ثلاث دول عربية جديدة مرشحة للدخول إلى نادي الدول المنتجة للنفط، وهي: لبنان، الأردن، والمغرب، وبما أن اقتصادات هذه الدول تعاني منذ عدة سنوات من معدلات نمو منخفضة وعجز مالي في موازناتها وديون داخلية وخارجية متراكمة أصبحت تشكل مخاطر عليها وتخضعها إلى شروط وقيود قد تمس سيادتها، وأقلها شروط صندوق النقد الدولي المتعلقة بإلغاء سياسات الدعم التي ترفع الأسعار وتؤجج نار التضخم، فإن شعوبها تنتظر بفارغ الصبر حصول هذا التحول الكبير لتتمتع بنعم النفط، وتتذوق نتائج انعكاساته المالية والاقتصادية والاجتماعية، بعيدًا عن حالات الفقر التي عانت كثيرًا من تداعياتها، ولاتزال تعاني منها حتى الآن.
النفط؛ السلعة الاستراتيجية ذات الأبعاد في العلاقات الإقليمية والدولية، فضلاً عن تحديات عدة تحمل مخاطر أمنية وسياسية تتحكم بها التطورات التي تتقاطع فيها المصالح المشتركة بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، والشركات المتعددة الجنسيات وتوجيهات الدول التابعة لها، والتي تتحرك مصالحها وفق التطورات الجيوسياسية في مختلف مناطق العالم.
وفي هذا السياق، لا يمكن إبعاد إنتاج النفط والغاز المرتقب في لبنان والأردن عن التطورات الإقليمية والدولية حول الصراع القائم في الشرق الأوسط والدور المتنامي للكيان الإسرائيلي والذي دخل بقوة في عملية الإنتاج في مياه البحر، ومنافسًا قويًا في عمليات التسويق لاسيما في الأسواق الأوروبية، مع الأخذ بالاعتبار تطور الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف وانعكاس تداعياتها على دول المنطقة؛ لذلك تدرس الشركات العالمية المتعددة الجنسيات باهتمام كبير مدى توافر المعطيات التي تؤمن الاستقرار الأمني والسياسي المطلوب كشرط لدخولها مجال الاستثمار النفطي الذي يوفر لها مردودًا ماليًا يساهم في زيادة أرباحها، ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى انسحاب أكثر من 11 شركة عالمية من قطاع النفط السوري نتيجة تكبدها خسائر تزيد عن 6.4 مليار دولار بسبب الأضرار الناتجة عن استمرار الحرب السورية.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن إبعاد إنتاج النفط في المغرب عن مشكلة الصحراء مع الجزائر والنزاع حولها والذي يعود إلى عشرات السنين، ويرى خبراء أن استغلال النفط في المغرب من شأنه أن يحدث توازنًا إقليميًا على الساحة، خصوصًا وأن قوة الجزائر الدائمة ونفوذها في المنطقة، ظل يعتمد في أحد وجوهه على ثروتها النفطية والغازية، وقدرتها على تمويل العمليات الخارجية.
لبنان
يعاني الاقتصاد اللبناني من عجز مالي في موازنته منذ سنوات عدة، وقد ساهم بزيادة حجم ديونه الذي زاد بنهاية سبتمبر 2014 عن 68 مليار دولار، وقد يتجاوز الـ 70 مليارًا بنهاية العام، وتبرز ضخامة الفاتورة النفطية من خلال دعم كلفة الطاقة الكهربائية بما لا يقل عن 1.5 مليار دولار سنويًا، ويراهن اللبنانيون على حلمهم التاريخي المزمن في إنتاج النفط والغاز لحل مشاكلهم المالية والاقتصادية والاجتماعية.
لقد أكدت الدراسات التي أشرفت عليها وزارة الطاقة على وجود النفط والغاز في أعماق البحر بالمياه الإقليمية، بقيمة تقدر بـ 1700 مليار دولار، حصة الحكومة منها نحو 40 في المئة بقيمة 680 مليار دولار، مقابل 60 في المئة للشركات بما يعادل 1020 مليار دولار.
وفي إطار التحضير لإجراء مزايدة عالمية بين 46 شركة نفطية تم تأهيلها، أعدت وزارة الطاقة منذ أكثر من سنتين مرسومين، الأول يتعلق بتقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية إلى مناطق على شكل “بلوكات”، والثاني يحدد دفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص ونموذج اتفاق الاستكشاف والإنتاج، ولكن بسبب استمرار الخلاف السياسي بين القيادات السياسية في لبنان، لم يتمكن مجلس الوزراء حتى الآن من إصدار هذين المرسومين، والشركات بدورها تنتظر قرار الحكومة اللبنانية، مع العلم أنه قد تأجل موعد التراخيص أربع مرات؛ الأمر الذي أدى إلى تأخير مرحلة المفاوضات وتوقيع العقود مع الشركات الفائزة حتى منتصف العام 2015، وبالتالي تأخير عمليات التنقيب والاستخراج والتي كانت متوقعة في العام 2020، وقد أبدى عدد من هذه الشركات قلقها من هذا التأخير لأنه يؤثر على برنامجها الاستثماري، حتى أن بعضها قد لا يشترك في عملية المزايدة المرتقبة.
