ترجمة وتحرير: نون بوست
إذا كنت تعيش في أوروبا القارية أو المملكة المتحدة، فمن المرجح أن تكلفة الغاز الطبيعي الذي تستخدمه في تدفئة منزلك قد تضاعفت في شهر أكتوبر/تشرين الأول من هذه السنة بأكثر بخمس مرات على الأقل مقارنة بما كانت عليه السنة الماضية. وهناك أسباب تقف وراء هذا الارتفاع، من بينها الزلازل التي وقعت في هولندا، ومحاولة الصين تقليل انبعاثات الكربون، وسياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقد أثارت الأسعار القياسية التي يدفعها الموردون في أوروبا ونقص إمدادات الغاز في جميع أنحاء القارة مخاوف من اندلاع أزمة طاقة إذا كان الشتاء أكثر برودة من المعتاد. هذا يعني أن الأوروبيين سيضطرون لدفع فواتير أعلى في الوقت الذي بدأت فيه بعض الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة بتخفيض الإنتاج، مما قوّض التفاؤل بشأن التعافي الاقتصادي بعد الوباء.
ويعتقد بعض الخبراء أن ارتفاع الأسعار ظاهرة مؤقتة ناجمة عن الاضطرابات الاقتصادية بسبب فيروس كورونا، بينما يقول آخرون إنها أزمة عميقة تكشف ضعفا هيكليا في قارة أصبحت تعتمد بشكل كبير على الغاز المستورد.
ويقول توم مارزيك مانسر، المحلل في مؤسسة “خدمات استخبارات السلع المستقلة”، إن “أوروبا كان لديها خياران أساسيان لإمدادات الغاز الإضافية، في ظل اعتمادها على الواردات: روسيا أو شحنات الغاز الطبيعي المسال. ولكن هذين المصدرين لم يعملا كما هو مأمول خلال هذه الأزمة”.
في الواقع، ساهم التحول إلى الطاقة النظيفة على غرار الرياح والطاقة الشمسية إلى زيادة الطلب على الغاز، والذي يُعتبر على نطاق واسع “الجسر” متوسط المدى بين الهيدروكربونات ومصادر الطاقة المتجددة. لكن الهدف طويل المدى المتمثل في إنشاء اقتصادات خالية من الانبعاثات في المملكة المتحدة وأوروبا قد قلل من رغبة المستثمرين في استثمار الأموال لتطوير إمدادات الوقود الأحفوري التي قد لا تكون ضرورية في غضون 30 سنة.
يقول فاتح بيرول “البعض يحاول تصوير هذه الأزمة باعتبارها الأزمة الأولى في مرحلة الانتقال الطاقي، لكنهم مخطئون. إذا سيطرت هذه الفكرة على الأذهان فقد تشكل عائقا أمام السياسات التي نحتاج إلى اعتمادها لإنجاح عملية الانتقال الطاقي”
وقد تراجعت إمدادات الغاز المحلي في أوروبا، بعد عقود من التطور السريع، بنسبة 30 بالمئة في العقد الماضي.
ويمكن القول إن محاولات أوروبا لتكون رائدة عالميا في مجال تغير المناخ قد أدى إلى تغييرات جذرية في سوق الطاقة. شجعت أوروبا الاقتصادات الصاعدة في آسيا على الابتعاد عن الفحم، لتجد نفسها في منافسة مع دول مثل الصين والهند على إمدادات الغاز الطبيعي المسال القادمة من دول مثل الولايات المتحدة وقطر.
كانت صناعة الغاز تعتمد بشكل شبه كامل على النقل بالأنابيب مما أبقى المنافسة الإقليمية في حدها الأدنى. لكن النمو السريع لصناعة الغاز الطبيعي المسال والشحنات المنقولة بحرا خلق وضعا مشابها لسوق النفط العالمي.
ويقول هينينغ غلويستين المحلل بمؤسسة “أوراسيا” للاستشارات، إن “الصين تربط كل سنة نحو إلى 15 مليون منزل في مدنها الساحلية بشبكة الغاز، وهذا يمثل طلبا سنويا إضافيا على الغاز يعادل ما تحتاجه دولة بحجم هولندا أو بلجيكا. لذلك عندما تنخفض درجات الحرارة في الصين، يرتفع سعر الغاز في المملكة المتحدة وألمانيا”.
