ترجمة وتحرير: نون بوست
سيجتمع قادة العالم الشهر المقبل في قمة مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021، والهدف المُعلن هو تحديد مسار للتخلص من الانبعاثات الكربونية بشكل كامل بحلول سنة 2050. وبينما يستعد المجتمعون للتعهد ببذل جهود أكبر في هذا المسار الذي بدأ قبل 30 سنة، تتكشف المزيد من التحديات أمام التحوّل نحو الاعتماد التام على الطاقات البديلة.
منذ أيار/ مايو، ارتفعت أسعار سلة النفط والفحم والغاز بنسبة 95 بالمئة. وقد أعادت بريطانيا، الدولة المضيفة للقمة، تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، ووصلت أسعار البنزين الأمريكي إلى 3 دولارات للغالون، وزادت معدلات انقطاع التيار الكهربائي في الصين والهند، وذكّر فلاديمير بوتين أوروبا للتو بأن إمداداتها من الوقود تعتمد على السياسات الروسية.
وتُذكّر حالة الذعر الحالية عالميا بأن الحياة الحديثة تحتاج إلى طاقة وفيرة، وبدون طاقة كافية، ستصبح الفواتير باهظة الثمن وتتجمد المنازل من البرد ويتوقف الاقتصاد. كما كشفت حالة الذعر عن مشاكل عميقة مع تحول العالم إلى الطاقات غير الملوثة، بما في ذلك الاستثمار غير الكافي في مصادر الطاقة المتجددة وبعض أنواع الوقود الأحفوري الانتقالي، وتنامي المخاطر الجيوسياسية وهشاشة أسواق الطاقة. وبدون إصلاحات سريعة، سيكون هناك المزيد من أزمات الطاقة، وربما ثورات شعبية ضد سياسات التغير المناخي.
بدت فكرة نقص إمدادات الطاقة سخيفة سنة 2020 عندما انخفض الطلب العالمي بنسبة 5 بالمئة، وهي أكبر نسبة انخفاض منذ الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى خفض تكاليف صناعة الطاقة. لكن مع عودة الاقتصاد العالمي إلى طبيعته، ارتفع الطلب، مع انخفاض المخزونات بشكل خطير. بلغت مخزونات النفط 94 بالمئة من مستواها المعتاد، بينما بلغت نسبة تخزين الغاز في أوروبا 86 بالمئة، والفحم في الهند والصين أقل من 50 بالمئة.
الغاز هو نقطة الضغط الرئيسية. تحتاج العديد من الدول، لا سيما في آسيا، إلى أن تعتمد على الغاز في عشرينيات وثلاثينيات القرن الحالي
أصبحت الأسواق معرضة للصدمات وللتقلبات بسبب الطبيعة غير الثابتة لبعض مصادر الطاقة المتجددة. وتشمل تلك التقلبات متطلبات الصيانة الروتينية والحوادث وقلة الرياح في أوروبا والجفاف الذي أدى إلى انخفاض إنتاج الطاقة الكهرومائية في أمريكا اللاتينية والفيضانات التي أعاقت شحنات الفحم في آسيا.
ورغم كل ذلك، قد ينجو العالم من ركود حاد بسبب نقص إمدادات الطاقة، من خلال حل الأزمات وتعزيز روسيا ودول الأوبك -على مضض- إنتاج النفط والغاز. غير أن التكلفة ستكون ارتفاع معدلات التضخم وتعثر الانتعاش الاقتصادي، والمزيد من المشاكل الأخرى المتوقعة.
هناك ثلاث مشاكل تلوح في الأفق. أولا، يبلغ الاستثمار في الطاقة نصف المستوى المطلوب لتلبية الطموح للوصول إلى صافي صفر من الانبعاثات بحلول سنة 2050. يجب أن يرتفع الإنفاق على مصادر الطاقة المتجددة، كما يجب تقليص العرض والطلب على الوقود الأحفوري دون خلق فجوات خطيرة.
يلبي الوقود الأحفوري 83 بالمئة من الطلب على الطاقة الأولية عالميا، والمطلوب هو تقليص هذه النسبة إلى الصفر. يجب أن يتحول الطلب على الفحم والنفط إلى الغاز، حيث يسبب الغاز أقل من نصف انبعاثات الفحم. لكن العراقيل القانونية وضغط المستثمرين والخوف من اللوائح أدى إلى تراجع الاستثمار في الوقود الأحفوري بنسبة 40 بالمئة منذ سنة 2015.
الغاز هو نقطة الضغط الرئيسية. تحتاج العديد من الدول، لا سيما في آسيا، إلى أن تعتمد على الغاز في عشرينيات وثلاثينيات القرن الحالي بشكل مؤقت بدلا من الفحم، قبل تكثيف الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. تستورد معظم الدول الغاز الطبيعي المسال، وهناك عدد قليل جدا من المشاريع قيد التنفيذ. وفقا لشركة “بيرنشتاين” للأبحاث، فإن النقص العالمي في الغاز الطبيعي المسال قد يرتفع من 2 بالمئة حاليا إلى 14 بالمئة بحلول سنة 2030.
