ترجمة وتحرير: نون بوست
يجلس محمد في محل البقالة الذي يعمل فيه بينما يقلّب صفحات دفتر ملاحظات دوّن فيه قائمة طويلة من العملاء المدينين للمحل. وحسب ما قاله اللاجئ السوري من درعا (30 سنة) لموقع الجزيرة فإن “المزيد والمزيد من الناس باتوا يكافحون لتغطية حاجياتهم ويطلبون منا السماح لهم بالدفع لاحقًا”، حيث أدت أزمة الوقود المتزايدة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وأضاف: “علينا أن نحاول التحلي بالصبر. لقد ساءت الأمور كثيرا مع أزمة الوقود خلال الصيف”.
يقع محل البقالة الصغير في قلب حي الكرنتينا شبه الصناعي في بيروت على بعد مسافة قصيرة من الميناء المدمر. كانت العديد من الأرفف في هذا المتجر ولا تزال ممتلئة، وذلك يعود إلى أن الناس يركزون ببساطة على الضروريات المنزلية – على حد تعبير محمد، الذي أشار إلى عشرات الجرار الموجودة على الأرفف قائلا: “لذلك، لا أحد يشتري القهوة كما ترون. يشتري معظم الناس الخبز والخضروات ومنتجات الألبان في الثلاجة هناك”. لكن حتى العديد من المواد الغذائية الأساسية لم تعد في متناول اليد: فقد كافح لبيع زيت الزيتون الذي ارتفعت أسعاره.
لا تعد أزمة الغذاء في لبنان حديثة العهد. فقد قدّر برنامج الغذاء العالمي أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 628 بالمئة في غضون سنتين فقط، مما أدى إلى تفاقم انهيار الاقتصاد اللبناني، ليُرمى ثلاثة أرباع سكانه بين براثن الفقر، وتنخفض قيمة الليرة اللبنانية بنحو 90 بالمئة. ومع كل ذلك، تفاقمت أزمة الغذاء بشكل كبير في الأشهر الأخيرة وسط نقص الوقود وارتفاع الأسعار.
رفعت الحكومة اللبنانية الدعم عن الوقود تدريجًيا منذ حزيران/ يونيو، وتضاعفت أسعار البنزين أربع مرات في أقل من شهر في محاولة للتعامل مع النقص المعوق، وكافحت لإطلاق برنامج البطاقات النقدية ليحل محل الدعم. في غضون ذلك، تضرّر لبنان بشكل متزايد من انقطاع التيار الكهربائي المتواصل حيث تضاءلت الكهرباء التي توفرها الدولة إلى لا شيء تقريبًا، في حين ارتفعت أسعار وقود الديزل المستخدم في تشغيل المولدات الخاصة – هذا إن كان من الممكن العثور على الوقود في المقام الأول.
قال محمد وهو يهز رأسه غير مصدق لما يحدث: “إن أسعار المواد الغذائية تزداد غلاء لأننا يجب أن ندفع أكثر بكثير لمزود المولدات الخاصة لتعويض ارتفاع أسعار الوقود. وجميع منتجاتنا في تلك السلال أصبحت أكثر تكلفة بشكل خاص، نظرا لأن من يسلمها إلينا من سوق الخضار عليه أن يدفع المزيد مقابل البنزين”.
أعلنت وزارة الاقتصاد اللبنانية في وقت سابق من هذا الأسبوع أنها رفعت سعر الخبز للمرة السادسة هذه السنة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ضعف العملة المحلية وأيضا بسبب أزمة البنزين والوقود مع ارتفاع تكاليف النقل. ووفقا لما صرحت به المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي رشا أبو ضرغم للجزيرة، فإن “أسعار الوقود والبنزين مستمرة في الارتفاع، لذلك نتوقع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية”. في نيسان/ أبريل، قدم برنامج الأغذية العالمي مساعدات غذائية لشخص من كل ستة أشخاص. وبعد تفاقم أزمة الوقود، أصبح يدعم الآن واحدًا من بين كل أربعة أشخاص في لبنان
يعمل محمد حوالي 10 ساعات يوميا في المتجر بدخل متواضع، وبدل بسيط لشراء مواد غذائية من المتجر يقل قليلا عن 900 ألف ليرة لبنانية (47 دولارا). بفضل راتبه وبعض المساعدة من الجمعيات الخيرية، بإمكانه دفع إيجاره وبعض النفقات الأخرى فقط، وعليه التنازل عن الطعام الذي يأكله وبات الآن يتخطى وجبة واحدة من الطعام كل يوم.
وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يعتبر محمد واحدا من بين 67 بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان الذين يتخطون الآن وجبات الطعام. وقال محمد: “أنا بالتأكيد لم أعد أتناول اللحوم بعد الآن – وهذا غير وارد. ولكن لحسن الحظ، أستطيع الصمود عند تناول وجبتين في اليوم”.
نحاول الحصول على زبادي للأطفال
على بعد شارعين، تعتني ولاء – التي فرت من سوريا إلى لبنان منذ حوالي خمس سنوات – بابنتها وأولادها الثلاثة في شقتهم الضيقة المكونة من غرفتين في الطابق الأرضي. ترك الأطفال المدرسة ويقضون معظم الوقت في الداخل. يجلس ابنها الأكبر البالغ من العمر 12 سنة بين إخوته بهدوء بينما يراقبهم، وتقول ولاء إنه يزن 17 كيلوغرامًا فقط.
كانت الساعة قد تجاوزت الظهيرة، وما زال الأطفال لم يتناولوا وجبة الإفطار بعد. تقول والدتهم: “نحاول أن نتأكد من أن الأطفال يتناولون وجبتين كل يوم”. يقوم زوج ولاء بتقليم الأشجار في وسط بيروت، لكنه يكافح في العمل لساعات عديدة مثلما كان في السابق بعد إصابته في انفجار ميناء بيروت قبل أكثر من سنة. لقد عانى من كسور متعددة في العظام وصدمات في الرأس.
لقد حاولت ولاء العمل في وظائف يومية مختلفة للمساعدة في إعالة عائلتها، حيث أنهم متأخرون في دفع الإيجار وأدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى تقليص ميزانية الأسرة المتضائلة بالفعل. تقول ولاء: “نحن الآن فقط نشتري الخبز والمعكرونة والأرز ونحاول الحصول على البصل والطماطم والبطاطا كلما أمكن ذلك. نحاول الحصول على اللبن والجبن للأطفال مرة أو مرتين في الشهر لأنهم يحبون هذه المنتجات حقا”.
لجأت هذه الأسرة أيضًا إلى شرب مياه الصنبور، حيث أصبحت المياه المعبأة باهظة الثمن بشكل متزايد، وهو ما أصاب الأطفال بالمرض – على حد تعبير ولاء. كذلك، أصبحت اللحوم والفواكه باهظة الثمن بالنسبة للأسرة، لكنهم يشترون الدجاج مرة واحدة في الشهر. وقالت ولاء بحسرة: “إنها مثل مناسبة احتفالية”، وهي تعتقد أن الأطفال بسبب ذلك مرهقون وخاملون حيث “يتعبون عندما نذهب في نزهات قصيرة”.
غارقون في الفقر
تضرر اللاجئون السوريون الفقراء بشكل خاص من الأزمة. ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يعيش نحو 90 بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان حاليا حالة فقر مدقع، ويبلغ المعدل العام للفقر في البلاد 36 بالمئة. وأوضحت أبو ضرغم من برنامج الأغذية العالمي أن “هذا يعني أنهم لا يستطيعون تحمل تكلفة ما نعتبره المواد الغذائية الأساسية للبقاء على قيد الحياة”. وهذا لا يشمل اللحوم ولا منتجات الألبان.
تأمل الحكومة اللبنانية، بقيادة رئيس الوزراء الملياردير نجيب ميقاتي، تجديد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج التعافي والحصول على مساعدات اقتصادية من المجتمع الدولي. ويرى الخبراء أن التعافي الاقتصادي قد يستغرق سنوات إذ يحتاج لبنان إلى اجتثاث عقود من الفساد المنهجي وإعادة هيكلة اقتصاد غير فعال.
في غضون ذلك، تكافح منظمات الإغاثة والجمعيات الخيرية لمواكبة الطلب المتزايد، بينما لا تزال الحكومة اللبنانية تعاني من ضائقة مالية. ومن جهتها، حذّرت الأمم المتحدة مؤخرًا من أن المجاعة يمكن أن تكون “حقيقة متنامية” للآلاف.
تؤكد أبو ضرغم أن أزمة الجوع هذه “غير مسبوقة” وأثرت على مئات الآلاف من العائلات اللبنانية التي لم تكن تقلق من وضع الطعام على موائدها. وأوضحت: “لقد ضاعفنا مساعدتنا ثلاث مرات، لكن الزيادة تدريجية. الأشخاص الذين لم يكن لديهم من قبل مشكلة في وضع الطعام على المائدة قد وقعوا فجأة بين براثن الفقر”.
المصدر: الجزيرة