“تضخمت قاعدة الحظر وأصبحت تُعرف بسياسة الأفراد والمنظمات الخطرة، وهي مجموعة شاملة من القيود المفروضة على ما يمكن أن يقوله نحو 3 مليارات من مستخدمي فيسبوك عن الكيانات التي تعمل خارج نطاق القانون”، هذا ما جاء في ترجمة التحقيق الذي نشره موقع “إنترسبت” الأمريكي بشأن “القائمة السوداء” التي أعدها موقع فيسبوك لملاحقة نشاط المستخدمين لديه ومراقبة ما ينشرونه.
“القائمة السوداء” التي نشرها موقع “إنترسبت”، تتكون من 100 صفحة تضم أفرادًا ومنظمات وجمعيات خيرية صنفتها شركة فيسبوك “بالخطيرة”، وكان فيسبوك قد رفض في أكثر من مناسبة نشر القائمة لأنها حسب ما يقول “تُعرض موظفيه للخطر وتسمح للكيانات المحظورة بالتحايل على السياسة”.
صحيح أن هذه القائمة تضم تنظيمات مثل القاعدة وحزب الله وغيرها، إلا أنها تستهدف أيضًا جمعيات خيرية ومنظمات عربية وإسلامية وفصائل معتدلة، أضف إلى ذلك أن “فيسبوك” يتغاضى حقيقة عن شخصيات ومنظمات تمارس الإرهاب الحقيقي وكل ذلك حسب سياسته وقواعد النشر فيه.
وفي السياق يقول النقاد وفقًا لما نقله “إنترسبت”: “كما هو الحال مع المحاولات الأخرى لتقييد الحريات الشخصية باسم مكافحة الإرهاب، أصبحت سياسة الأفراد والمنظمات الخطرة في فيسبوك نظامًا غير خاضع للمساءلة يُعاقب مجتمعات معيّنة بشكل غير متناسب”.
سياسة متسقة مع سياسة واشنطن
وفقًا للتقرير فإن سياسة “الأفراد والمنظمات الخطرة” على فيسبوك أصبحت نظامًا “غير خاضع للمساءلة يضيق الخناق على مجموعات دون أخرى”، وأسفرت هذه السياسة عن “القائمة السوداء” التي تضم أكثر من 4 آلاف شخص ومجموعة، بما في ذلك السياسيين والكتاب والجمعيات الخيرية والمستشفيات والشخصيات التاريخية التي ماتت منذ زمن طويل.
تم تقسيم القائمة إلى 3 فئات تضم الكراهية والجريمة والإرهاب وحركات اجتماعية عسكرية وعنف من غير الدول، كما تم تنظيم هذه الفئات.
القسم الأول لا يسمح للمستخدم أن يقول أي شيء يمكن أن يفسر على أنه مدح أو دعم عن الجماعات والأفراد
معظم الأسماء التي وردت في القائمة عن فئة “الإرهاب” كان مصدرها إدارة الولايات المتحدة، إضافة إلى وجود ما يقرب من 1000 شخصية ومنظمة في قائمة “الإرهاب الخطير” هي جزء من قائمة عقوبات تحتفظ بها وزارة الخزانة الأمريكية التي أنشأها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش إبان هجمات 11 سبتمبر 2001.
أغلب الأسماء الواردة تأتي من المناطق والمجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، ويعتبر فيسبوك المسلمين الأكثر خطورة كما تعتبرهم الولايات المتحدة، وأكد التقرير أن “القائمة تعكس تصورًا أمريكيًا عن الخطر”.
وفقًا للتقرير فإن “القائمة واللوائح المرتبطة بها تشكل تجسيدًا واضحًا للمخاوف الأمريكية والسياسات الخارجية المتبعة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، رغم أن سياسة الأفراد والمنظمات الخطرة تهدف أساسًا إلى حماية جميع مستخدمي فيسبوك، وينطبق ذلك على المستخدمين من خارج الولايات المتحدة، ويعتبر جل المدرجين في القائمة أعداءً للولايات المتحدة أو حلفائها: أكثر من نصفهم مصنفون كإرهابيين أجانب، وتخضع المنشورات والنقاشات حولهم لرقابة صارمة من فيسبوك”.
تقسيمات
تقسم “القائمة السوداء” إلى فئات: (كراهية، جريمة، إرهاب، حركات اجتماعية مسلمة، فاعلو عنف من غير الدول)، وتم وضعها في 3 أقسام ولا يسمح لأي شخص أو جماعة يوجد اسمها في هذه القائمة باستخدام فيسبوك، لكن التقسيم يحدد ما يجب على بقية المستخدمين قوله عن الأسماء المحظورة.
فمثلًا القسم الأول لا يسمح للمستخدم أن يقول أي شيء يمكن أن يفسر على أنه مدح أو دعم عن الجماعات والأفراد، ويشتمل هذا القسم على فئات الكراهية والعنف والإرهاب، وتشتمل فئة العنف في هذا القسم على منظمات وأفراد أمريكية سود ولاتينيين، إلا أن الجماعات البيضاء المتطرفة عوملت في هذه القائمة بطريقة مخففة ووضعت في القسم الثالث.
