استضافت إيطاليا، أمس الثلاثاء 12 من أكتوبر/تشرين الأول 2021، قمة خاصة لمجموعة دول العشرين، لمناقشة تطورات الأوضاع في الداخل الأفغاني، في ظلِ تصاعد المخاوف بشأن التداعيات الإنسانية المتفاقمة بعد عودة حركة طالبان للحكم في 15 من أغسطس/آب الماضي.
وركزت القمة التي عقدها رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي عن بُعد مع رؤساء حكومات وممثلي كبرى الاقتصادات العالمية، على مناقشة فكرة تعزيز المساعدات المقدمة لأفغانستان، والمخاوف بشأن الأمن وضمان الخروج الآمن للآلاف من الأفغان الذين تحالفوا مع دول غربية وما زالوا في الداخل.
ورغم الخلاف الواضح في وجهات النظر بين إيطاليا التي ترأس مجموعة العشرين حاليًّا ودول المجموعة، إزاء التعامل مع أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي من كابل، فإن تفاقم الأوضاع داخليًا، لا سيما على المستوى الإنساني، دفع الجميع لوضع هذا الملف على طاولة النقاش والبحث، للخروج بحلول عاجلة قبل خروج الوضع عن السيطرة.
وتعاني الدولة الأفغانية منذ انسحاب القوات الأجنبية وسيطرة طالبان على مجريات الأمور بداخلها، من تدهور الوضع الاقتصادي في ظل تقليص حجم المساعدات الخارجية وإعادة النظر في السياسات الدولية الخاصة بالبلاد، يتزامن ذلك مع عدم الاعتراف الدولي حتى الآن بالسلطة الجديدة، الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية محققة.
حراك دبلوماسي لإنقاذ الموقف
قادة العشرين أكدوا التزامهم بتقديم المساعدة الإنسانية للشعب الأفغاني مع التركيز على محاربة الإرهاب، فيما أعلنت المفوضية الأوروبية تخصيصًا لأفغانستان بقيمة 1.2 مليار دولار، وفي بيان له أشار البيت الأبيض إلى أن الرئيس جو بايدن ناقش مع زعماء الدول الحاجة الماسة إلى الحفاظ على الجهود المستمرة لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك تهديد تنظيم الدولة الإسلامية، وكذلك ضمان المرور الآمن للرعايا الأجانب والشركاء الأفغان الذين يسعون لمغادرة أفغانستان.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فاقترح تشكيل مجموعة عمل من أجل أفغانستان ضمن بنية مجموعة الـ20، معربًا عن رغبة بلاده في ترؤس المجموعة، منوهًا في الوقت ذاته أنها لا يمكنها تحمل موجات جديدة من اللاجئين الأفغان.
فيما دعا أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى اتخاذ موقف دولي موحد والوصول إلى خريطة طريق لمسؤوليات وواجبات الحكومة الأفغانية المؤقتة، مناشدًا قادة مجموعة العشرين إلى انتهاج مقاربة عملية تجاه المسألة الأفغانية.
الحراك الدبلوماسي الذي تشهده الساحة الأفغانية، سواء عن طريق طالبان أو بعض القوى الدولية، يهدف في المقام الأول لتقليل تبعات حالة الفوضى التي تخيم على الأجواء خلال الآونة الأخيرة، التي من المتوقَع – حال استمرارها – أن يتصاعد حجم ومنسوب ضحاياها على المستويات كافة.
القمة الافتراضية التي استضافها رئيس الوزراء الإيطالي أمس تأتي في هذا السياق، بعدما بات الملايين من الشعب الأفغاني فرادى في مهب الريح، لا دعم دولي ولا استقرار داخلي ولا رؤية محددة لما هو قادم، فحسب مسؤول مطلع على خطط مجموعة العشرين، فإن “هناك حاجة ماسة لتقديم مساعدات إنسانية للفئات الأكثر عرضة للخطر، وخاصة النساء والأطفال، مع اقتراب فصل الشتاء”.
وزير الثقافة والإعلام في حكومة طالبان، ذبيح الله مجاهد: “وفد الإمارة الإسلامية أثار مسألة اعتراف المجتمع الدولي بالحكومة الأفغانية في هذه المحادثات”.
وعليه كان هذا التحرك الذي استبعد الدول المجاورة لأفغانستان، باكستان وإيران على وجه الخصوص، مكتفيًا بالأطراف المحايدة والوسيطة ومنها قطر التي تؤدي دور الوسيط في الآونة الأخيرة بين طالبان والقوى الغربية، وشهدت كذلك آخر اجتماعات تمت في هذا الإطار الأسبوع الماضي.
واستأنفت الحركة والولايات المتحدة محادثاتهما مرة أخرى خلال اجتماع احتضنته الدوحة، في 10 من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، هو الأول بين الطرفين منذ استعادة طالبان السلطة في أفغانستان في أغسطس/آب، وأشار مسؤولو الجانبين إلى أن الاجتماع “سار بشكل جيد”.
أشارت وزارة الخارجية الأمريكية في بيانها إلى أن المحادثات ركزت “على المخاوف المتعلقة بالأمن والإرهاب والممر الآمن للمواطنين الأمريكيين وغيرهم من الرعايا الأجانب والأفغان”، وفي المقابل اعتبرت حكومة طالبان أن “التنفيذ الكامل لاتفاق الدوحة أفضل طريقة لحل المشاكل والخلافات”، مشددة على ضرورة عدم ربط المساعدات الإنسانية بالقضايا السياسية.
