“حلق بالمعرفة” شعار النسخة السادسة لمعرض الكتاب العربي في إسطنبول المقام هذه السنة على أرض مدينة المعارض بإسطنبول، انطلقت فعاليات المعرض يوم السبت الماضي، بمشاركة عربية واسعة، حاملة معها الكثير من الأنشطة المعرفية والثقافية بعد انقطاع دام سنتين بسبب ظروف وباء كورونا التي عصفت بالعالم.
“نون بوست” كان حاضرًا في المعرض لتغطية الأجواء والفعاليات هناك، عند دخولك إلى الجناح الذي يضم معرض الكتاب تجد في طريقك معرضًا صغيرًا يحوي عددًا من اللوحات والمشغولات الفنية التي تجذب الانتباه بتفاصيلها وأفكارها، وعدا عن جمالها؛ تعطيك هذه المساحة الفنية حافزًا لإكمال طريقك لقضاء يوم معرفي بامتياز، بين ثنايا الكتب ولقاءات المؤلفين والناشرين وشخصيات شهيرة في الوسط الثقافي.
بدايةً، للحديث عن المعرض بالعموم التقى “نون بوست” السيد محمد أغير أقجة منسق عام معرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي الذي أخبرنا عن بعض التفاصيل المهمة، يقول: “هذه هي الطبعة السادسة للمعرض، كان الإقبال جيدًا، فالأيام الـ4 الأولى وصل عدد الزوار إلى أكثر من 42 ألف شخص، وهدفنا أن يزورنا 100 ألف شخص، كما أننا نرى إقبالًا من مختلف الجاليات العربية، وتنظر الجاليات إلى أن هذا مكانها حيث يأتي الشخص لشراء الكتب والاطلاع وحضور الفعاليات التي تقام على هامش المعرض، كما توجد تغطية مميزة من الإعلام العربي لهذا المعرض”.
محمد أغير أقجة منسق عام معرض الكتاب العربي في إسطنبول
يضيف السيد أقجة “توجد 252 دار نشر موزعة على 171 جناحًا من 23 دولة، وينظم المعرض اتحاد الناشرين الأتراك وجمعية الناشرين الأتراك والجمعية الدولية لناشري الكتاب العربي، ويوجد دعم من غرفة تجارة إسطنبول وولاية إسطنبول وأيضًا دعم من وزارة الثقافة التركية بحسب الحاجة والترتيبات”.
ويشير المنسق العام إلى أن وزارة الثقافة التركية “ستشتري كتبًا من المعرض وهي الكتب المترجمة من اللغة التركية إلى العربية، فتختار من كل ناشر بعض الكتب التي ترجمت، وتضعها في المكاتب والمناطق التي تضم جاليات عربية كبيرة للوصول والاندماج الأكبر”.
حضور لافت للأطفال
العديد من الأمور تجذب الاهتمام خلال التجول في هذا المعرض وأهمها الوجود الكثيف للأطفال إما بشكل منظم وإما برفقة الأهل، ونعني بالشكل المنظم “رحلات مدرسية”، واللافت للانتباه أيضًا الأطفال الأتراك الذين قدموا مع مدارسهم إلى هذا المعرض.
ومن الملاحظ أيضًا هذه السنة كثافة حضور الدور والمكاتب المعنية بشؤون الطفل والمنشورات التي تخاطبه، وفي السياق قابلنا هارون الزير مدير دار رؤية للنشر الإبداعي وهي مؤسسة مرخصة في تركيا وتُعنى بنشر كتب الأطفال واليافعين باللغة العربية.
يقول الزير: “توجد أكثر من 50 دار نشر متخصصة بالأطفال، منها دور نشر موجودة في تركيا ومنها من أتى من خارج تركيا، وبعض الدور الموجودة أخذت وكالات، فمثلًا دار رؤية لديها وكالة بدور نشر من لبنان وإسبانيا”، يشير الزير إلى أن الإقبال هذا العام جيد جدًا، ويقول “نستطيع أن نقول إننا حققنا مبيعات جيدة خصوصًا بعد انقطاع سنتين بسبب كورونا”.
يضيف الزير “أعلنا عن خصومات على كتبنا، نحاول قدر الإمكان إجراء تخفيضات في ظل الأزمة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الناس بسبب الوباء وغيره، ونعرف حاجة المجتمع العربي في تركيا إلى أن يتعلق أطفالهم بلغتهم الأم عبر الكتب والقصص العربية”.
وعند إحدى الدور المتخصصة بالأطفال التقينا مع السيدة أسماء إحدى الزائرات وسألناها عن سبب اصطحاب أطفالها معها لتقول: “وسائل التواصل الاجتماعي باتت تأخذ من وقت أطفالي الكثير، ولم أعد أستطيع ضبط الموضوع أو السيطرة عليه، من أجل ذلك أحببت إحضار أطفالي إلى هذه الفعالية واقتناء بعض المنشورات والكتب الخاصة بأعمارهم، كما توجد مساحات خاصة لألعاب الذكاء الخاصة بالأطفال هنا”، تشير أسماء أنها أتت إلى المعرض خلال 4 أيام مضت وتخطط للقدوم في كل يوم حتى انتهاء الأيام المخصصة، وتشير إلى أن أطفالها باتوا يستعدون صباحًا لما لاقوه من متعة في جو جديد كليًا.
