لا يعيش المشروع التجاري في عزلة، ومن أجل تحقيق أعلى ربح فإنه يتطلب دعم النظم البيئية، لذلك تساعد المحاسبة البيئية في قياس مدى استخدام الشركات والمؤسسات الحكومية والمنظمات للموارد البيئية، فلا بد من ملاحظة أن مؤسسة الأعمال في سياق أنشطتها التجارية لا تلوِث البيئة أو تعرضها للخطر، كون التلوث يفسد صحة الإنسان ويقلل من الإنتاجية الاقتصادية ويؤدي إلى فقدان وسائل الراحة، ورغم هذه التداعيات التي قد تنتج عن غياب المحاسبة البيئية، فإن قلة الوعي البيئي ما زالت تقف عائقًا أمامها في سوق العمل.
المحاسبة البيئية
تعرَف المحاسبة البيئية على أنها فرع من فروع المحاسبة، يختص بتحديد وقياس التكاليف البيئية ويلخص تلك المعلومات لغرض الإفصاح عنها بالكشوفات المالية من أجل تقييم الأداء البيئي، والهدف منها يكمن في تخفيض الآثار البيئية السالبة للأنشطة والأنظمة، وهي تستند أساسًا على دعم مديري أعمال الشركات والوكالات الحكومية، وتمثل التكاليف التي تتحملها الوحدة الاقتصادية اختياريًا أو إلزاميًا، تطبيقًا للقوانين واللوائح البيئية، بهدف حماية البيئة بصورة سليمة وموضوعية، وبالتالي تحسين الأداء البيئي.
تركز المحاسبة البيئية على نوعين من المعلومات وجمعها وتحليلها واستخدامها في صنع القرار الداخلي: معلومات مادية عن استخدام الطاقة وتدفقها ومصائرها إلى جانب المياه والمواد (بما في ذلك النفايات)، ومعلومات مالية عن التكاليف والأرباح والمدخرات المتعلقة بالبيئة.
صفات المحاسبة البيئية
تتمثل تكاليف البيئة بكل عناصرها التي تساهم في تخفيض الفاقد في الخدمات والطاقة والموارد الاقتصادية المتاحة، بالإضافة إلى تكلفة إعادة تدوير المخلفات، صلبة أو سائلة أو غازية، هذا إلى جانب تكلفة المنتجات الصديقة للبيئة.
يمكن أن نميز 3 صفات في المحاسبة البيئية، كالآتي:
– الاقتصادية: قياس وتحليل كمية وقيمة مدخلات عوامل الإنتاج، وأثرها على مستوى الرفاهية الاقتصادية على الفرد والمجتمع.
– المحاسبية: تتداخل مع المحاسبة المالية في إعداد القوائم المالية وفق المعايير والأسس المحاسبية، وتتضمن معلومات للآثار البيئية للمستفيدين الخارجيين من مالكي الأسهم والمستثمرين والمقرضين والممولين والمستهلكين وغيرهم.
– الإدارية: تحليل البيانات والمعلومات المرتبطة بالأنشطة البيئية والإفصاح عنها لمساعدة الإدارة في التخطيط والرقابة وعملية اتخاذ القرارات الاقتصادية والإدارية.
تطبيق المحاسبة البيئية في دول العالم
جرى بالفعل تطبيق نظام المحاسبة البيئية على مجموعة واسعة من السياسات وعمليات صنع القرار التي تدعم أجندة الاستدامة العالمية من خلال مسح التقييم العالمي الذي يتم إدارته تحت رعاية لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية بالمحاسبة البيئية والاقتصادية (UNCEEA)، والهدف منه تقييم حالة وتقدم تنفيذ نظام المحاسبة البيئية والاقتصادية في البلدان، وتقديم بيانات لمؤشر أهداف التنمية المستدامة رقم 1591.