نائب وزير الثقافة والإعلام في حكومة طالبان، ذبيح الله مجاهد، في تصريحات صحافية عقب الاجتماع، قال: “وفد الإمارة الإسلامية أثار مسألة اعتراف المجتمع الدولي بالحكومة الأفغانية في هذه المحادثات”.
وأضاف “هناك العديد من القضايا التي جرت مناقشتها مع الأمريكيين، ومنها تنفيذ اتفاقية الدوحة، التي كانت مهمة للغاية بالنسبة إلى الولايات المتحدة ولنا، وأيضًا موضوع تجميد الأموال الأفغانية في البنوك الأمريكية، واعتراف المجتمع الدولي والولايات المتحدة والأمم المتحدة بأفغانستان”.
تهدف الحركة من هذا الاجتماع إلى تحقيق 3 أهداف رئيسية: الأول يتعلق بالاعتراف الدولي بها، وهي مسألة يبدو أنها بحاجة إلى مزيد من الوقت والضمانات، بجانب التأكيد على سيادة طالبان على كل الأراضي الأفغانية وعدم التدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية، وأخيرًا مناقشة سبل الحصول على الدعم ورفع التجميد المفروض على رؤوس الأموال الأفغانية في محاولةٍ لتحسين الوضع المتردي.
وعلى المستوى الأمريكي، فإن هذا اللقاء الذي يتزامن مع تقارب واضح بين الحركة وجيرانها، الصين وإيران وباكستان، يمثل نقطة اعتراض أمريكية غير مباشرة، وعليه تأتي تلك التحركات لإجهاض هذا التقارب من خلال التأكيد على وجود واشنطن – رغم الانسحاب العسكري من أفغانستان – كرقم صعب في المعادلة السياسية والأمنية والاقتصادية للبلاد خلال المرحلة المقبلة.
الوضع الداخلي وشبح الانتكاسة
رغم تعدد التحديات التي من المتوقع أن تواجه طالبان في إدارة المرحلة المقبلة وعبور الفترة الانتقالية الراهنة وملء الفراغ، السياسي والأمني، الذي تركته السلطة الهاربة والقوات الأجنبية المنسحبة، فإن التحدي الأبرز الذي يمثل معيارًا مهمًا لقدرة الحركة على النجاح من عدمه، كان التحدي الداخلي.
فالخطورة التي تحملها التحديات الخارجية، ومعركة الاعتراف الدولي وما يمكن أن يترتب عنها من أزمات حقيقية حال الفشل في التعاطي معها، أقل بكثير من التأقلم سريعًا مع الشأن الداخلي، فطمأنة الشارع الأفغاني وتفعيل قيم التشاركية وتصحيح الصورة المشوهة قديمًا، ستكون العوامل الأبرز في تحديد هوية المنتصر في تلك المعركة التي لم تنته بعد.
الأوضاع ازدادت سوءًا بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على خط الأزمة، فارضًا نفسه كإحدى أوراق اللعبة التي يجب أن توضع في الحسبان
هذا المأزق الذي يتصاعد يومًا تلو الآخر، في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي، وما يترتب عليه من خروقات بالجملة في المجال الإنساني، يضع الانتصارات التي حققتها طالبان عسكريًا بعد سيطرتها على مفاصل الدولة، وسياسيًا من خلال كسب جولات مهمة في معركة الاعتراف الدولي بها، على “كف عفريت”.
الأوضاع ازدادت سوءًا بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على خط الأزمة، فارضًا نفسه كإحدى أوراق اللعبة التي يجب أن توضع في الحسبان بعد تجاهلٍ دام لسنوات، فالتفجيرات التي شهدها مطار حامد كرزاي بالعاصمة الأفغانية كابل في 26 من أغسطس/آب الماضي، كانت جرس إنذار شديد اللهجة للحركة والمرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد.
تلك التفجيرات التي أسفرت عن مقتل 175 شخصًا، بينهم 13 عسكريًا أمريكيًا و3 رعايا بريطانيين وما لا يقل عن 28 مقاتلًا طالبانيًا، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 200 آخرين، وتبناها تنظيم الدولة “داعش” عبر ولايته في أفغانستان “خراسان”، كان لها مفعول السحر في قلب الطاولة رأسًا على عقب فيما يتعلق بملامح الخريطة السياسية للبلاد.
وبعيدًا عن تبعات حالة الفوضى التي تشهدها أفغانستان والتردي الاقتصادي والإنساني المتزايد يومًا تلو الآخر، التي دفعت لفرض تموضعات جديدة للقوى الموجودة في المشهد، فإن ثمة مخاوف متصاعدة بشأن عودة عقارب الساعة للخلف مرة أخرى، لما قبل الانسحاب الأمريكي.
استمرار الوضع الميداني داخليًا، مع التغير الواضح في بوصلة طالبان السياسية عبر تدشين حلفاء جدد من قوى الجوار، مع استعادة “داعش” لنشاطها مرة أخرى، وما يترتب على ذلك من تفاقم للمشهد الإنساني، كل هذا سيكون مبرِرًا لخلق سرديات جديدة في التعامل مع أفغانستان خلال الأشهر القادمة، وسط مخاوف من خروج الوضع عن السيطرة وعودة البلاد كساحة للميليشيات والجماعات المسلحة مرة أخرى.