هاجم رئيس الوزراء التركي “أحمد داوود أوغلو” سلطات الاحتلال الإسرائيلية ووصف ما تفعله في مدينة القدس وفي المسجد الأقصى بالهمجية والبربرية التي “لا يمكن القبول بها في أي مكان مقدس وخاصة في المسجد الأقصى الذي يعتبر القبلة الأولى للمسلمين وأحد أهم مقدساتهم”، وذلك خلال مؤتمر صحفي من داخل مقر جهاز الاستخبارات التركية “أم أي تي” حضره رئيس الجهاز المستشار “هاكان فيدان”.
ويعتبر هذا المؤتمر الأول من نوعه، إذ لم يسبق أن ظهر هاكان فيدان في مؤتمر صحفي مشترك مع رؤساء الحكومات التركية ولم يسبق أن أقيم مؤتمر صحفي لرؤساء الوزراء الأتراك من داخل جهاز الاستخبارات، كما أن وقوف هاكان فيدان بجوار داوود أوغلو خلال حديثه عن علاقة الاستخبارات بالدولة وعن إسرائيل يمكن اعتباره رسالة مبطنة لإسرائيل التي تعتبر هاكان فيدان أحد أكبر أعدائها وأخطرهم في المنطقة.
الرجل الذي يخيف إسرائيل:
بدأ العداء بين إسرائيل وهاكان فيدان منذ اليوم الأول لتوليه منصبه على رأس جهاز الاستخبارات التركية، في سنة 2010، عندما تسرب تسجيل صوتي لجنرالات في الموساد الإسرائيلي وهم يناقشون خبر تعيين فيدان، ويشيرون إلى أن رئيس الاستخبارات السابق كان صديقًا لإسرائيل وأن الاستخبارات الإسرائيلية أودعت بعض الأسرار لدى الاستخبارات التركية لأنها كانت تثق به، وإلى أن الموساد بات يخشى من أن يقوم هاكان فيدان بتسريب هذه المعلومات للإيرانيين.
وتأكدت مخاوف الإسرائيليين من فيدان بشكل قطعي في مطلع سنة 2012، عندما نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية وعدد من الصحف الأخرى، خبرًا يفيد بأن هاكان فيدان أعطى معلومات سرية للاستخبارات الإيرانية حول شبكة تجسس إسرائيلية تعمل داخل إيران؛ مما أدى إلى قيام الإيرانيين بتصفية هذه الشبكة بالكامل موجهة بذلك ضربة قوية للعمل الاستخباراتي الإسرائيلي في إيران.
وعُين هاكان فيدان على رأس جهاز الاستخبارات في سنة 2010 مباشرة إثر أحداث سفينة مرمرة، ويلقبه الأتراك بيد أردوغان الضاربة، ويصفه أردوغان بأنه حافظ أسراره، عمل في الجيش حتى سنة 2001 ثم تفرغ للدراسة الجامعية لبضع سنوات، ثم عاد للعمل الإداري على رأس مؤسسة حكومية، وكان آخر منصب له قبل أن يترأس جهاز الاستخبارات، في مكتب وزير الخارجية مساعدًا لأحمد داوود أوغلو، حيث أشرف فيدان في تلك الأيام على محادثات السلام السرية التي كانت تجرى في أوسلو مع قادة حزب العمال الكردستاني.
الجهاز الذي يعول عليه داوود أوغلو:
كرر داوود أوغلو خلال المؤتمر تأكيده على أهمية الاستخبارات بالنسبة للدول، مقدمًا قراءة علمية لأهمية جهاز الاستخبارات وللدور الذي لعبه هذا الجهاز خلال الفترة المختلفة من تاريخ المنطقة، بدءًا من أيام ازدهار الدولة العثمانية وصولاً إلى اليوم مرورًا بفترات الانهيار التي عاشتها الدولة العثمانية وبفترة تأسيس الجمهورية التركية.
وقسم داوود أوغلو تاريخ الجهاز إلى أربعة فترات:
- فترة ازدهار الدولة العثمانية، وهي الفترة التي لعب فيها جهاز الاستخبارات دورًا نشطًا داخل تركيا وخارجها.
- فترة ما قبل انهيار الدولة العثمانية، وهي فترة لعب فيها جهاز الاستخبارات دورًا دفاعيًا كان يهدف إلى حماية الدولة من خطر التفتت.
- فترة تأسيس الجمهورية التركية، حيث كانت مهمة الجهاز توفير احتياجات الدولة القومية أو القطرية؛ وهو ما جعلها تلعب من جديد دور الاستخبارات الدفاعية.