وتؤكد الحكومات الأوروبية أن تقلب أسعار الغاز يثبت الحاجة إلى الإسراع بالاعتماد على الطاقات المتجددة. لكن هناك مخاوف من أن أزمة الغاز الحالية قد تؤدي إلى رد فعل عنيف ضد التحول إلى الطاقات غير الملوثة حينما يدرك المستهلكون أن تكلفة هذا التحول ستكون مرتفعة للغاية.
ويقول فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، التي تمولها دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن “البعض يحاول تصوير هذه الأزمة باعتبارها الأزمة الأولى في مرحلة الانتقال الطاقي، لكنهم مخطئون. إذا سيطرت هذه الفكرة على الأذهان فقد تشكل عائقا أمام السياسات التي نحتاج إلى اعتمادها لإنجاح عملية الانتقال الطاقي”.
“الإمدادات البديلة” بدأت تتقلص
يظل استهلاك النفط في العالم مستقرا نسبيا على مدار السنة مع تقلبات صغيرة بين الفصول، لكن الطلب على الغاز يزيد بشكل كبير خلال الشتاء بسبب دوره في التدفئة المنزلية.
ورغم تزايد الطلب على الغاز طوال السنة لتوليد الكهرباء وتشغيل الصناعات المختلفة، على غرار صناعة الأسمدة وإنتاج الصلب، إلا أن الطلب يبلغ ذروته في الشتاء في نصف الكرة الشمالي. ويذهب حوالي 40 بالمئة من إجمالي استهلاك الغاز في المملكة المتحدة مباشرة إلى تدفئة المنازل، ويتزايد الطلب إلى حد كبير في فترة تتراوح بين 5 و6 أشهر من كل سنة.
ويعتبر التخزين عاملا مهما لتوفير الإمدادات طوال السنة، حيث يتم ضخ الغاز تحت الأرض خلال أشهر الصيف التي يقل فيها الطلب، قبل أن يتم استغلالها عندما تنخفض درجات الحرارة. أما الطريقة الأخرى فهي الإمدادات الإضافية التي يمكن أن ترتفع أو تنخفض حسب الحاجة.
وإحدى المشاكل الكبيرة التي تواجهها المملكة المتحدة وأوروبا هي أن الإمدادات لم تعد تصل كما في السابق، مما يخلق الظروف الملائمة لمزيد من تقلب أسعار الغاز.
صُمّم أكبر حقل للغاز في أوروبا، بمدينة غرونينغن الهولندية، لتحقيق التوازن بين العرض والطلب من خلال زيادة الإنتاج أو تقليصه، مما يسمح لحقول الغاز الأخرى في القارة بأن تنتج الغاز بكامل طاقتها على مدار السنة. لكن حقل غرونينغن أصبح يشكل عبئًا على الحكومة الهولندية، فمع استنفاد الإمدادات، تسببت العديد من الزلازل الصغيرة في المنطقة المحيطة بأضرار جسيمة على المنازل والشركات.
ومع تصاعد الضغوط السياسية، اتخذت الحكومة الهولندية قرارا بالبدء في إغلاقه تدريجيا، حيث يضخ الحقل حاليا ربع ما كان عليه الإنتاج سنة 2018. ويقول لوران روسيكاس، الخبير بمؤسسة “أي إتش إس ماركت” العالمية للأبحاث، إن هذا القرار سيحرم أوروبا من مصدر مهم للمرونة في مجال إنتاج الغاز.
وتواجه المملكة المتحدة تحديات مماثلة، حيث أن لديها سعة تخزين أقل بكثير من معظم دول أوروبا، وهو الوضع الذي ازداد سوءا بسبب إغلاق منشأة التخزين قبالة الساحل الشرقي لإنجلترا قبل ثلاث سنوات. وقد خفض هذا القرار سعة التخزين في المملكة المتحدة من 15 يومًا من الطلب في فصل الشتاء، إلى خمسة أيام على أقصى تقدير.
صبح تأمين شحنات الغاز الطبيعي المسال أكثر صعوبة سنة 2021، وانخفض حجم الإمدادات المرنة التي كان من المفروض أن تؤمّن احتياجات القارة عند ارتفاع الطلب بشكل مفاجئ.
