اليمن: حرب جديدة في الجنوب الغني بالنفط

ترجمة حفصة جودة
في أقل من شهرين، تمكنت قوات الحوثي من السيطرة على محافظة البيضاء جنوب غرب اليمن، فقد أفادت التقارير بطرد عناصر القاعدة في شبه الجزيرة العربية ومقاتلي القبائل السلفية والقوات الموالية للحكومة.
تحرك الحوثيون الآن إلى محافظة شبوة غرب اليمن، بذريعة ملاحقة عناصر القاعدة في شبه الجزيرة العربية، مع تراجع المزيد من القوات الحكومية وتجمعهم في قواعد عسكرية حول مدينة عتق عاصمة شبوة.
اتهمت العناصر الجنوبية القوات الحكومية التابعة لحزب الإصلاح بتسليم الأراضي للحوثيين حيث احتشدوا لمواجهة قوات نخبة شبوة الجنوبية في جنوب شبوة.
بينما تتصدر انتصارات الحوثيين العناوين الرئيسية، فالصراع المتشكل في شبوة يهدد اتفاق الرياض لعام 2019 برعاية السعودية، وفتح جبهة حرب ثالثة في اليمن بجوار مأرب وساحل البحر الأحمر في جنوب اليمن.
يرى المجلس الانتقالي الجنوبي وحلفاؤه أن تراجع وإعادة انتشار القوات الموالية للحكومة في وسط شبوة التي تمتلك عدة حقول نفطية ومحطة الغاز الطبيعي المسال الوحيدة في البلاد لمواجهة الضغط الحوثي، تصعيد بانتهاك اتفاقية الرياض التي أُعيد الاتفاق بشأنها في ديسمبر/كانون الأول 2020.
تُضاف تحركات القوات الحكومية الأخيرة التي تسعى لتجد ملاذًا في شبوة إلى البيئة الهشة بما في ذلك الصراع بين جميع الأطراف بخصوص مصادر النفط
يرى الجنوبيون قوات الحكومة الشرعية لليمن – تحت حكم الرئيس عبد ربه منصور هادي – كامتداد لحزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وأن احتشادهم في شبوة شكل جديد من احتلال القوات الشمالية للجنوب.
جاء تحرك القوات الموالية للحكومة بعد انسحابها من البيضاء إلى غرب شبوة بعد أسابيع من التوتر الذي تشكل بسبب وجود قوات النخبة الشبوانية الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي في محطة الغاز الطبيعي المسال التي تسيطر عليها الحكومة في بلحاف، تُضاف تحركات القوات الحكومية الأخيرة التي تسعى لتجد ملاذًا في شبوة إلى البيئة الهشة بما في ذلك الصراع بين جميع الأطراف بخصوص مصادر النفط.
موارد الغاز والنفط
اعتمد نجاح اتفاقية الرياض في 2019 في الحد من التوترات بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي المتمركزة في الشمال على خفض التصعيد عبر المحافظات الجنوبية وضم القوات الجنوبية لوزارتي الدفاع والداخلية اللتين يهيمن عليهما الشمال، كما تضمنت انسحاب القوات الحكومية من محافظتي أبين وشبوة لتجنب المواجهات غير المقصودة مع قوات الأمن الجنوبية المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الأمن الجنوبية، فإن اتفاقية الرياض تهدف أيضًا إلى تقييد استخدام حزب الإصلاح لقيادة وهيكلية القوات المسلحة التابعة للحكومة في تعزيز وتأمين مصالح الحزب، مثل الوصول إلى موارد الغاز والنفط، بالنسبة للإصلاح فذلك أفضل من محاربة قوات الحوثي بجانب التحالف الذي تقوده السعودية لاستعادة الشرعية.
إن طبيعة الصراع المتشكل في شبوة ليس صراعًا بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي هو جزء منها، لكنه صراع بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح.
يتضمن القتال في شبوة الوصول إلى ملاذ آمن وموارد طبيعية ووصول مباشر إلى البحر بالإضافة إلى الأرض
يتمركز التنافس بين حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي الآن في شبوة، حيث تضم تلك المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط والغاز محطة غاز طبيعي مسال كبيرة وخطوط أنابيب نفط من مأرب إلى خليج عدن في محطة بلحاف للغاز الطبيعي المسال وموانئ قطان وبير علي.
تجزأت المنطقة بشدة وفقًا لأسس قبلية، تلك البيئة التي تسهل علاقات المحسوبية مع القوى الإقليمية ذات النفوذ، يتضمن القتال في شبوة الوصول إلى ملاذ آمن وموارد طبيعية ووصول مباشر إلى البحر بالإضافة إلى الأرض.
هذا الموقع الجغرافي لشبوة يجعلها منطقة مرغوبة بشدة، فمن الغرب تتشارك شبوة الحدود مع أبين والبيضاء وفي الشمال مأرب وحضرموت في الشرق، تملك شبوة ساحل يبلغ طوله 160 كيلومترًا.
يمر أهم خط أنابيب للغاز الطبيعي المسال في اليمن من حقول الغاز في مأرب عبر جردان والروضة (شرق عتق) وميفعة إلى شركة توتال الفرنسية للغاز والنفط التي تدير محطة الغاز الطبيعي المسال اليمنية في بلحاف على ساحل خليج عدن.
