يواجه المحتوى الفلسطيني عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” مجموعة كبيرة من القيود والإجراءات التي تجعل وجود المحتوى الفلسطيني مهددًا في أي لحظة سواء عبر حذف المنشورات أم حذف الحسابات وتعطيلها وتقليل نسب الوصول للصفحات العامة.
فمؤخرًا كشف النقاب عن القائمة “السوداء السرية” التي تضمنت عددًا كبيرًا من المؤسسات والشخصيات الوطنية الفلسطينية يتم حجبها بشكل آلي وفوري حال دشنت حسابات أو صفحات أو تحظر الصفحات التي تستخدم اسمها.
وبحسب موقع “the intercept” الذي نشر القائمة فقد تضمنت كل من: “غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة ومؤسسة شهيد فلسطين ومؤسسة السنابل ومؤسسة الأقصى وبنك الأقصى الإسلامي ومؤسسة الأقصى الدولية وتليفزيون الأقصى ومؤسسة القدس والبنك الإسلامي الدولي في غزة وعبد العزيز الرنتيسي وأبو أنس الغندور وبهاء أبو العطا وأحمد ياسين وأحمد جبريل وعلي حسن سلامة وفتحي حماد وفتحي الشقاقي وجورج حبش وعزت الرشق وخالد مشعل وليلى خالد وماهر صلاح ومحمود الزهار ومحمود نزال ومحمد الضيف ومهند الحلبي وأسامة حمدان وروحي مشتهى وصالح العاروري وإسماعيل ياسين ويحيى عياش ويحيى السنوار وزياد النخالة”.
ويتزامن نشر هذه القائمة مع تزايد ملحوظ في العام الأخير في حجم الانتهاكات والقيود المفروضة على المحتوى الفلسطيني تحت ادعاء “نشر الكراهية” أو “دعم الإرهاب” فيما لا يتم ملاحقة الكثير من المحتوى التحريضي الصادر عن الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه.
تاريخ الانتهاكات عبر فيسبوك
من جانبه، قال مدير مركز صدى سوشال إياد الرفاعي إن بداية ظهور الانتهاكات بحق المحتوى الفلسطيني عبر فيسبوك كانت مع موجة عمليات الطعن في الضفة الغربية والقدس المحتلة عام 2016 حينها تم استهداف قرابة 200 صفحة وحساب فلسطيني.
وأضاف الرفاعي لـ”نون بوست” أن الانتهاكات ترتبط أكثر بكثافة الأحداث على الساحة الفلسطينية مقارنة بالأوقات الأخرى، فخلاف الهبة الأخيرة ومعركة سيف القدس جرى رصد أكثر من 700 انتهاك بحق المحتوى الفلسطيني عبر مواقع التواصل كان أغلبها عبر فيسبوك باعتباره الأكثر انتشارًا بين الفلسطينيين.
نسبة تجاوب فيسبوك مع رفع الانتهاكات وإزالة القيود لا تتجاوز 10% من إجمالي الشكاوى المرفوعة له
وبحسب مدير مركز صدى سوشيال المختص في رصد انتهاكات مواقع التواصل الاجتماعي فإن شهر سبتمبر/أيلول الماضي شهد 550 انتهاكًا، فيما بلغ مجمل انتهاكات مواقع التواصل بحق المحتوى الفلسطيني خلال عام 2020، 1200 كان لفيسبوك نصيب الأسد منها.
ويعتقد الرفاعي أن التقرير المسرب بشأن القائمة السرية “السوداء” يؤكد المؤكد ويثبت انحياز فيسبوك بشكل واضح للاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب أنه يعكس وجود قرار من فيسبوك بعدم وجود فلسطيني واغتيال الوجود والتضييق على الخطاب الفلسطيني وإخراجه عن سياقه عبر منع استخدام مصطلحات ومنع شخصيات وطنية فلسطينية من الوجود عبر هذه المنصة.
وبشأن خيار مقاضاة فيسبوك، وصف مدير مركز صدى سوشيال العملية بالمعقدة على الرغم من وجود تجربة لهم في الفترة الأخيرة، ويتمثل التعقيد في ملاحقة فيسبوك في الكثير من الضوابط ومعايير المجتمع التي يوافق عليها المستخدم لحظة تسجيله في الموقع.