لكن الأمر الجيد بالنسبة لأوروبا هو أن لديها قدرة على توريد الغاز الطبيعي المسال أكبر من أي منطقة أخرى في العالم. وقد استوردت المملكة المتحدة ما يقرب من 20 بالمئة من احتياجاتها سنة 2019 من خلال شحنات الغاز الطبيعي المسال، إلى جانب تدفقات خطوط الأنابيب من النرويج والاتحاد الأوروبي، لتعويض انخفاض الإنتاج المحلي.
ويشكل ارتفاع الطلب الآسيوي على الغاز، والذي زاد بنسبة 50 بالمئة على مدى العقد الماضي – أساسا بسبب زيادة الاستهلاك الصيني ثلاث مرات -، تحديا حقيقيا للقارة الأوروبية. وقد أصبح تأمين شحنات الغاز الطبيعي المسال أكثر صعوبة سنة 2021، وانخفض حجم الإمدادات المرنة التي كان من المفروض أن تؤمّن احتياجات القارة عند ارتفاع الطلب بشكل مفاجئ.
على سبيل المثال، لم تعد المملكة المتحدة تعتمد على قطر -أحد أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم- كمورد رئيسي، حيث تذهب غالبية الشحنات القطرية باتجاه آسيا.
ويقول جيمس هوكستيب، المحلل في مؤسسة “ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس” لبيانات الطاقة: “ستظل إمدادات الغاز الطبيعي المسال منخفضة، لذلك يجب خفض الطلب لتحقيق التوازن في السوق خاصة إذا كان الشتاء باردًا”.
هل تتلاعب روسيا بإمدادت الغاز؟
يمكن القول إن أهم عامل في أزمة الغاز هو روسيا، حيث تحصل قارة أوروبا على أكثر من ثلث إمداداتها من الغاز من شركة غازبروم، وهي شركة احتكارية تابعة للحكومة الروسية. تطورت هذه العلاقة على مدى عقود، لكنها تعرضت لانتكاسة بسبب تداعيات سيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم سنة 2014.
غالبًا ما يؤكد الخبراء أن الاتحاد الأوروبي مهدد بسبب اعتماده على إمدادات الغاز الروسية، ولكن العلاقة أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه. دفع الاتحاد الأوروبي روسيا نحو التخلي عن العقود طويلة الأجل المرتبطة بأسعار النفط، وهي خطوة خلقت بشكل غير مباشر نظام تسعير أكثر ارتباطا بسوق الغاز.
أصبحت موثوقية شركة غازبروم موضع تساؤل هذه السنة، حيث أدى شتاء 2021/2020 الطويل إلى استنزاف مخزونات روسيا وأوروبا القارية من الغاز ووصولها إلى مستويات منخفضة. ولم تفعل غازبروم الكثير لمساعدة أوروبا على إعادة تعبئة مخازنها، بل رفضت شحن إمدادات إضافية عبر أوكرانيا بخلاف ما تم الاتفاق عليه بموجب العقود طويلة الأجل.
تختلف الآراء بشدة حول حقيقة “تلاعب” روسيا بإمدادات الغاز. ويرى بعض المحللين أن موسكو كانت مضطرة لإعطاء الأولوية لملء خزاناتها بسبب ارتفاع الاستهلاك المحلي خلال السنوات الأخيرة، مما قلص كميات الغاز المعدّ للتصدير.
واتهمت أوكرانيا ودول أخرى في أوروبا الشرقية الحكومة الروسية باستغلال إمدادات الغاز لخدمة أجندتها السياسية، وأساسا الضغط على برلين للموافقة على مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2 المثير للجدل، والذي سيتجاوز أوكرانيا ويوصل الإمدادات مباشرة إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق.
في أيلول/ سبتمبر الماضي، سخر بوتين من المفوضية الأوروبية لأنها كانت تضغط من أجل تسعير الغاز على أساس أسعار السوق، مشيرا إلى أن الأوروبيين هم من تسبب في ارتفاع الأسعار الذي يهدد اقتصادات القارة في الوقت الراهن. ويقول أحد كبار المسؤولين التنفيذيين الأوروبيين في قطاع الغاز: “حسب وجهة النظر الروسية، فإن الاتحاد الأوروبي هو الذي كان يدفع بهذا الاتجاه، والآن عليه تحمّل النتائج”.
