في الوقت الذي كان الجميع فيه مشغولًا بمعركة الأزياء المثيرة للجدل للفنانيين المشاركين في مهرجان الجونة السينمائي المقام حاليًا في محافظة البحر الأحمر المصرية الشاطئية، إذ ودون مقدمات معركة أخرى تفرض نفسها على ساحة الاقتتال الافتراضي، لكنها هذه المرة لا تتعلق بفستان عار أو تصريح مستفز.
بعد مرور أقل من ساعة على عرض فيلم “ريش” المشارك في المهرجان، إذ بعدد من الفنانيين (يسرا وشريف منير وأشرف عبد الباقي وأحمد رزق والمخرج عمر عبد العزيز) ينسحبون من العرض، السبب الذي تبادر للذهن منذ الوهلة الأولى تمحور حول أسباب فنية وراء هذا السلوك، كأداء الممثلين أو الإخراج أو حتى الديكور المستخدم والسيناريو والحوار، وهي المسائل المعروفة في مثل تلك المهرجانات، لكن المفاجأة أن المنسحبين برروا موقفهم بأن العمل يمثل “إساءة لمصر”.
الفنان شريف منير علق على انسحابه بأن الصورة التي يقدمها الفيلم تعكس واقعًا غير موجود في مصر، حيث معاناة الأسر من الفقر والعوز، وتقديم صورة البلاد على أنها دولة فقيرة يعاني شعبها من أزمات تلو الأخرى، لافتًا إلى أن ذلك منافيًا لما تطرحه الدولة من مبادرات “حياة كريمة” و”تكافل وكرامة” وغيرها من المبادرات التي تحارب الفقر والعشوائيات، وتكفل حياة كريمة للمواطنين في مصر، في ظل “جمهورية جديدة”، وفقًا لتعبيره.
واختتم منير تصريحاته قائلًا: “أنا ضد منع الفيلم، وأتمنى أن يرى الجمهور الفيلم ويقول رأيه، بس أنا عندي حتة غيرة جوايه تجاه بلدي بتحركني، وأنا بسخن.. كمان نفسي المخرج يطلع يقولي هو عمل الفيلم ده عشان إيه”، ودخلت الفنانة هالة صدقي على خط الأزمة سريعًا بقولها: “مصر تعيش عصرًا جديدًا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي على عكس ما أظهره الفيلم”، مضيفة: “ممكن نعتبره فيلمًا خياليًا غير واقعي”.
وما هي إلا دقائق معدودة حتى نشبت معركة حامية الوطيس على منصات التواصل الاجتماعي، بين فريق داعم للانسحاب على اعتبار أن ما يقدمه الفيلم ينافي الواقع جملةً وتفصيلًا وأن مصر أصبحت في مصاف الدول الكبرى ولا وجود لتلك الصور السوداوية بداخلها، وآخر يرى أن ما قدمه العمل لا يساوي شيئًا مقارنة بالواقع المعاش الذي تترجمه التقارير والإحصاءات الرسمية عن الفقر وزيادة معدلاته ومعاناة السواد الأعظم من المصريين.
وبعيدًا عن الرؤية الفنية للعمل، التي لا يمكن الحديث عنها طالما لم يتم عرضه كاملًا، فإن حالة الغضب التي أحدثها أبعد ما تكون عن الجوانب الفنية للفيلم، وهو ما بدا واضحًا من خلال تصريحات المنسحبين، الذين ذهبوا بالفيلم إلى منطقة أخرى بعيدة تمامًا عن مجال اختصاصهم، ليقع “ريش” في فخ التسييس، وسط مهرجان من المزايدات باسم الوطنية.. لكن يبقى السؤال: ما الذي أغضب السادة الفنانيين المنسحبين؟ علمًا بأنهم جميعًا شاركوا قبل ذلك في أعمال جسدت الفقر والعشوائيات وأحلام الشباب في الهجرة هربًا من الواقع المتدني، بل إن بعضهم جسّد صورة تناقض المزاج الشعبي، حيث علاقة ولاد العم بين مصر و”إسرائيل”.
