عاد التصعيد العسكري إلى الجبهات بين المعارضة السورية وتنظيم وحدات حماية الشعب (YPG) في ريف حلب ليل 13/ 14 أكتوبر/ تشرين الأول، حيث حاولت مجموعات تابعة للأخيرة التسلُّل نحو مواقع الفصائل المعارضة في محور جلبل جنوب شرقي عفرين بريف حلب، تبعه اشتباكات بين الطرفَين خسرت خلالها الوحدات عددًا من عناصرها، وأُجبرت على الانسحاب نحو مواقعها الخلفية في ريف تل رفعت.
وسبق أن أسقطت الفصائل المعارضة طائرة استطلاع روسية في الجبهات الممتدة بين مارع وعبلة بريف حلب، وشهدت سماء المنطقة تحليقًا مكثّفًا للطيرانَين الحربي والاستطلاعي، حيث تبدو الوحدات عازمة على زيادة التصعيد مع المعارضة والجيش التركي.
وقد دفعت الوحدات بالفعل بالمزيد من التعزيزات العسكرية إلى الجبهات، واستنفرت قواتها التي تطلق عليها في ريف حلب اسم “قوات تحرير عفرين”، تحسُّبًا لأي هجوم قد تشنه المعارضة والجيش التركي على مواقعها في تل رفعت.
وامتدَّت عمليات رفع الجاهزية من جانب الوحدات إلى محاور القتال قرب الباب وشمال منبج، التي تولّى الاستنفار فيها مجلسا الباب ومنبج العسكريان التابعان لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والتي تشكِّل الوحدات عمودها الفقري.
وبالتزامن مع زيادة التصعيد واستمراره من جانب الوحدات في ريف حلب، عقدت قيادة الجبهة السورية للتحرير اجتماعًا لقادتها في ريف حلب لبحث آخر التطورات العسكرية في المنطقة، وسبق أن عقدت غرفة القيادة الموحَّدة “عزم” اجتماعًا مشابهًا لقادتها في الإطار ذاته في 10 أكتوبر/ تشرين الأول، وترافقت اجتماعات تحالفَي عزم والجبهة السورية مع تحركات عسكرية ورفع جاهزية قتالية لتشكيلاتهما، وتبدو تحركات الفصائل المعارضة متناغمة إلى حدٍّ كبير مع التصعيد التركي والتهديد بإطلاق عملية عسكرية ضد “قسد” والوحدات.
سبق أن هدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 11 أكتوبر/ تشرين الأول بشنِّ عملية عسكرية ضد وحدات الحماية، وأن “صبر تركيا قد نفد حيال بؤر الإرهاب شمالي سوريا”، وشدّد أردوغان على أن “تركيا عازمة على القضاء على التهديدات التي مصدرها تلك المناطق”، ولفت قائلًا: “نفد صبرنا تجاه بعض المناطق التي تعدّ مصدرًا للهجمات الإرهابية من سوريا تجاه بلادنا”.
وصرّح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، خلال لقائه مع نظيره من نيكاراغوا، دينيس مونكادا كوليندرس، أن بلاده ستفعل كل ما يلزم لتطهير مناطق شمال سوريا ممّا وصفهم بـ”إرهابيي حزب العمال الكردستاني (PKK) ووحدات حماية الشعب”، حسب ما نقلته “وكالة الأناضول” في 13 أكتوبر/ تشرين الأول، كما أضاف الوزير أن “روسيا والولايات المتحدة مسؤولتان أيضًا عن الهجمات الإرهابية، ويجب علينا الاعتماد على أنفسنا والقيام بما يلزم”.
التصريحات التركية اعتبرتها الأوساط الشعبية المعارضة في مناطق شمال غربي سوريا تلويحًا صريحًا بمعركة ضدّ وحدات الحماية و”قسد” شمالي سوريا، وبدأ التساؤل جدّيًّا في أوساط المعارضة عن وجهة العملية المفترضة، كما بدأ الإعلام التركي يروِّج لوجهات محتملة قد تسلكها العملية، وذلك بحسب أهمية كل منطقة بالنسبة إلى المعارضة وتركيا على حد سواء.
وهنا تبرز منطقة تل رفعت في قائمة الوجهات المحتملة، على اعتبار أنها الأكثر أهمية من ناحية كثافة العمليات الهجومية التي تنفّذها الوحدات انطلاقًا منها ضد المعارضة والجيش التركي، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي في المنطقة الواصلة بين ريفَي حلب وإدلب شمال غربي سوريا.
سيطرت وحدات الحماية على تل رفعت بداية عام 2016 بدعم من الطيران الحربي الروسي آنذاك، وعبر تل رفعت تمدّدت الوحدات نحو عشرات القرى في ريف حلب الشمالي، والتي أطلقت عليها اسم مقاطعة الشهباء، وشكّلت لاحقًا عازلًا جغرافيًّا يفصل مناطق المعارضة القريبة من الحدود التركية بريف حلب عن مناطق سيطرة النظام شمالي مدينة حلب.