تختلف الآراء بشدة حول حقيقة “تلاعب” روسيا بإمدادات الغاز. ويرى بعض المحللين أن موسكو كانت مضطرة لإعطاء الأولوية لملء خزاناتها بسبب ارتفاع الاستهلاك المحلي خلال السنوات الأخيرة، مما قلص كميات الغاز المعدّ للتصدير.
ويعتقد آخرون أن هناك درجة من الانتهازية التي تمارسها شركة غازبروم لزيادة سعر الغاز وتعزيز أجندة موسكو السياسية. ويرى منتقدو روسيا أن أهدافها تمتد من الضغط على ألمانيا للموافقة على مشروع نورد ستريم 2، إلى تذكير أوروبا بضرورة عدم إهمال منتجي الوقود الأحفوري في ظل سعيها للانتقال نحو الطاقات غير الملوثة. وقالت وكالة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي إنها تعتقد أن روسيا قادرة على إرسال كميات غاز أعلى بـ15 بالمئة إلى أوروبا هذه السنة.
وفقًا لغلويشتاين من مجموعة أوراسيا فإن “روسيا إما تمارس هذه اللعبة بسبب خط أنابيب نورد ستريم 2، أو ليس لديها ما يكفي من الغاز. في كلتا الحالتين، لا يمكنك الاعتماد عليها”. وهذا يعني أن مصادر أوروبا الرئيسية الثلاثة للإمدادات المرنة أصبحت جميعها مهددة.
يقول مارزيك مانسر من شركة “أي سي أي إس” إنه بينما يجب أن تزداد إمدادات الغاز الطبيعي المسال في السنوات القادمة مع بدء تشغيل المزيد من المشاريع، يحتاج المستهلكون إلى الاستعداد لفترة من ارتفاع تكاليف الطاقة، مضيفا أنه “حتى صيف 2023 على الأقل، يجب أن نفترض أن أسعار الجملة لن تتراجع إلى مستويات ما قبل فيروس كوفيد”.
على المدى الطويل، قد تواجه أوروبا المزيد من المنافسة على إمدادات الغاز. بدأت روسيا في إمداد الصين بالغاز عبر خط أنابيب “قوة سيبيريا” قبل سنتين، الذي تغذيه حقول لم تُستخدم إطلاقا لتزويد أوروبا. وفي الوقت الحالي، تدرس شركة غازبروم بناء “قوة سيبيريا 2″، وهو خط أنابيب يربط الحقول في غرب سيبيريا – التي تزود أوروبا – بالصين بحلول سنة 2030.
حسب روسكاس من شركة “أي إتش إس ماركت” فإن هذا من شأنه أن يمنح روسيا خيار تحديد “الوجهة التي ترسل إليها الغاز على أساس شهري”، مما قد يزيد من حالة عدم اليقين فيما يتعلق بالإمدادات الموجهة إلى أوروبا. وتضيف روسكاس: “ضع نفسك مكان روسيا، أعتقد أنهم قدّروا هذا الدور المتمثل في كونهم المورد الرئيسي لأوروبا واعتقدوا بناء عليه أنه ينبغي احترامهم. ولكن إذا كانت أوروبا تتجه نحو التخلص من الكربون ‘لماذا يجب أن نستمر في التصرف على أننا الطرف الودود؟'”.
ثقة المستثمر
حتى مع التعزيز قصير الأمد للتدفقات النقدية وأسعار الأسهم، لم ترحب صناعة الغاز الأوسع نطاقًا بشكل موحد بالأسعار القياسية. ويرى بادي بلوير من الاتحاد الدولي للغاز – وهو هيئة صناعية – أن هذا الأمر “ليس ‘جيدا للغاز’ لأن الأسعار مرتفعة جدًا”.