بداية.. ما قصة الفيلم؟
ينتمي فيلم “ريش” إلى نوعية الأفلام الواقعية، التي تعكس – وفق رؤية فنية للكاتب والمخرج – جانبًا من الحياة المعيشية الواقعية بسردية ربما تكون مختلفة في بعض جزئياتها – من باب إضفاء بعد تشويقي على العمل -، لكنها لا تتناقض مع الواقع بتفاصيله التي ربما تكون أكثر حدة وقسوة مما يقدمه العمل، ويعد هذا التوجه هو الأكثر جاذبية وحضورًا لدى جماهير الفن السابع.
العمل الذي أثار كل تلك الضجة يقدم “قصة أم تعيش في كنف زوجها وأبنائها، حياة لا تتغير وأيام تتكرر بين جدران المنزل الذي لا تغادره ولا تعرف ما يدور خارجه.. وذات يوم يحدث التغير المفاجئ ويتحول زوجها إلى دجاجة، ففي أثناء الاحتفال بيوم ميلاد الابن الأصغر، يخطئ الساحر ويفقد السيطرة ويفشل في إعادة الزوج، الذي كان يدير كل تفاصيل حياة هذه الأسرة”.
وأمام هذا التحول العنيف “تجد الزوجة الخاملة نفسها مجبورة على تحمل المسؤولية بحثًا عن حلول للأزمة واستعادة الزوج، وتحاول النجاة بما تبقى من أسرتها الصغيرة، وخلال هذه الأيام الصعبة تمر الزوجة بتغيرٍ قاسٍ وعبثي” وفق ما نشرته صحف محلية نقلًا عن مشاركين في العمل.
مخرج الفيلم عمر الزهيري يقول إنه أراد من خلال هذا العمل “كسر المتعارف عليه في الأفلام وحركة الكاميرا، لإيجاد جانب مختلف يتيح فهم الشخصيات من منظور آخر”، مضيفًا : “لقد اتبعت تكنيك الفن الفوتوغرافي نفسه، حيث بإمكان اللقطة الواحدة إتاحة مئات التوجهات في اللحظة التي يتلقاها الإحساس والعقل، فتركت المتفرج يتأمل تمامًا ويخلق قصته. صحيح أن القصة قاسية والفيلم عنيف بمشاعره، لكن السمّ هنا ممزوج بالعسل”.
والعمل إنتاج مصري فرنسي مشترك، فبجانب “فيلم كلينك” والمنتج محمد حفظي شارك الفرنسيون جولييت لوبوتر وبيير مناهيم، فيما تشير بعض المصادر إلى مشاركة يونانية في العمل الذي حقق دعاية خيالية ماكان له أن يحققها لولا هذه الضجة التي أحدثها المنسحبون.
هل الفيلم فاشل فنيًا؟
كثير من المحسوبين على الفن المصري كالوا الاتهامات للفيلم وتدني مستواه وبعده التام عن تقديم رؤية فنية جيدة، ما يفهم من كلامهم أن العمل “ساقط فنيًا” لكن هل من الممكن أن يحصد فيلم فاشل فنيًا جائزة في مهرجان “كان” ، أحد أكبر المهرجانات السينمائية في العالم؟
“ريش” الذي يواجه تنمرًا فنيًا خلال الساعات الماضية هو الفيلم المصري الوحيد الحاصل على جائزة في تاريخ مهرجان “كان” الفرنسي، فقد فاز بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد في المهرجان، كما كرمت وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم، صنّاع العمل، خلال احتفالية نظّمها المركز القومي للسينما، معلقة على الفيلم بأنه “إنجاز تاريخي باعتباره أول فيلم مصري يفوز بهذه الجائزة في المشاركة الأولى بهذه المسابقة”، مشيرة إلى “المستوى الفني المميّز للفيلم”، مضيفة أن الجائزة تعدّ “خطوة جديدة على طريق استعادة الريادة المصرية في مجال السينما”.
أما الناقد الفني المعروف طارق الشناوي، فاعتبر أن الفيلم جيد جدًا، وحصوله على جائزة من مهرجان “كان” أثبت تفرّده، مشيرًا إلى صعوبة إرضاء الجمهور والنقّاد معًا، منوهًا في تصريح له أمس أن صورة الوطن “لا يمكن اختزالها في مجموعة مشاهد” وأن حالة الفقر التي ظهرت في الفيلم موجودة، بل إن هناك ما هو أسوأ منها.
