توالت في الفترة الأخيرة، تصريحات المسؤولين الجزائريين التي تفيد بوجود خطر خارجي يهدد البلاد ويسعى إلى بث الفوضى فيها، خطر تشارك فيه العديد من الدول منها من سمتها بالاسم ومنها من لمحت لها فقط دون أن تفصح صراحة عنها، لكن الجميع يعلم من هي.
هذا الأمر جعل العديد من المتابعين يتساءلون عن سر هذه التهديدات، خاصة أنها جاءت بصفة متواترة: هل هي جدية أم مجرد محاولة من النظام للتنفيس عن نفسه نتيجة فشله في الاستجابة لانتظارات شعبه وشرعنة وجوده؟
تهديدات كثيرة
آخر هذه التهديدات تمّ الإعلان عنها أمس، إذ أفادت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أن أجهزة الأمن أحبطت هجمات مسلحة كانت تخطط لها “الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل” (الماك) الانفصالية بمساعدة متواطئين في الخارج.
الوكالة أوردت بيانًا صادرًا عن المديرية العامة للأمن الوطني جاء فيه أن “مصالح الأمن الوطني تمكنت، بحر الأسبوع الجاري، من تفكيك نشاط جماعة إجرامية تنتمي إلى المنظمة الإرهابية (الماك)، تنشط على مستوى ولايات تيزي وزو وبجاية والبويرة، مع توقيف 17 مشتبهًا بهم”.
وأشار البيان إلى أن الموقوفين “كانوا بصدد التحضير للقيام بعمليات مسلحة، تستهدف المساس بأمن البلاد والوحدة الوطنية، وذلك بتواطؤ أطراف داخلية تتبنى النزعة الانفصالية”، واعترف هؤلاء أنهم كانوا “على تواصل دائم مع جهات أجنبية عبر الفضاء السيبرياني، تنشط تحت غطاء جمعيات ومنظمات للمجتمع المدني متواجدة بالكيان الصهيوني ودولة من شمال إفريقيا”.
كما كشف البيان عن “حجز وثائق ومستندات دالة على اتصالات مستمرة مع مؤسسات الكيان الصهيوني، أسلحة وعتاد حربي، رايات ومناشير تحريضية خاصة بالمنظمة الإرهابية الماك”.
تكرّر الاتهامات بوجود تهديدات تستهدف الجزائر، ليس بمحض الصدفة، فالأكيد أنه يوجد تهديد جدّي يواجه نظام الجزائر وشعبها
تطالب حركة “ماك“- التي تصنفها الجزائر حركة إرهابية – باستقلال منطقة القبائل التي يسكنها الأمازيغ، في حين يرى النظام أنها حركة انفصالية، وبدأ مطلب حركة “ماك” التي ترأسها فرحات مهني، بالدعوة إلى إقامة حكم ذاتي في المنطقة، قبل أن يتطور إلى مطلب انفصال تام عن الجزائر، لكن حضورها ضعيف في أوساط الجزائريين حتى في منطقة القبائل.
ذكرت الجزائر الكيان الصهيوني بالاسم لكنها لم تذكر اسم الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، لكن جميع المتابعين يعلمون أن الجزائر تقصد الجارة الغربية المغرب، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي تتهم فيها الجزائر المغرب بالسعي لضرب استقرارها.
ففي أغسطس/آب الماضي، قطعت السلطات الجزائرية علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب وقررت سحب سفيرها من العاصمة الرباط، بالتزامن مع ذلك اتهم وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة المغرب بـ”شن حملة إعلامية دنيئة ضد بلاده والتعاون مع منظمات إرهابية ثبت ضلوعها في الجرائم الشنيعة المرتبطة بالحرائق والتجسس على مواطنين ومسؤولين جزائريين باستعمال برنامج بيغاسوس الإسرائيلي والتخلي عن التعهدات بشأن الصحراء الغربية”.
كشف مؤامرة ضد #الجزائر من عناصر من الماك
من يسخر من أخبار مثل هذه إما جاهل أو حاقد?
كل مرة نسمع عند الجيران أخبار بتفكيك خلايا إرهابية لا وجود لها إلا بمخيلتهم وعندما نكشف عن مؤامرات حقيقية نجد تعليقات ساخرة!!
الجزائر أكثر دولة تتعرض للمؤامرات فهي كانت ولا زالت محل أطماع الجياع pic.twitter.com/ixjsuo8UNv
— فطوم?? الجزائرية 2️⃣ (@fatooma_dz2) October 13, 2021
كما قال رمطان لعمامرة إن المغرب “جعل من ترابه الوطني قاعدة خلفية ورقبة للتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد الجزائر”، في إشارة إلى الاتهامات الباطلة والتهديدات الضمنية التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارة رسمية للمغرب بحضور نظيره المغربي.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، قد أعرب من المغرب، عن قلق “إسرائيل” مما قال إنه دور الجزائر في المنطقة وتقاربها الكبير مع إيران، وهاجم لابيد الجزائر بسبب شنها حملة مع دول عربية أخرى، ضد قرار الاتحاد الإفريقي، قبل أيام، قبول “إسرائيل” بصفة مراقب في المنظمة القارية.
