ترجمة وتحرير نون بوست
يبدو أنه منذ حاول البريطانيون لأول مرة تركيع أفغانستان في القرن التاسع عشر، أصبح الانجرار إلى حرب مكلّفة هناك خطوة إجبارية لكل قوة عظمى. فقد فعلها السوفييت في الثمانينيات، ثم فعلها الأمريكيون في مطلع هذا القرن، ولا يزالون يحاولون الخروج من براثن المستنقع الذي خلقوه هناك.
الآن، يبدو أن الدور قد أتى على الصين لتلعب دورًا فيما يخص الأمن الأفغاني.
لا يتوقع أحد أن ترسل الصين قواتها إلى أفغانستان في أي وقت قريب بالطبع، ولكن الصين قد اتخذت خطوة كبيرة في توطيد العلاقات مع الحكومة الأفغانية بعزمها إرسال مليارات الدولارات إلى هذا البلد المنكوب لدعم الاقتصاد والقطاع الأمني.
قوبلت هذه الأنباء بالترحيب من قبل المسؤولين الأمريكيين، والذين يطمحون إلى تولى الصين لدور ريادي في تنمية أفغانستان، يتجاوز دورها الحالي المنكب على ثروتها المعدنية. على الناحية الأخرى، سيسرّ المسؤولين الأفغان، الذين يعاني اقتصادهم من الدمار، أن يجدوا مصدرًا للدعم والمعونة والاستثمار.
أحد أسباب هذا التوجه الجديد لبكين هو تزايد خطر التسلّح الإسلامي وسط مسلمي الإيغور في شرق البلاد، والقريبين من أفغانستان، إذ حاربت قلة منهم في أفغانستان منذ عام 2001، وفي أماكن أخرى مختلفة. يلوم المسؤولون الصينيون مجموعة إيغور انفصالية، هي حركة شرق تركستان الإسلامية، على القيام بعدة هجمات قتلت المئات في الصين على مدى العامَين الماضيين، ويعتقد المحللون أن الصين تخشى انتشار هذه الحركة بشكل سريع، في حين يرى آخرون أن مخاوفها غير مبررة.
لا يهم المسؤولين الأفغان حقيقة هذه المخاوف من عدمها، ولكن ما يهمهم هو استغلالها لصالحهم. يأمل المسؤولون الأفغان كذلك، كما تبيّن من مقابلات معهم، أن يستخدموا المقاتلين الإيغور الموجودين على أراضيهم للإيقاع بين الصين وباكستان، إذ ترعى الأخيرة طالبان ومسلحين إسلاميين كثر للحفاظ على دورها في أفغانستان وردع الهند، وتتمتع في نفس الوقت بتحالف مع الصين تنظر له الصين باعتباره هامًا بالنظر لكون الهند منافسها الرئيس في المنطقة.
في العام الماضي، أبلغت المخابرات الأفغانية بكين بتفاصيل كل مقاتل من العشرات الإيغور الموجودين على أراضيها، والذين قبضت عليهم القوات الأفغانية داخل البلاد، وقد قال مسؤولون غربيون من العالمين بخبايا أفغانستان، أن المخابرات بالفعل تعد ملفات بالكامل للمسؤولين الصينيين تعج بدلائل على تدريب باكستان لهؤلاء المسلحين الإيغور داخل أراضيها.
كان هذا الموضوع على جدول أعمال رحمة الله نبيل، القائم بأعمال مدير المخابرات الأفغانية، حين زار بكين الشهر الماضي، قبل رحلة الرئيس الجديد أشرف غني إلى هناك، طبقًا لما قاله المسؤولون الضالعون بهذا الملف. تباعًا، وبعد اجتماع بين الرئيس غني والرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين الأسبوع الماضي، صرّح كلاهما أنهما سينسقان لمواجهة المسلحين الإيغور.