وعن زيارة الأطفال من المدارس التركية التقينا مع الأستاذ عمر أحد المدرسين في مدارس إمام خطيب وهي المدارس الدينية في تركيا، ليقول إنه مدرسته نظمت رحلة للأطفال إلى هنا لكي يستفيدوا من المنشورات العربية التي يستفيدون منها في تعلم اللغة العربية وتقويتها، مضيفًا “ننظم رحلات يومية لطلاب المدرسة من جميع الأعمار خاصة في المرحلة المتوسطة والثانوية”.
ارتفاع الأسعار
خلال جولتنا حضرنا نقاشًا بين أحد الزائرين ومسؤول إحدى دور النشر عن أسعار الكتب المرتفعة، وهنا توجهنا إلى إبراهيم كوكي مدير مكتبة كتاب سراي في تركيا التي تعمل على نشر بعض الكتب وسألناه عن مشكلة الأسعار المرتفعة للكتب، فأوضح قائلًا: “سعر الكتب عادةً ما يكون بالدولار، والارتفاع الذي يحدث إنما يكون بحساب الأمر على الليرة التركية، فالمعرض في نسخته الأولى منذ سنوات كان الكتاب المبيع بـ10 دولارات أي ما يساوي 35 ليرةً تركيةً، أما اليوم فـ10 دولارات تساوي 90 ليرةً تركيةً”.
يضيف كوكي “نحن نحاول إجراء بعض التخفيضات والعروض على بعض الكتب خاصة أن الذين يشترون أغلبهم من الطلاب”.
من جهته يقول نور الدين محمود من مركز تراث الخاص بالدراسات في حديثه لـ”نون بوست”: “ارتفاع الأسعار في معرض إسطنبول يرجع إلى أجور الشحن، فكثير من دور النشر والمكتبات تأتي من خارج تركيا وتحتاج إلى شحن الكتب في القدوم ومن ثم شحنها في العودة وهذه أمور مكلفة”.
ويشير محمود إلى أنه “رغم ارتفاع الأسعار فإن الإقبال في اليومين الأولين كان على غير المتوقع، فقد كان كثيفًا جدًا، لكنه خلال أيام الأسبوع بدأ بالانخفاض بسبب الدراسة والعمل، لكن في العموم فوق المتوقع، أنا حضرت في معرض القاهرة، وذلك المعرض أكبر بكثير من هذا لكن أستطيع القول إن معدل الشراء هنا أعلى”.
بدوره، يقول الطالب الجامعي أحمد وهو أحد زائري المعرض لـ”نون بوست”: “أنا كطالب عادة أحتاج بعض المراجع والكتب، ولا أستطيع اقتنائها من المكتبات في إسطنبول لأنها مرتفعة السعر، انتظرت معرض الكتاب على أمل أن يكون سعرها منخفضًا لكن ليس هناك فرق، يعني كانت حصيلة مشترياتي كتابين صغيرين ولا أفكر بالشراء، لكنني كسبت الزيارة وتعرفت على عناوين جديدة وكان المعرض فرصةً للقاء بأصدقاء لم نرهم منذ سنتين بسبب كورونا”.
يتحدث إبراهيم كوكي عن بعض النقص الذي يعتري المعرض بالقول: “ليست كل دور النشر في العالم العربي متوافرة هنا وهو عامل وجد فيه بعض رواد المعرض نقصًا وأمرًا سلبيًا”، مشيرًا إلى أن من إيجابيات المعرض غير المتوفرة في معارض الدول العربية “وجود كتب لا تتوافر في المعارض التي تقام في البلدان العربية لأسباب سياسية وأمنية وغيرها، فمعرض الكتاب بإسطنبول أتاح حرية العرض”.
إلى ذلك يتحدث نور الدين محمود عن المدة القصيرة للمعرض: “لو أن المدة أطول، خاصة أن مدة المعرض 10 أيام يتخللها أيام الدراسة والعمل، فلو أن المدة أطول ليتخلل الوقت أكثر من عطلة نهاية أسبوع، كما أنه يجب أن تحصل دعاية إعلامية أكبر للمعرض، فيوجد الكثير من الناس لا يعلمون عن وجود المعرض”.
على هامش المعرض تقام فعاليات ومحاضرات لشعراء وأدباء وكتاب ودعاة، وعرض للأفكار والمشاريع وتبادل للخبرات، ويبدأ المعرض نشاطه منذ الساعة العاشرة صباحًا حتى التاسعة مساءً بتوقيت إسطنبول، يذكر أن المعرض بنسخته الأولى انطلق في أكتوبر/تشرين الأول 2015، ويستهدف شريحة واسعة من العرب الموجودين في إسطنبول، إذ يصل عددهم إلى الملايين.
وفي السياق يقول مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي: “العرب المقيمون في تركيا تجاوز عددهم الـ10 ملايين، ما يعني أنها تحتضن عربًا أكثر مما تحتضنه العديد من بلدان العالم العربي”، مشيرًا إلى أن المعرض في إسطنبول يعد الأكبر من نوعه ليس على مستوى الدول غير العربية، بل ويتفوق أيضًا على معارض الكتب في بعض الدول العربية.