ودعا رئيس هيئة قطاع النفط في لبنان الدكتور “ناصر حطيط” إلى المباشرة سريعًا بعدة إصلاحات مطلوبة، بغية جذب المستثمرين والحيلولة دون استعمالهم منشآت في دول أخرى واستعانتهم بتعيين غير لبنانيين.
ومع اهتمام الشركات الأمريكية بالتطورات الإيجابية للاستثمارات الواعدة للنفط في لبنان ومستقبله الاقتصادي، يؤكد وزير الطاقة اللبناني السابق “جبران باسيل” أنه واثق بأن المصالح الدولية مواتية لبدء التنقيب عن النفط اللبناني بالرغم من العرقلة الداخلية والإقليمية، غير أن “أموس هوشستن” نائب وزير الخارجية الأمريكي لشئون الطاقة، قد أكد بدوره خلال زيارته الأخيرة لبيروت بأن “الاستقرار ضروري لعمل الشركات التي تنفق ملايين الدولارات، ولدى لبنان فرص هائلة في البحر للاستثمار وجذب رؤوس الأموال من شركات النفط الأجنبية”.
الأردن
وصف رئيس الوزراء الدكتور “عبد الله النسور” مشكلة الطاقة بأنها “البلاء العظيم” للاقتصاد الوطني، لأن الأردن يستورد من الطاقة ما قيمته 4 مليارات دينار (5.6 مليار دولار) سنويًا، أي ما يعادل نصف أرقام موازنته لعام 2014 والبالغة نحو 8 مليارات دينار (11.2 مليار دولار) وذلك لسببين رئيسيين:
الأول: توقف الضخ عبر خط الغاز المصري بسبب التفجيرات المتكررة التي تعرض لها منذ ثورة 25 يناير 2011 في الأراضي المصرية، مع العلم أن الأردن يعتمد عليه في إنتاج 80 في المئة من طاقته الكهربائية.
الثاني: توقف العراق عن تزويد الأردن بحاجته من النفط بأسعار مخفضة، بسبب خطورة الأوضاع الأمنية لتنقل الصهاريج بين البلدين.
وحيال ذلك، اضطرت شركة الكهرباء الوطنية للاعتماد على النفط الخام المستورد الذي رفع فاتورة الطاقة إلى نسبة 21 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما كانت لا تتجاوز 3.7 مليار دولار في العام 2011 وبنسبة 13.3 في المئة من الناتج المحلي.
وتبرز خطورة ارتفاع هذه الفاتورة وانعكاسها السلبي على الاقتصاد الأردني الذي يعاني من ارتفاع العجز المالي في موازنة 2014 والمقدر بنحو 1.5 مليار دولار، وارتفاع ديون الأردن إلى أكثر من 28 مليار دولار في منتصف العام الحالي، ويتوقع أن تتجاوز 30 مليارًا بنهايته.
ومن الطبيعي أن يستفيد الأردن من تراجع أسعار النفط العالمية، خفضًا في خسائر شركة الكهرباء الحكومية.
لكن يبدو أن الأردن يخطط للاعتماد مستقبلاً على النفط الصخري الذي ثبت أن لديه احتياطي منه يقدر بنحو 40 مليار طن تتوزع على 26 منطقة يمكنها أن تسد حاجة المملكة من الطاقة لمئات السنين، وسبق له أن وقع في مارس 2014 اتفاقًا مع شركة سعودية لاستخراج النفط من الصخر الزيتي، كما وقع اتفاقات مماثلة مع شركات عالمية.
وتنفيذًا لخطة الحكومة، وقع الأردن اتفاقًا مع شركة العطارات للطاقة “إبكو” المملوكة لشركة “أنيفيت” الأستونية، لإنشاء محطة لتوليد الكهرباء باستخدام الصخر الزيتي، بتكلفة تبلغ 2.2 مليار دولار، وسينفذ المشروع المقاول الصيني “جي بي أي سي” على مرحلتين تصل قدرة كل مرحلة إلى 235 ميغاوات، ويتم تشغيل المرحلة الأولى بعد 38 شهرًا، والثانية بعد 42 شهرًا، ويغطي إنتاجه سدس استهلاك المملكة حاليًا من الكهرباء.
ونظرًا لحاجة الأردن إلى استخدام الغاز، فقد وقع أيضًا في الثالث من سبتمبر 2014 مذكرة تفاهم مع إسرائيل لشراء الغاز الطبيعي من حقل “اليفاياثان”، وهو أكبر حقول الغاز في إسرائيل، وذلك على مدى 15 عامًا وبقيمة تتراوح بين 15 إلى 18 مليار دولار، ولإتمام الصفقة كانت مجموعة شركة “نوبل إنرجي” الأمريكية، وهي شريكة مجموعة “ديليك” الإسرائيلية، قد قررت إنشاء شركة تسويق أمريكية جديدة تمثل شراكة “ليفاياثان” باسم “إن. بي. أل. أيسترن ميديتيرانيان ماركيتينغ”، مع العلم أن العقد الجديد يشبه عقدًا كانت شركة حقل “تمارا” قد أبرمته مع شركتي البوتاس الأردنيتين “جوردان بروماين وآراب بوتاس” العاملتين على الشاطئ الشرقي للبحر الميت بقيمة نصف مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل الغاز من حقل تمارا إلى الأردن مطلع العام 2016 بعد إتمام إنجاز خط الأنابيب.