من جانبه أكد منتج الفيلم محمد حفظي، أن “العمل لم يحمل أي إسقاطات سياسية، ولا يعدّ فيلمًا وثائقيًا عن عمّال المصانع، أو الطبقة العاملة، وإنما هو عالم خيالي من إبداع المخرج، عمر الزهيري، الذي خلق هذا العالم بمفرداته وأبجدياته الخاصة، بما في ذلك إيقاع وموسيقى وألوان وديناميات الفيلم، التي تطرح قضية فنية أكثر منها مجتمعية أو سياسية، تثير كل هذا الجدل، الذي يراه صحيًّا”، وتابع: “من الطبيعي أن يعجب الفيلم بعض الناس ولا يعجب البعض الآخر”.
ليس الأول الذي يواجه ذات التهم
لم يكن “ريش” الفيلم المصري الوحيد الذي واجه مثل تلك التهم “الإساءة لمصر والإضرار بسمعتها خارجيًا”، فالذاكرة السينمائية المصرية حافلة بمثل تلك الأعمال التي تعرضت لهذا النوع من الهجوم، منذ بداية فيلم “يوميات نائب في الأرياف” عام 1969، فقد واجهت قصة العمل للأديب الراحل توفيق الحكيم الانتقادات اللاذعة بسبب تضمنها صور ومشاهد لفلاحين حفاة في زمن الثلاثينيات، ومشهد تزوير الانتخابات ورمي صناديق الاقتراع في الترعة.
أما المخرج سعيد مرزوق، فتعرض هو الآخر لهجوم واتهامات بالإساءة لصورة مصر بسبب فيلمه “المذنبون” عام 1975، وذلك حين صور مشاجرات بين المواطنين على المجمعات الاستهلاكية على توزيع فراخ التموين ومشاهد فساد تسريب الامتحانات، اللافت أن الفيلم منع وقتها وأقيل اعضاء جهاز الرقابة.
اتهم المخرج حسام الدين مصطفى الفيلم التسجيلي “القاهرة منورة بأهلها” عام 1991 بالإساءة لسمعة البلاد بسبب تصوير مخرج العمل يوسف شاهين، مشاهد زحام القاهرة وسوق الخضار
الأمر تكرر كذلك مع الفيلم التسجيلي “السندوتش” عام 1975 للمخرجة عطيات الأبنودي، ويحكي العمل قصة طفل صعيدي فقير وجميل يأكل الخبز الجاف بلبن الماعز والجاموس الذي يحلبهم، غير أن الرقابة الفنية اعترضت على العمل في تقريرها، “المكان فقير وحتى الكلاب هزيلة!”، فيما اتهمت مخرجة العمل بالشيوعية.
كما اتهم المخرج حسام الدين مصطفى الفيلم التسجيلي “القاهرة منورة بأهلها” عام 1991 بالإساءة لسمعة البلاد بسبب تصوير مخرج العمل يوسف شاهين، مشاهد زحام القاهرة وسوق الخضار بروض الفرج ومشاهد أخرى في قاهرة التسعينيات، الغريب أن مصطفى الذي اتهم زميله قبل ذلك تعرض هو الآخر لذات الاتهام خلال فيلمه “درب الهوى” عام 1983، فقد مُنع الفيلم بعد 6 أسابيع من عرضه، بتهمة الإساءة لسمعة مصر لتصويره فترة تقنين الدعارة في مصر في فترة ما بين الحربين.
هل الفيلم يسيئ لمصر حقًا؟
بالعودة إلى فيلم “ريتش”.. هل العمل بالفعل يقدم صورة مشوهة لمصر؟ هل ما يعرضه من أحداث غير واقعي ويمثل افتراءً على البلد؟ هل مصر فعلًا دولة غنية وأن الزج بها في مستنقع الفقر منافاة للواقع؟ هل فعلًا مصر في عهد السيسي باتت دولة أخرى لا تمت أحداث الفيلم لها بصلة من قريب أو بعيد كما قال المنسحبون؟
يبدو أن شريف منير الذي أدى دور شاب منحرف أخلاقيًا في فيلم “الكيت كات” وكان كل همه الهجرة للخارج هربًا من الواقع المتدني الذي كان يحياه في إحدى العشوائيات، لم يطلع بعد على التقارير والإحصاءات الرسمية الصادرة عن الأجهزة الرسمية المصرية بخصوص أعداد الفقر في بلاده.
بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) فإن معدلات الفقر فى مصر بلغت 29.7% أي قرابة 30 مليون مصري لا يستطيعون توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية، علمًا بأن البنك الدولي في آخر مسح له أجراه في 2019 كشف أن 60% من المصريين فقراء أو عرضة للفقر.
تصريحات السادة المسؤولين تكشف هي الأخرى الواقع المرير الذي يحياه المصريون الذي يبدو أن سكان المناطق المرفهة من الفنانيين والنقاد لا يعرفون عنها شيئًا، فها هو وزير الإسكان يؤكد أن 60% من سكان الريف في مصر ( 57 مليون مواطن يسكنون الريف) يعيشون دون خدمات الصرف الصحي، كذلك وزير التعليم في تعليقه على مسألة اشتراط تسليم الكتب الدراسية بدفع المصروفات السنوية، قال إن هناك 14 مليون طالب غير قادرين على دفع المصروفات التي لا تتجاوز في المتوسط 300 جنيه.
عشرات الأفلام والمسلسلات الفنية تطرقت إلى واقع الفقر المدقع الذي يعيش فيه شريحة كبيرة من المصريين القابعين معظمهم بين شريحتي متوسطي ومحدودي الدخل، وفي ظل سياسة الإصلاح الاقتصادي التي تتبعها الدولة حاليًا وما استتبعها من قفزات في الأسعار وزيادة التضخم وارتفاع نسب البطالة والعجز وتفاقم الأعباء والديون الخارجية والداخلية تحول جزء كبير من متوسطي الدخل إلى شريحة محدودي الدخل دون سابق إنذار ودون مقدمات.
يذكر أن منصات السوشيال ميديا خلال الأيام الماضية، في بداية العام الدراسي، كانت قد زخرت بعشرات الصور التي فضحت الواقع المتدني للمدارس المصرية، حيث جلوس الطلاب على الأرض، لا كراسي ولا مدرسين ولا مدارس في بعض الأحيان، وبدلًا من الاعتراف بالعجز الذي تعاني منه منظومة التعليم المصرية كان الرد: منع التصوير داخل المدارس بحجة الحفاظ على هيبة الدولة.. ويبدو أن هذا هو ذات المبرر الذي دفع الفنانيين للاعتراض على فيلم “ريش”.. ليقود ذلك إلى التساؤل الأهم: ما هي السينما المطلوبة في عهد السيسي؟
السينما التي يريدها السيسي
من خلال كل ما سبق يتضح أن الموقف المتخذ من المنسحبين إزاء “ريش” لم يكن موقفًا فنيًا، وأن الغضب الجم الذي صبوه على العمل لم يكن زودًا عن المهنة وثيابها الذي أوشك أن يُدنس بمثل تلك الأعمال، إذ إن مهرجان الجونة لم يكن بالقيمة التي تفوق مهرجان “كان” مثلًا حتى يتهم عملًا مُنح جائزة دولية بـ”الفقير فنيًا”، وعليه فإن ما حدث يتسق شكلًا ومضمونًا مع سمات المرحلة الحاليّة التي يغلب عليها التسييس في كل مجالات الحياة، في محاولة لتحويل الفن بشتى مشتقاته إلى أداة ناعمة لخدمة أجندات سياسية بعينها بعيدًا عن أي اعتبارات أخرى.
إذًا فالأمر أكبر من مجرد عمل فني لم يُعرض بعد على شاشات السينما، وأن الهدف توصيل رسالة واضحة لكل العاملين في المجال بضرورة الالتزام بالشروط والمعايير “المستحدثة” التي وضعها المُنصبون الجدد على مستقبل السينما والفن في مصر عمومًا، للتي ترتكز على تقديم صورة مصر الجميلة المشرقة حتى إن تنافى ذلك مع الواقع طالما أن هذا يصب في النهاية في صالح النظام.