أما المشكلة الثانية فهي جيوسياسية، حيث تتوقف الديمقراطيات الغنية عن إنتاج الوقود الأحفوري، وتعتمد على الإمدادات من الأنظمة الاستبدادية، بما في ذلك إمدادات الطاقة القادمة من روسيا. قد ترتفع حصة إنتاج النفط من دول الأوبك وروسيا من 46 بالمئة حاليا إلى 50 بالمئة أو أكثر بحلول سنة 2030. وتشمل روسيا مصدر 41 بالمئة من واردات أوروبا من الغاز، وسيزداد نفوذها مع انطلاق عمل خط أنابيب نورد ستريم 2 وتطوير الأسواق في قارة آسيا. الخطر الأكبر هو أن يقرر بوتين تخفيض الإمدادات.
المشكلة الأخيرة هي المشاكل الهيكلية في أسواق الطاقة. بسبب رفع القيود منذ تسعينيات القرن الماضي، تحولت العديد من الدول من صناعات الطاقة المتداعية التي تديرها الحكومات، إلى أنظمة مفتوحة يتم فيها تحديد أسعار الكهرباء والغاز من قبل الأسواق، ويتم توفيرها من قبل منتجين متنافسين يزيدون من حجم العرض إذا ارتفعت الأسعار. لكن المنتجين يكافحون للتعامل مع الواقع الجديد المتمثل في انخفاض إنتاج الوقود الأحفوري، وقيود التوريد، وزيادة حصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتقطعة.
وتعمل شركات الطاقة حاليا على توفير احتياجات المستهلكين عبر الإمدادات من سوق شديد التقلب.
الخطر هو أن الصدمة الحالية تبطئ وتيرة التغيير. وقد قال رئيس الوزراء الصيني هذا الأسبوع، إن تحول الطاقة يجب أن يكون “متوازنا”، في إشارة إلى استخدام الفحم لفترة أطول. يدعم الرأي العام في الغرب، بما في ذلك أمريكا، التحول نحو الطاقات النظيفة، لكن ارتفاع الأسعار قد يغيّر هذا التوجه، وتحتاج الحكومات إلى الاستجابة من خلال إعادة تصميم أسواق الطاقة.
يكمن الحل جزئيا في تسعير انبعاثات الكربون العالمية بشكل يساعد على خفض الانبعاثات ودعم الخاسرين في عملية التحول الطاقي
يجب أن تمتص المخازن تأثير النقص الحالي وتتعامل بشكل أفضل مع تقطع إمدادات الطاقات المتجددة. يجب على موردي الطاقة الاحتفاظ بمزيد من الاحتياطيات، تمامًا كما تحتفظ البنوك برأس المال. يمكن للحكومات دعوة الشركات لتقديم عطاءات للحصول على عقود إمداد بالطاقة الاحتياطية. ستكون معظم الاحتياطيات من الغاز، ولكن في النهاية يمكن أن تتولى تقنيات البطاريات والهيدروجين حل المشكل. المزيد من المحطات النووية وتخزين ثاني أكسيد الكربون سيكون أمرا حيويا للحصول على إمدادات ثابتة من الطاقة النظيفة.
يمكن أن يضعف تنوع العرض قبضة الدول البترولية الاستبدادية مثل روسيا. يعني ذلك اليوم تشييد المزيد من أنابيب نقل الغاز الطبيعي المسال، ومع مرور الوقت، سيتطلب الأمر تعزيز التجارة العالمية في مجال الطاقة الكهربائية. في الوقت الراهن، يتم تداول 4 بالمئة فقط من الكهرباء في الدول الغنية عبر الحدود، مقارنة بـ 24 بالمئة من الغاز، و 46 بالمئة من النفط. يعد بناء شبكات تحت البحر جزءًا من الحل، وقد يساعد تحويل الطاقة النظيفة إلى هيدروجين ونقلها على متن السفن على معالجة مشكل الانتقال الطاقي.
كل هذا يتطلب مضاعفة حجم الإنفاق الحالي على الطاقة، ليصل إلى ما بين 4 و5 تريليون دولار في السنة. لكن من وجهة نظر المستثمرين، هذه السياسات غير واضحة. العديد من الدول لديها تعهدات بالوصول إلى انبعاثات صفرية، ولكن لا توجد خطط للوصول إلى هذا الهدف، ولا يزال على الحكومات إقناع مواطنيها بأن الفواتير والضرائب بحاجة إلى الارتفاع. في الواقع، يثير دعم مصادر الطاقة المتجددة والعقبات التنظيمية والقانونية المخاوف لدى المستثمرين في مشاريع الوقود الأحفوري.
يكمن الحل جزئيا في تسعير انبعاثات الكربون العالمية بشكل يساعد على خفض الانبعاثات ودعم الخاسرين في عملية التحول الطاقي، رغم أن مخططات التسعير لا تغطي سوى خمس إجمالي الانبعاثات.
أما الدرس الأساسي من أزمة الطاقة الحالية فهو أنه يجب على قادة العالم في القمة المرتقبة تجاوز التعهدات، والتعامل مع التفاصيل الدقيقة لكيفية تنفيذ عملية الانتقال نحو الطاقات غير الملوثة.
المصدر: ذي إيكونوميست