المغرب
اقتربت المغرب من الخط الأحمر الذي وضعه صندوق النقد الدولي مشددًا على عدم تجاوز سقف الديون 65% من الناتج المحلي الإجمالي الذي وصلت إليه.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن الدين العام المغربي زاد خلال السنوات الأخيرة (2011 – 2014 ) من 157 مليارًا إلى 587 مليار درهم (67 مليار دولار)، منها ديون داخلية 447 مليار درهم وخارجيه بقيمة 140 مليار درهم، وستنفق الخزينة نحو 68 مليون درهم في العام المقبل لتسديد مستحقات ديون وفوائد.
ومع ارتفاع العجز المالي الذي تجاوز 7% من الناتج المحلي الإجمالي، اضطرت المغرب إلى الاستعانه بصندوق النقد الدولي الذي وافق على منحها خطًا ائتمانيًا أوليًا بقيمة 6.2 مليار دولار للاقتراض من سوق المال الدولي بشروط ميسرة، تبعه خط ثان بخمسة مليارات دولار ينتهي في صيف العام 2016.
ويتطلع المغرب إلى ثروته النفطية المرتقبة، والتحول إلى دولة منتجة وقادرة على سد ديونها وتطوير اقتصادها إلى مستوى دول النفط الغنية.
وتعمل في المغرب منذ العام 2008 نحو 34 شركة عالمية في إطار 10 رخص امتياز تغطي مساحة غجمالية تقدر بـ 117 كلم مربع، و110 رخص بحث تغطي مساحة إجمالية تقدر بـ 196 ألف كلم مربع، إضافة إلى عدة شركات دولية عبرت عن رغبتها في المساهمة بمشاريع استثمارية للتنقيب عن النفط.
وكثر التداول خلال الأسابيع الأخيرة عبر تصريحات وبيانات شركات دولية عاملة في المغرب (من بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا)، حول وجود كميات ضخمة من النفط والغاز في أعماق سواحل المغرب، بعضه ثقيل وآخر صالح للاستخراج.
واعترفت الحكومة المغربية بوجود مخزون بنحو 900 ألف متر مربع من الأحواض الرسوبية، منها 400 ألف تنقّب فيها شركات عالمية بحفر 27 بئرًا نفطية هذه السنة، وهو “استكشاف لا سابق له ويعزز جاذبية المغرب للاستثمارات في مجال التنقيب، ويقوي احتمالات وجود مخزون كبير من النفط والغاز في المغرب”.
فيما قال وزير الطاقة والمعادن المغربي “عبدالقادر عمارة” إن بلاده تمتلك احتياطيات ضخمة من الصخور النفطية قد يصل إنتاجها إلى حوالى 50 بليون برميل من النفط؛ وهو ما يجعل المغرب في المرتبة السادسة عالميًا فيما يخص احتياطيات الصخور النفطية.
ولكن اللافت في هذا المجال أن الحكومة المغربية قللت من شأن الاكتشافات التي أعلنتها شركات دولية حول حجم مخزون النفط والغاز في بعض المناطق، استنادًا إلى عمليات استكشافات نفذتها على سواحل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وبعض السهول القريبة من الرباط.
أما شركة “شيفرون المغرب” الأمريكية التي تقوم باستثمارات كبيرة في التنقيب في ثلاث مناطق مغربية، فقد كانت متحفظة بنتائج أعمالها، وقال مديرها “كارل عطا الله” إن الشركة تحتاج إلى عامين ونصف العام على الأقل لجمع بيانات سيزميه، قبل أن تقرر ما إذا كانت ستبقى في المغرب أم لا.
وتملك شركة شيفرون حصة قدرها 75% في المناطق الثلاث المتفق عليها، مقابل 25% للمكتب الوطني المغربي للمحروقات.
ويبدو أن الأوساط المغربية تتجنب الخوض في تفاصيل عمليات الاستكشاف، وتؤكد أن الأمر متروك للشركات العاملة، لأن الرباط غير مستعجلة لإعلان احتمال وجود النفط تفاديًا لمعاودة كذبة سيناريو تالسينت (قرب الحدود الجزائرية)، عندما حصلت مبالغة في حجم الاستكشاف عام 2000؛ ما أثار ردود فعل حول مصداقية المعلومات.
وتتخوف الرباط من إثارة شهية أطراف خارجيين مهتمين بقطاع الطاقة، خصوصًا إسبانيا التي أبدت ردود فعل غير ودية حول تقدم التنقيب قرابة سواحل جزر الخالدات في جنوب المحيط الأطلسي، وتعتبر الأوساط المعنية أن التوقيت الإقليمي غير مناسب لأية “أخبار سارة” حول الطاقة حاليًا.
المصدر: رويترز