- المرحلة الجديدة، تعمل الاستخبارات التركية الآن على توفير احتياجات الدولة الصاعدة وعلى توفير احتياجات السياسة الخارجية لهذه الدولة، ولذلك فهي استخبارات استباقية نشطة.
استخبارات القوة الصاعدة:
تلقى داوود أوغلو تقريرًا مفصلاً حول الوضع الحالي لجهاز الاستخبارات وحول الاستراتيجية التي يتم اعتمادها لإعادة تأسيس الجهاز وتطويره وجعله يتماشى مع حاجيات تركيا، ويتحدث التقرير السري الذي نشرت شبكة “سي أن أن” التركية بضعة أسطر حول محتواه والذي يتحدث عن إعادة هيكلة جهاز الاستخبارت وحول الفعاليات التي يقوم بها الجهاز وعملياته الخارجية المتزايدة في الفترة الأخيرة، وكذلك حول البنية التحتية للجهاز وخاصة ما يتعلق بالاستخبارات الإلكترونية وكيفية الحصول عليها وكيفية تطوير قدرة الجهاز على صد الهجمات الإلكترونية.
وقالت شبكة “سي أن أن التركية” أن داوود أوغلو سأل هاكان فيدان حول مدى قدرة الجهاز على تلبية احتياجات تركيا اليوم بصفتها “قوة صاعدة”، وهو ما رد عليه هاكان فيدان ومسؤولو الجهاز الذين حضروا الاجتماع المغلق، بالقول: “نحتاج إلى الاستثمار أكثر في مجال الاستخبارات الإلكترونية الحديثة بالإضافة إلى الاستثمار أكثر في البنية التحية للجهاز والحصول على التكنولوجيات الحديثة التي لا تقتصر على تكنولوجيا التنصت وإنما تطال تكنولوجيات التشفير وفك التشفير وكذلك تكنولوجيات الهجمات الإلكترونية وجعل البنية التحية للجهاز قادرة على تنفيذ هذه الهجمات وعلى التصدي لها”.
ومن جانبه أكد داوود أوغلو خلال المؤتمر الصحفي على أهمية الاستخبارات بالنسبة لتركيا اليوم وعلى أن “القرار السياسي يكون أكثر سلامة عندما يكون مبنيًا على أكبر كم من المعلومات وخاصة تلك المعلومات الاستخبارية”، مشيرًا إلى أن تركيا تعمل على جعل جهاز الاستخبارات أكثر قربًا من باقي مؤسسات الدولة؛ مما يمكن هذه المؤسسات من التطور والنمو بشكل أفضل.
الاستخبارات التركية قبل هاكان فيدان:
يفسر الانزعاج الإسرائيلي من جهاز الاستخبارات التركية في شكله الحديث وبرئيسه الجديد بالتغير الذي شهده الجهاز بعد ترأس هاكان فيدان له، فبعد أن كان جهاز الاستخبارت التركية جهازًا مهترئًا غارقًا في صراعات بين مختلف أجنحته، ويورط الدولة في أزمات خطرة لفائدة جهات داخلية أحيانًا وجهات خارجية في أحيان أخرى، أصبح الجهاز اليوم جهازًا محترفًا تشهد كبرى أجهزة الاستخبارات في العالم بنجاعته وبنجاح عملياته.
تصعيد من جانب أردوغان:
من جانبه، صعد رئيس الجمهورية التركية من حدة خطابه تجاه إسرائيل، وذلك بعد إجرائه مكالمة هاتفية مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، حيث وصف التصرفات الإسرائيلية بالنذالة والهمجية والبربرية، مشيرًا إلى أن تركيا “ستفعل كل ما بوسعها للحد من هذه الهمجية” وإلى أنه بادر إلى الاتصال بأبرز الزعماء السياسيين في العالم ودعاهم إلى التحرك بسرعة لإيقاف الاعتداءات الإسرائيلية.
وقال أردوغان: “اقتحام المسجد الأقصى من قبل الإسرائيليين بهذه الطريقة لم نشهده منذ 47 عامًا، وما هذا إلا تحريض مفتعل، فالأقصى بالنسبة لنا هو أحد القبلتين، وهذا التحريض يمس مسلمي العالم أجمع، ولا يمكننا أن نبقى صامتين أمام هذا الفعل الهمجي والنذل، وإلا فستتسع دائرة التحريض الجغرافية”.