أثار التصعيد العسكري الأخير لوحدات حماية الشعب الكردية “ypg” ضد المعارضة السورية والجيش التركي في ريف حلب الكثير من التساؤلات عن القدرات العسكرية للوحدات في المنطقة، وذلك من ناحية الأعداد والعتاد الحربي ومواقع انتشارها، كما يطرح أداء الوحدات المستجد تساؤلًا بارزًا عن شكل تحالفاتها مع المليشيات الإيرانية المتمركزة في المنطقة، وتحالفها مع القوات الروسية التي تتموضع في عدد من المواقع أهمها كتيبة تل عجار غربي تل رفعت وعلى جانب الطريق الدولي حلب-غازي عنتاب في ريف حلب الشمالي.
تحالفات مبكرة
العلاقة بين وحدات الحماية والمليشيات الإيرانية في محافظة حلب شمالي سوريا ليست جديدة، فقد بدأت فعليًا منذ عام 2012، أي بعد فترة وجيزة من دخول الفصائل المعارضة إلى الأحياء الشرقية في حلب، حينها تحصنت الوحدات في أحياء الأشرفية والشيخ مقصود وأجبرت مضطرة على التعاطي بإيجابية مع المعارضة التي كانت في أوج قوتها وتتمركز في محيط الأحياء التي تتمركز فيها، لكنها، أي الوحدات، سرعان ما انقلبت على المعارضة وتحالفت بشكل علني مع قوات النظام والمليشيات الإيرانية التي بدأت تتشكل بكثافة بحلب في الفترة بين عامي 2012 و2013.
وبعد سلسلة طويلة من المواجهات بين الوحدات والفصائل المعارضة في الأحياء الشرقية بحلب، اشتركت الوحدات التي كان الجزء الأكبر من تسليحها يأتي من المليشيات الإيرانية في المعركة الكبيرة التي أطلقها النظام أواخر العام 2016 بدعم جوي روسي ونتج عنها سيطرته الكاملة على الأحياء الشرقية في المدينة وخروج المعارضة منها، كانت الوحدات تقاتل على جبهات الأحياء الشمالية الشرقية المحيطة بأحياء الشيخ مقصود والأشرفية، وكانت شريكًا أساسيًا في غرفة العمليات البرية التي كان يقودها ضباط في “الحرس الثوري” و”حزب الله اللبناني”.
قبل اشتراكها في معركة النظام والمليشيات الإيرانية للسيطرة على الأحياء الشرقية في حلب، قبضت الوحدات الثمن، وذلك في شهر فبراير/شباط من العام 2016 عندما تمددت من مواقع سيطرتها في منطقة عفرين مستفيدة من التغطية الجوية الروسية إلى مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، ونحو أكثر من 35 بلدةً وقريةً ومزرعةً وموقعًا عسكريًا، أهمها فافين وأحرص والأحداث وكفر صغير ومدرسة المشاة وتل سوسين وحاسين وأم القرى وأم حوش وحربل وقرامل والوحشية وكفرنايا والعلقمية ومنغ وغيرها، ونزح عن المنطقة أكثر من 250 ألف مدني يقيمون الآن في مخيمات قرب أعزاز القريبة من الحدود التركية شمالي حلب.
وفي منتصف العام 2016 زادت القرى التي تسيطر عليها الوحدات قرية جديدة وهي بلدة الشيخ عيسى الواقعة بين تل رفعت ومارع، وقد حصلت عليها مقابل السماح للمدنيين في مارع التي حاصرها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من ثلاث جهات في ذلك الوقت بالمرور نحو أعزاز شمالًا، حينها كانت الوحدات تطوق مارع من جهة الغرب.
في النصف الثاني من عام 2018 بدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين الوحدات من جهة والقوات الروسية والمليشيات الإيرانية من جهة ثانية في ريف حلب الشمالي، وبدأت مليشيا “قوات عفرين” تنفذ هجماتها مستفيدة من الذخائر والأسلحة التي تحصل عليها من القوات الروسية والنظام، وبشكل أكبر من المليشيات الإيرانية
وفي تلك الفترة، أي ما بعد فبراير/شباط 2016 أصبح للقوات الروسية قاعدة عسكرية كبيرة في كتيبة تل عجار، ونقطة تمركز أخرى في مطحنة الفيصل شمال غربي تل رفعت، وأصبحت مواقع الوحدات على تماس مباشر مع مناطق سيطرة المليشيات الإيرانية و”حزب الله” اللبناني في ريف حلب الشمالي، فالمليشيات الإيرانية كانت قد وصلت قبل فترة قصيرة إلى بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين شمالي حلب مغلقة الشريان الحيوي الأهم للمعارضة في الأحياء الشرقية بحلب، وبدا أنها تقاسمت السيطرة مع الوحدات شمالي حلب في اتفاق غير معلن.
وفي العام 2018 خسرت الوحدات منطقة عفرين بالكامل لصالح المعارضة والجيش التركي، واضطرت للانسحاب نحو مناطق سيطرتها في منطقة تل رفعت والقرى التي تسيطر عليها في ريف حلب الشمالي، وفي العام ذاته أسست الوحدات مليشيا أطلقت عليها اسم “قوات تحرير عفرين” وفرضت التجنيد الإجباري على النازحين من عفرين الذين توزعوا على القرى وعدد من المخيمات التي أُنشئت قرب فافين والأحداث وأحرص.