احتكار الموارد
تعد محطة بلحاف أكبر استثمار أجنبي على أرض اليمن، وقد وقع تأمينها في يد الإمارات – عضو في التحالف بقيادة السعودية – بعد تحرير المحافظة من القوات الحوثية في 2015، كانت المنشآت في بلحاف مركزًا للصراع بين الإصلاح والإمارات منذ تطهير المحافظة من قوات الحوثيين، وتصاعدت مع تسليم الإمارات المسؤوليات الأمنية إلى قوات نخبة شبوة قبل انسحاب القوات الإماراتية في 2019.
تعد بلحاف ذات أهمية للبنية التحتية الاقتصادية في اليمن، وكان أمن المحطة على قائمة أولويات التحالف بقيادة السعودية وقوات الجنوب المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، قبل بداية الحرب في مارس/آذار 2015 أعلنت شركة توتال الفرنسية للغاز والنفط عن “قوة قاهرة” في المحطة بسبب تزايد التهديدات الأمنية ضد المنشأة والموظفين.
لم تكن تهديدات القوات الحوثية مصدر القلق الوحيد للتحالف أو المجلس الانتقالي الجنوبي، فقد شنت عناصر القاعدة هجمات على بلحاف مؤخرًا في أبريل/نيسان 2021، وبينما يستهدف محافظ شبوة محمد صالح بن عديو – التابع لحزب الإصلاح – وأتباعه الإمارات كقوة احتلال في بلحاف، فإن جماعة المستشاريين العسكريين التابعين للتحالف ما زالوا مصدر دعم لقوات نخلة شبوة وسط تصاعد نشاط القاعدة منذ طردها من محافظة البيضاء من قوات الحوثيين هذا العام.
لم تتمكن الحكومة اليمنية من تحقيق تعهدها عام 2020 بزيادة إنتاج الطاقة بنسبة 25% نتيجة تدهور الأمن في مأرب وشبوة، أدى انعدام الاستقرار في شبوة وتصاعده بسبب تدفق ميليشيات القاعدة وتجمع القوات التابعة للإصلاح حول عتق بعد انساحبها من البيضاء وغرب شبوة، إلى تصاعد التوترات بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الإصلاح.
الملاذ والمواجهة
ساهم افتتاح ميناء قنا قرب ثالث أهم محطة لتصدير النفط في اليمن في بير علي، في هذه التوترات، فقد ادعى المجلس الانتقالي الجنوبي أن قنا ما زالت خارج سلطة وزارة النفط، واتهم المجلس الانتقالي الجنوبي التابعين للإصلاح بتهريب آلاف البراميل من النفط الخام عبر قنا الخاضعة لسيطرة الإصلاح، يعد تأمين تدفق الطاقة في شبوة أمرًا ضروريًا للمصالح الاقتصادية لجميع اليمنيين بمن فيهم أطراف الصراع.
خسرت القوات الحكومية مساحة كبيرة من الأراضي لصالح الحوثيين هذا الصيف في محافظات البيضاء وتعز ومأرب، وبسبب الانقسام داخل القوات العسكرية لحكومة هادي، فإن معظم القوات التي فقدت تلك الأراضي مرتبطة بحزب الإصلاح ونائب الرئيس علي محسن الأحمر.
اليمن بحاجة إلى مزيد من الانتباه لمحافظات الجنوب إذا كانت ترغب في رؤية أي تقدم في مسار السلام الذي تقوده الأمم المتحدة
ساهم تركز القوات في شبوة بشكل مباشر في الصراع بين الإصلاح المجلس الانتقالي الجنوبي، خلال العامين الماضيين، كان الانفصاليون الجنوبيون في المجلس الانتقالي الجنوبي بشبوة في طليعة المعارضين للإصلاح والقوات الحكومية في المحافظة.
حذر المجلس الانتقالي الجنوبي من النهج ثقيل الوطأة لمحافظ شبوة التابع لحزب الإصلاح باستخدام قوات الأمن والجيش لقمع الاحتجاجات في المحافظة، ما أثار الشكاوى ضد السعودية بشأن استهداف مسؤولي المجلس الانتقالي الجنوبي في شبوة.
جرائم ضد المدنيين
يغذي حدة التنافس في شبوة بين الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي قادة مثل عبد الرحمن المصري – صحفي وضابط توجيه معنوي في الجيش الموالي للحكومة -، أدى ذلك إلى حملة جديدة للمجتمع المدني تسلط الضوء على الجرائم التي ترتكبها القوات التابعة للإصلاح في شبوة ضد المدنيين.
سيستمر فشل حكومة هادي في معالجة التوترات في شبوة بالتسرب إلى الشوارع وتصاعد الحرب الإعلامية بين الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي، ما يجعل الأطراف أقرب للاشتباكات المسلحة المباشرة.
لا يزال التركيز الدولي منصبًا على الوضع في مأرب، لكن اليمن بحاجة إلى مزيد من الانتباه لمحافظات الجنوب إذا كان يرغب في رؤية أي تقدم في مسار السلام الذي تقوده الأمم المتحدة.
سيضر انهيار اتفاقية الرياض – التي تركز بشكل أساس على التوترات المتصاعدة بين الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي – باحتمالات الحد من تصاعد العنف وترسيخ السلام، هذه التوترات المتصاعدة في شبوة ستضعف موقف الحكومة وتمنح الحوثيين المزيد من الفرص للاستفادة من التنافس بين الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي لصالحهم.
المصدر: ميدل إيست آي