تحول اتهام “الإضرار بمصر” إلى حجة وشماعة لإحكام السيطرة على قواعد تشكيل الرأي العام في البلاد، إعلام وسينما ودراما، ومن هنا بدأ النظام في وضع القواعد الجديدة لإعادة إحياء عصر عبد الناصر
يبدو أن هناك خلطًا في المفاهيم لدى النظام الحاكم في مصر بشأن قراءته للمجالات الحياتية، فالنظام الذي مارس التعتيم على معدلات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) خوفًا على صورته عالميًا، رغم أن أعظم دول العالم كشفت معدلات الإصابة لديها بصورة واقعية، من المنطقي أن يجد في الأعمال الفنية التي تتطرق إلى مشاكل المجتمع وتسليط الضوء على أزماته وهمومه، تشويهًا لصورة البلد في ظل المشروعات التي يقوم بها لتجميل تلك الصورة وإيصالها للعالم.
في 2016 وخلال إحدى حلقات النقاش عن تأثير الإعلام في صناعة الرأي العام على هامش مؤتمر الشباب الذي عقد بمدينة شرم الشيخ، كشف الرئيس المصري عن رؤيته في السيطرة على صناعة السينما والإعلام في مصر قائلًا “أنتم بتضروا مصر جامد جدًا من غير ما تقصدوا”.
وعليه تحول اتهام “الإضرار بمصر” إلى حجة وشماعة لإحكام السيطرة على قواعد تشكيل الرأي العام في البلاد، إعلام وسينما ودراما، ومن هنا بدأ النظام في وضع القواعد الجديدة لإعادة إحياء عصر عبد الناصر الذي كان محل تثمين مستمر من السيسي: “يا بخت (جمال) عبد الناصر بإعلامه”، في إشارة إلى سياسة التأميم التي اتبعها الرئيس الراحل بحق السينما والمسرح والإعلام، صحافة وراديو وتليفزيون.
ومن هنا جاء إنشاء شركة “سينرجي” ومن بعدها “المتحدة للخدمات الإعلامية” المملوكة للمخابرات المصرية لاحتكار المشهد برمته، حتى باتت تسيطر على كل المعروض على شاشات السينما والتلفاز وما يعرض على صفحات الجرائد والمجلات والمواقع.
وتحول الإعلام والفن إلى أداة بأيدي النظام يسخرها كيفما شاء وفي أي وقت شاء لتحقيق أهداف سياسية، فطغت الأعمال ذات البعد السياسي على الأعمال الاجتماعية، وانزوت الأعمال الدينية رويدًا رويدًا، حتى في موسم رمضان، وبدأت أوتار تعظيم دور الجيش والشرطة والنظام في مقابل شيطنة التيارات الإسلامية والمعارضة بصفة عامة هي الأكثر عزفًا من الأبطال الجدد، فيما انسحبت شركات الإنتاج الأخرى من حلبة المنافسة، لتترك المتحدة وفروعها بمفردها داخل الملعب.
وعليه فطن الفنانون أن من يلتزم بتلك المعايير الجديدة فسيكون له دور فيما هو قادم ومن يتمسك بغير ذلك فالتجاهل والتقوقع داخل البيت هو السبيل في ظل السيطرة على المشهد برمته، ومن ثم ظهر جيل جديد من الفنانيين المستأنسين فيما خرج آخرون من المشهد تمامًا، بعضهم من المشاهير ممن يشتكون اليوم من العوز والحاجة وعدم إيجاد فرصة عمل.
في رسالة مباشرة وجهها عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية، محمود كامل، إلى الفنانين المنسحبين عبر صفحته على فيسبوك قال فيها: “أذكركم بأن تاريخ السينما المصرية العظيم حافل بأعمال فنية عبرت عن الواقع المصري في كل الأزمنة، أعمال فنية أظهرت الجانب الحقيقي لمصر دون تجميل وتزييف، أذكركم بالدور الحقيقي للسينما وللفن، أو لن أذكركم فإذا كنتم تعلمون فتلك مصيبة، وإذا غابت عنكم المعرفة فالمصيبة أكبر”.