جرى إجراء المسح لأول مرة للمكاتب الإحصائية الوطنية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة وأقاليم إضافية عام 2006، وأجري المسح مرة أخرى عام 2014 وعام 2017، ومؤخرًا في عام 2020.
ووفقًا لتقييم عام 2020، نفذ 89 بلدًا نظام المحاسبة البيئية، ومن بين هذه البلدان ينشر 62 بلدًا (70%) حسابًا واحدًا على الأقل بشكل منتظم، وأشار تقييم عام 2020 أيضًا إلى أن 27 دولة تخطط للبدء في تجميع الحسابات ومن ضمنها الدول العربية، باستثناء دولة قطر وجمهورية مصر فقد باشرتا بتطبيق المحاسبة البيئية.
كما يُظهر تقييم عام 2020 زيادة مطردة في عدد البلدان التي تجمع نظام المحاسبة البيئية والاقتصادية بمرور الوقت، ويشير إلى أن الغالبية العظمى من البلدان التي تنفذ نظام المحاسبة البيئية والاقتصادية، استخدمت الحسابات لإعداد تقارير أهداف التنمية المستدامة ولإبلاغ الأولويات الوطنية.
التحديات التي تواجه المحاسبة البيئية
وفقًا للاتحاد الدولي للمحاسبين، توجد تحديات قائمة على نظم المعلومات المحاسبية تجعل من الصعوبة تجميع واسترجاع البيانات البيئية وتقييمها بالشكل الكفء، ومن ذلك اختلاف الثقافات وأثرها على تطور الاتصالات بين المحاسبة والمهن الأخرى، فلا بد أن يتمتع موظفو البيئة وكذلك الفنيون بمعرفة واسعة عن البيئة، وأن يكون لديهم خبرة فيما يخص تدفق الطاقة والماء والمواد الأخرى ضمن المنظمة.
إضافة إلى أن موظفي البيئة والفنيين لا يمتلكون المعرفة الكافية بكيفية قيد هذه الأمور في السجلات المحاسبية، ومن جانب آخر فإن المحاسبين والمراقبين الماليين لديهم كل المعلومات المحاسبية، إلا أنه غالبًا ما تكون معرفتهم محدودة بالبيئة التي تواجه المنظمة، وفي تدفقات الموارد الفيزيائية.
وكنتيجة فإن موظفي المحاسبة لا يتمكنون من تقديم أنواع المعلومات المحاسبية التي تنفع البيئة والفنيين، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار اختلاف اللغة في الثقافات المحاسبية والبيئية والفنية.
والأقسام الأخرى كذلك لديها أهداف مختلفة متوقعة من أنشطة المحاسبة البيئية، على سبيل المثال، الجهات التي ستكون مسؤولة عن كُلَف البيئة، في مراكز الإنتاج المنتِجة للنفايات، ليس لديها المعرفة بكلفة تلك النفايات، كذلك قسم التصاميم الذي يقرِر طبيعة المواد والمعدات والعمليات المستخدمة، والمدير البيئي الذي يتولى مهمة التخلُص من النفايات ذاتها، لا يتمتعان بالمعرفة عن الكُلَف التي تسببها.
يضاف إلى ذلك أن معلومات مشتريات المواد لا توفر تحديدًا واضحًا لكمية وقيمة تبويبات المواد المختلفة، إذ قد يتم ترحيل هذه المشتريات إلى حسابات إجمالية، ما يصعب عملية الحصول على معلومات الكميات الفعلية المستهلَكة سنويًا من المواد.
وآخر التحديات يتمثل في عدم اكتمال المعلومات لاتخاذ القرارات الاستثمارية، فقرارات المشاريع الاستثمارية التي تخص اختيار المواد وتسعير المنتجات وتشكيلة المنتجات، ستعاني من عدم توافر المعلومات البيئية الشاملة المتكاملة في الوقت المناسب، رغم أهمية هذه القرارات المستقبلية التي تشكل تحديات محددة لأوضاع غير مؤكدة مؤثرة على البيئة.