ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال الانتخابات الألمانية الأخيرة، رفض مساعدو مراكز الاقتراع في يرغهايم الغربية السماح لامرأة مسلمة تبلغ من العمر 21 سنة ترتدي الحجاب والقناع الواقي الإدلاء بصوتها.
وحسب التقرير، برر المشرفون على مراكز الاقتراع هذا التصرّف بقرار يحظر تغطية الوجه عند التصويت بتعلة ضرورة تحديد هوية الناخبين. ولكن في نهاية المطاف، سُمح لهذه المواطنة الألمانية بالإدلاء بصوتها بعد تقديم شكوى إلى مسؤولي المدينة، لأن ما حصل مثّل انتهاكًا واضحًا لحقوقها ومظهرا صارخًا للإسلاموفوبيا.
أثارت هذه الحادثة تساؤلات عما إذا تعرضت النساء المسلمات الأخريات إلى نفس النوع من المضايقات في مراكز الاقتراع، وعن مدى انتشار الإسلاموفوبيا في المجتمع الألماني.
تكافح النساء المسلمات الألمانيات لسنوات المحاولات المنهجية من قبل الحكومة لوضع قيود على ما يمكنهن ارتداءه في الفضاءات العامة وفي أماكن العمل. وفي تموز/ يوليو الماضي، أصدرت محكمة العدل الأوروبية قرارًا يسمح للشركات بمنع الموظفين من ارتداء الملابس أو الرموز ذات الدلالات الدينية، بما في ذلك الحجاب، بدعوى إظهار الحياد. وقد سُلط الضوء على هذه المسألة من قبل موظفتين مسلمتين تم إيقافهما عن العمل لارتدائهما الحجاب.
إن التسييس المفرط لهوية المرأة المسلمة، حيث تناقش الشخصيات السياسية ووسائل الإعلام حقها في الوظائف والاندماج الاجتماعي، يغذي العنصرية المباشرة التي يتعرض لها المسلمون في حياتهم اليومية.
تكرر ممارسات التمييز العنصري
تتعرض الطالبات المسلمات للتمييز بشكل متكرر. ولعل ذلك ما أكدته ربيعة، مسلمة ألمانية تبلغ من العمر 16 سنة بقولها: “أعاني من العنصرية الموجهة ضد المسلمين كثيرًا لدرجة أنني في بعض الأحيان لا أدرك ذلك”، مضيفة “أحد المعلمين في مدرستي يختزلني في حجابي ويصر على أن والداي هما اللذان أجبراني على ارتدائه، على الرغم من أنني وضّحت له أن ذلك لم يحدث في عدة مناسبات”.
تُظهر البيانات قدرًا مقلقًا من التمييز ضد الطلاب المسلمين الشباب، وخاصة الفتيات، داخل المدارس العامة في ألمانيا
قالت ربيعة: “في المدرسة، لا يُنظر إلي حتى كشخص، إذ لا يكلفون أنفسهم عناء معرفة اسمي حتى. يخاطبني المعلمون بفاطمة نظرًا لأن هناك فتاة مسلمة أخرى في صفي بهذا الاسم. ولكن اسمي ربيعة. يجب تذكر اسمي”.
أوردت شابة مسلمة أخرى تدعى نازانين تبلغ من العمر 19 سنة: “في الصف التاسع، وخلال رحلة مدرسية، ألقت علي سيدة ألمانية زجاجة وبدأت في توجيه الشتائم العنصرية إلي. لقد كان عمري حينها 14 سنة فقط، ولم يفعل أساتذتي شيئًا لإيقافها. لقد تخرجت الآن، وزدات العنصرية سوءًا”.
تُظهر البيانات قدرًا مقلقًا من التمييز ضد الطلاب المسلمين الشباب، وخاصة الفتيات، داخل المدارس العامة في ألمانيا، وقد ولّد ذلك مناخًا من خيبات الأمل والإحباط. وقد توصلت دراسة استقصائية إلى أن المدرسين الألمان كانوا أكثر ميلًا لتوصية الأطفال من أصول غير ألمانية بأنظمة تعليمية أقلّ من حيث المستوى مقارنة بالتلاميذ من أصل ألماني، مما شكل حياتهم المهنية ومساراتهم التعليمية العليا.
أفادت أحلام، البالغة من العمر 19 سنة: “كانت درجاتي سيئة لأن المعلم جعلني أعتقد أن تربيتي جعلت تفكيري بطيئًا. ولأنني كنت أتلعثم، كان ذلك سببا في جعله يشعرني بالخجل من المشاركة في الفصل، لتزيد بذلك درجاتي سوءا”.
مواجهات الإسلاموفوبيا
يعكس التمييز ضد المسلمين الذي تشعر به النساء في المؤسسات العامة الموقف العام لألمانيا تجاه الحجاب. وباعتباره رمزًا للهوية الإسلامية، يُنظر إلى الحجاب على أنه مناقض للثقافة والمجتمع الألماني.
حسب شهادات عدد من النساء المسلمات، من أطفال وبالغين، فإن تعرضهن باستمرار لظاهرة الإسلاموفوبيا يعود إلى قرارهن الالتزام بالزي الذي يعكس هويتهن كمسلمات.
قالت سيماء البالغة من العمر 17 سنة: “كنتُ أسير عائدة إلى المنزل ذات يوم عندما وجّه رجل مظلته نحوي مقلدا صوت البندقية، ثم وصفني بالإرهابية بينما كان هو وصديقه يضحكان. في ذلك الوقت، لم أستطع الدفاع عن نفسي وواصلت المشي”.
