ترجمة وتحرير: نون بوست
في 29 أيلول/ سبتمبر، عيّن الرئيس التونسي قيس سعيّد نجلاء بودن رمضان في منصب رئيسة الحكومة الجديدة للبلاد لتكون بذلك أول امرأة تشغل هذا المنصب في تونس والعالم العربي. ويأتي تعيين نجلاء بودن في أعقاب الأزمة السياسية التي أثارها قيس سعيّد في أواخر شهر تموز/ يوليو عندما أقال رئيس الحكومة وجمّد البرلمان، تلاه إصدار المرسوم الرئاسي عدد 117 في 22 أيلول/ سبتمبر، الذي منح فيه نفسه سلطات استثنائية وأوقف معظم الضوابط على سلطته.
يعمل المستبدون العرب من خلال التظاهر بدعم حقوق المرأة على توجيه النقد بعيدا عن الحكم الاستبدادي. منذ اندلاع الربيع العربي قبل عقد من الزمان، حققّت تونس انتقالا ديمقراطيا ناجحا. لكن توصل بحثنا إلى أن “الغسيل الوردي” لا ينجح فقط مع المستبدين الذين يحاولون البقاء في السلطة وإنما تبين أيضًا أنه مفيد للسياسيين الذين يسعون لتقويض المؤسسات الديمقراطية.
تاريخ من الغسيل الوردي
استمر حكم أول رئيس لتونس، الحبيب بورقيبة، لمدة ثلاثة عقود جعل خلالها حقوق المرأة محور أجندته الحداثية حيث تبنى بعضًا من أكثر التشريعات تقدمًا في العالم العربي. وفي كتاب صدر مؤخرًا، تُظهر العالمة السياسية آيلي ماري تريب كيف نسج حكام آخرون في شمال إفريقيا على نفس المنوال وسعوا إلى إرساء الشرعية الدولية والمحلية من خلال دعم بعض الإجراءات المؤيّدة للمرأة.
خلال فترة السبعينات والثمانينات وحتى الألفية الثانية على التوالي، قدمت كل من جيهان السادات وسوزان مبارك نفسيهما كمدافعات عن حقوق المرأة – حتى مع تطاول أزواجهن على الحقوق المدنية والسياسية لجميع المواطنين المصريين، رجالًا ونساءً. وكان لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الفضل في إضفاء منح المرأة السعودية الحق في قيادة السيارة في سنة 2018 – وهو نفس العام الذي زعمت فيه وكالة المخابرات المركزية أنه أمر باغتيال الصحفي في “واشنطن بوست” جمال خاشقجي.
كانت استراتيجية تأييد حقوق المرأة أحد سبل جعل الاستبداد مقبولا أكثر لدى الحلفاء الغربيين، وتهدئة الأصوات الليبرالية محليًا، وتشويه سمعة المعارضة الإسلامية. وكانت حجة هؤلاء المستبدين أن التحرر السياسي والديمقراطية يمكن أن يوصل الإسلاميين إلى السلطة، الذين لن يتوانوا عن تجريد النساء من حقوقهن وتهميشهن وإقصائهن من الحياة العامة. وعلى هذا النحو، يروّجون إلى أن نوع السلطوية الذي يتبنونه يحمي حقوق المرأة.
كيف يستخدم “الغسيل الوردي” في الديمقراطيات؟
حتى في الديمقراطيات، يمكن أن تُستخدم حقوق المرأة لتجميل الوجه القبيح للسياسات غير الديمقراطية، وهي غاية يبدو أن تعيين نجلاء بودن رمضان الآن قد يخدمه.
في بحثنا المستمر الذي يتضمن دراسات استقصائية واسعة النطاق أجريت في ألمانيا وإسرائيل والولايات المتحدة، وجدنا أن المشاركين يرون أن سياسات تقويض الديمقراطية – بما في ذلك السياسات التي تهدف إلى إضعاف الضوابط والتوازنات في السلطة التنفيذية – تكون سياسات “ذكورية” بشكل خاص. ويبدو أن القوالب النمطية للجنسين لا تنطبق على الأفراد فحسب، بل تشمل أيضًا الأحزاب وحتى الأجندات السياسية.
في العديد من تجارب الاستطلاع، أردنا أن نرى ما إذا كانت التصورات عن نفس السياسات ستتغير إذا ما قدمتها امرأة وليس رجلا. وأردنا أن نرى ما إذا كانت الأحزاب الاستبدادية النموذجية في مختلف أنحاء العالم والتي كانت سياساتها تعمل على تقويض المؤسسات الديمقراطية قد تضع المرأة في مركز الصدارة لتلميع صورتها وجعل سياساتها مقبولة أكثر من قبل الجمهور. والإجابة باختصار هي نعم.