ورغم عقد فيسبوك لاجتماعات مع شخصيات فلسطينية وممثلين عن مؤسسات حقوق الإنسان في الفترة الأخيرة ووجود قنوات اتصال، فإن نسبة تجاوب فيسبوك مع رفع الانتهاكات وإزالة القيود لا تتجاوز 10% من إجمالي الشكاوى المرفوعة له.
من فيسبوك إلى بقية المنصات
من جانبه، قال سائد حسونة المختص في مواقع التواصل الاجتماعي إن الانتهاكات بحق المحتوى الفلسطيني ظهرت بشكل ملحوظ في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019 عندما حظرت وحذفت شركة فيسبوك مئات المنشورات والحسابات والصفحات بشكل تعسفي بناء على منشورات تم نشرها في وقت سابق من عام 2012 كمثال، وبعدها انتقلت عدوى الحظر والتقييد للمحتوى الفلسطيني لباقي المنصات لكن بحجج وأسباب مختلفة.
وأوضح حسونة لـ”نون بوست” أن الانتهاكات ضد المحتوى الفلسطيني تدرجت إلى أن وصلت إلى عملية الحذف الكلي للصفحات دون سابق إنذار أو إعدامها بحيث تقلل نسبة الوصول بشكل كبير لدرجة أن صفحة عليها أكثر من مليوني ربما لا يكون حجم التفاعل عليها يصل لـ1000 مشترك.
وبحسب المختص في مواقع التواصل الاجتماعي فإن شركة فيسبوك تستثمر في الحقوق على حساب خصوصية المشتركين واحترام الثقافات ووجهات النظر، معتبرًا أن ما يجري مع المحتوى الفلسطيني يأتي نتيجة تعاون الشركة مع الحكومة الإسرائيلية ضمن اتفاقيات مبرمة سابقًا.
هناك فجوة كبيرة حاليًّا بين اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية والتطور التكنولوجي الهائل الذي تسبب في إحداث انتهاكات غير اعتيادية
ووفقًا لحسونة فإن التصنيف الأخير والقائمة السوداء تؤكد أن شركة فيسبوك متورطة في انتهاك الحقوق الفلسطينية ويضعها في نفس خانة الاحتلال الإسرائيلي كون هذه الشبكة أصبحت وسيلةً مهمةً في إقرار الفعل أو ضده، وعليه فهي شريك أساسي في جرائم الاحتلال التي تعمل على حجبها ووصولها.
الموقف القانوني والحقوقي
من جانبه، قال مدير العمليات في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أنس الجرجاوي إنه في السنوات الثلاثة الأخيرة بدأ فيسبوك استهدافا تمييزًا وغير مبرر للمحتوى الفلسطيني على الموقع، سواء كان صفحات أم حسابات شخصية أم منشورات ومواد مرئية.
وأضاف الجرجاوي لـ”نون بوست” هذا السلوك يساهم بشكل كبير في التغطية على الانتهاكات الإسرائيلية وتغييب رواية الضحايا الفلسطينيين، وينتهك بشكل فاضح حرية الأفراد في التعبير والنشر، مشددًا على أن فيسبوك لا يمتلك بأي شكل من الأشكال الحق في تقييد حرية الرأي والتعبير والنشر، كونها حقوقًا أصيلةً كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصكوك الدولية ذات الصلة.
وفي نقطة مقاضاة فيسبوك، رأى المسؤول في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن هذا السيناريو وارد، لكنه يحتاج إلى إنشاء محاكم خاصة على مستوى الدول، مستدركًا “الأهم في هذه النقطة أن حجم الانتهاكات المتصاعد لفيسبوك يجب أن ينبه المجتمع الدولي إلى ضرورة تطوير آليات مساءلة قانونية دولية لتشمل حظر السياسيات التمييزية الإلكترونية ومحاسبة الشركات الخاصة التي تنتهج تلك السياسات”.
بالمحصلة.. فإنّ الجديد الذي أتت به هذه الوثائق هو تأكيد ما اختبره الفلسطينيون مرارًا طوال سنوات، عبر حظر وحذف صفحاتهم سواء كانوا مستخدمين عاديين أو نشطاء او وسائل إعلام دشنت صفحات لها على المنصة كأي وسيلة إعلام أخرى، وتأكيد أن الشبكة الاجتماعية عاملت المحتوى الفلسطيني بصورة عدائية وعنصرية، أو على الأقل منحازة للسردية المقابلة.