كانت بشرى البالغة من العمر 21 سنة تتسوق عندما اتهمتها زبونة أخرى بالسرقة. وقالت لموقع “ميدل إيست آي”: “أُجبرت على خلع حجابي لأثبت أنني لا أخفي شيئًا تحته. وقد سُئلت عن جنسيتي، على الرغم من أنني كنت أحمل هويتي الألمانية في يدي. وعندما سمحت لي الشرطة بالمغادرة، أردت فقط أن أسأل السيدة التي اتهمتني بالسرقة: لماذا فعلتِ ذلك؟”.
تتذكر لطيفة، البالغة من العمر 25 سنة، ما مرت به أيضا قائلة: “لقد تقدمت بطلب للعمل في محل تجاري حيث كانوا يبحثون بصفة عاجلة عن عمال مؤقتين في بداية تفشي وباء كوفيد-19. وقد قيل لي إنني لا أستطيع العمل هناك بالحجاب لأن المحل التجاري كان “محايدا”.
في اليوم الأول من فترة التدريب، قالت إيمان البالغة من العمر 21 سنة إنه طُلب منها خلع الحجاب، “وإلا سينتهي بها الأمر كعاملة نظافة. ولم تتمكن من مواصلة التدريب بسبب قرارها التشبث بهويتها كمسلمة”. وعلى نحو مماثل، قالت شازية البالغة من العمر 28 سنة إنها حُرمت من وظيفة كمعلمة في حضانة حيث “قيل لها إن الألمان البيض لن يشعروا بالراحة عند إرسال أطفالهم إلى حضانة تشغّل محجبةً”.
البحث عن المساواة
في دراسة نشرها معهد دراسة العمل في بون، أرسلت حوالي 1500 سيرة ذاتية متطابقة إلى شركات ألمانية – البعض منها باسم مريم أوزتورك، والبعض الآخر باسم ساندرا باور. وفي حوالي 18.8 بالمئة من الحالات، دُعيت باور لإجراء مقابلة عمل، بينما دعيت أوزتورك في 13.5 بالمئة فقط من الحالات. وعندما أرسِلت صورة أوزتورك وهي مرتدية الحجاب، تمت دعوتها في 4.2 بالمئة فقط من الحالات.
لاحظ الباحثون أن هذه النتائج تشير إلى أن المرأة المحجبة يجب أن ترسل 4.5 أضعاف عدد الطلبات لتتلقى نفس عدد المقابلات مثل نظيرتها التي تحمل اسمًا ألمانيا.
في الواقع، لا تملك ألمانيا وغيرها من الدول الغربية أي تحيزات صارخة حول كيفية معاملة المرأة المسلمة في إطار ثقافتها ودينها. ومن بين الصور النمطية الشائعة، حقيقة أن النساء المسلمات من خلفيات مهاجرة أقل ميلا لدخول سوق الشغل بسبب الاختلافات الثقافية، مثل كونهن ربات البيوت ويقتصر دورهن على تربية الأطفال. ومع ذلك، من الصعب على النساء المسلمات الاندماج في سوق الشغل بسبب الممارسات التمييزية، مثل الممارسات التي تدعمها قوانين الحياد الألمانية.
تريد معظم النساء المسلمات في ألمانيا أن يعاملن بشكل عادل
يمكن لمثل هذا التمييز أن يثني النساء عن المشاركة في سوق الشغل، وحتى عن التمتع بحقهن في التعليم. وبعض الشابات المسلمات يخترن المهن على أساس الاهتمام، وعلى أساس العقبات المحتملة التي قد تواجهنها بسبب حجابهن.
أخبرت مريم البالغة من العمر 16 سنة موقع “ميدل إيست آي”: “لم أدخل سوق الشغل بعد، ولكن يتعيّن علي أن أغيّر تفضيلاتي باستمرار بسبب التمييز في مكان العمل”. وفي سياق متصل، قالت مدين البالغة من العمر 25 سنة إنها تتجنب بعض الوظائف تماما، موضحةً: “أنا أحرص على عدم التقدم بطلب عمل في أي وظيفة يوجد فيها اتصال مباشر مع العملاء، لتجنب عقبات الحياد”.
لا تُقيّم المرأة المسلمة في سوق الشغل بناء على مؤهلاتها، وإنما بناء على درجة شببها بـ “الألمان” حتى تُقبل في الوظيفة. وحيال هذا الشأن، قالت زلال، البالغة من العمر 27 سنة إنها كلما تقدمت بطلب للحصول على وظيفة وتمت دعوتها لإجراء مقابلة عمل، فإن الحديث عن مؤهلاتها “لا يستغرق سوى “خمس دقائق”، بينما يثير حجابها نقاشا قد يستمر لمدة 15 دقيقة.
عمومًا، تريد معظم النساء المسلمات في ألمانيا أن يعاملن بشكل عادل. وعلى حد تعبير صوفي البالغة من العمر 29 سنة، فإن “الحياة في هذا المجتمع صعبة ومرهقة ومتعبة نفسيًا. وفي الوقت نفسه، أنا ممتنة لأجزاء المجتمع التي تتفاعل بشكل أكثر انفتاحًا ولا تراك أو تعاملك كشخص من الدرجة الثانية لمجرد أنك مسلم”.
المصدر: ميدل إيست آي