اختبار النظرية
في دراستنا الأولى المنشورة حول هذا البحث (سننشر المزيد في المستقبل القريب)، ركزنا على تجربتنا الاستقصائية في إسرائيل التي تضمنت عينة تمثيلية على الصعيد الوطني من حوالي 500 يهودي إسرائيلي. تم اختيار المشتركين بشكل عشوائي لقراءة منشور على فيسبوك إما من قبل سياسية أو سياسي يقترح سياسة مناهضة للديمقراطية – وعلى وجه التحديد التشريع الذي سعى إلى كبح صلاحية المحكمة العليا الإسرائيلية على مراقبة السلطة التنفيذية. وكانت لغة النص في كل حالة متطابقة باستثناء الضمير السياسي.
وبالفعل، كان المشاركون ولا سيما النساء – وبغض النظر عن توجههم السياسي – عندما يقرأون أن امرأة اقترحت مشروع القانون، أكثر ميلا لدعم هذه السياسة مقارنة بالمشاركين الذين يجدون أن المنشور يعود لرجل. لكن لماذا؟
لقد طلبنا من المشاركين تقييم السياسي الذي يقترح القانون بناء على عدة جوانب تتعلق بالقوالب النمطية الجنسانية. في المتوسط، صنف المشاركون الذين قرأوا منشور المرأة على أنها “أكثر لينا”. بعبارة أخرى، طبقوا القوالب النمطية الجنسانية على المرأة حتى لو كانت سياسية.
كان الليبراليون وبغض النظر عن الجنس، أكثر ميلا لقبول السياسات المناهضة للديمقراطية عند تقديمها من قبل سياسية (وليس سياسي)، وذلك لأنهم رأوا أن المرأة السياسية أكثر “ليبرالية”
لكن تجدر الإشارة إلى أن السياسات المناهضة للديمقراطية يُنظر إليها باعتبارها سياسات ذكورية بشكل مبالغ فيه. ومع مراعاة ذلك، يمكننا أن نفهم كيف يمكن للأنوثة المتصورة لدى سياسيّة أن تؤثر على نظرة الناس إلى الرسالة التي تقوض الديمقراطية وتجعلهم يعتقدون أنها أقل حدة، بينما تكون أكثر وضوحًا في حال كانت تعكس أجندة ذكورية وهو ما يدفع جمهورا أوسع نطاقا إلى رفضها.
عموما، ما زلنا نحلل نسخا أكبر من هذه التجربة الاستقصائية، التي أجريت في إسرائيل وألمانيا والولايات المتحدة. ولكن النتائج الأولية تشير إلى نمط مماثل. فقد كان المشاركون، ولا سيما الليبراليين وبغض النظر عن الجنس، أكثر ميلا لقبول السياسات المناهضة للديمقراطية عند تقديمها من قبل سياسية (وليس سياسي)، وذلك لأنهم رأوا أن المرأة السياسية أكثر “ليبرالية” – وهي صورة نمطية جنسانية أخرى حول المرأة في السياسة.
التداعيات
تشير هذه الدراسات إلى أن “الغسيل الوردي” ربما يكون أداة فعالة في إضفاء بعض الشرعية على السياسات التي تقوض الديمقراطية، حتى في مختلف أنواع الديمقراطيات. وتساعد القوالب النمطية النسوية في التخفيف من وطأة السياسات الذكورية المناهضة للديمقراطية.
رغم اختلاف الأنظمة السياسية في كل من إسرائيل وألمانيا والولايات المتحدة وتونس، إلا أن النظر إليها معًا يمثل تحذيرًا. فالرئيس التونسي لم يتبن ببساطة استراتيجية طويلة الأمد لطالما اعتمدها المستبدون التونسيون والعرب لإضفاء الشرعية على حكمهم، بل يبدو أيضا أنه يتبع أسلوبًا مستوحى من دليل “التدهور الديمقراطي”. ولن يضمن تعيين امرأة في منصب رئاسة الحكومة التمثيل السياسي للمرأة أو الديمقراطية التونسية. بل على العكس من ذلك، يمكن أن يساعد ذلك في إضفاء الشرعية على سياسات تقويض الديمقراطية.
المصدر: واشنطن بوست