قبلها بشهر، اتهمت الجزائر المغرب بالتآمر عليها وعلى وحدتها الترابية، بعد حديث الرباط عما وصفته “حق الشعب القبائلي في تقرير مصيره”، واتهمت الجزائر الرباط بـ”دعم الجماعات الإرهابية التي تسببت في إراقة دماء الجزائريين خلال العشرية السوداء”.
الجزائر تحت الأنظار
تكرّر الاتهامات بوجود تهديدات تستهدف الجزائر، ليس بمحض الصدفة، فالأكيد أن ثمة تهديد جدّي يواجه نظام الجزائر وشعبها، فليس من السهل أن يخرج مسؤولون رفيعو المستوى على غرار الرئيس ووزير خارجيته، للحديث على الملأ عن هذه التهديدات.
عديدة هي الدول والجهات التي قد لا تريد خيرًا للجزائر وتسعى جاهدة للإيقاع بها وبث الفوضى والعنف فيها، فقد حظيت الجزائر منذ الاستقلال بمكانة إقليمية مهمة، اكتسبتها بفضل كفاحها من أجل الاستقلال ومساعدة حركات التحرر في إفريقيا، فهي رقم مهم في المعادلة الإقليمية، لعدة اعتبارات، منها أنها اكبر دولة في إفريقيا، كما أنها بلد يمتلك ثروة نفطية مهمة، وكذلك تعتبر بوابة إفريقيا نحو أوروبا، وتملك جيشًا قويًا مجهزًا بأفضل الوسائل الحربية.
رغم تراجع هذه المكانة بصفة ملحوظة في السنوات الأخيرة نتيجة سياسة الجزائر الاقتصادية الانعزالية وتواري قادة البلاد عن الأنظار وغيابهم عن المنتديات الدولية، فإن الجزائر ما زالت تحت الأنظار ويُخشى منها.
تنفيس للنظام
صحيح أن الجزائر مُهدّدة، داخليًا وخارجيًا، لكن العديد من المتابعين يرون أن الاتهامات الموجهة للكيان الصهيوني ودولة المغرب الشقيقة مجرّد شماعة يتخذها النظام للتنفيس عن نفسه وشرعنة وجوده في ظلّ فشله في الاستجابة لمطالب الجزائريين العالقة منذ سنوات طويلة.
توجيه الاتهامات للمغرب بالخصوص وربط اسمه بدولة الاحتلال يهدف لخلق عدو خارجي لنظام يختنق من الداخل، فالمتحكمون في السلطة في حالة انهيار وهم على وشك تحويل الجزائر إلى دولة فاشلة، لذلك يلعبون بأوراق مكشوفة لإلهاء الشعب وتوجيهه عن أزماته الداخلية التي يعيشها.
نتيجة فشله في إيجاد بديل قد يحتوي الحراك، أحيا النظام الجزائري كلام التدخل الخارجي والتهديدات، وهو نفس التمشي الذي كان يعتمده نظام الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، فجماعة بوتفليقة كانوا أيضًا يستعملون عبارات التدخل الأجنبي والمؤامرة على وحدة البلد كوقود للتحكم في الأوضاع وإرهاب الشعب.
☆ تهديدات تبون?? بالحرب وما سبق ذلك من إجراءات معادية للمغرب?? .. والإعلان عن مخطط مغربي إسرائيلي ضد الجزائر.. يؤكد أن النظام العسكري يسعى لإشعال المنطقة.. فلنأخذ حذرنا من مجانين هذا النظام
— Mustapha Elasri المصطفى العسري (@MustaphaElasri9) October 13, 2021
هذه المصطلحات والاتهامات الجاهزة بقيت في الواجهة يلجأ إليها النظام كلّما وجد نفسه في مأزق، فالسلطة عوض أن تواجه الشعب بحلول لتحسين الأوضاع وإثبات نية التغيير الحقيقي اقتصاديًّا واجتماعيًّا، تلجأ للحل الأسهل وهو إلهاء الشعب بقضايا مفتعلة.
يرى العديد من الجزائريين أن العودة إلى خطاب التهديدات الخارجية، تأكيد على فشل النظام في استعاب مطالب الشعب، وإصرار على خلق قضايا ثانوية مقابل التغاضي عن مسائل أكثر أهمية على غرار التنمية والأمن الاجتماعي وتطور البلاد وكرامة الشعب.