تسرح دولة الاحتلال على مساحات الموقع لنشر الكراهية إضافة إلى تزوير التاريخ وغيره
القسم الثاني هو جماعات معارضة ومسلحة منها فصائل سورية معتدلة، ويمكن للمستخدمين الثناء على هذه الجماعات لكن في النشاطات التي لا علاقة لها بالعنف، ولا يسمح لهم إظهار دعم جوهري لها، أما القسم الثالث هو للجماعات التي لا تدعو للعنف لكنها تشارك في خطاب الكراهية، ويمكن للمستخدمين مناقشة نشاطات هذه الجماعة، ويضم الجماعات الاجتماعية ذات الميول الحربية، ومعظم الأسماء عليها جماعات متطرفة أمريكية وميليشيات معادية للحكومة.
ضد قضايا الشعوب
كان للشرق الأوسط نصيبٌ كبير من الأسماء والمنظمات والجمعيات المنشورة في “القائمة السوداء” التي يصنفها فيسبوك بأنها خطيرة، وبالاطلاع على هذه القائمة نجد ما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية وفصائل المعارضة السورية دون الإشارة إلى “إسرائيل” وإجرامها من قريب أو بعيد أو الإشارة إلى النظام السوري وتشكيلاته وعناصره، في دلالة واضحة على وقوف هذا الموقع بجانب مغاير لقضايا الشعوب المحقة.
في فلسطين صنف فيسبوك عددًا من التنظيمات والمؤسسات والشخصيات الوطنية الفلسطينية والمؤسسات بأنها “خطرة”، كما تتم مراقبة المنشورات التي تحتوي على صور أو عبارات ذات صلة بالإضافة إلى الأشخاص الذين يكتبونها وينشرونها، ومن بين المؤسسات والشخصيات المصنفة ضمن القائمة السوداء: “مؤسسة الأقصى، بنك الأقصى الإسلامي، مؤسسة الأقصى الدولية، تليفزيون الأقصى، مؤسسة القدس، البنك الإسلامي الدولي في غزة، عبد العزيز الرنتيسي، أبو أنس الغندور، بهاء أبو العطا، أحمد ياسين، أحمد جبريل، علي حسن سلامة، فتحي حماد، فتحي الشقاقي، جورج حبش، عزت الرشق، خالد مشعل، ليلى خالد، ماهر صلاح، محمود الزهار، محمود نزال، محمد الضيف، مهند الحلبي، أسامة حمدان، روحي مشتهى، صالح العاروري، إسماعيل ياسين، يحيى عياش، يحيى السنوار، زياد النخالة”.
يذكر أن موقع فيسبوك بدأ بحملة ملاحقة لناشري المحتوى الفلسطيني، إذ يحظر أو يحذر من ينشرون كلمات مثل “المقاومة، حماس، فلسطين”، وقامت حملات فلسطينية بالتنديد بهذه الأفعال التي تعتبر انتهاكًا لحرية التعبير والرأي ومصادرة الأفكار، كما عمل الناشطون الفلسطينيون على محاولات لتجاوز خوارزميات الفيسبوك بكتابة الكلمات بطريقة مقطعة أو دمج حروف عربية وإنجليزية للتحايل وعدم حذف المنشورات.
فيما تسرح دولة الاحتلال على مساحات الموقع لنشر الكراهية إضافة إلى تزوير التاريخ وغيره، ويتهم فلسطينيون، فيسبوك، بالانحياز خصوصًا بعد تعيينه إيمي بالمور المديرة العامة السابقة لوزارة القضاء الإسرائيلية ولوحدة السايبر الإسرائيلية، عضوًا في مجلس الإشراف العالمي للرقابة على محتوى ما ينشر في حسابات فيسبوك.
لم تشر القائمة التي أصدرها فيسبوك إلى شخصيات من النظام السوري أو المرتبطين به أو بجيشه
إلى سوريا، صنفت “القائمة السوداء” بعضًا من فصائل المعارضة السورية ضمن المنظمات “الخطيرة” من بينها الجيش السوري الحر وهو تجمع المنشقين عن جيش النظام الذين رفضوا القتال ضد الشعب! إضافة إلى الجيش الحر تم تصنيف الجبهة الشامية وجيش إدلب الحر وجيش العزة وجيش النصر ولواء ثوار الرقة وكتائب أبو عمارة وكتائب ثوار الشام كما ضمّت القائمة العميد أحمد رحال وهو ضابط متقاعد في صفوف المعارضة السورية، ويتنوع نشاط الرحال لكن أبرزه هو الظهور الإعلامي للتحليل والحديث عن الأوضاع السورية على بعض القنوات.
يذكر أن فيسبوك في عديد من الأحيان حارب المحتوى السوري الذي ينشره معارضون للنظام، فمثلًا عند استشهاد عبد الباسط الساروت منشد الثورة السورية وأحد الوجوه المشهورة في البلاد، تعمد فيسبوك، حذف العديد من المنشورات التي تنعي عبد الباسط الساروت، بحجة “مخالفة قوانين النشر” و”الإساءة لمعايير المجتمع” في المنصة الاجتماعية، وحذف الموقع العديد من منشورات من ينعون الساروت.
إضافةً إلى ذلك لم تشر القائمة التي أصدرها فيسبوك إلى شخصيات من النظام السوري أو المرتبطين به أو بجيشه، الجدير بالذكر أن كثيرًا من عناصر النظام السوري الموجودين على الموقع يصدرون منشورات تحض على القتل والكراهية إضافةً إلى الاحتفال بما يرتكبه النظام من مجازر وإبادة.