يتمثل مصدر قلق الصناعة في أنه رغم تطلعها إلى أن تكون بمثابة جسر وقود خلال فترة التحول الطاقي، إلا أن الزيادات الأخيرة في الأسعار تركتها محاصرة من جميع الجوانب. ويستشهد المسؤولون التنفيذيون في مجال الغاز بمثال الولايات المتحدة، حيث ساهمت صناعة الصخر الزيتي في تخفيض استهلاك الفحم بشكل حاد نتج عنه تراجع ملحوظ في الانبعاثات، مشيرين إلى أسعار الكربون القياسية في المملكة المتحدة وأوروبا التي لديها القدرة على فعل الشيء نفسه.
سبق أن وُجّهت لصناعة الغاز انتقادات لكونها مخادعة. فهذه الصناعة تنتج حوالي نصف ثاني أكسيد الكربون من الفحم في عملية الاحتراق، هذا إلى جانب انبعاثات الميثان – وهي غازات دفيئة مضرة بالبيئة – التي يقع إطلاقها أثناء عملية الاستخراج والنقل والتي تخضع بدورها لتدقيق متزايد. تراجعت شركة الطاقة الفرنسية إنجي عن صفقة الغاز الطبيعي المسال الأمريكية هذه السنة، وتعرضت لضغوط من الحكومة الفرنسية بسبب مخاوف من غاز الميثان.
حسب غلويشتاين: “يجب أن تكون الطاقة ميسورة التكلفة وموثوقة ونظيفة، وصناعة الغاز تكافح على الجبهات الثلاث في الوقت الحالي”. وتعلق الآمال على نجاح الصناعة في التعامل مع انبعاثات الميثان، كما تعهدت العديد من الشركات، الأمر الذي سيمكنها من الاستمرار في لعب دور. لكن الاتحاد الدولي للغاز يريد من الحكومات أن تفكر مليا في السياسات التي يعتقدون أنها أضرت بقدرة الصناعة على الحفاظ على إمدادات العالم بشكل جيد ـ من قيود التنقيب في الولايات المتحدة إلى التأخير في منح التراخيص في المملكة المتحدة.
يقول بلوير: “لقد هاجمت الحكومات العرض بينما كانت تنفذ سياسات تعزز الطلب فعليًا على الغاز، مثل ارتفاع أسعار الكربون. نريد خفض الانبعاثات، لكن صناعة الكهرباء لم تتحرك بالسرعة الكافية لدرجة تجعلنا نقول إننا لم نعد بحاجة إلى الهيدروكربونات، لذا يجب تحديد الدور الذي يمكن أن يلعبه الغاز. لكن مشاريع تطوير الغاز تستغرق سنوات عديدة وتتطلب مليارات الدولارات، ولعل ذلك ما يجعل المستثمرين يشعرون بالثقة في أن جهودهم ستكون مثمرة”.
في الوقت الحالي، يلا يزال صانعو السياسة إلى حد كبير يأملون أن تتابع روسيا تقديم التلميحات التي تشير إلى أنها قد تزيد إمدادات الغاز هذا الشتاء، أو أن يكون الشتاء معتدلا. وعلى المدى الطويل، يكتسي خفض الطلب وإيجاد البدائل أهمية بالغة. في هذا الصدد، أجرى بعض المحللين مقارنات مع الحظر النفطي العربي في السبعينات الذي تسبب في ارتفاع الأسعار لكنه أدى إلى زيادة كفاءة الطاقة وتطوير الموارد في مناطق مثل بحر الشمال وألاسكا، ومن بين نتائجه التمتع بالنفط الرخيص نسبيًا طيلة عقدين.
لم يتم بعد اختبار ما إذا كانت التطورات في الطاقة المتجددة ستتمتع بنفس القدرة على تحقيق استقرار في أسعار الطاقة العالمية إذا بقيت إمدادات الغاز شحيحة. حث بيرول من وكالة الطاقة الدولية الحكومات على مواصلة المسار والاستفادة من هذه الظرفية لتسريع تعزيز خطط إزالة الكربون، حتى لو كانوا بحاجة إلى إيجاد طرق لحماية الناخبين من المدى الكامل لارتفاع أسعار الغاز هذه السنة. ويؤكد بيرول: “لا أستطيع أن أتنبأ بمدة أو مدى قسوة هذا الشتاء، لكنني أعلم أنه بعد الشتاء، سيأتي الربيع وستستمر تحولات الطاقة النظيفة”.
المصدر: فايننشال تايمز