وقد قال كونغ شوانيو، مسؤول بوزارة الخارجية الصينية، للصحفيين بعد الاجتماع: “في مجال الأمن، عبّر الرئيس غني عن استعداده ودعمه القوي للصين في مواجهتها لحركة شرق تركستان الإسلامية الإرهابية”، وقال رحمة الله نبيل أنه إنجاز كبير أن يستمع الصينيون الآن للأفغان فيما يخص الإيغور المدرّبين في باكستان، “تم القبض على عدد كبير من الإيغور، وصرّحوا أثناء التحقيقات عن أماكن تدريبهم، وكيف يتم تدريبهم. نعتقد أنهم يعدون أنفسهم لشيء ما، وهذا أمر مهم بالنسبة للصين”، هكذا قال نبيل في مقابلة قبيل زيارته الأخيرة للصين، ثم أضاف بأن الحكومة الأفغانية الجديدة تحاول معالجة هذه المسألة، وكذلك أظهرت لاحقًا بالفعل زيارة الرئيس غني.
أثناء زيارة غني، تعهدت الصين بمعونة تبلغ 330 مليون دولار حتى 2017، وهو مبلغ كبير بالمقارنة بما قدمته الصين من دعم على مدى السنوات الثلاث عشر الماضية، والبالغ 250 مليون دولار. قالت الصين أيضًا أنها تخطط لاستثمارات تجارية جديدة بالإضافة لزيادة دعمها الأمني بقيمة لم تفصح عنها، وهو دعم يتوقع المسؤولون الأفغان أن يتجاوز سابقه، حيث ركزت الصين في السابق فقط على جهود مكافحة المخدرات.
بيد أن الصين ستواجه متاعب كبيرة في دورها الجديد في أفغانستان. حتى الآن، لم تواجه الصين سوى مشاكل جرّاء استثماراتها المحدودة، وأهمها حق الانتفاع، البالغ 3 مليارات دولار، الممنوح لمجموعة الصين المعدنية لاستخراج النحاس من منطقة في جنوب كابول تعج بمسلحي طالبان، وكان هذا منذ سبع سنوات. في السنوات التالية، لم تبذل الصين جهدًا كبيرًا لدفع المشروع قدمًا، ولا لمواجهة خطر طالبان المحيط به، كما أن وعودها بإسكان الفلاحين المهجّرين جراء المشروع، وبناء خط سكة حديد ومحطة طاقة 400 ميجاوات، لا تزال في انتظار التنفيذ. هذا وقال مسؤولون أفغان العام الماضي أن شروط العقد قد يُعاد التفاوض بشأنها.
رُغم ذلك، تحدث الرئيس غني بتفاؤل حيال رغبة الصين في دعم أفغانستان بعد عودته من زيارة بكين، وقال للصحفيين أن علاقة أوثق مع الصين ستساعد أفغانستان على أن تكون ملتقى طرق آسيا، كما كانت أيام طريق الحرير.
لكن، لنتذكر أن أهمية طريق الحرير تراجعت بعد اكتشاف البرتغاليين طريق رأس الرجاء الصالح الذي وصل أوربا بآسيا بحريًا، والذي أثبت أن التعامل مع القراصنة أيسر من القبائل وقطاع الطرق، الذين مثل سلبهم للقوافل التجارية مصدر دخل رئيسي. بالطبع، حلت الشاحنات اليوم محل الجمال، ولكن قطع الطريق لا يزال موجودًا، وانتفاضة طالبان جعلت بعضًا مما كان يومًا طريق الحرير أشد خطورة من أي وقت مضى. لقد حاولت شركات أمريكية على مدار العقد الماضي إحياء ما سماه كثيرون طريق حرير جديد في هذه المنطقة، ولكن الأمر لم يعدو مجرد كلمات براقة وأموال مُهدرة.
أكد الرئيس غني في كلماته على ضرورة تحقيق السلام لضمان استدامة التنمية الاقتصادية في أفغانستان، بغض النظر عما إذا كان الدولار الأمريكي، أو الرَنمينبي الصيني، هو الذي سيدفعها، وحين سُئل مباشرة عما إذا كان قد طلب من الصين أن تساهم في الضغط على طالبان — والضغط على باكستان للقيام بجهد أكبر في كبح طالبان ودفعها للتفاوض — تفادى الرئيس غني الدخول في أي تفاصيل، وتحدث بدلًا من ذلك عن ويلات الحروب قائلًا: “لقد تعبنا من الدماء. لن يحقق السلام حقيقةً إلا من يمتلك علاقات جيدة بكل الأطراف”.
المصدر: نيويورك تايمز