ولطالما هددت المعارضة خلال السنوات التالية باستعادة تل رفعت، لكن تهديداتها لم تتحول إلى واقع لأنها بطبيعة الحال تحتاج غطاءً عسكريًّا وسياسيًّا تركيًّا لم تتمكن الأخيرة من توفيره بسبب موقع المنطقة، وتحولها بعد عام 2018 إلى ملاذ لآلاف النازحين من منطقة عفرين التي سيطرت عليها المعارضة المدعومة من تركيا في العام ذاته.
بالإضافة أيضًا إلى دخول قوات النظام الى المنطقة وعودة جزء من الدوائر الخدمية التابعة للنظام إليها، وافتتاح مركز الناحية التابع للنظام، كما كونها ملاصقة لبلدتَي نبل والزهراء الشيعيتَين اللتين تقعان تحت السيطرة المباشرة للميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني.
وبالتالي يمكن القول إن الوجهة المحتملة للعملية العسكرية التي تهدِّد تركيا حاليًّا بشنِّها، في حال كانت نحو تل رفعت، ستكون خيارًا صعبًا للغاية، بسبب التعطيل المتوقَّع من الجانبَين الروسي المتمركز بكثافة في المنطقة، والإيراني الذي وسّع انتشاره انطلاقًا من نبل مؤخرًا لمنع أي معركة مفترضة.
يستبعد الصحفي التركي ليفنت كمال أن تكون وجهة العملية العسكرية نحو تل رفعت لعدة اعتبارات، أهمها كون المنطقة تشكّل بوابة عمق السيطرة الروسية في حلب ورأس حربة متقدِّم لا تريد روسيا خسارته بأي حال، وإذا أرادت تركيا السيطرة على تل رفعت فإنه يترتّب عليها أن تقدِّم مقابلًا كبيرًا لروسيا.
أضاف كمال لموقع “نون بوست”: “أعتقد أن عملية عسكرية محتملة ستكون في شرق الفرات، كما أنني لا أعتقد أن روسيا سوف تتنازل عن منبج وتل رفعت، إن استيلاء المعارضة المدعومة من تركيا على منبج يعني بالضرورة أن جزءًا من الطريق M4 الواصل بين مناطق شرقي الفرات وحلب سيكون خارج سيطرة روسيا، وهذا ترفضه روسيا التي تريد السيطرة على M4 بالكامل، وتسعى جاهدة أن تستكمل سيطرتها عليها في المنطقة الواقعة جنوبي إدلب أيضًا لتصلَ حلب بالساحل السوري”.
وتابع كمال: “أما الوجهة المحتملة نحو منطقة عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي، وهي منطقة ملاصقة للحدود التركية، فهي خيار صعب أيضًا بالنسبة إلى تركيا والمعارضة، وسماح روسيا بهذه العملية نحو عين العرب سيوتّر علاقتها بالأكراد السوريين مجددًا كما حصل في عفرين عام 2018، لكن من الممكن أن يترك الروس هذه المنطقة للأتراك لإرسال رسالة إلى وحدات حماية الشعب والضغط عليها”.
في حال كانت الوجهة المحتملة للعملية العسكرية التركية نحو عين العرب، فإنها ستحقِّق لتركيا والمعارضة السورية الكثير من المكاسب، أكثرها أهمية تحقيق الاتصال الجغرافي بين منطقتَي درع الفرات غربي الفرات ونبع السلام شرقي الفرات، وبالتالي تصبح مناطق المعارضة السورية ممتدة من ريف رأس العين بريف الحسكة الشمالي شمال شرقي سوريا وحتى منطقة جبل الزاوية جنوبي إدلب شمال غربي سوريا، وهو امتداد هائل سيكون له آثار إيجابية من الناحية الديموغرافية والسياسية والعسكرية.
كما أن لعين العرب/ كوباني رمزية كبيرة لدى تنظيم وحدات الحماية، وأهميتها لا تقلّ عن أهمية عفرين في أدبيات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وخسارتها لصالح المعارضة وتركيا ستؤثر حتمًا على الوحدات في المنطقة، وبشكل خاص في منبج التي ستكون شبه محاصرة.
كما قالت مصادر عسكرية معارضة لموقع “نون بوست” إن “التهيئة لأي عملية عسكرية بدعم تركي شمالي سوريا تحتاج إلى الكثير من الوقت، وهذا ما خبرناه من العمليات السابقة، كدرع الفرات وغصن الزيتون، تركيا تحاول دائمًا توفير غطاءً سياسيًّا لأي تحرك ميداني، لذا من المبكّر تحديد الوجهة المفترضة للعملية العسكرية التي قد نشهد مقدماتها في الميدان كزيادة التصعيد البرّي والجوّي، وزيادة متوقَّعة في توتُّر الجبهات”.