وفي النصف الثاني من عام 2018 بدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين الوحدات من جهة والقوات الروسية والمليشيات الإيرانية من جهة ثانية في ريف حلب الشمالي، وبدأت مليشيا “قوات عفرين” تنفذ هجماتها مستفيدة من الذخائر والأسلحة التي تحصل عليها من القوات الروسية والنظام، وبشكل أكبر من المليشيات الإيرانية التي تتمركز في نبل والزهراء وعدد من البلدات الواقعة على خط التماس مع الوحدات في المنطقة التي تعتبر مغلقة جغرافيًا بالنسبة للوحدات ومعزولة بشكل كامل عن مناطق سيطرتها في منبج بسبب سيطرة قوات النظام على المنطقة الواقعة بين ريفي الباب ومنبج شمال شرقي حلب.
القوات الروسية تدعم الوحدات
مرت العلاقة بين الوحدات والقوات الروسية بعدة مراحل، بعضها ساده التوتر وأخرى اتسمت بزيادة كبيرة في التنسيق بين الجانبين، وبدت الوحدات مطواعة للأوامر الروسية بشكل غير مسبوق منذ منتصف العام 2021، وذلك بعد أن هددت القوات الروسية بالانسحاب من قاعدتها في تل عجار وترك المنطقة لمصيرها أمام المعارضة والجيش التركي، وانسحب في ذلك الوقت جزء كبير من الآليات العسكرية الروسية من المنطقة، لكنها عادت في اليوم التالي، وبدا أن الوحدات خضعت للقوات الروسية بشكل كامل وباتت الأكثر نفوذًا في المنطقة، وهذا بطبيعة الحال على حساب تقلص نفوذ المليشيات الإيرانية.
لوحظ خلال الأشهر القليلة الماضية زيادة كبيرة في عمليات وحدات الحماية ضد المعارضة السورية والجيش التركي في جبهات ريف حلب الممتدة بين ريف عفرين الجنوبي الشرقي (غرب القاعدة الروسية في تل عجار) وصولًا إلى مشارف مدينة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي، ومرورًا بجبهات مارع وإعزاز وجبرين وغيرها.
وخلال هذه الفترة أعلنت “قوات عفرين” تبنيها لأكثر من 50 عمليةً هجوميةً ضد المعارضة وقواعد وآليات الجيش التركي في المنطقة، واستخدمت فيها بشكل كبير الصواريخ المضادة للدروع ومن طرازات متنوعة، وعبر عمليات التسلل، وبدا أن “قوات عفرين” حصلت على معدات عسكرية جديدة، من بينها معدات خاصة بالهجوم الليلي كالمناظير الحرارية والأسلحة القناصة.
الباحث في الشأن السوري محمد السكري يرى أن وحدات الحماية كغيرها من الفاعلين المحليين لا يمكن أن تتحرك بشكل منفرد، وإن تحركت يكون ذلك بغطاء روسي، ومعظم الهجمات التي شُنت هي بموافقة روسية، بل بدعم روسي، ومن الواضح أن موسكو زودت الأخيرة بأسلحة متطورة خلال الفترة السابقة.
أضاف السكري خلال حديثه لموقع “نون بوست” أن “روسيا أعطت الضوء الأخضر للوحدات لكي توسع هجماتها لتشمل وبكثافة مواقع ونقاط وجود الجيش التركي وتحركاته بالقرب من خطوط التماس، وهذا تطور كبير، فلا تستطيع الوحدات أن تُقدم على مثل هذه الخطوة منفردة، قد تستطيع الوحدات استهداف فصائل المعارضة وهذا هامش متاح لها سواء عبر الصواريخ أم عبر المفخخات، وهذا أمر اعتيادي، لكن حدة ونقاط وأهداف الهجمات الماضية تُنذر بأن هناك دفعًا روسيًا واضحًا”.
يضيف السكري “بكل تأكيد إيران تخشى من أي عملية عسكرية تركية لا سيما إن كانت في غرب الفرات وبالتحديد في تل رفعت بسبب انتشارها الكبير في مدن نبل والزهراء ومحيطهما لذلك هي تتخوف من اقتراب فصائل المعارضة، بالتالي إيران تدعم الوحدات سواء في مواجهة أي عملية عسكرية تركية محتملة أم بالشكل العام”.
شكل استهداف الوحدات لعربات شرطة المهام الخاصة التركية شمالي مدينة مارع في أكتوبر/تشرين الأول صدمة كبيرة لدى تركيا وذلك لعدة أسباب، أهمها: استخدام الوحدات لصواريخ مضادة للدروع أكثر تطورًا من تلك التي كانت تستخدمها عادة في هجماتها، فالصواريخ ضربت أهدافها على مسافة تزيد على 4 كيلومترات، كما أنها استهدفت موقعًا يقع على الطريق الواصل بين مارع جنوبًا وإعزاز شمالًا وهو بعيد نسبيًا عن مواقع الوحدات وبقي بعيدًا عن الرصد الناري للوحدات طيلة الفترة الماضية.
وهذا ما أثار الشكوك عن تزويد القوات الروسية للوحدات بأسلحة متطورة خصصت لاستهداف الجيش التركي في المنطقة، وهذه كانت من أقوى رسائل التصعيد الروسي للضغط على تركيا والمعارضة الذي بدأ منذ بداية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وزاد بشكل تصاعدي حتى الـ10 من شهر أكتوبر/تشرين الأول، كما تجسد التصعيد الروسي في عدة تحركات عسكرية، من بينها القصف البري المكثف والقصف الجوي الروسي الذي طال لأول مرة مارع وريف عفرين شمالي حلب، ومواقع قريبة من القواعد التركية في دارة عزة وجبل الزاوية.