، لتنشب مواجهات خلفت وراءها شلالات من الدماء، بينما تناثرت أشلاء المسلمين في شوارع الإقليم بأكمله.
الأخطر من ذلك مخطط تغيير النسيج الديموغرافي للإقليم، حيث تغليب المكون المجتمعي لصالح الهندوس، وذلك عبر حزمة من القوانين أبرزها ذلك الذي يسمح للهندي من خارج كشمير بالبناء والتملك في الإقليم
وخلال الفترة من 1947 – 1949 أصدر مجلس الأمن الدولي 3 قرارات تدعم حق الكشميريين في تقرير مصيرهم عن طريق استفتاء حر، كما نص على ذلك القرار 47، الذي اعتمد في 21 من أبريل/نيسان 1948، وبعد ذلك بعامين فقط أصدر قرارًا آخر حمل رقم (91) دعا إلى حسم النزاع عبر محكمة العدل الدولية.
وعلى مدار عقود طويلة مضت أصدرت المنظمات الأممية أكثر من 11 قرارًا دوليًا واجب النفاذ يسمح لسكان الإقليم بتقرير مصيرهم عبر استفتاء نزيه، لكن السلطات الهندية رفضت كل تلك القرارات، ضاربة بها عرض الحائط، دون أي تحرك رسمي حازم ضدها في هذا الشأن.
ومنذ ذلك الوقت، 1947، وقعت كشمير بين مطرقة البلدين النووين، الهند وباكستان، ليدفع المسلمون بهذا الإقليم ثمن هذا الصراع الممتد قرابة 74 عامًا، الذي تحول مع مرور الوقت إلى ورقة ضغط تستخدم لتحقيق أغراض سياسية أو امنية بين الحين والآخر.
ومنذ 5 من أغسطس/آب 2019 دخل إقليم كشمير نفقًا مظلمًا جديدًا وذلك حين ألغت الحكومة الهندية “الوضعية الخاصة” للإقليم كونه منطقة متنازع عليها مع بين باكستان والهند، إلى منطقة خاضعة بالكلية إلى نيودلهي، لتندلع بعدها موجة احتجاجات هي الأكبر في تاريخ المنطقة، قوبلت بنشر نحو 900000 جندي وضابط هندي، فيما تم إغلاق الإقليم تمامًا وقطعت الاتصالات الهاتفية والإنترنت والبث التليفزيوني، وفرضت قيودًا على التنقل والتجمع والتظاهر.
وخلال العامين الماضيين، عقب تغيير وضعية الإقليم، شنت السلطات الهندية موجة تنكيل جديدة، أسفرت عن اعتقال ما لا يقل عن 13 ألف شاب كشميري، فيما أخضعت بعضهم للتعذيب، هذا بخلاف مئات القتلى والجرحى، واستخدام أبشع صور الانتهاكات من اغتصاب وضرب وقتل بدماء باردة.
الأخطر من ذلك مخطط تغيير النسيج الديموغرافي للإقليم، حيث تغليب المكون المجتمعي لصالح الهندوس، وذلك عبر حزمة من القوانين أبرزها ذلك الذي يسمح للهندي من خارج كشمير بالبناء والتملك في الإقليم، على عكس ما كان معمولًا به في السابق، لتتحول المدينة مع مرور الوقت إلى أرض هندوسية فيما تحول المسلمون إلى أقلية حتى داخل إقليمهم وموطنهم الأصلي.
وعلى مدار سنوات طوال مضت، أصدرت الجمعيات الأممية والحقوقية عشرات التقارير التي توثق تلك الانتهاكات لكن دون أي إجراء رسمي بحق السلطة الهندية، هذا في الوقت الذي يقف فيه المجتمع العربي والإسلامي مكتوف الأيدي، في ظل تغليب البرغماتية على المعايير القومية والدينية، ليجد الكشميريون أنفسهم وحدهم في ميدان المواجهة، يستقبلون مصيرهم المجهول، بلا ظهير دولي أو إسلامي.